موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

فقرات الخواجه عبيد الله احرار قدس سره

 

 


أنه خير مسئول واكرم مأمول وصلى الله على سيدنا أفضل رسول وعلى آله وأصحابه أهل القرب والوصول ماتعين الحق وتبين الصدق آمين.

معرب فقرات الخواجه عبيد الله احرار قدس سره

بسم الله الرحمن الرحيم

يا من شرح صدور العارفين بتجليات جلاله اعنا على ذكرك وشكرك وأغرقنا في لجة بحر برك فنحمد ربنا غواصين بحار اظهار صفات كماله لا نحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك صل بجلال قدسك على أكرم حامد لك محمدا أحمد محمود من جنك، وانسك واوحد موحد تجليت عنه بهيبتك وانسك صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى سائر بيت مقدس سيما على آله وصحبه أركان البيت الأقدس وبعد فإن الله تعالى أوجد العالم لآدم وأوجد آدم للخاتم وأوجد الخاتم لنفسه فجعل الكل مظهر وصفه مشرقا عليهم من سماء التوحيد بشعاع شمسه فظهر شروقه ظهور الذرة والهباء بالشمس الذي هو في رابع السماء فكما لا يمكن ادراك الذرة إلا بدخول الشمس من الخوخة فإن الشعاع إذا دخل منها تقوم الذرة عليه في هيأة خيط بمقدار وسع الخوخة وضيقها كذلك الذرة التي كانت في عالم العمى إذا اذابت بإشراق الحق حين نظر إليها قال السماء ثم استوى إلى السماء وهي دخان فتحقق منها الجهات الست المتره باريها عنها فقال لها وللأرض أتية طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فما ظهر من الوجود ليس إلا من ذوبان الذرة على نفسها من هيبة نظر الناظر الباطن الظاهر والعلويات كلها بمنزلة الخيط الشعاعي ابدى الظهور وإن أختلفت النشآت بظهور مقتضيات المتقابلات فالخواجة التي لا تسد في النشأتين هي الحقيقة المسماه بحقيقة الحقائق وهي الحقيقة المحمدية عليها أفضل الصلوات وأكمل التحيات وخيط الوجودات السيالة قائم بالشعاع المحمدي في كل بيت مقدس من آدم إلى انقراض هذا العالم بإنعدام البيت الذي يصلح لان يكون مكان الخوخة المذكورة نبوة وصديقية فإن الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم مقدسون قلبا وقالبا عن التوجه إلى غير الله فقلوبهم بيوت الحق في النشأة الدنيوية والكتب المنزلة عليهم مأدبة الحق ومائدته ولسانهم هو الداعي إلى الله سراجا منيرا ولا ترفع مائدة إلا بوضع الأخرى قال الله ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها فالشرائع السالفة نسخت بالمائدة المحدية والبيت المحمدي كان أعظم البيوت المقدسة لا جرم نزلت مائدته اعم الموائد قال الله تعالى وما أرسلناك إلا كافة للناس فلا ترفع مائدته أصلا بل يوضع طعام بدل طعام آخر والمائدة بحالها رحمة من ربه وفضلا كما أن موائد الانبياء عليهم السلام انتهت فلا يؤكل عليها إلا طعام يخص بها كذلك ينبغي أن يغلب الطاعم القدر المشترك من المطاعم في جميع الموائد عليها فيطعم منها كما يطعم وهو يطعم ولا يطعم فالحمد لله الذي جمع بين النبي والصديق ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فالمائدة نحمد الله ممدودة ولكن لا يطعمها إلا كل صديق يصلح أن يكون لمن انزلت هي عليه صديقا وفي الهجرة إلى الحق عن الباطل في جميع الأحوال رفيقا شفيقا واختصاص ابى بكر رضى بالنبي صلى الله عليه وسلم من بين الأمة لأنه رأس الصديقين ورئيسهم وما زفت المائدة المنزلية على محمد صلى الله عليه وسلم إلا في زمنه وآمن الناس به ثانيا بعد ارتدادهم وقاتل من فرق بين الصلاة والزكاة حتى قال لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها فأيد الدين بعد انهدامه بقتاله أهل الردة ومانعي الزكاة قال ع م نحن نقاتل على التنزيل وأبو بكر يقاتل على التأويل ومعناه بيان مقتضى المقامين من النبوة والصديقية لا الحصر

