موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(220) المكتوب العشرون والمائتان إلى الشيخ حميد البنكالي في بيان بعض أغلاط الصوفية وبيان منشأ غلطاتهم

 

 


الموت الأبديّ ويلقيه في العذاب السّرمديّ وهو لا يتفكّر بعد في إزالته أصلا ولا يسعى في دفعه قطعا فإن لم يعلم أنّ هذا التّعلّق مرض فهو سفيه محض وإن علم ومع ذلك لا يبالي به فهو بليد صرف ولأجل إدراك هذا المرض لا بدّ من عقل المعاد فإنّ عقل المعاش لقصور فكره مقصور على إدراك الظّاهر لا يتعدّاه إلى بواطن الامور فكما أنّ عقل المعاش لا يدرك المرض المعنويّ أو لا يراه مرضا بواسطة ابتلائه بالتّلذّذات الفانية وانغماسه فيها كذلك عقل المعاد لا يحسّ الأمراض الصّوريّة ولا يعدّها أمراضا بسبب رجائه المثوبات الاخرويّة عقل المعاش قصير النّظر وعقل المعاد حديد البصر عقل المعاد نصيب الأنبياء والأولياء عليهم الصّلاة والسّلام وعقل المعاش مرغوب الأغنياء وأرباب الدّنيا شتّان ما بينهما. والأسباب المحصّلة لعقل المعاد ذكر الموت وتذكّر أحوال الآخرة ومجالسة قوم تشرّفوا بدولة فكر الآخرة، (شعر):

دللتك يا هذا على كنز مقصد ... فإن أنا لم أبلغ لعلّك تبلغ

ينبغي أن يعلم كما أنّ مرض الظّاهر موجب للعسرة والتّعب في أداء الأحكام الشّرعيّة كذلك مرض الباطن أيضا مستلزم لذلك قال الله تبارك وتعالى (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) وقال سبحانه وتعالى (وإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) والمستلزم لذلك العسر في الظّاهر ضعف القوى والجوارح وفي الباطن ضعف اليقين ونقص الإيمان وإلّا فليس في التّكاليف الشّرعيّة عسر أصلا بل فيها كلّها تخفيف وتمام اليسر والسّهولة وقوله تعالى (يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وقوله تعالى (يُرِيدُ الله أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفًا) شاهدان عدلان لهذا المعنى،

(شعر):

ما ضرّ شمس الضّحى في الافق طالعة ... أن لا يرى ضوءها من ليس ذا بصر

فكان فكر إزالة هذا المرض لازما والإلتجاء إلى الأطبّاء الحذّاق فرضا ما عَلَى الرَّسُولِ إِلّا الْبَلاغُ (١) والسّلام والإكرام.

(٢٢٠) المكتوب العشرون والمائتان إلى الشّيخ حميد البنكاليّ في بيان بعض أغلاط الصّوفيّة وبيان منشأ غلطاتهم

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين. اعلم أنّ أحوال فقراء هذا الجانب وأوضاعهم موجبة لازدياد الشّكر يوما فيوما ونتوقّع ذلك في حقّ الأحباب

__________

(١) الآية: ٩٩ من سورة المائدة.

النّائين (أيّها العزيز) إنّ مزلّة أقدام السّالكين في هذا الطّريق الّذي هو طريق غيب الغيب كثيرة ينبغي للسّالك أن يعيش محافظا على حبل الشّريعة في الاعتقاديّات والعمليّات وهذا نصيحتي في الحضور والغيبة على فرض وقوع الغفلة وها أنا أكتب بعض أغلاط هذا الطّريق وأعيّن منشأ الغلط ينبغي ملاحظته بنظر الإعتبار ويعمل فيما وراء الجزئيّات المذكورة بمقياسها.

