موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب المبادئ والغايات فيما تحوي عليه حروف المعجم من المعاني والآيات

ينسب للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

وهو للشيخ فخر الدين عبد اللّه أبى الحسن على بن أحمد ابن الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن محمد التجيبى الحرّالى

المطلع الثالث في مُثل هذه الحروف كشفا ومظهرها عيانا، ومراتبُ أحوالِ أهلِ المكاشفاتِ في مثلِها، وصوِرِهِا في رتبِ العوالمِ على ما يحيطُ بجوامعِ الأمرِ في ذلك، وإشارةٌ لتلقِّي آثاٍرٍ ومنافعَ تُبُتنى على حقائقَ مِن مقاصدِها، وخاتمةٍ.

 

 


في ذِكر مواقعَ ما اختصَّ منِ هذه الحِروفِ للإنزالِ والخطابةِ في القرآنِ، ينتهي الكتابُ عند [نهايتهِ بتأييدِ] الله وحولهِ.

واعلم أنَّ حقيقةَ الكشفِ اطلاعٌ على ظاهرٍ منِ عالمٍ باطنٍ يستجليه إدراكُ باطنِ حسٍّ منِ الحواسِ يحاذي به المُطَّلعُِ حذو مدركاتِ ظاهرِ حسِّه، والخطابُ في أمرِه يختصُّ بمَن وقَعَ له منِ مُطالعتهِ حظٌّ، كشأنِ الحواسِّ الظاهرةِ حيثُ لا تصلحُ المحاورةُ في أمرِها إلَّا مع مَن له محاسنهُا، وإن كان لم تخلُ أحوالُ عامةِ الناسِ منِ حظٍّ منه إلاَّ أنَّه حجَبَ موقعَه بتقييدِ العادةِ جريًا على نصبِ الآياتِ في الأمورِ العاديةِ العاميةِ الأحوالِ المراقبةِ الروحانيةِ، وذلك في آيةِ ما تجدُه العامةُ في المنام منِ المرائي والأحلام.