كما يدل عليه ورود الخبر الصحيح في مقاتلة ابى تراب رضي مع البغاة أيضا فكل من كان همته تأييد الدين فهو صديق زمانه يطعم من المائدة سواء طعم غيره أو لم يطعم إلا أن الصديق لأهل زمانه لا بد وأن يسعى اطعام غيره أيضا والأولياء كلهم بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وأقام الصلاة وايتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب وهؤلاء الصديقون قائمون على المائدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها نمد المائدة على قلوبهم التي لا يسعها غير الله فيلهم التعرض في أيام دهرهم للنفحات الربانية امتثالا لقوله عليه السلام أن لربكم في أيام دهركم نفحات الا فتعرضوا لها ولا يتعرض لها إلا الراسخ في العلم فأنهم من أهل التأويل إذ ليس تقلبهم متعلق سوى التفادي بأرواحهم للحبيب الحقيقي من فرط الحب كالصديق في الغار وابى تراب في الفراش والطريق إليه صلى الله عليه وسلم بعده منحصر في هذين لهذا يدل على ذلك امره عليه السلام بسد الخوخات إلى المسجد إلا خوختيمها أو خوخة أحدهما وسلسلة المشائخ كلهم منتهية إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طريق ابي تراب رض الا سلسلة الذهب وهي للنقشبندية فإنها واصلة إلى النبي عليه السلام من طرق اربع أحدها إلى الخضر عليه السلام وثانيها إلى الصديق من طريق الامام جعفر رض فإنه أخذ من جده قاسم بن محمد والقاسم اخذ من ابيه محمد ومحمد اخذ من أبيه أبى بكر رض وثالثها ورابعها إلى على كرم الله وجهه من طريق سيد الطائفة جنيد وطريق سلطان العارفين ابى يزيد البسطامي ولأجل هذا سميت هذه السلسلة بسلسلة الذهب وفضلت على غيرها من النسب وأسود غابات التأويل كلهم مطوقون بهذه السلسلة العظيمة التي هي ادراج النهاية في البداية فيذوق المبتدي فيها چاشنيا أي ذوقا من غيب الهوية ولا يحصل في غير هذه الطريقة الذوق المذكور إلا بعد الرياضات الشاقة وربما أيضا لا يحصل بعدها والسر في ذلك أن الاسد من شأنه أن يصطاد فيطعم ويطعم غيره ولا يطوق بسلسلة الذهب إلا الأسود والمنتهى في هذه السلسلة هو المطوق بها فهو في صيد الحقائق والمعارف أسد المعارك في وقته يطعم ويطعم كما كان وحيد زمانه وفريد أو أنه وأعرف العارفين بالله في دورانه تغمده الله بمغفرته ورضوانه ونعمه بمشاهدة جماله في أعلى جنانه حيث فنى عن حظوظ نفسه وعنى بما كان يومه خيرا من امسه أنعم الله عليه بجلائل نعمه الصورية والمعنوية وفضائل حكمه الدنيوية والأخروية فكان يتعرض لنفحات ربه في أيام دهره صائدا لغزلان عوالم الغيب بمخالب المشاهدة والعيان قائدا لها إلى مضيق الشهادة بمساعدة فرسان البيان معجز للفرس كلهم بفروسينه فعجزوا عن تحديه ولو في أدتى عبارة الميدان وانتفعوا بموائد بيانه على قدر أذهانهم واحتظوا بعوائد عيانه بعد طلوع بدر برهانهم فاقتضى الحال أن ينتفع بها العرب كانتفاع العجم ليتحقق بين الفريقين أنه كان ليث هذه الاجم كان على الحقيقة بيانا للشريعة والطريقة *

