موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كشف البراقع بشرح أبيات توضأ بماء الغيب

الشيخ أبي الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني

وفي الملحق تفسير الشيخ ابن عجيبة الحسني لهذه الأبيات من كتابه "إيقاظ الهمم في شرح الحكم"

تفسير الشيخ ابن عَجيبة الحسني للأبيات من كتابه "إيقاظ الهمم في شرح الحكم"

 

 


قال رحمه الله تعالى ورضي عنه في كتابه العجيب "إيقاظ الهمم في شرح الحكم" في شرح قول سيدي ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه: (كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة في مرآته ... الحكمة):

قلت: الحضرة مقدسة منزهة مرفعة لا يدخلها إلا المطهرون فحرام على القلب الجنب أن يدخل مسجداً الحضرة وجنابة القلب غفلته عن ربه قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} أي لا تقربوا صلاة الحضرة وأنتم سكارى بحب الدنيا وشهود السوي حتى تتيقظوا وتتدبروا ما تقولون في حضرة الملك ولا جنباً من جماع الغفلة وشهود السوى حتى تتطهروا بماء الغيب الذي أشار إليه الحاتمي رضي الله عنه كما في الطبقات الشعرانية في ترجمة أبي المواهب بقوله:

تَوَضَّأ بِماءِ الغَيْبِ إنْ كُنْتَ ذا سِرٍّ

وإلا تَيَمَّم بالصَعيدِ أو الصَخْرِ

وَقَدِّمْ إماماً كُنْتَ أنْتَ إمامَهُ

وَصَلِّ صَلاة الظُهْرِ في أوَّلِ العَصْرِ

فَهذي صَلاةُ العارِفِيْنَ بِرَبِّهِم

فَإنْ كُنْتَ مِنْهُمْ فانْضَحِ البَرَّ بالبَحْرِ

يعني تطهر من شهود نفسك بماء الغيبة عنها بشهود ربك أو تطهر من شهود الحس بشهود المعنى أو تطهر من شهود عالم الشهادة بماء شهود عالم الغيب أو تطهر من شهود السوى بماء العلم بالله فإنه بغيب عنك كل ما سواه وإذا تطهرت من شهود السوى تطهرت من العيوب كلها وإلى ذلك أشار الششتري رضي الله عنه بقوله:

طهر العين بالمدامع سكباً *** من شهود السوي تزل كل علة

وهذا الماء الذي هو ماء الغيب هو النازل من صفاء بحار الجبروت إلى حياض رياض الملكوت. فتغرقه سحائب الرحمة، وتثيره رياح الهداية فتسوقه إلى أرض النفوس الطيبة، فتملأ منه أودية القلوب المنورة وخلجان الأرواح المطهرة. وإليه الإشارة بقوله تعالى: {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فأحتمل السيل زبداً رابياً.. الآية}؛ شبه الحق تعالى العلم النافع بالمطر النازل من السماء. فكما أن المطر تعمر منه الأودية والغدران وتجري منه العيون والأنهار، كل على قدر سعته، وكبره، كذلك العلم النافع نزل من سماء عالم الغيب إلى أرض عالم الشهادة، فسالت به أودية القلوب كل على قدر طاقته وحسب استعداده. وكما أن المطر يطهر الأرض من الأوساخ، وهو معنى قوله تعالى: {فأحتمل السيل زبداً رابياً}؛ أي مرتفعاً على وجه الماء، كذلك العلم النافع يطهر النفوس من الأدناس والقلوب من الأغيار والأرواح من الأكدار والأسرار من لوث الأنوار، وهذا الماء هو الذي أشار إليه بقوله: (توضأ بماء الغيب أن كنت ذا سر)، أي: كنت صاحب سر، والشهود شهود الوحدة ونفي الكثرة، أو شهود العظمة بالعظمة. ومن لم يتحقق بهذا فلا يمكنه التطهير بماء الغيب بالكلية، لفقده ذلك الماء أو لعدم قدرته عليه، فينتقل للتيمم الذي هو رخصة للضعفاء، وطهارة المرضى. وإلى ذلك أشار بقوله (وإلا تيمم بالصعيد أو بالصخر)، أي: وإن لم تقدر على الطهارة الأصلية وهي الغيبة عن السوى لمرض قلبك مع عدم صدقك، فأنتقل للطهارة الفرعية التي هي العبادة الظاهرية، أو تقول وإن لم تقدر على الطهارة الحقيقية التي هي الطهارة الباطنية، فأنتقل للطهارة المجازية التي هي الطهارة الظاهرية. أو تقول وإن لم تقدر على طهارة المقربين فأنتقل لطهارة أهل اليمين. أو تقول وإن لم تقدر على طهارة أهل المحبة فأنتقل لطهارة أهل الخدمة (قوم أقامهم الله لخدمته وقوم اختصهم بمحبته كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً).

