موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

من مراسلات الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


--مفاتيح الامور بيد اللّه الكريم، وَ مَا اَلنَّصْرُ إِلاّٰ مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ اَلْعَزِيزِ اَلْحَكِيمِ ، وهو القائل سبحانه (أَمَّنْ يُجِيبُ اَلْمُضْطَرَّ إِذٰا دَعٰاهُ وَ يَكْشِفُ اَلسُّوءَ) ، فطهروا قلوبكم من دنس الاعراض، وقيدوا جوارحكم عن ارتكاب الجرائم والآثام، وجودوا مما رزقكم اللّه على فقرائكم، وكونوا عباد اللّه اخوانا، وَ اِعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اَللّٰهِ جَمِيعاً ، فَاتَّقُوا اَللّٰهَ وَ أَصْلِحُوا ذٰاتَ بَيْنِكُمْ ، وَ أَنِيبُوا إِلىٰ رَبِّكُمْ وَ أَسْلِمُوا لَهُ واِتَّبِعُوا أَحْسَنَ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ . وتُوبُوا إِلَى اَللّٰهِ جَمِيعاً أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ فاذ احكمتم هذه الامور وصحت العزمات فى التوجه الى من اليه المصير فاطلقوا السنتكم بالدعاء، واجتهدوا فى اخلاص النداء، فانه القريب المجيب قال تعالى (وَ إِذٰ سَأَلَكَ عِبٰادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ اَلدّٰاعِ إِذٰ دَعٰانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) فقرن اجابته لكم باجابتكم له، وقد تقدم دعاؤه لكم فى قوله تعالى (يٰا قَوْمَنٰ أَجِيبُوا دٰاعِيَ اَللّٰهِ وَ آمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَ يُجِرْكُمْ مِنْ عَذٰابٍ أَلِيمٍ) فان استجبتم استجاب لكم وان تصاممتم مٰ ظَلَمْنٰاهُمْ وَ لٰكِنْ كٰانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ .

و انما هى اعمالكم ترد عليكم ومن لا يجب داعى اللّه فليس بمعجز فى الارض، وليس له من دونه اولياء اولئك فى ضلال مبين، فقد غفرلكم واجابكم ان انتم اجبتم داعيه وكلامه حق، ووعده صدق، وان كان ما حل بكم عن ذنوب تقدمت، وجرائم سلفت، وفرطت، ثم اقلعتم عنها وتبتم الى اللّه منها، ولم تصروا على ما فعلتم وندمتم على قبيح م صنعتم، فان الرجاء وحسن الظن باللّه تعالى يقطع ان شاء اللّه عز وجل على اللّه وكرمه بكشف ما نالكم من السوء، ودفع ما دهاكم، وان  امرا من اللّه تعالى عن غير عقوبة الا جزيل مثوبة، فالقوا ذلكم بالتسليم، والتفويض فلا راد لأمره، ولا معقب لحكمه، وتعلمون عند ذلكم انكم ممن اعتنى به اللّه وابتلاه فالبلاء فى الدنيا نعمة معجلة من اللّه تعالى على عباده المؤمنين قال تعالى (وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّٰى نَعْلَمَ اَلْمُجٰاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ اَلصّٰابِرِينَ) فالبلاء على قدر المراتب عند اللّه تعالى وجاء فى الاثر أن النبى صلى اللّه عليه  و سلم

قال ما ابتلى اللّه احدا من الانبياء بمثل ما ابتليت به .

فسئل عن هذا بعض العلماء فقيل له ان ايوب وزكريا وما اشبههما من الانبياء عليهم السلام قد ابتلوا باعظم البلاء ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما ابتلى بشىء من ذلك فما هذا البلاء الذى ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انه ناله؟ فأجاب عن ذلك المسؤل بأن قال وأى بلاء اعظم من بلاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقد انزله اللّه لمخاطبة هذا العالم الأدنى بعد مشافهة الوحى من غير واسطة فى قاب قوسين او ادنى، فأى بلاء اعظم من فراق الحبيب فما ابتلى احد بمثل ما ابتلى به صلى اللّه عليه وسلم، وانتم فرّج اللّه عنكم ودرأ عنكم الأسواء ووقاكم م تجدونه وجعل ما حل بكم غفرا لذنوبكم ولكم فى هذا الانحصار الذى عمكم، والداهية الدهياء التى وطئت ارضكم، صدم اللّه بقوته سلطانها، ورمى برجوم الاحراق شيطانها، فلكم فيه اعظم معتبر، فانظروه بعين البصيرة لا بعين البصر.

و اعلموا رحمكم اللّه انه لا منجا من القدر الا القدر، ولا يغنى الاستعداد والحذر، هل هو الا تأنيس النفوس، وحصن لاستدامة بقاء هذا البناء المحسوس، فاتخذو حصركم هذا واعظا زاجرا، ومعرفا ذاكرا، بأن العبد محصور فى قبضة الاقتدار، مملوك فى يد من بيده ملكوت كل شىء وهو الواحد القهار، يتصرف بالحقيقة، تحت قيد الشريعة.

فلما كان الامر معنويا، والسر ملكوتيا مع عمى البصيرة، عن النظر فى اصلاح السريرة، ارتكبت المحرمات، وتورط الجاهلون فى الشبهات، فسحبوا اذيال المجون واللهو، ونفخ الشيطان فى انوفهم وسمت بالكبرياء والزهو، وغفلوا عن انحصار معناهم، تحت قهر مولاهم، اراد سبحانه ان ينبههم بما دهاهم فى معقلهم ومغناهم، تاديبا وتهذيبا، وتخليصا لنفوسهم ان شاء اللّه وتقريبا، فحصرهم من قال فيهم أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفٰاقاً ، واقلهم رحمة واشفاقا، حتى نغصوا عيشهم، وعطلو عليهم فرشهم، وظل الانسان لا يعرف قبيلا من دبير وكأنه دهاه يوم النشور فالجؤ رحمكم اللّه اليه افتقارا واضطرارا، وادعوه سرارا وجهارا، عساه يجعل لكم من امركم فرجا ومخرجا، فَاتَّقُوا اَللّٰهَ وَ أَصْلِحُوا ذٰاتَ بَيْنِكُمْ وأَطِيعُوا اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ ولاٰ تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اَللّٰهِ ولاٰ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اَللّٰهِ وقولوا (رَبَّنٰا وَ لاٰ تُحَمِّلْنٰا مٰا لاٰ طٰاقَةَ لَنٰا بِهِ وَ اُعْفُ عَنّٰا وَ اِغْفِرْ لَنٰا وَ اِرْحَمْنٰا أَنْتَ مَوْلاٰنٰا فَانْصُرْنٰا عَلَى اَلْقَوْمِ اَلْكٰافِرِينَ) يقول لكم نعم كما قال لمن سلف، فهو ارحم بعباده وارأف. والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!