فما كان المسمى غاصب الاسم بم ... توجد في طريقته الأنيقة

حرى أن يعم الناس طرا ... بشرعته وهى له سليقه

حسام الحق مسلول من الغمد ... ضياء الصدق أظهر لي بريقه

كلام الله فرقته ثلاث ... فميز أنت من كل فريقه

طريق ابي تراب كان يمشي ... كصديق له في الحب ليقه

ولا تتعب بتميير الخلائق ... فهم يأتوك من مدن سحيقه

وأنت الكعبة العظمى بحق ... حقيق أن تطاف على الحقيقة

فذق طعم المعارف [ص: ٥٥٢] كي تجدها ... فقد ذاق الصفا من ذاق ريقه

وهذا ريق مولانا عبيد ... نسان الفردوس وهي لنا وثيقه

ذوقها لأبيه بالتماسه لذلك فادرج فيها بأقرب المعالج والمسالك فنقول أنه يقول سبب هذا التأليف المختصر أن والدى رزقه الله وايانا العمل بما فيه بناء على حسن ظنه بهذا الفقير امرني لما رجعت من الغربة إلى وطني أن اكتب له شيئا من كلام أهل الله يكون العمل به سببا للوصول إلى المقامات العلية والعلوم. الحقيقة الخارجة عن طور النظر والاستدلال قال عليه السلام من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم فوجب امتثال أمره على هذا الفقير لأن الأدب مع الحضرة الربوبية تقضي الأدب معه إذ الوالد واسطة وصول أثر ربوبية الحق جل وعلا إلى الولد وقال بعضكم في بيان الحقيقة من آداب المرأ مع الحضرة الربوبية تعظيم المظاهر التي قبلت أثر الربوبية لأنهم مظاهر تلك الأثر مثل الأب والأم وسائر من هو من قبيلها إذ هذا التعظيم راجع إلى الرب حقيقة وإليه يرجع الأمر كله فامتثلت امره وذكرت في هذا المختصر ما يكون سببا لحصول المعرفة المطلوبة من الانسان فالملتمس من الناظر فيه أن لا يسند الكلام إلى مؤلفه بل يراه في قبضة تصرف الحق جل ذكره كالقلم في يد الكاتب فإنه إذا لم ينسب الأمر إلى مؤلفه دخل في زمرة الذين علومهم حاصلة عن الحق بلا واسطة لأن الوجود المجازى عندهم في حكم العدم كما قال بعض العارفين من أصحاب العيان مخاطبا لأرباب النظر والبرهان انكم اخذتم علومكم ميتا عن ميت ونحن أخذنا علومنا من الحي الذي لا يموت ومن كان وجوده مستفادا من غيره فحكمه عندنا حكم للاشيء فليس للعارف معول غير الله قطعا وبالله استعين وعليه أتوكل ولا حول ولا قوة إلا بالله قال الله تعالى وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون قال لمفسرون المراد بالعبادة ههنا هي المعرفة إذ العبادة بحسب تبادها إلى الفهم تتعلق بأعمال الجوارح ولو حمل إلى ما هو المتبادر منها لا يستقيم المعنى إذ الغرض والغاية من خلق الخلق ليس مجرد الأعمال الظاهر بل الأعمال الظاهرة تابع للمعرفة والمعرفة هي المقص بالذات وبعض الصوفية اراد العبادة بالمعنى الأعم إذ العبادة عندهم تشمل الأعمال الظاهرة والباطنة والمعرفة عمل القلب ولا حاجة إلى التأويل والمحققون متفقون على أن المعرفة لا تحصل إلا بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم ومتابعته موقوفة على العلم بما يجب متابعته فيه رواه الشيخان من حديث نعمان بن بشير رضي الله عنه فاعلم أن للنبي قولا ع م وفعلا وحالا فالقول يتعلق بلسانه والفعل يتعلق بظاهره حاله يتعلق بباطنه فمتابعته صلعم في قوله أن لا يجرى على لسانه ما يخالف شرعه عليه ع م مثل الغيبة والكذب والكلام الذي فيه ايذاء للمسلم وغير ذلك وان يتكلم بما يكون سببا لنورانينة قلبه مثل قراءة القرآن والادعية المأثورة عن النبي عليه السلام ويرغب عباد الله إلى شريعته ويجب أن يكون في قراءة القرآن والأدعية بحيث يعتبر بلسانه عما في قلبه فإنه لو لم يكن كذلك كان شاهد الزور هذا إذا كان عالما واما إذا كان اميا فليعتقد بقلبه أن القرآن كلام الله عز وجل فيشرع في قرآنه بالتعظيم وحضور القلب بملاحظة عظيمة ربه الكريم ومتابعة فعله ع م وان يزين ظاهره بشريعته ولا يترك سنته وآدابه فإنه بمقدار ما ترك منها ينقص من دينه وأيضا متابعته عليه السلام في فعله بمعاونة الأخوان المؤمنين بيده وسائر الجوارح فيما يحتاجون إليه كله موجب صفاء ونور خصوصا اذا كانت معاونته في قضاء حوائج المتوجهين إلى جناب الحق سبحانه لأن الله تعالى أظهر هذه الطائفة لمحبته فيجب منهم دوام التوجه إليه إذ قلبهم في حالة التوجه إلى الحق