(اعلم) أنّ بعضا من أغلاط الصّوفيّة هو أنّ السّالك يجد نفسه أحيانا في مقامات العروج فوق قوم ثبتت أفضليّتهم عليه بإجماع العلماء ومقامه دون مقامات هؤلاء الأكابر في الحقيقة يقينا بل ربّما يكون هذا الإشتباه بالنّسبة إلى الأنبياء عليهم السّلام الّذين هم أفضل الخلائق قطعا عياذا بالله سبحانه من هذا الإشتباه ومنشأ غلط هؤلاء الجماعة هو أنّ نهاية عروج الأنبياء والأولياء أوّلا إلى أسماء الهيّة هي مبادي تعيّنات وجودهم وبهذا العروج يتحقّق اسم الولاية ويستحقّه السّالك والعروج ثانيا في تلك الأسماء ثمّ من تلك الأسماء إلى ما شاء الله تعالى ولكن مأوى كلّ واحد منهم ومرجعهم ومنزلهم مع وجود هذا العروج هو ذلك الإسم الّذي هو مبدأ تعيّن وجوده ولهذا إذا طلبهم سالك في مقامات العروج يجدهم في تلك الأسماء فإنّ مكان هؤلاء الأكابر الطّبيعيّ في مراتب العروج هو هذه الأسماء والعروج والهبوط منها بواسطة العوارض فالسّالك العالي الفطرة إذا وقع سيره فوق الأسماء لا جرم يترقّى على أعلى من الأسماء الّتي هي مبادي تعيّنات الأنبياء وسائر الأولياء الكبار فحينئذ يظهر ذلك التّوهّم عياذا بالله سبحانه من أن يزيل ذلك التّوهّم اليقين السّابق ويورث الإشتباه في أفضليّة الأنبياء عليهم السّلام وأولويّة الأولياء رضي الله عنهم وقد ثبت أفضليّتهم وأولويّتهم بالإجماع وهذا المقام من مزالّ أقدام السّالكين ولا يدري السّالك في ذلك الوقت أنّ هؤلاء الأكابر قد عرجوا من تلك الأسماء عروجات غير متناهية وبلغوا محلّا لا يمكن العروج فوقه ولم يعرف أنّ تلك الأسماء أمكنتهم الطّبيعيّة وله أيضا مكان طبيعيّ هناك أدون من تلك الأسماء وأنزل فإنّ أفضليّة كلّ شخص باعتبار أقدميّة الإسم الّذي كان مبدأ لتعيّنه ومن هذا القبيل ما قال بعض المشائخ إنّ العارف لا يجد البرزخيّة الكبرى حائلة في مقامات العروج أحيانا ويترقّى من غير وساطتها قال حضرة شيخنا إنّ رابعة كانت من هذه الجماعة أيضا وهؤلاء الجماعة لمّا تجاوزوا وقت العروج الإسم الّذي هو مبدأ تعيّن البرزخيّة الكبرى إلى ما فوقه توهّموا أنّ البرزخيّة الكبرى لم تبق حائلة في البين وأرادوا بالبرزخيّة الكبرى حقيقة خاتم الرّسالة عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام وحقيقة المعاملة هي أنّهم قد جاوزوها إلى ما فوقها (ومنشأ غلط طائفة أخرى) هو أن سير السّالك إذا وقع على اسم هو مبدأ تعيّنه وذلك الإسم جامع لجميع الأسماء على سبيل الإجمال فإنّ جامعيّة الإنسان إنّما هي بسبب جامعيّة ذلك الإسم فبالضّرورة يقطع في ضمن ذلك الإسم الأسماء الّتي كانت مبادي تعيّنات مشائخ أخر بالسّير الإجماليّ ويتجاوز كلّ واحد منها حتّى ينتهي سيره إلى منتهى ذلك الإسم فيتوهّم حينئذ تفوّقه إيّاهم ولا يدري أنّ ما يراه من مقامات المشائخ الّتي تعدّاها إنّما هي انموذج مقاماتهم لا حقيقتها وحيث

