موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب المبادئ والغايات فيما تحوي عليه حروف المعجم من المعاني والآيات

ينسب للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

وهو للشيخ فخر الدين عبد اللّه أبى الحسن على بن أحمد ابن الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن محمد التجيبى الحرّالى

معنى الحروف «ا» «و» «ي» ومعنى ما فيها مِن الحركاتِ الثلاثِ (الفتح والضم والكسر)، ومعنى السكون

 

 


اعلم أنّ المعاني كلَّها على رُتَبهِا وحدودِ تفاصيلهِا منحصرةٌ بين إحاطتين: إحاطةٌ عُليا باطنةٌ، وهي أنهى ما تعنوا إليه القلوبُ، وتقفُ دونَ منالهِ العقولُ، ويوقَفُ الإدراكُ دونه كان معقولا، فإنّ منتهى مَدْرَكِ ما في الجِبلِاتِ منَ الإدراكِ هو العقلُ، فلا يتعالى الإدراكُ عن موقفِه إلا بروحٍ منِ أمرِ الله تعالى أدناه الهدايةُ والإيمانُ، كما أنّ لتَنزُّلِ مَدْرَكِ العقلِ حدًّا أدنى هو نهايةُ مَدْرَكِ الحواسِّ، ولأدنى مَدْرَكِ الحواسِّ حدٌّ يقفُ عنده الإدراكُ لا يتنزّلُ أيضًا عنه، إلا بدِنوِّ تدلٍّ منِ حُبِّ الله، كما لم يُتَرَقَّ عن موقفِ العقلِ إلّا بروحٍ منِ أمرِ الله.

فجوامعُ الحدودِ خمسةٌ:

حدّان لمسافةِ مَدْرَكِ الحواسِّ أدنى وأعلى،

وحدّان لمنفسحِ مَدْرَكِ العقولِ أعلى وأدنى،

وحدّان هما حدّ إحاطة لمنتهى النهايتين من حدِّ علوِّ العقلِ، وتنزّلِ الحسِّ له نفوذٌ في باطنِ مسافةِ الحسِّ، ومُنفَسَحِ العقل، فهو حدٌّ واحدٌ مجازًا للعقلِ، غيبٌ عن الحسِّ، إليه المطمحُ والمعنى الذي إليه يُعْنى إمّا إحاطة على السّوى، وإمّا من جوامعَ تفصيلِ الوجودِ علوًّا، وإمّا من إحاطةٍ متنزِّلةٍ دنوًّا.

فالحدُّ المحيطُ العليُّ القيّمُّ الذي له يُعْنى ولا يعنو هو، وإليه يُطمحُ ولا يَطمحُ هو، فهو قيمٌّ بمعنى محيطٌ؛ هو ما يُعَبِّرُ عنه في معنى الإحاطةِ على السّواء حرفُ الألفِ.

وما يعبّرُ عنه في معنى الطموحِ إليه منِ جوامعِ مفصَّلِ الوجودِ علوًّا حرفُ الواوِ.

وما يعبّرُ عنه في معنى الطموحِ إليه منِ إحاطةِ متنزَّلِ الوجودِ دنوًّا حرفُ الياءِ. ومطمحُ سائرِ الحروفِ إلى أحدِ هذه القيّماتِ الثلاثِ العُلى، هو حركاتُها؛ فبالفتحِ إلى معنى الألفِ ومطمحِه، وبالرفعِ إلى معنى الواوِ ومطلعِه، وبالخفضِ إلى معنى الياءِ وملمحِه.

ولمّا كان حرفُ الألفِ حدَّ فوتٍ يعجزُ النطُقُ عنه، كان حدُّ ما يتعلّقُ به نهايةُ العقلِ ويتمكنُ في النطُقِ، هو مظهرُ الألفِ، ولا يكونُ إلا بروحِ فتحٍ منه، وذلك هو ما يعبَّرُ عنه حرفُ الهمزةِ، وموجدةُ النفس (الطموح إلى معالي الأمورِ هو حركتُها بالرفعِ، [وهو في جبلّةِ]) نفائسِها.

ومنكسرُهَا عند موجدةِ استحقاقٍ وَمَنعَةٍ في ذاتهِا بفهمٍ لائحٍ من أمرٍ عليٍّ هو حركتُها بالكسرِ، وهو لباسٌ يَتَلَفَّعُ به وراءٌ ما في جبلّتهِا ومأخذُ خطفِ العقلِ بروحٍ منِ الُّلطفِ إلى سواءِ الأمرِ.