واعلم أنَّ عطاءَ الله سبحانه الحَظَّ منِ مراتبِ الكِشفِ إنَّما هو تلطيفٌ وإعلاءٌ لمَا منِ نهايتهِ في السَّمعِ [سماعِ كلامِ] الله سبحانه الذي إليه ينتهي السَّمعُ لعامةِ الخلقِ في يومِ الدين، فما وراءه منِ الأيامِ، ولمن كان له ارتقاءٌ فيما قبل ذلك منِ يومِ البرزخِ فما دونه، وكذلك منِ نهايتهِ في رؤيةِ العينِ رؤيةَ المؤمنين في أيامِ النعيمِ، ورؤيةَ مَن له ارتقاءٌ وسابقةٌ أيضًا في يومِ الدين فما دونه في يومِ البرزخِ، وما يتَّصلُ [بحكمةِ وبركةِ] الكشفِ في الحسِّ بمثابةِ بركةِ العلمِ في أمرِ العقلِ ينالُ به واحدُه غيبًا عن ظاهرِ العينِ والسَّمعِ وسائرِ الحواسِّ، فكان مَن لا كشف له منِ الناسِ بمنزلةِ أعجم الحيوانِ الذي لا يتقدَّمُ مرةً بين يدَي ظاهرِ أمرِه، كما قال -عليه الصلاةُ والسلامُ-: «لو يعلم البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا»، وكذلك مَن لا كشف له اطَّلع على عوالم منِ الكشفِ لما سمنت جبلَّتُه، وضخمت طبيعتُه تشبَّث بدنياه وقلبهِ، ولوجد للزهدِ في متاعِ دنياه مساغا لما كان يعانيه منِ تحقُّقِ النعمةِ، والروح فيما كان يطالعه منِ عالمِ الكشفِ بأن سدَّ عن العامةِ منِ الناسِ إلا عند التفافِ الساقِ بالساقِ حيث مجتمع حالِ الانفصالِ عن الدنيا والولوج في أمرِ الآخرةِ وقت توالجهما وغثيانِ صدمةِ الغرغرةِ، وذلك حين لا تنفعُ مراءاةٌ ولا ينالُ بمطالعتهِ زكاء حالٍ، بل يقعُ عنده اليأسُ مضاءَ الحكمِ على ما يشيرُ إليه قولُه تعالى: ﴿ يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلَٰٓئِكَةَ لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ ﴾ [الفرقان: 22]، وما يشملُه قولُه تعالى: ﴿ يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِىٓ إِيمَٰنِهَا خَيْرًا ﴾ [الأنعام: 158]، ومنه قولُه -عليه الصلاةُ والسلامُ-: «يقبلُ اللهُ توبةَ العبد ما لم يغرر»، وذلك حين يجتمعُ له بقاءُ ظاهرِ الإحساسِ بظاهرِ أمرِ دنياه وحالهِ في أهلهِ وولدِه مع إدراكهِ باطنَ حسِّه ذلك بظاهرِ آخرِ أخراه ومصيرِه وحالهِ في دينهِ وعملهِ، فمَن أدرك منِ باطنِ عالمٍ لظاهرِ عالمٍ باطنٍ في تمكُّنِ دنياه، وجد لذلك روحًا وبشرى وراق ريقُ إيمانهِ أنْ صفَّاه اليقينُ، وإلى نحوِ ما يحصلُ عن بركتهِ الإشارةُ في قولهِ -عليه الصلاةُ والسلامُ-: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا»، ومنِ صريحِ قولهِ -صلى اللهُ عليه وسلم-: «عُرضت عليَّ الجنةُ والنارُ في عرضِ هذا الحائط»، وذكر منِ أمرِهما ما شاء اللهُ. واعلم أنَّ مَثَلَ مُدرَكاتِ الكشفِ في ظواهرِ صورِها للمُطَّلعِ، ومثَالِ علمِه منِ أمرِها، إنَّما يكونُ بحسبِ حالهِ ورتبتهِ ومقامهِ لا بحسبِ العالَمِ المدرَكِ في نفسِه، كما هو في حالِ العامةِ في إدراكِ ما فيه فوتٌ عن مستجمعِ قوى حواسِّهم، كرؤيةِ النجومِ واستطعامِ المستظرفاتِ منِ الطعومِ، وغيرِ ذلك منِ مواقعِ غرائبِ المستحسناتِ والمستقبحاتِ، فإنَّهم يتفاوتون في ذلك، ومدركُ كلِّ مَحَالٍ منهم بمقدارِ حالهِ العاميِّ والخاصيِّ، فمطالعةُ عالمِ الكشفِ واقعةٌ على خصوصِ حالِ الكاشفِ ومحلِّ مقامهِ ودرجةِ مرقاه، وطريقِ مسلكهِ على حالِ ما هي أحوالُ العامةِ في عالمِ الرؤيا الذي يكونُ واحدٌ منهم مثلًا يرى النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم على صورةٍ لرآه آخرُ على صورةٍ أخرى، كلُّ واحدٍ بحسبِ حالهِ منِ استقامتهِ وعوجِه وعلوِّ محلِّه ودنوِّ رتبتهِ، وتهيئتهِ لبشارةٍ أو نذارةٍ، ولا يرى النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم على ما هو عليه إلَّا بما يرجعُ إلى ما هو رؤياه عليه وآلهِ السلامُ لذاتهِ، فما منِ ذي خلوةٍ ومحطِّ عالمِ كشفٍ ذي اقتصادِ محلٍّ إلاَّ ولكلِّ واحدٍ منِ [النيلِ منِ] الرائي الواحدِ سوى ما للآخرِ لا يسعُ إدراك مطالعةِ كلِّ واحدٍ منهم إلَّا محيطٌ بالأمرِ جامعُ كليَّةِ الإدراكِ الذي له جوامعُ إدراكِ ما لكلِّ واحدٍ حظٌّ منِ بعضِ تفاصيلهِ، فإذا تحقَّق بهذا الواحدُ، وألقى السمعَ وهو شهيدٌ مؤمنٌ به، فلتعلم أنَّ المعنى في النبأ عن جوامعِ أو الكشفِ في عوالمِ الحروفِ ومواقعِها منِ كليَّةِ كلِّ عالَمٍ ليس باقتصاصِ إنَّ [فلانًا رأى حروفًا] كذا وكذا على صورةِ كذا، ولا يكونُ كذا ولا خوطب منها بكذا، إلَّا لمنافعَ، فإنَّه ربَّما وقعَ في اقتصَاصِها عائدةُ انتفاعٍ لمَن حمَلَ بالسرِّ منِ آثارِها على حُكمِ شروطِ عمَلهِ منِ مُوجَبِ عالَمِه، فيُغني في ذلك ذكرُ خاصيَّةِ تاليها وحاملِ بنائها، وإنَّما يكونُ الفَناءُ في جَوامعِ بناءِ كشفِ الحروفِ بذِكرِ مراتبِ العوالمِ ورُتبِ مكانتهِا ووجهِ إقامتهِا بحروفهِا وتفاوتِ أحوالهِا في البيانِ والوضوحِ في مُطَالَعَةِ منازلهِا، وبيانِ اختلافِ مَرآها بحسبِ حالِ كاشفِها، وُسْع جوامعِ نهاياتِ منزلهِا، وقد أُجري القولُ في ذلك في ثلاثِ مراتب:

رتبةٌ إحاطيةٌ؛ وهي رتبةُ العرشِ الذي هو نهايةُ أمرِ الكونِ مَعَ ما يَرجعُ إليه.

ورتبةُ تفصيلٍ؛ وهي رتبةُ السماواتِ السبعِ والأفلاكِ التي هي آخرُ سماءِ الدنيا.

ورتبةُ ذرءٍ وتشخيصٍ؛ وهي رتبةُ عالَمِ الكونِ والتغيُّرِ ممَا دون الفلكِ الأدنى، فأتبعُ القولَ في ذلك بذِكرٍ يتضمَّنُ لمحَ الحروف في الأعيانِ [بملمحِ بصرٍ] يؤيدُه بصيرةُ جنان، وأُنهي القولَ في هذا المطلعِ ما يشعرُ بوجه الانتفاعِ باستعمالِ الحروفِ وما استقلَّ منِ مراتبهِا التي هي أصولُ تناشؤ الأعدادِ المتوازنةِ المتوافقةِ على ما أجراه اللهُ عزَّ اسمُه ممَّا هو سبحانه العليُّ المليُّ بعائدِ بركتهِ بحولهِ وقوته.

* * *


hXPh3Gy1sKg

 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!