موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(221) المكتوب الحادي والعشرون والمائتان إلى السيد حسين المانكپوري في خصائص الطريقة النقشبندية وأفضليتها على سائر الطرق ومدح أهلها وما يناسبه

 

 


المجمع عليه لله سبحانه المنّة على ذلك وعلى جميع نعمائه وما ظهر على خلاف المجمع عليه اسقطه عن حيّز الإعتبار وصرفه إلى محامل حسنة وعلم بالعلم الإجماليّ هذا القدر أنّ هذه الزّيادة المشهودة في الكشف تكون راجعة على تقدير صحّته إلى الفضل الجزئيّ وإن تعارض ذلك وسوسة أنّ مدار الفضل على القرب الإلهيّ جلّ سلطانه وهذه الزّيادة من ذلك القرب فكيف تكون فضلا جزئيّا ولكن صارت هذه الوسوسة في جنب اليقين السّابق هباء منثورا ولم يبق لها اعتبار أصلا بل التجأ إليه تعالى بالتّوبة والإستغفار والإنابة والإنكسار ودعا له سبحانه بالتّضرّع والإبتهال لئلّا يظهر له مثل هذه الكشوف وكيلا ينكشف له ما يخالف معتقدات أهل السّنّة والجماعة مقدار شعرة وقد غلب يوما خوف الموآخذة بهذه الكشوف والمسئوليّة عن هذه التّوهّمات وأزالت غلبة هذا الخوف عنّي القرار وأورثتني القلق والإضطراب فصار الإلتجاء والتّضرّع إلى جناب قدس الحقّ جلّ سلطانه أضعافا مضاعفة وامتدّت تلك الحالة إلى مدّة مديدة فاتّفق في ذلك الوقت مروري على قبر واحد من الأعزّة فاستمددت به واستعنت في هذه المعاملة فأدركتني في تلك الأثناء عناية الحقّ جلّ شأنه وانكشفت حقيقة المعاملة كما ينبغي وحضرت في ذلك الوقت روحانيّة خاتم الرّسالة عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام الّذي هو رحمة للعالمين فسلّى الخاطر الحزين وصار معلوما لي تشريف آن نعم إنّ القرب الإلهيّ موجب للفضل الكلّيّ ولكنّ هذا القرب الّذي حصل لك قرب ظلّ من ظلال مراتب الالوهيّة مخصوص باسم هو ربّك فلا يكون ذلك القرب موجبا للفضل الكلّيّ وانكشفت صورة هذا المقام المثاليّة على نهج لم يبق محلّ للرّيب فزال التّوهّم بالكلّيّة وقد كتب هذا الدّرويش في كتبه ورسائله بعض العلوم الّتي فيها محلّ اشتباه وفيها مجال للتّأويل والتّوجيه فلمّا صرت مبشّرا بذلك أردت أن أكتب منشأ أغلاط تلك العلوم على وفق ما لاح لي بمحض فضل الحقّ جلّ شأنه وأنشره فإنّ الذّنب المشتهر لا بدّ له من اشتهار التّوبة لئلّا يفهم النّاس من تلك العلوم خلاف الشّريعة فيقعوا بالتّقليد على الضّلالة وكيلا يسلكوا مسلك التّضليل والتّجهيل بالتّعصّب والتّكلّف فإنّ أمثال هذه الأزهار تتفتّق كثيرا في هذا الطّريق الّذي هو طريق غيب الغيب فجماعة تؤدّيهم إلى الهداية وطائفة تؤدّيهم إلى الضّلالة وقد سمعت والدي الماجد قدّس سرّه يقول: إنّ منشأ ضلالة أكثر المبتدعين من اثنين وسبعين فرقة وخروجهم عن الصّراط المستقيم هو أنّهم دخلوا في طريق الصّوفيّة ولم يقفوا على حقيقة الأمر ولم يتمّوا السّلوك فغلطوا وضلّوا والسّلام.

