موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب المبادئ والغايات فيما تحوي عليه حروف المعجم من المعاني والآيات

ينسب للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

وهو للشيخ فخر الدين عبد اللّه أبى الحسن على بن أحمد ابن الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن محمد التجيبى الحرّالى

المطلع الثاني في الأعداد

 

 


اعلم أنَّ منشأَ الأعدادِ منِ الرتبِ، ومنشأَ الرتبِ ظهورُ الخَلقِ، وظهورَ الخَلقِ لحكمةٍ، والحكمةُ بالترتيبِ. ولمَّا كانت الإحاطةُ الأولى أحديّةً لم تكن رتبةً، فلم تكن عددًا، فالعددُ كله ثانٍ عن الإحاطةِ الأحديِّةِ، والاثنينيةُ زوجٌ وهو حجابُ الواحدِ، فأوتَرَ ليكونَ الوترُ آيةً على الواحدِ المأخوذِ مع الثاني، فيكون ذلك آيةَ الأحدِ المطلقِ الذي ليس بعدد، فأوّلُ العددِ اثنان، وأوّلُ الوترِ الثلاثُ، والثلاثُ الذي هو الوترُ جمعُ الاثنين، فكانت رتبُ الأعدادِ مطابقةَ أوَّلِ وترٍ، وهو الثلاثُ أوَّلها أجمعها وهي آحادُها، وثانيها مفصَّلُها، وهي عشراتُها، وثالثُها زوجُ آحادِها، ووِترُ عشراتهِا. ولمَّا تثلَّثت الرُّتبُ كانت الحدودُ أربعةً بنهايةِ الثالثِ، وهو الألْفُ، وإنَّما هو تمامُ عقدِ المئين، فلم يكن في الحروفِ زيادةٌ على الرتبِ الثلاثِ وحدودِها الأربعةِ، فكانت آحادَ وعشراتٍ ومئين، فلذلك اشتمل هذا المطلعُ على ثلاثةِ فصولهِا، فالذي محلُّه الإحاطةُ وهو أحدٌ لا يدخلُ في العددِ، ولا يقالُ فيه فردٌ، وهو «الألِفُ» وذلك لإحاطتهِ بما وراء العقلِ باطناً، وبما هو أظهرُ منِ أظهرِ المحسوسِ ظاهرًا بمقتضى رجعِ الحكمةِ غيبًا بالتدلِّي، وسائرُ الحروفِ تُعَدُّ، فتكونُ إمَّا زوجًا، وإمَّا فردًا، ولظهورِ الألفِ بالهمزةِ تُعلى عن العددِ أعلاه، فأوَّلُ العددِ الزوجُ الأوَّلُ، والواحدُ الذي الثاني ثانيه هو الواحدُ المقترنُ بالثاني الذي لا يؤخذُ إلَّا مضافًا إليه، وما كان أحدًا فلا يضافُ لإحاطتهِ، والواحدُ الذي يؤخذُ مع الثاني إذا أُخذ مقتطعًا عنه كان فردًا، ومَثَلُ ذلك في التقريبِ والتنزيلِ للفهمِ أنَّ آدمَ -عليه السلامُ- مثلاً إذا كان محيطًا بما حَوَتْهُ ذاتُه منِ أحوالهِ وصفاتهِ، قبل أن تُقتطفَ منه حواءُ حيث انتزع منِ أعوجِ جسمانيتهِ، والدون منِ أحوالهِ واختلافهِ ما جَعَلَ له مثلًا فصار عند ذلك زَوْجًا، فآدمُ أوَّلٌ قبل ظهورِ حواء منه آية الأحد، ولا يكونُ له عدٌّ لأنَّ العدَّ لا يكونُ إلّا مع مجانسٍ، ولم يكن لآدمَ -عليه السلامُ- قبل حواءَ نظيرٌ منِ الخَلقِ؛ لأنَّ مَن كان حينئذٍ منِ الخَلقِ إنَّما هو مثلٌ منِ بعضِ تفاصيل ما في آدمَ -عليه السلامُ- وكليَّته، فلا يُعَدُّ بهم، فكان لذلك قبل حواء آيةٌ أحديةٌ ذاتُ إحاطةٍ بأمرِه، فلمَّا ظهرت منه حواءُ كهيئتهِ وصورتهِ، وجمع كجمعِه صار حينئذٍ رجلًا مزاوجًا منها امرأة، فصارا زوجين، فإذا أفرد عنها مثلًا في الإهباطِ إلى الأرضِ صار فردًا، وهو معها قبل الإهباطِ واحدٌ، وهي ثانٍ لوحدةٍ حينئذِ، فوضح بمقتضى هذا المثالِ أنَّ الزوجَ حجابُ الواحدِ، والواحدية، والأحدُ لا يعدُّ، والواحدُ في الاثنين الذي هو عدٌ منغمرُ الظهورِ، فإنْ ظهَرَ كانَ فردًا، ثُمَّ جمعهما بالتناكحِ ورتبهما، فاجتمع في آدمَ -عليه السلامُ- آيةُ ما هِو الأحدُ والواحدُ والزوجُ والوترُ، لعلوِّ الأحديِّةِ وإحاطتهِا نُظمت باسمِ الله العليِّ في قولهِ تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، ولتَنزُّل الواحديَّ ِ ة عنها نُظمت باسمِ الإله الذي هو متنزِّلُ غيبِ اسمِ الله في قوله تعالى: ﴿ وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ﴾ [البقرة: 163]، ولذلك ظهر الشركُ في الاسمِ الواحد الذي هو إلهٌ، ولم يظهر في اسمِ الأحد الذي هو اللهُ.

* * *


hXPh3Gy1sKg

 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!