موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(99) المكتوب التاسع والتسعون إلى الملا حسن الكشميري في جواب استفساره عن كيفية دوام الحضور واجتماعه مع النوم الذي هو معدن الغفلة

 

 


بسبب الدّنيا ينبغي أن تكون الكفّار الّذين لهم حظّ وافر من الدّنيا أعزّ وأفضل من الكلّ، والإنخداع بظاهر الدّنيا من عدم العقل وإنّما اللّائق بالعاقل أن يغتنم فرصة أيّام قليلة وأن يجتهد في تلك الفرصة اليسيرة في تحصيل مرضات الله تعالى والإحسان إلى خلق الله عزّ وجلّ، فإنّ التّعظيم لامر الله والشّفقة على خلق الله كليهما أصلان عظيمان لاجل النّجاة من عذاب الآخرة، وكلّ ما أخبر به المخبر الصّادق فهو مطابق لنفس الأمر ليس بالهزل ولا بالهذيان، فإلى متى يمتدّ نوم الغفلة والغرور! أليس آخره وعقباه إلى الفضيحة; والحرمان قال الله سبحانه “ أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثا وأنّكم إلينا لا ترجعون ” وإنّي وإن كنت أعلم أنّ وقتك لا يقتضي استماع أمثال هذه الكلمات لكونك في عنفوان الشّباب، والتّنعّمات الدّنيويّة ميسّرة والحكومة والتّسلّط على الخلق حاصلة، ولكنّ الشّفقة على أحوالك كانت باعثة على هذا القيل والقال، ولم يفت إلى الآن شيء من الفرصة، والوقت قابل للتّوبة والإنابة والشّرط البلاغ (ع) كفى الحرف لو في داخل البيت إنسان *

(٩٩) المكتوب التّاسع والتّسعون إلى الملّا حسن الكشميريّ في جواب استفساره عن كيفيّة دوام الحضور واجتماعه مع النّوم الّذي هو معدن الغفلة

قد شرّف مكتوبكم الشّريف بوصوله، وما وقع فيه من الاستفسار عن كيفيّة دوام الحضور واجتماعه مع حالة النّوم الّتي هي حالة الغفلة وتعطّل القوى والإدراك من أوّلها إلى آخرها، كما أخبر بعض أكابر هذه الطّائفة العليّة بحصول هذه الدّولة العظيمة. (أيّها المخدوم): إنّ حلّ هذا المشكل مبنيّ وموقوف على تمهيد مقدّمة لا بدّ من بيانها. فأقول: إنّ طريق التّرقّي والعروج كان مسدودا للرّوح الإنسانيّة قبل تعلّقها بهذا الجسم الهيولانيّ، وكانت مقيّدة ومحبوسة في حبس: وما منّا إلّا له مقام معلوم ولكن كانت قد أودعت في طبعها جوهرة نفيسة وهي الإستعداد للعروج والتّرقّي بشرط النّزول، وكانت مزيّتها على الملك مقرّرة من هذه الجهة، فجمع الحقّ سبحانه من كمال كرمه ذلك الجوهر النّورانيّ بهذا الجسم الظّلمانيّ فسبحان من جمع بين النّور والظّلمة وقرن الأمر بالخلق. ولمّا كان كلّ من هذين الشّيئين واقعا في مقابلة الآخرة ونقيضا له في الحقيقة، أعطى الحكيم المطلق جلّ سلطانه للرّوح نسبة التّعشّق والتّعلّق بالنّفس تحقيقا لهذا الإجتماع وتقريرا لهذا الإنتظام، وجعل هذا التّعلّق سببا للانتظام. وفي قوله تعالى “ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثمّ رددناه أسفل سافلين ” رمز إلى هذا البيان، وهذا التّنزيل للرّوح وتعلّقها من قبيل المدح بما يشبه الذّمّ في الحقيقة، فتهافتت الرّوح إلى عالم النّفس بالتّمام وتوجّهت إليه بكلّيّتها بواسطة تلك النّسبة الحبّيّة وجعلت نفسها تابعة لها، بل نسيت نفسها مرّة واحدة وضارت تعبّر عن نفسها بالنّفس الأمّارة. وهذه لطافة أخرى للرّوح حيث أنّها تأخذ حكم كلّ شيء تتوجّه إليه من كمال لطافته، فإذا نسيت نفسها فلا جرم أنّها نسيت أيضا حضوره السّابق مع مرتبة الوجوب