 وإحاطتُه هي الحركةُ بالفتحِ، وهو مطلعُ الفتحِ المبينِ وغلبةُ الغفلةِ، وجمودُ الطبعِ هو بتكوُّن وقفِ وبُ ِ طلان حياةِ مُطلَقِ الحركةِ، وهذا السكونُ الذي هو جمودٌ هو [في أدنى الدنوِّ إذ به آيةُ السكونِ الذي هو صمودٌ وغنى في ذاتِ حرفِ الألفِ فهما سكونان]، سكونُ صمودٍ عليٍّ، وسكونُ جمودٍ دنيٍّ، والحركاتُ في الحروفِ هو ما منه) الحياة في الأشياءِ، ولمِا يعبِّرُ عنه حرفُ الواوِ والياءِ مطمح ومعنى لما يعبّرُ عنه حرفُ الألفِ، فلهما بحركةِ الفتحِ محيا ومظهرٌ، ولهما عن حركتهما نبوّةٌ ووسيلةُ مرجعٍ إلى ذاتِ الألفِ على ما يظهرُ منِ آياتِ تصرفهما واعتلالهما في اللسانِ المبين.

واعلم أنّ ما كان منِ الحروفِ العُلى معبِّرًا عن أمرٍ عليٍّ فائتٍ ومعبِّرًا على معِناه، فما قرَّ فلانعجامِ معناه تَنزَّلَ في الخطابِ إلى كَلمٍ عُلَى هي أسماءُ الله سبحانَه، وأظهرت منِ أمرِ خلافتهِ آيات مفردات، لهي إلى الأمرِ العليِّ معبراتٌ، فمِنِ نهايةِ فوتِ منالِ ما يُعَبِّرُ عنه حرفُ الألفِ ظهَرَ في الأسماءِ العُلى اسمُ الله، فهو ألفُ الأسماءِ الذي عجزت العقولُ عن نيلِ فَوتهِ، وأقرّت الفِطَرُ) والجبلَّاتُ بالأحديّةِ له والإحاطةِ، فلم يتطرق إليه اشتراكٌ ولا نال التسميّةَ به -بحقٍّ ولا باطلٍ- خَلْقٌ، ومتى رُجِعَ إليه بكليّةِ أمرٍ لم يبقَ للخَلقِ في دفعِه دعوى مستطاعٍ ولا ردٌّ، فهو العليُّ المحيطُ القائمُ الأحدُ، وهو اسمُ مَظهرِ مُضمَرِ «هو»، و«هو» اسمٌ مضمرٌ منتهى إشارتهِ بتوسّلِ فتحِ واوِه حرفُ الألفِ، فوقف عنده البيانُ، وعمَّ النطُقُ.

ولمّا كان لهذا الفَوتِ العليِّ في الأسماءِ العُلى بيانٌ عجزت عنه نهايةُ مدركِ الخَلقِ الذي هو العقلُ؛ اقتضى الُّلطفُ في تنزيلِ ِالبيان ظهورَ آياتٍ بإظهارِ أمرِ الخلافةِ في الخَلقِ بحكمِ إحاطةٍ في العِلمِ، ويقينٍ في التّصريفِ به، وإقامةِ أمرِ الجميعِ وضمِّه إلى واحديّةِ الخليقةِ، فكان ألفًا في الخَلقِ يصمد إليه، ويُدعى للسجودِ له، فيسجدُ له مذعنٌ، ويقفُ عنده مُنكرٌ لانطماسِ سرِّ الخلافةِ عليه منه آتٍ، وظهر مسرى ذلك المعنى في كلِّ مستخلَفٍ لقوامِ ذي إحاطةٍ وحدِّ نهايةٍ، وكذلك حكمُ مظهرِ الألفِ علوًّا بحرفِ الواوِ، ومظهرُه تنزّلًا بحرفِ الياءِ، له أيضًا بحُكمِ ذلك في الأسماء الحسنى بيانٌ، وعليه منِ الخَلقِ بصورةِ المرجعِ إليه آياتٌ، وكذلك الهمزةُ وسائرُ الحروفِ، ويُتَفَقَّدُ لها في محالهِا منِ الحروفِ جوامعٌ ونهاياتٌ، وفي متنزّلِ ظهورِها منِ الأسماءِ العُلى بياناتٌ، وفي خلافةِ أمرِها منِ الخَلقِ آياتٌ.