مرآة مصقولة يظهر فيها جماله وقد يقع لهم التوجه بواسطة البشرية إلى الأكل والشرب واللباس وغير ذلك فيتكدر باطنهم بمقدار تعلق ظاهرهم بالامور المذكورة اللازمة لهم بالضرورة وبمقدار ذلك الغبار يحجبون من مشاهدة جماله فصاحب الدوله الذي وفقه الله لكفائة أمورهم الضرورية له نصيب تام من معانيهم ضرورة اذ كفايته لأمورهم سبب رجوعهم إلى حالهم من مشاهدة الحق فكأنه هو الذي وجههم إلى الله بالدوام واحسن من هذا في تحقيق هذا الكلام أن يقال الموفق لقضاء حوائج المتوجهين إلى الله أن كان شاكرا لربه بما انعم عليه في التوفيق المذكور فهو مظهر اسمه الكافي تبارك اذ الشكر منه يدل على انه ما اسند الأمر إلى نفسه حيث قال الحمد لله الذي جعل كفاية أمور وليه على يدى فهو ح متخلق بالاسم الكافي وورد في الحديث النبوي أن من تخلق بخلق من اخلاق الله فهو محرم على النار ولباطن النبي صلعم مراتب من النفس والقلب والسر وغيرها وقد أعطاه الحق عز اسمه بحسب كل مرتبة منها كما لا يناسب تلك المرتبة ويجب على المسلم متابعة المذكورة إلا بالوقوف على آدابها ومعرفة آدابها على حسب الكمال ليس في وسع أحد من الانبياء والأولياء ولكن للمجتهد فيها على قدر حاله من تلك الكمالات نصيب فمتابعته في مرتبة نفسه أن يخالف هواها ملجما لها عن الميل إلى خلاف الشرع، فإذا داوم على هذا تحصل لنفس المتابع مناسبة تامة بنفسه ع م وبقدر المناسبة ينجذب نفس المتابع من نفس المتبوع مثل الفتيلة التي تجذب النار إلى نفسها بواسطة دخان الزيت فيترقى عن درجة التقليد بقدر انجذابه عن صفات النبي ع م وقس على هذا متابعته له في سائر المراتب لتحصيل الكمالات المناسبة للتك واذا كملت المناسبة وبينه وبين النبي عم بواسطة المناسبة حق للمرأ ان يكون محبوبا لله تعالى قال الله قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فيطلعه الحق ح على أسراره في الملك والملكوت وهذه المحبة عائدة إلى النبي ع م إذا اتصافه بأوصاف النبي ع م سبب لها وان كان استعداده لذلك الاتصاف محض فضل الله وكرمه ولو ابصرت بعين الحقيقة وجدت الحق هو المحبوب لذاته وهو المحب أيضا يحبهم ويحبونه كلام له فلا يحب سواه لأنه العلة إذ صاحب الجمال لا يحب المرآة لذاتها بل لأنها آلة لمشاهدته لجماله والحق سبحانه تعالى في مرآة وجودت الانبياء والأولياء بمقدار استعدادهم يتجلى بذاته وصفاته وكل مرآة صقالتها بحسب الاستعداد أكثر فالتجليات فيها أتم وأظهر ولهذا وقع التفاضل بين الأنبياء بعضهم على بعض اشارة إلى ما قلنا من التفاضل ولما كان استعداد المرآة المحمدي صلى الله عليه وسلم أكمل من المجموع لا جرم ظهور آثار التجليات بحسب الذات والصفات فيه اتم من الكل وامته بواسطة متابعته لهم منها نصيب تام فألبسوا لذلك من الله تعالى خلعة الخيرية بالنسبة إلى الأمم المتقدمة كما قال الله كنتم خير أمة اخرجت للناس ومن هنا قال ع م ولقد تمنى اثنا عشر ألف نبيا أن يكون من أمتي إذ علم المتمنون أن حصول تلك المراتب العلية موقوفة بمتابعته عليه فعلو هممهم اقتضى أن يكون لهم الكمال الموقوف بمتابعته فتمنوا ان يكونوا من امته واذا علم أنه لا تنال مرتبة من مراتب الكمال الا بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم فيعلم أيضا أن متابعة صلى الله عليه وسلم على حسب الكمال إنما هو بكون القلب منزها عن التعلق بغير الحق سبحانه منقطعا عن العلائق البدنية والعوائق الكونية بالكلية وانقطاع القلب عن غير الله لا يحصل الا بلسع حية الحب لكبده المشوي بنار الشوق والقلق والمحبة وان كانت من المواهب لكن ظهور هذه الموهبة بالتدريج موقوفة على حصول شرائط