(٢٢١) المكتوب الحادي والعشرون والمائتان إلى السّيّد حسين المانكپوريّ في خصائص الطّريقة النّقشبنديّة وأفضليّتها على سائر الطّرق ومدح أهلها وما يناسبه

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين وآله الطّاهرين أجمعين لعلّ الأخ الأعزّ معدن السّيادة المير حسين لم ينس النّائين المهجورين وعساه لم يضيّع رعاية آداب هذه الطّريقة العليّة الّتي

هي ممتازة من بين سائر طرق المشائخ الكرام من وجوه وقد كان مدّة ملاقاتكم وفرصة صحبتكم قليلة جدّا فبناء على ذلك أردت أنّ أحرّر بعض خصائص هذه الطّريقة العليّة وكمالاتها في ضمن علوم عالية ومعارف سامية وإن كنت أعلم أنّ إدراك هذا القسم من العلوم والمعارف بالفعل بعيد عن أذهان المستمعين ولكنّ إظهار أمثال هذه المعارف مبنيّ على ملاحظة أمرين أحدهما أنّ في المستمعين استعدادا لهذه العلوم وأن ترى بعيدة عن شأنهم بالفعل وثانيتهما أنّ المخاطب وإن كان واحدا معيّنا في الظّاهر ولكنّ المخاطب في الحقيقة شخص هو محرّم لهذه المعاملة السّيف للضّارب مثل مشهور (أيّها الأخ) إنّ رأس سلسلة هذه الطّريقة السّنيّة ورئيس أهلها هو الصّدّيق الأكبر رضي الله عنه الّذي هو أفضل جميع بني آدم بعد الأنبياء عليهم السّلام على التّحقيق وبهذا الإعتبار وقع في عبارة أكابر هذه الطّريقة أنّ نسبتنا فوق جميع النّسب فإنّ نسبتهم الّتي هي عبارة عن الحضور والشّعور الخاصّ هي بعينها نسبة الصّدّيق وحضوره الّذي فوق جميع الحضور وفي هذا الطّريق اندراج النّهاية في البداية قال الخواجه بهاء الدّين النّقشبند قدّس سرّه: نحن ندرج النّهاية في البداية، (ع): وقس من حال بستاني ربيعي *

(فإن قيل): إذا كانت نهاية غيرهم مندرجة في نهايتهم فما تكون نهايتهم وأيضا إذا كانت نهاية غيرهم الوصول إلى الحقّ سبحانه فإلى أين يكون سيرهم من الحقّ ليس وراء عبادان قرية مثل مشهور (أجيب) أنّ نهاية هذه الطّريقة إن تيسّرت هي الوصل العريان الّذي علامة حصوله حصول اليأس من حصول المطلوب فافهم فإنّ كلامنا إشارة لا يدركها الّا الأقلّ من الخواصّ بل من أخصّ الخواصّ وإنّما ذكرنا علامة حصول تلك الدّولة العظمى فإنّ جمعا من هذه الطّائفة باحوا بالوصل العريان وطائفة أخرى قالوا باليأس من حصول المطلوب وأذعنوا بالحرمان ولكن إذا عرض عليهم الجمع بين هاتين الدّولتين يكادون يظنّونه جمعا بين الضّدّين ويعدّونه من المحالات والّذين يدّعون الوصل يرون اليأس حرمانا والّذين يدّعون اليأس يظنّون الوصل عين الفصل وهذا كلّه علامة عدم الوصول إلى تلك المنزلة العليا.

غاية ما في الباب أنّه قد أشرق على بواطنهم شعاع من ذاك المقام العالي فظنّه جمع وصلا وجمع آخر يأسا وهذا التّفاوت نشأ من جهة استعداد كلّ منهم فإنّ المناسب لاستعداد طائفة وصل والموافق لاستعداد طائفة أخرى يأس واستعداد اليأس أحسن عند الفقير من استعداد الوصل وإن كان كلّ من الوصل واليأس هناك ملازما للآخر (وجواب) الإعتراض الثّاني أيضا صار لائحا من هذا الجواب فإنّ الوصل المطلق غير الوصل العريان شتّان ما بينهما ونعني بالوصل العريان رفع الحجب كلّها وزوال الموانع بأسرها ولمّا كان أعظم الحجب وأقواها هي التّجلّيات المتنوّعة والظّهورات المختلفة لا بدّ من أن تنقضي وتتمّم تلك التّجلّيات والظّهورات بتمامها سواء كان التّجلّي والظّهور في المرايا الإمكانيّة أو المجالى الوجوبيّة فإنّهما في حصول الحجب بهما سيّان وإن كان بينهما تفاوت بالشّرف والرّتبة فإنّه خارج من نظر الطّالب. (فإن قيل) يلزم من هذا البيان أن يكون للتّجلّيات نهاية وقد صرّح المشائخ بأنّه لا نهاية

