موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

من مراسلات الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الا حى القبور وساكنيها وحى شمسها ام العلاء
بكيت وكيف لا  ابكى عليها سمية بنت خير الانبياء
بكيت وحق لى ابكى عليها الى يوم القيمة واللقاء
نعيت بعبرة المشتاق حزنا لعبرتها وفارقنى عزائى
و مالى لا انوح اسى وابكى وأى بلاء اعظم من بلائى
و ساعدت الدموع فلم انادى الا ياعين جودى بالبكاء
أسيدة البنات ومن تخلت عن الاشياء فى طرق الحياء
سقى جدثا حللت به حبيبا الى مكرما صوب السماء
اجيبى واسمعى الشكوى وردى جواب اخ قريب منك نائى
اجيبى ما لقيت فخبّرينى من الاسرار فى كشف الغطاء
انعمى كان عند الكشف حتى يكون لنا النعيم على السواء
و ظنى بالاله لها جميل فحقق ظن عبدك يا رجائى
دعوتك فى فطيمة مستجيرا بفاطمة تقبل لى دعائى
و تحشرها   و اياها جميعا مع المختار فى ظل اللواء
و تجمع شملنا ولنا سرور لنا دار الاقامة والثواء
الى محل الوالدة الاخت المكرمة ام السعد بلغ اللّه بها حيث اسمها، وقوى صبرها، وربط على قلبها، واعظم اجرها، ويدعو لها وقد اتصل به الامر الذى لابد منه، ول محيص لمخلوق عنه، وفاة البنت الشهيدة، الاخت الطيبة السعيدة، الدرة البيضاء، سمية فاطمة الزهراء، المرجو لها الغفران، والروح والريحان، فى دار الكرامة والرضوان، ولعله نعيم استعجلها، واهلت له كما اهل لها، حقق اللّه تعالى فى ذلك حسن الظن والرجاء، واجاب فيها خالص النداء، انه سميع الدعاء فخاطبها ابنها معزيا ومصبرا ومنبها ومذكرا، فاول ما استفتح به الخطاب، وقدمه فى صدر الكتاب، وفتح به باب العز، احمد من له العزة والبقاء، وثنى بالصلاة على خير الانبياء، ثم اخذ فى الموعظة الحسنة على منهاج الاقتداء. .

فقال احمد اللّه اقدم، وبه اختم، واتمم الذى جعل الموت غاية كل حى، والفناء منتهى كل شىء، الا ما استثناه فى قوله تعالى (فَصَعِقَ مَنْ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ مَنْ فِي اَلْأَرْضِ إِلاّٰ مَنْ شٰاءَ اَللّٰهُ) قهر به سطوة كل جبار عنيد، واهلك به سلطان كل شيطان مريد، عم بلاؤه الصالح والطالح، والمفلح والكالح، مصيبة ل تنقضى اوصابها، ولا يساغ صابها، والصلاة على محمد صاحب المعراج والمقامات، والمعجزات والكرامات، وبعد الارتقاء لذلك المقام الا رفع المشهود، وشهد له بالاستواء على المقام المحمود، صار ضجيع اللحود تحت الجنادل والصعيد، فما لنا ل نفكر وماذا نرجو وننتظر، فبدار بدار الخروج من هذه الدار لما لابد منه، ودراك دراك بالاسباب المفيدة من الهلاك ما لا محيص عنه.

اما بعد الهم اللّه الاخت الحبيبة، الوحيدة الغريبة، اصلاح شانها قبل حلول آوانها، واقتران انقضاء زمانها، وجعلها ممن نظر بالأصلح لنفسه، فمهد لرمسه، واستدرك فى يومه ما فاته فى امسه، قبل خسوف بدره، وكسوف شمسه، فان الموت قاطع الآمال والاعمال، ومشتت الاهل والمال، ومخرب الديار السامية، ومهلك الجبابرة بالطاغية، لم يدع صاحب تاج واكليل، الا اودعه بطن دارس محيل، اين بنو الاصفر وخاقان، وفارس وابناء قحطان، وقيصر وآل ساسان، ونبيط اخت كلدان، اصحاب الاطواق والتيجان، ابادهم ريب الزمان، واخنى عليهم الجديدان. هل تحس منهم من احد او تسمع لهم ركزا. انه لو لم يكن فى الموت الا تجرع الآلام، وانحلال هذه الاجرام، ومفارقة الليل والنهار وان طال الاعمار، الى محل يندرس فيه الاخبار والآثار، لأطلن التفكر والاعتبار، فكيف ومن ورائه مساءلة وحساب، ومناقشة وعتاب، فاما الى نعيم واما الى عذاب، فى يوم يشيب فيه الوليد، ويخضع فيه كل جبار عنيد، وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب اللّه شديد، فهل من مساعد على النوح والبكاء.