ملاكها تخلية القلب عما سوى المحبوب الحقيقي وللوصول إلى حصول هذه الدولة العظمى طريقا ما سلكها احد إلا وصل المقصود وهي أن يذكر اسم المحبوب الحقيقي ابتداء بلسانه ويحضره بقلبه منزلا اسمه على مسماه المحيط علمه بالاشياء من غير فتور في هذا الذكر حتى يغوص حديث النفس في القلب بذكره فإذا رأى قلبه ذاكرا للمحبوب وانحصر في ذكره حديث النفس ينبغي أن لا يرضى بذلك فيترك الذكر بل يداوم على الذكر حتى يلتذ قلبه من ذكره فيترقى بالمداومة المذكورة أيضا إلى أن ينقطع قلبه عن الالتذاذ بغيره من سائر اللذات الدنيوية والأخروية فلا يبقى لقلبه ح متعلق سواه فيكون كله مشغولا بحيث لو اراد أن يحب غيره ولو بالتكلف ما يمكن من ذلك والمكالمة والمناجاة اللتان يحصلان للسانك إنما هما في هذه الحالة فيصير ح بحيث لو تكلم مع أحد كان الكلام معه وكذا لو نظر إلى أحد كان ناظرا إليه وهذا هو الحضور المنزه عن الغيبة المعبر عنه في الحديث القدسي بقوله ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي ويبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده الذي يبطش به ورجله الذي يمشي به وعقله الذي يعقل به فخ لا تمنعه الاشتغال الصورية الضرورية عن هذه العلاقة الحبية المعنوية إذ تمكن باطنه عن مناجاة الحق وهو بظاهره مع الخلق فهو كائن بائن وهذا المعنى عبارة عن بلوغ السالك كما قالت رابعه رض (شعر)

ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي ... وأبحث جسمي من أراد جلوس