للتّجلّيات (أجيب) أنّ عدم نهاية التّجلّيات إنّما هو على تقدير وقوع السّير في الأسماء والصّفات بالتّفصيل وعلى هذا التّقدير لا يتيسّر الوصول إلى حضرة الذّات تعالت وتقدّست ولا يحصل الوصل العريان فإنّ الوصول إلى حضرة الذّات تعالت وتقدّست منوط بطيّ الأسماء والصّفات على سبيل الإجمال فتكون إذا للتّجلّيات نهاية. (فإن قيل) قد قيل بعدم نهاية التّجلّيات الذّاتيّة أيضا كما صرّح به مولانا العارف الجاميّ في شرح اللّمعات فكيف يستقيم القول بنهاية التّجلّيات (أجيب) أنّ تلك التّجلّيات الذّاتيّة ليست بلا ملاحظة الشّئون والإعتبارات أيضا فإنّ التّجلّي لا يمكن بدون ملاحظتها وما نحن في صدد بيانه أمر يكون فيما وراء التّجلّيات صفاتيّة كانت تلك التّجلّيات أو ذاتيّة فإنّ إطلاق التّجلّي غير جائز في ذلك الموطن أيّ تجلّ كان لأنّ التّجلّي عبارة عن ظهور شيء في مرتبة ثانية أو ثالثة أو رابعة إلى ما شاء الله تعالى وقد سقطت المراتب هنا بأسرها وطويت المسافة بتمامها (فإن قيل) فبأيّ اعتبار قيل لتلك التّجلّيات ذاتيّة (أجيب) أنّ التّجلّيات إن كانت بملاحظة معان زائدة يعني على الذّات فهي التّجلّيات الصّفاتيّة وإن كانت بملاحظة معان غير زائدة فهي التّجلّيات الذّاتيّة ولهذا قيل لمرتبة الوحدة الّتي هي التّعيّن الأوّل وليست بزائدة على الذّات تجلّيا ذاتيّا ومطلبنا حضرة الذّات تعالت وتقدّست ولا مجال لملاحظة المعاني في ذلك الموطن أصلا سواء كانت المعاني زائدة أو لا فإنّ المعاني قد طويت بالكلّيّة بطريق الإجمال وتيسّر الوصول إلى حضرة الذّات المقدّسة المتعالى (ينبغي) أن يعلم أنّ الوصل في ذلك الموطن منزّه عن الكيف والمثال كالمطلب والإتّصال الّذي يدركه العقل ويفهمه خارج عن المبحث وغير لائق بذلك الجناب المقدّس فإنّه لا سبيل للمثاليّ إلى المنزّه عن المثال لا يحمل عطايا الملك الّا مطاياه (قال في المثنوىّ)، (شعر):

إنّ للرّحمن مع أرواح ناس ... اتّصالا دون كيف أو قياس

ولم يخبر أحد من مشائخ هذه الطّريقة العليّة عن نهاية طريقه وقد أخبروا عن ابتداء طريقهم حيث قالوا إنّ فيه اندراج النّهاية في البداية فإذا كانت بدايتهم ممتزجة بالنّهاية فنهايتهم أيضا ينبغي أن تكون مناسبة لبدايتهم وتلك النّهاية هي ما امتاز الفقير بإظهارها، (شعر):

فإذا أتى باب العجوز خليفة ... إيّاك يا صاح ونتف سبالكا

لله سبحانه وتعالى الحمد والمنّة على ذلك (أيّها الأخ) إنّ الواصلين إلى هذه النّهاية من أرباب هذا الطّريق الّذين هم أقلّ من القليل بالنّسبة إلى أصحاب طرق أخر لو عددت أفرادهم يكاد المقرّبون يطلبون التّباعد ويستبعده المبعدون بالإنكار والتّعاند وأيّ استبعاد هناك فإنّ كلّ ذلك لكمال الوصول إلى نهاية النّهاية بتفضّل حبيبه عليه الصّلاة والسّلام ومن جملة خصائص هذه الطّريقة العليّة السّفر في الوطن الّذي هو عبارة عن السّير الأنفسيّ والسّير الأنفسيّ وإن كان ثابتا في طريق جميع المشائخ ولكنّه يتيسّر في طريقهم في النّهاية بعد قطع السّير الآفاقيّ بخلاف هذا الطّريق فإنّ الإبتداء فيه من هذا السّير والسّير