فطهارة أهل المحبة الفكرة والنظرة وطهارة أهل الخدمة بالمجاهدة والمكابدة بين عبادة ظاهرة كصلاة وصيام وذكر وتلاوة وتعليم وغير ذلك وبين عبادة خفية كخوف ورجاء وزهد وصبر وورع ورضى وتسليم ورحمة وشفقة وغير ذلك مما لا يظهر للعيان وهذا هو تصوف أهل الظاهر وأما تصوف أهل الباطن فهو الغيبة عن الأكوان بشهود المكون أو الغيبة عن الخلق بشهود الملك الحق وهو الذي عبر عنه الناظم بماء الغيب. فكل من لم يدرك تصوف أهل الباطن فهو من أهل التيمم. فإن كان مشغولاً بالعمل الظاهر كالصلاة والصيام ونحوهما فهو كالمتيمم بالصعيد لظهورها كظهور أثر التراب على الجوارح. وإن كان مشغولاً بالعبادة الخفية كالزهد والورع ونحوهما فهو كالمتيمم بالصخر لعدم ظهورها في الغالب كعدم ظهور أثر الصخر. ولما أمرك بالغيبة عن السوى خاف عليك إنكار الواسطة وإسقاط الحكمة فتقع في الزندقة فقال: (وقدم إماماً كنت أنت إمامه) والمراد بالإمام هو النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان على قدمه ممن جمع بين الحقيقة والشريعة. فأمرك بإتباع الشريعة المحمدية في حال غيبتك عن السوى فيكون ظاهرك سلوكاً وباطنك جذباً ظاهرك مع الحكمة وباطنك مع القدرة. ولا بد أن تقتدي بإمام كامل سلك الطريقة على يد شيخ كامل يعلمك كيفية العمل بالشريعة ويدلك على الحقيقة. وإلا بقيت مريضاً على الدوام تستعمل طهارة المرضى على الدوام. وأنظر قول القرافي رضي الله عنه لما سقط على شيخ التربية قال: "تيممت بالصعيد زماناً والآن سقطت على الماء". إذ لا تجد ماء الغيب ولا تقدر على استعماله إلا بصحبة أهل هذا الماء الذين شربوه وسكروا به ثم صحوا من سكرتهم وسلكوا من جذبتهم فتملكهم زمام أمرك وتنقاد إليهم بكليتك. بعد أن أطلعك الله على خصوصيتهم، وكشف لك عن أسرارهم. فشهدت لهم روحك بالتقديم وسرك بالتعظيم فتقدمهم أمامك بعد إن كنت أنت أمامهم وهم يطلبونك للحضرة. وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الناس إلى الله وهم فارون أمامه، فلما عرفوا الحق قدموه أمامهم. وهذا معنى قوله (كنت أنت إمامه) وقوله (وصل صلاة الفجر في أول العصر) وفي بعض النسخ وصل صلاة (الظهر في أول العصر) أي اجمع ظهر الشريعة لعصر الحقيقة. وفي أكثر النسخ (وصل صلاة الفجر في أول العصر) أي: ارجع إلى البقاء بعد كمال الفناء، أو إلى السلوك بعد الجذب. إذ الغالب على المريد أن يتقدمه السلوك ثم يأتيه الجذب فأوله سلوك، وآخره جذب كما أن أول النهار صلاة الفجر، وآخره صلاة العصر. أي: ارجع إلى صلاة الفجر التي كانت في أول نهارك فصلها في آخر نهارك فأرجع إلى السلوك الذي كان في أول أمرك فأجعله في آخر أمرك. وهو معنى قولهم: "منتهى الكمال مبدأ الشرائع"، وقالوا أيضا: "نهاية السالكين بداية المجذوبين، ونهاية المجذوبين بداية السالكين"، وقالوا أيضا: "علامة النهاية الرجوع إلى البداية". وسيأتي الكلام على هذا في محله إن شاء الله.

وقوله (فهذي صلاة العارفين بربهم) لأنهم تطهروا الطهارة الأصلية وصلوا الصلاة الدائمة قال الله تعالى، {الذين هم على صلاتهم دائمون}. فالعوام حد صلاتهم أوقاتهم والعارفون في الصلاة على الدوام. قيل لبعضهم: هل للقلوب صلاة؟ فقال نعم؛ إذا سجد لا يرفع رأسه أبداً. أي: إذا سجدت الروح لهيبة الجلال والجمال، لا ترفع رأسها أبداً. وإليه أشار الششتري بقوله:

فأسجد لهيبة الجلال عند التداني *** ولتقرأ آية الكمال سبع المثاني

وقوله (فإن كنت منهم فأنضح البر بالبحر) أي: فإن كنت من العارفين المحققين فانضح بر شريعتك ببحر حقيقتك، بحيث ترش على شريعتك من بحر حقيقتك حتى تغمرها وتغطيها فتصير الشريعة عين الحقيقة، والحقيقة عين الشريعة، حتى يصير عملك كله بالله.

والله تعالى أعلم وبالله التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.



 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!