على ان افوز مع السعداء، هيهات هيهات اشتغلنا بالترهات، عما حل بالاموات، اعتكفنا على اصنام لذاتنا، وارسلنا عنان شهواتنا، وفرطنا فى جنب اللّه كأننا فى امن مما توعدنا به اللّه فكأنا واللّه قد اختلسنا بسطوته، وازعجنا الى دار غربته، وفارقنا الاحباب، فاستقبلنا يوم الحساب، وانتقلنا من العمران الى الخراب، وصرمت حبالنا، وتقطعت بنا اسبابنا، وتشتت بعد الجمع عيالنا، وتقسمت بالميراث اموالنا.

اما حان لنا ان ننظر الى سهام المنية، كيف اصابت قراطيس البرية، ولابد لقرطاسن من سهمها، ولابد لأنفسنا من يومها، لقد رأيناها قد نصبت حبالتها، وادارت علين اهالتها، وعركتنا بثفالها، ورمتنا بنبالها، واين الفرار، وكيف القرار، حجبتن الدنيا بحسن الحال، عن تذكر الترحال، الى دار العاقبة والمآل، مع علمنا انها فى اضمحلال، وان نعيمها الى زوال، اما آن لنا ان نرجع ونسمع ونقلع لقد تيقنا القدوم على الحى القيوم، قل الحياء، وعظم الاعتداء، جعلنا فى آذاننا عن سماع وقرا، فحملن على ظهورنا من الاوزار وقرا، تاللّه لقد ظهرت للعيون، ما يعبأ العلى بالدون، غرسن الامانى بدار الغرور، وزرعنا البذور فى غير معمور، وكأن بنا نجنى ما غرسنا، ونحصد ما زرعنا.

سيحصد عبد اللّه ما كان حارثا فطوبى لعبد كان للّه يحرث
كفى بانفسنا اليوم حسيبا، وبربنا علينا رقيبا، واللّه ما خلقنا عبثا، ولا نترك سدى، بل هو يوم مشهود، يتميز فيه الشقى من السعيد فانظرى وفقك اللّه الى ما انت عليه صائرة، وليشغلك ذلك عما اصابك من الحادث الذى نابك وهل هو الا امر يعم الفقير، ولابد لنا من ورود ذلك المورد العسير، وقد مات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو خير البشر ومات نساؤه وصحابته ووزراؤه حتى ما بقى فى الدار من احد.

اخنى عليها الذى اخى على لبد
ف‍ (كُلُّ مَنْ عَلَيْهٰا فٰانٍ وَ يَبْقىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو اَلْجَلاٰلِ وَ اَلْإِكْرٰامِ) فسلمى الامر للقضاء، وقولى ما

قال سيد الانبياء، وقد دمعت عينه صلى اللّه عليه وسلم على ابنه ابراهيم وهو يكيد بنفسه بين يديه صلى اللّه عليه وسلم فقال تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول الا ما يرضى ربنا واللّه يا ابراهيم انا بك لمحزونون، فلا حرج عليك فى ارسال الدموع وتفجع القلب المصدوع، فان النبى صلى اللّه عليه وسلم وقد رفع له صبى ونفسه تقعقع كأنها فى شنة ففاضت عيناه فقال له سعد، ما هذا يا رسول اللّه قال هذه رحمة جعلها اللّه فى قلوب عباده وانما يرحم اللّه من عباده الرحماء، فالبكاء مباح من غير نياحة ولا صياح.

و قال عليه السلام أ لا تسمعون ان اللّه لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا-و اشار الى لسانه او يرحمه، ومات ميت من آل النبى صلى اللّه عليه وسلم فاجتمع النساء يبكين عليه فقام عمر فنهاهن فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دعهن يا عمر فان العين دامعة والفؤاد مصاب والعهد قريب ، وهذه كلها اخبار صحاح اوردتها عليك ايها الاخت الشقيقة، لتشتفى من بكائك مع علمك ان لا ذنب عليك فيه ولا سؤال، وان احتسبت وصبرت كان اجرك على اللّه وظفرت فقولى انا للّه وان اليه راجعون، يثنى اللّه عليك (أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْمُهْتَدُونَ) وقد ذكرتك فاذكرى ووعظتك فازدجرى، واستعدى للنقلة الى الدار الآخرة، وفكرى فى الجواب عند السؤال فى الحافرة، فكأن بالدنيا لم يكن، وبالآخرة لم تزل، فربح عبد قصر الامل، واخلص فى العمل، ونظر فاعتبر، وفكر فاستبصر، ووعظ فازدجر، وامن الفزع الاكبر، ارشدنا اللّه لى طاعته وادخلنا برحمته فى رحمته، والسلام.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!