الآفاقيّ إنّما يقطع في ضمنه ومنشأ حصول هذا السّير في الإبتداء هو اندراج النّهاية في البداية (وخاصّة أخرى) لهذا الطّريق الخلوة في الجلوة الّتي هي متفرّعة على تيسّر السّفر في الوطن فيسافر في بيت الخلوة الوطنيّ في عين تفرقة الخلوة ولا يتطرّق تفرقة الآفاق إلى حجرة الأنفس وهذه الخلوة وإن كانت متيسّرة لمنتهى طرق أخر ولكن لمّا تيسّرت في هذا الطّريق في الإبتداء صارت من خواصّ هذا الطّريق (وينبغي أن يعلم) أنّ الخلوة في الجلوة إنّما هي على تقدير غلق أبواب بيت الخلوة الوطنيّ وسدّ طاقاته يعني لا يلتفت في تفرقة الجلوة إلى أحد ولا يكون مخاطبا فيها ولا متكلّما لا أنّه يغمض عينيه ويعطّل بالتّكلّف حواسّه فإنّ ذلك مناف لهذا الطّريق (أيّها الأخ) إنّ كلّ هذا التّمحّل والتّكلّف إنّما هو في الإبتداء والوسط وأمّا في الإنتهاء فلا شيء يلزم فيه من هذه التّمحّلات بل فيه جمعيّة في عين التّفرقة وحضور في نفس الغفلة ولا يتوهّم أحد من هذا أنّ التّفرقة وعدم التّفرقة متساويتان في حقّ المنتهي مطلقا فإنّ الأمر ليس كذلك بل المراد أنّ التّفرقة وعدم التّفرقة متساويتان في حصول نفس جمعيّة الباطن ومع ذلك لو جمع الظّاهر مع الباطن ودفعت التّفرقة أيضا عن الظّاهر لكان أولى وأنسب قال الله سبحانه إرشادا لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: واُذْكُرِ اِسْمَ رَبِّكَ وتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (١).

(وينبغي) أن يعلم أنّه لا يكون في بعض الأوقات بدّ من تفرقة الظّاهر لتؤدّى حقوق الخلق فصارت تفرقة الظّاهر مستحسنة أيضا في بعض الأوقات وأمّا تفرقة الباطن فليست بجائزة في وقت من الأوقات أصلا فإنّه خالص للحقّ سبحانه فكانت ثلاثة حصص من العباد المسلمين للحقّ سبحانه تمام الباطن ونصف الظّاهر والنّصف الثّاني منه بقي لأداء حقوق الخلق ولكن لمّا كان في أداء تلك الحقوق امتثال أوامر الحقّ سبحانه كان ذلك النّصف الآخر أيضا راجعا إلى الحقّ سبحانه إليه يرجع الأمر كلّه فاعبده وتوكّل عليه وما ربّك بغافل عمّا تعملون (وفي) هذا الطّريق تقدّم الجذبة على السّلوك وابتداء السّير من عالم الأمر لا من عالم الخلق بخلاف أكثر طرق أخر وقطع منازل السّلوك مندرج فيه في ضمن طيّ معارج الجذبة. وسير عالم الخلق ميسّر في ضمن سير عالم الأمر فبهذا الإعتبار لو قيل إنّ في هذا الطّريق اندراج النّهاية في البداية لساغ فعلم من البيان السّابق آنفا أنّ سير الإبتداء (٢) مندرج في هذا الطّريق في سير الإنتهاء لا انّهم ينزلون من سير الإبتداء إلى سير الإنتهاء ويسيرون في البداية بعد تمام سير النّهاية فبطل زعم من قال إنّ نهاية هذا الطّريق بداية طرق سائر المشائخ. (فإن قيل) قد وقع في عبارة بعض مشائخ هذه الطّريقة أنّ سيرهم في الأسماء والصّفات يقع بعد تمام نسبتهم فصحّ أنّ نهايتهم بداية غيرهم فإنّ السّير في الأسماء والصّفات في الإبتداء بالنّسبة إلى السّير في التّجلّيات الذّاتيّة (أجيب) أنّ السّير في

__________

(١) الآية: ٨ من سورة المزمل.

