موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب المبادئ والغايات فيما تحوي عليه حروف المعجم من المعاني والآيات

ينسب للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

وهو للشيخ فخر الدين عبد اللّه أبى الحسن على بن أحمد ابن الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن محمد التجيبى الحرّالى

معنى اسم «ميم»

 

 


مضمونُ معنى اسمِ هذا الحرفِ هو حدُّ التمامِ في أظهرِ عيانٍ ينتهي إلى تمامٍ في أبطنِ إدراكٍ بإقامةِ إحاطةِ متنزَّلِ الياءِ لمكانِ ظهورِ الميمِ، وهو اسمٌ يحفُّ حرفاه بالأتمِّ الخاتمِ، ولإقامتهِ بالياءِ في ذاتِ اسمِه عُودِلَ ذلك بروحٍ انضمَّ منِ الواوِ في الميمِ الأولى، وأظهر فيه السواءَ والإحاطةَ بروحِ الفتحِ منِ الألفِ في الميمِ الثانيةِ، ونُظمَ به على التكافلِ باليُسرِ في حرفِ الحاءِ، وعِلمُ الدوامِ والثباتِ بالمنةَ التامَّةِ منِ حرفِ الدالِ في اسمِه المُعربِ عنه المخصوصِ صريحِه بالقرآنِ المبينِ في اسمِ محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم، فإعلانُ الميمِ الأولى في اسمِه محمدٍ بظهورِ روحِ الواوِ منِ الضمِّ الذي هو منِ ذاتِ العلوِّ بالواوِ، واقتضى ما أوتي منِ الملكِ ظاهرًا في أمَّتهِ، وملتمحًا في عثمانَ خليفتهِ في معنى ذلك، وباطناً في نبوَّتهِ، وإنَّما أعلى عنه بإدنائهِ إلى تنزُّلِ العبوديةِ، فاختار أن يكونَ نبيًا عبدًا لا نبيًا ملكًِا؛ لأنَّ المُلكَ مبنيٌّ على حكمةِ الفصلِ والشركِ والدعوى في العقلِ الذي ينبني عليه الحكمُ بإخفاءِ سرِّ التقديرِ، فكيف بما وراءه؟ وكلُّ ذلك مما يضمحلُ لما وراءه منِ إحاطةِ الرحمةِ الدَّافعةِ إلى حدِّ رفعِ الاختلافِ في نحوِ ما يشيرُ إليه قوِلُه سبحاِنه: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۞ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ﴾ [هود: 118-119]، فمن رحمة ربِّ محمد لا اختلِاف له، وأمرُ الملك مبنيٌّ على الغضبِ، وهو مغلوبٌ ومسبوقٌ بالرحمة كما ورَدَ منِ عُلائه سبحانه في قولهِ: «سبقت رحمتي غضبي»، [وتسبق رحمتي غضبي] «وتغلب» رواية، ومنِ معنى انقطاعِ الملكِ ورفعِه إمَّا منِ تفصيلٍ، فبقبضته الله تعالى الملك كله إليه في الدنيا باطناً، وفي يومِ الدينِ ظاهرًا حيثُ يقولُ: ﴿ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ ﴾ [غافر: 16]، عند محوِ تفصيلهِ.

وإمَّا منِ جمعِه ففيما ورد منِ قولِ الصادقين: «إنّ ربَّنا غضَبَ اليومَ غضبًا لم يغضَب قبلَه مثله، ولم يغضَب بعدَه مثله»، وذلك هو الغضبُ المسبوقُ المغلوبُ بالرحمةِ التي وسعت كلَّ شيءٍ، ورفعت الاختلافَ في كلِّ شيءٍ، فلانقطاعه أعلى عليه المسلم عن الاستظهارِ في ذاتهِ، وخُصَّ بكمالِ الظهورِ بالعبوديةِ، هذا كلُّه مفهومُ ثبوتِ الميمِ في أوَّلِ اسمِه صلّى الله عليه وسلّم مضمومةٌ، ثُمَّ الحاءُ في اسمِه المباركِ بفهمِ كمالِ الصورةِ والحياةِ له، فلم يطرقه نقصُ حياةٍ حتى النوم، فكان لا ينامُ قلبُه، ولا تنحصرُ له صورةٌ، ولذلك كان يساوي الطويلَ في طولهِ إذا مَاشَاه، ويُرى على ما في الأذهانِ منِ الاعتدالِ إذا انفرد في العيانِ، ومَن استحسن في نفسِه صورةً رآه صلّى الله عليه وسلّم عليها، ولذلك كان وُصَّافُ الصحابةِ يختلفون في تخليقِه، وكلٌّ يعلو في خطةِ رؤياه منه صلّى الله عليه وسلّم بمقدارِ إيمانهِ وصفاءِ قلبهِ، فكان منهم مَن يراه في رونقِه كالسيفِ الصقيلِ، ومنهم مَن يراه كالقمرِ، ومنهم مَن يرى أنّه عاجزٌ عن تشبيهِه بشيءٍ، وذلك بحركةِ حاءِ اسمِه محمدٍ بحركةِ الاستواءِ الذي هو الفتحُ، وتكرارِ الميمِ في اسمِه يُفهم كَمال اسمِ الميمِ الذي هو تمامُ الختمِ والساكنةُ خاتمتُها والمتحركةُ بحركةِ السواءِ مبدؤها، فلذلك كان الأعدلَ إظهارًا والأكملَ تمامًا. ولمَّا كان منِ شأنِ الظواهرِ الانقطاعُ، ومنِ شأنِ الصورِ الاضمحلالُ أُفهمت الدالُ دوام ظاهرِه الكريمِ وصورته التامةِ؛ لأنَّ ذلك إنَّما هو للتمامِ، فإذا تمَّ صورةً وظاهرًا وجب له الدوامُ، فكان ظاهرُه خاتمَ كلِّ عالمٍ -ليس الثقلين وما أظهر لهما منِ العوالمِ فقط بلى - وعوالم متعددة كما قال هو -عليهِ الصلاةُ والسلامُ- فيِ عالمٍ منها لا يعرفون الشمسَ ولا القمرَ، فهو في أمرِ الله دائمُ الختمِ بدوامِ الله تعالى.

* * *


hXPh3Gy1sKg

 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!