تعالت وتقدّست بالضّرورة، وتوغّلت في الغفلة بالتّمام وأخذ حكم الظّلمة، فبعث الله من كمال كرمه وشفقته على عباده الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام ودعاهم إليه سبحانه بواسطة هؤلاء الأكابر، وأمرهم بمخالفة النّفس الّتي هي معشوقة الرّوح، فمن رجع القهقرى فقد فاز فوزا عظيما، ومن لم يرفع رأسه واختار الخلود إلى الأرض فقد ضلّ ضلالا بعيدا هذا ولنرجع إلى الجواب عن الإشكال ونقول: إنّه قد فهم من هذه المقدّمة من اجتماع الرّوح بالنّفس، أنّ فناء الرّوح في النّفس وبقاءها بها فحسب، فلا جرم تكون غفلة الظّاهر عين غفلة الباطن ما دام هذا الإجتماع والإنتظام موجودا، ويكون النّوم الّذي هو غفلة الظّاهر عين غفلة الباطن. فإذا طرأ الخلل على هذا الإنتظام وأعرض الباطن عن محبّة الظّاهر وأقبل على محبّة أبطن البطون وزال الفناء والبقاء اللّذان كانا للرّوح قبل، وحصل لها الفناء في الباقي الحقيقيّ والبقاء به تعالى وتقدّس فلا تؤثّر غفلة الظّاهر حينئذ في حضور الباطن. وكيف تؤثّر؟ فإنّ الباطن قد أدبر عن الظّاهر بالتّمام وجعله خلف ظهره ولم يبق للظّاهر سبيل إلى الباطن أصلا فيجوز حينئذ أن يكون الظّاهر غافلا والباطن حاضرا ولا محذور فيه ألا ترى أنّ دهن اللّوز مثلا مادام ممتزجا باللّوز حكمه حكم اللّوز فإذا ميّز عن اللّوز ظهر التّغاير والتّمايز في الأحكام. فإذا أراد الله سبحانه إرجاع مثل صاحب هذه الدّولة إلى العالم لتخليص أهله من الظّلمات النّفسانيّة بتوسّط شريعته الّتي شرعها، ينزل إلى العالم بطريق السّير عن الله بالله فيكون توجّهه إلى العالم بالتّمام من غير تعلّق بهم لأنّه على تعلّقه السّابق يعني بجناب القدس وإنّما أورد إلى هذا العالم من غير اختيار منه، فهذا المنتهى له شركة صوريّة مع سائر المبتدئين في الإعراض عن جناب قدسه تعالى وتقدّس والإقبال على الخلق، ولكن لا مناسبة بينهما في الحقيقة، فإنّ بين التّعلّق وعدم التّعلّق تفاوتا فاحشا. (وأيضا) الإقبال على الخلق في حقّ هذا المنتهى بلا اختيار منه لا رغبة له فيه، وإنّما ذلك لكون رضاء الله تعالى في ذلك الإقبال وفي حقّ المبتدئ ذاتيّ، ومع الرّغبة له فيه وليس فيه رضا الحقّ سبحانه وتعالى.

(وفرق آخر) أنّ المبتدئ يمكن له الإعراض عن الخلق والإقبال على الحقّ تعالى وتقدّس، وذلك محال في المنتهى فإنّ دوام الإقبال إلى الخلق لازم لمقامه ومرتبته. إلّا أن يتمّ أمر دعوته وارتحل من دار الفناء إلى دار البقاء، فيكون نداء اللهمّ الرّفيق الأعلى حينئذ نقد وقته.

وقد اختلف مشائخ الطّريقة قدّس الله أسرارهم في تعيين مقام الدّعوة. فقال جماعة منهم: إنّه مقام الجمع بين التّوجّه إلى الخلق والتّوجّه إلى الحقّ، والإختلاف فيه مبنيّ على الإختلاف في الأحوال والمقامات. وقد أخبر كلّ شخص عن مقامه والأمر عند الله تعالى. وما قال سيّد الطّائفة جنيد رضي الله تعالى عنه من أنّ النّهاية هي الرّجوع إلى البداية موافق لمقام الدّعوة الّذي حرّر في هذه المسودّة. فإنّ الوجه والتّوجّه في البداية إلى الخلق بالتّمام.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!