(٢) اى السير الذى يقع في الابتداء في سائر الطرق وهو سير عالم الخلق مندرج في سير الانتهاء في تلك الطرق وهو سير عالم الامر فلا يلزم المحذور المذكور (القزاني رحمة الله عليه)

الأسماء والصّفات ليس هو بعد السّير في التّجلّيات الذّاتيّة بل يقع ذاك السّير يعني السّير في الأسماء والصّفات في ضمن هذا السّير يعني السّير في التّجلّيات الذّاتيّة غاية ما في الباب أنّ السّير الأسمائيّ والصّفاتيّ كلّما ظهر بسبب عروض بعض العوارض يستتر سير التّجلّيات الذّاتيّة ويتخيّل أنّه قد تمّ وشرع في التّجلّيات الأسمائيّة والصّفاتيّة وليس كذلك نعم قد يقع الرّجوع إلى العالم بعد تمام السّير في مدارج الولاية لدعوة الخلق إلى الحقّ جلّ وعلا فإنّ زعم ذلك الرّجوع نهايتهم وتخيّله بدايته فليس ذلك ببعيد ولكنّه ما يقول في مشائخه فإنّ لهم أيضا هذا الرّجوع في النّهاية (وأيضا) إنّ المراد بالبداية والنّهاية بداية الولاية ونهايتها وسير هذا الرّجوع لا تعلّق له بالولاية بل هو نصيب من مرتبة الدّعوة والتّبليغ وهذا الطّريق أقرب الطّرق وموصّل ألبتّة قال الخواجه بهاء الدّين النّقشبند قدّس سرّه: إنّ طريقنا أقرب الطّرق وقال سألت الحقّ سبحانه طريقا يكون موصّلا البتّة وصار سؤاله هذا مقرونا بالإجابة كما نقله في الرّشحات عن الخواجه أحرار قدّس سرّه وكيف لا يكون أقرب وموصّلا وقد اندرج الإنتهاء في ابتدائه فيا شقاوة من يدخل في هذا الطّريق ثمّ لا يقدر على الإستقامة عليه ويبقى بلا نصيب منه، (شعر):

ما ضرّ شمس الضّحى في الافق طالعة ... أن لا يرى ضوءها من ليس ذا بصر

نعم إذا وقع الطّالب في يد النّاقص فما ذنب الطّريق وما تقصير الطّالب فإنّ الموصّل في الحقيقة دليل هذا الطّريق لا نفس هذا الطّريق (وفي ابتداء) هذا الطّريق حلاوة ووجدان وفي انتهائه مرارة وفقدان وهو من لوازم اليأس بخلاف طرق اخر فإنّ في ابتدائها مرارة وفقدانا وفي انتهائها حلاوة ووجدانا (وأيضا) في ابتداء هذا الطّريق قرب وشهود وفي انتهائه بعد وحرمان بخلاف طرق سائر المشائخ الكرام ينبغي أن يقيس تفاوت الطّرق من هنا وأن يعرف علوّ هذا الطّريق العالي لأنّ القرب والشّهود والحلاوة والوجدان كلّ ذلك يخبر عن البعد والحرمان بخلاف المرارة والفقدان فإنّهما ينبئان عن نهاية القرب فهم من فهم ولنكشف في شرح هذا السّرّ هذا القدر وهو أنّه لا أقرب إلى أحد من نفسه ونسبة القرب والشّهود والحلاوة والوجدان مفقودة في حقّ نفسه وهي موجودة في حقّ غيره مع أنّ بينهما مباينة والعاقل تكفيه الإشارة (وأكابر) هذه الطّريقة العليّة جعلوا الأحوال والمواجيد تابعة للأحكام الشّرعيّة واعتقدوا أنّ الأذواق والمعارف خادمة للعلوم لا يعوّضون الجواهر النّفيسة الشّرعيّة بجوز الوجد وموز الحال مثل الأطفال ولا يغترّون بترّهات الصّوفيّة ولا يقبلون الأحوال الّتي تحصل بارتكاب المحظورات الشّرعيّة وخلاف السّنّة السّنيّة ولا يريدون ولهذا لا يجوّزون السّماع والرّقص ولا يقبلون على ذكر الجهر حالهم على الدّوام ووقتهم مستمرّ ومستدام التّجلّي الذّاتيّ الّذي هو كالبرق لغيرهم دائميّ في حقّهم والحضور الّذي في قفاه غيبة ساقط عن حيّز الإعتبار عند هؤلاء الأكابر بل معاملتهم فوق الحضور والتّجلّي كما مرّت الإشارة إليها. قال حضرة الخواجه أحرار قدّس سرّه إنّ أكابر هذه السّلسلة العليّة لا يقاسون على كلّ زرّاق ورقّاص فإنّ معاملتهم ونسبتهم عالية جدّا (والمشيخة والمريديّة) في هذا الطّريق