انّه وجد نفسه جامعا وظنّ الآخرين أجزاءه فلا جرم يورث ذلك توهّم أولويّته. وقال شيخ بسطام في هذا المقام من غلبة السّكر: لوائي أرفع من لواء محمّد ولم يدر أنّ أرفعيّة لوائه ليست هي بالنّسبة إلى لواء محمّد صلّى الله عليه وسلّم بل بالنّسبة إلى أنموذجه الّذي صار مشهودا له في ضمن حقيقة اسمه ومن هذا القبيل ما قاله هو أيضا مخبرا عن وسعة قلبه إذا ألقي العرش وما فيه في زاوية قلب العارف لا يكون محسوسا أصلا وهنا أيضا اشتباه الأنموذج بالحقيقة والّا فالعرش الّذي قال الحقّ سبحانه في حقّه إنّه عظيم أيّ اعتبار وأيّ مقدار لقلب العارف في جنبه والظّهور الّذي في العرش ليس في القلب عشر عشيره ولو كان ذلك القلب قلب عارف والرّؤية الاخرويّة تتحقّق بالظّهور العرشيّ يعني تكون مثله وهذا الكلام وإن كان اليوم ثقيلا على بعض الصّوفيّة ولكنّه يكون معلوما لهم في الآخر. (ولنوضّح) هذا المبحث بمثال وهو أنّ الإنسان جامع لما في عالم العناصر والأفلاك فإذا وقع نظره على جامعيّة نفسه ورأى العناصر والأفلاك أجزاء نفسه وغلب عليه هذه الرّؤية فلا يبعد أنّ يقول إنّي أكبر من كرة الأرض وأعظم من السّموات ففي هذا الوقت يفهم العقلاء أكبريّته وأعظميّته بالنّسبة إلى أجزاء نفسه فإنّ الكلّ أعظم من الجزء وأكر الأرض والسّموات ليست من أجزائه في الحقيقة بل جعلت انموذجاته أجزاءه وأكبريّته إنّما هي بالنّظر إلى تلك الأنموذجات الّتي هي أجزاؤه بالنّظر إلى أكر الأرض والسّموات وبسبب هذا الإشتباه يعني اشتباه أنموذج شيء بحقيقته قال صاحب الفتوحات المكّيّة إنّ الجمع المحمّديّ أجمع من الجمع الإلهيّ فإنّ الجمع المحمّديّ مشتمل على الحقائق الكونيّة والإلهيّة فيكون أجمع ولم يدر أنّ ذلك اشتمال ظلّ من ظلال مرتبة الالوهيّة وأنموذج من أنموذجاتها لا أنّه مشتمل على حقيقة تلك المرتبة المقدّسة فإنّه لا مقدار للجمع المحمّديّ بالنّسبة إلى تلك المرتبة المقدّسة الّتي العظمة والكبرياء من لوازمها ما للتّراب وربّ الأرباب (وأيضا) إنّ في هذا المقام الّذي يقع فيه سير السّالك على اسم هو ربّه يظنّ أحيانا أنّ بعض الأكابر الّذين هم أفضل منه يقينا قد وصلوا بتوسّطه إلى بعض الدّرجات الفوقانيّة وترقّوا بتوسّله وهذا أيضا من مزالّ أقدام السّالكين عياذا بالله سبحانه منه حيث يرى نفسه أفضل بهذا الكمال ويقع في الخسارة وأيّ عجب وأيّة فضيلة إذا سار السّلطان عظيم الشّان تامّ البرهان تحت نصرة واحد من وزرائه الّذي هو تحت حكومته وطاعته ووصل بتوسّط ذلك الوزير إلى بعض المحلّات وفتح بتوسّله بعض البلاد والمواضع.

غاية ما في الباب أنّ هنا احتمال فضل جزئيّ وهو خارج عن المبحث فإنّ كلّ حجّام وحائك له فضل من بعض وجوه مخصوص به على عالم ذي فنون وحكيم حاذق ولكنّ ذاك الفضل خارج من حيّز الإعتبار والمعتبر إنّما هو الفضل الكلّيّ الّذي هو ثابت للعالم والحكيم وقد وقع لهذا الدّرويش من هذه الاشتباهات كثير ونشأ منها تخيّلات كثيرة وكانت تلك الحالة فيه مدّة كثيرة ومع ذلك كان حفظ الحقّ سبحانه شامل حاله فلم يطرأ على يقينه السّابق مقدار شعرة من التّذبذب ولم يتطرّق الفتور إلى الإعتقاد



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!