 فالألفُ اسمٌ للقائمِ الأعلى المحيطِ الذي منه اسمُ الله تعالى، ثُمّ لكلِّ مستخْلَفٍ في القيامِ في كلِّ محلٍ جامعٍ، أو مفصَّلٍ يرجع إلى جامعٍ؛ كآدمَ والكعبةِ في الجوامعِ الأوَلِ، وكالمبادئ القيماتِ في سائرِ العوالمِ المفصَّلةِ دون ذلك كالروحِ والنفَّسِ المختصّةِ بعَالمٍ عَالمٍ، وشخصٍ شخصٍ منِ أصنافِ العالمين.

والهمزةُ اسمٌ لأوّلِ ظهورٍ لذلك القائمِ الأعلى الذي منه اسمُ «الإلهِ»، ثُمّ لأوّلِ ما يظهرُ فيه تنزُّلُ كلِّ قائمٍ مستخلَف، كحوّاءَ والمساجد الجامعة في الأمصارِ، وكالحواسِّ التي هي تنزُّلُ العقلِ في إدراكِ ظاهِرِ الوجودِ.

والياءُ اسمٌ لأنهى تنزُّلِ الألفِ في اسمِ غاياتِ الحكمةِ التي فيها [تضاف الأشياءُ كلُّها أعلاها] وأدناها إليه الذي هو اسمٌ في قولهِ تعالى: «بي يسمعُ وبي يبصرُ، ونفختُ فيه من روحي» وظهر بموقعِه فيما دلَّ على تمامِ معنى الحكمةِ في اسمِهِ الحكيم، وكان معنى اسمِ الحكمةِ أحقَّ بإعلامِ الياءِ به لتحقّقِ معناه واختصاصِه بها، ثُمّ لكلِّ بالغٍ أقصى التنزُّلِ في أتمِّ المَحَالِ وأجمعها، كمُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وسلّم.

والواوُ اسمٌ لقيامِ الألفِ متعاليًا مكمِّلًا لجملةٍ تامةٍ، الذي منه اسمُه الوليُّ، ثُمّ لتمامِ كلِّ جُمْلَةٍ يكمُلُ بها ظهورُ ما تمَّ، وتراه بازدواجِه ظاهرًا وباطناً، كالأولياءِ القائمين بأمورِ ما يتولونه، وكالولايةِ والمودّةِ، وكلِّ زوجين متعاطفين تربطُ بينهما رابطةٌ تعطفهم لما ظهرا له كالسماءِ والأرضِ، وسائرِ الأرواحِ وأعلا هذين الحرفين رتبةً أجمعُها، وهي الياءُ؛ لأنّها خالفت الألفَ في الوحدةِ، ولذلك كانت مبدأَ العقودِ على ما نُبيِّنُ في فصلِ الأعدادِ، كما كانت الألفُ مبدأَ الآحادِ، والواوُ جملةَ عددٍ على ما نُبيّنُ أيضًا إن شاء اللهُ تعالى، إلّا أنّ [للواوِ علوَّ المحلِ] مع تعدُدِه وانحصِارِها، وللياءِ تنزُّل المحلِ مع وحدتهِا وجمعِها، والألفُ لهما بمنزلةِ المبدأ الذي يرجعان إليه حيثُ لا يصحُّ ظهورُهما بمنزلةِ أصولِ المخلوقاتِ [بما صُوِّرَ منها [حيثُ تبطلُ صورُها، فتعودُ إلى أصولهِا، ولذلك وقعت الألفُ مبدأً، والواوُ والياءُ نهايةً في ترتيبِ الحروفِ، وما بينهما منِ الحروفِ فَتَحْتَ إحاطتها، فكلُّ ظاهرِ المكانِ ـ كالملوكِ والولاة ـ فهم منِ عالَمِ الواوِ، وكلُّ متنزِّلِ المكانِ عندهم كالأمناءِ والحَمَلَةِ والرعاةِ فمِن عالَمِ الياء، وكلُّ قائمٍ بالأمرِ لا يظهرُ إلّا محتجبًا محيطَ القِيامِ بما قام به، فمِن عالَمِ الألفِ كحقيقةِ محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم، القائمةِ بالأمرِ منِ وراءِ الغيبِ الذي منه مادةُ الخلفاءِ والأئمةِ والأقطابِ، والقائمين بأمر الله تعالى.

* * *


hXPh3Gy1sKg

 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!