بتعليم الطّريقة وتعلّمها لا بالكلاه والشّجرة كما أنّ ذلك صار رسما في طرق أكثر المشايخ حتّى أنّ متأخّريهم جعلوا المشيخة والمريديّة منحصرة في الكلاه والشّجرة ومن ههنا لا يجوّزون تعدّد الشّيخ ويسمّون معلّم الطّريقة مرشدا لا شيخا ولا يراعون آداب المشائخ معه حقّ رعايتها وهذا من كمال جهالتهم ونقصان عقولهم أو لا يعلمون أن مشائخهم قالوا لشيخ التّعليم وشيخ الصّحبة أيضا شيخا وجوّزوا تعدّد الشّيخ بل قالوا إذا رأى الطّالب رشده في محلّ آخر جاز له أن يختار شيخا آخر ولو في حياة شيخه الأوّل بلا إنكار عليه وقد أخذ الخواجه النّقشبند فتوى صحيحا من علماء بخارى في تجويز هذا المعنى نعم إذا لبس من شيخ خرقة الإرادة لا يلبسها من غيره وأمّا خرقة التّبرّك فلا مانع من لبسها ولا يلزم من ذلك أن لا يتّخذ شيخا آخر أصلا بل يجوز أن يلبس خرقة الإرادة من شيخ وأن يتعلّم الطّريقة من آخر وأن يصحب ثالثا ولكن إن تيسّرت هذه الدّول الثّلاث من واحد فهي نعمة عظيمة ويجوز أن يستفيد التّعليم من مشايخ متعدّدة

وكذلك له أن يصحب مشائخ متعدّدة (وينبغي) أن يعلم أنّ الشّيخ هو من يري المريد طريق الحقّ سبحانه وتعالى وهذا المعنى ملحوظ وموجود في تعليم الطّريقة بل أزيد وأوضح وشيخ التّعليم هو أستاذ الشّريعة ودليل الطّريقة أيضا بخلاف شيخ الخرقة فينبغي إذا رعاية آداب شيخ التّعليم حقّ رعايتها وأن يكون هو أحقّ باسم الشّيخوخة (والرّياضات) والمجاهدات في هذا الطّريق إنّما هي بإتيان الأحكام الشّرعيّة والتزام متابعة السّنّة السّنيّة على صاحبها الصّلاة والسّلام والتّحيّة فإنّ المقصود من إرسال الرّسل وإنزال الكتب رفع أهواء النّفس الأمّارة الّتي انتصبت لمعاداة مولاها جلّ سلطانه فصار رفع أهواء النّفس مربوطا بإتيان الأحكام الشّريعة وكلّ من كان أرسخ في إتيان الأحكام الشّرعيّة يكون أبعد عن هواء النّفس الشّقيّة فإذا لا يكون شيء أشقّ على النّفس الأمّارة من امتثال الأوامر الشّرعيّة واجتناب مناهيها ولا يتصوّر انكسار بدون تقليد صاحب الشّريعة وما يختارون من الرّياضات والمجاهدات وراء تقليد السّنّة فليست هي بمعتبرة فإنّ جوكيّة الهنود وبراهمهم وفلاسفة اليونان شركاء في ذلك الأمر ولا تزيد الرّياضات في حقّهم شيئا غير الضّلالة والخسارة (وتسليك) الطّالب في هذا الطّريق مربوط بتصرّف الشّيخ المقتدى به لا يفتح الأمر بدون تصرّفه فإنّ اندراج النّهاية في البداية أثر من آثار توجّهه الشّريف وحصول المعنى المنزّه عن الكيف والمثال نتيجة كمال تصرّفه المنيف وكيفيّة الغيبة والذّهول الّتي اعتبروها طريقا مخفيّا ليس حصولها في اختيار المبتدئ والتّوجّه العاري عن الجهات السّتّ ليس وجوده في حوصلة الطّالب،

(شعر):

ما أحسن النّقشبنديّين سيرتهم ... يمشون بالرّكب مخفيّين للحرم



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!