فالجسم مني للجليس مؤانس ... قلبي في الفؤاد انيسي

فصاحب الدولة الذي حصل له في الدنيا هذا التعلق الحبي بالحق سبحانه إذا فارق روحه من بدنه يحصل وصال واتصال دائمي بربه فإن القلب الذي شفعه الحب وإن كان واصلا إلى محبوبه في هذا العالم ولكن يقع عليه حجاب رقيق لأجل المقتضيات البشرية فلما انقطع الروح عن الجسد زال ذلك الحجاب بالكلية اذ زوال العلة التامة للشيء يستلزم زوال معلومها والجسد علة الحجاب الرقيق وقد زالت مزاحمته لروح المحب المذكور بالموت الطبيعي فلا حجاب لهذا الروح بعد الموت اصلا (تمثيل) اذا اردنا أن نشغل أناسا بمحبة محبوب فطريقه أن يقى في الحارة الفلانية محبوب كذا وكذا نعته مما يستلزم التوجه إليه فينبغي أن تحبه لأنك اذا احببته تلتذ بمحبته فتفوز بوصاله والانسان مجبول بمحبة ما يلتذ منه فيميل قلبه بمجرد سماع نعته إلى محبته ولكنه ما يعرف طريق تحصيل هذه السعادة فالطريق له أن يق له ما يمكنك الاستسعاد بها إلا بان تكثر من ذكره وتزجر قلبك عن الاشتغال بغيره فيميل إليه واذا داوم على الذكر بزيد الميل فيلتذ قلبه من هذا الميل بازدياد اللذة إلى أن تستحكم العلاقة التي هي الارتباط الحيي فلا يبقى في يده زمام اختيار القلب اذ شغفته محبته فيحبه سواء اراد او لم يرد فلا تسع القلب محبة الغير بل لا يسعه الاشتغال باسم المحبوب فينسى الاسم من غلبة المسمى عليه ويترقى من هذا الحال إلى مرتبة استيلاء نفس الحب كما قال العامري لليلى دعيني فقد شغلني حبك عنك بانصباغ طرفيه بصبغة وهي الوحدة المحظة صبغة الله ومن احسن من الله صبغة اذا علم ان حصول المحبة إنما هو في الاشغال باسمه فاعلم أن أفضل الاذكار ذكر لا إله إلا الله اذ هذه الكلمة مركبة من النفي والاثبات والحجب الحاصلة للعبد إنما هي بواسطة انتقاش الصور الكونية في القلب وفي هذا الانتقاش اثبات الغير ونفي الحق فلا يحصل القرب إلا برفع الحجاب وذلك بإثبات الحق ونفي الغبر كما هو المفهوم من هذه الكلمة الطيبة فالمبتدي اذا اراد أن يشتغل بها فليقصر امله وليحصر حياته في النفس الذي هو فيه وفي هذا

النفس الذي تيقنه آخر انفاسه أن يشتغل بالذكر المذكور وطريقه أن ينحى عن قلبه غير الحق بقول لا إله ويلاحظ الحق عز وجل بالمعبودية والمحبوبية في قول إلا الله بحيث يضمر في قلبه كل مرة يقولها أن لا معبود إلا الله وليكن اشتغاله بالذكر منزها عن الترك وتطرق الفتور فإذا عرضته فغلة فليعتقد من باب التمثيل إن كان معه در ثمين عديم النظير وهو الآن ضالة فيتحزن لذلك بلا ريب كذلك يتحزن من فوات الحالة المذكورة وهذا التحزن علامة تأثر القلب عن الذكر فإذا دام على هذه الحالة يصل إلى مقام لو ترك الذكر بلسانه فالقلب مشغول به ولكن لا يكتفي بذلك بل يستوعب اوقاته للاشتغال به على القاعدة المقررة للنقشبندية من الصاق اللسان بالحنك الأعلى وحبس النفس في السرة ورعاية الحركات الثلاث مبتديا من السرة ومنتهيا إلى القلب والحركة الوسطى إلى المنكب الأيمن في النفي والاثبات إلى أن يصل مرتبة يغلب ذكر الحق على سائر الأشياء ويداوم على الذكر حتى يتدارج إلى انفراد حقيقة القلب بالمذكور لاستيلاء سلطان المحبة عليه فلا يبقى في القلب محبة الغير فيتحقق تعلقه بالحق فيستوي على عرشه الأعظم متكلما سميعا بصيرا مريدا قديرا وحصول هذه السعادة للقلب إنما هو لأن الله تعالى خلق القلب بحيث ما يمكنه إلا أن يكون متعلقا بشيء فإذا انقطع تعلقه عن الغير بالطريق المذكور لم يبق إلا انه يتعلق بالحق سبحانه اراد العبد أو لم يرد وفي هذه المرتبة يصير الذكر صفة ذاتية للقلب وحقيقة الذكر التي هي منزهة عن الحرف والصوت تتحد مع جوهر القلب المعبر عنه بالنكتة الذاتية فيحيط الحبيب بفضاء القلب بعد إحاطة ذكره بالفضاء المذكور وشتان ما بين الاحاطتين فإن احاطة الحبيب بقضاء القلب إنما هي نتيجة المحبة المفرطة المسماة بالعشق فيترقى من هذا المقام إلى أن يفنى الوجود الموهوم في الوجود الحقيقي فيصير الذاكر عين المذكور وتتبدل الذاكرية بالمذكورية فيظهر للذاكر في حقيقة قولهم لا يذكر الله الا الله واذا حكم بفناء وجوده الموهوم فيحكم بفناء جميع الأشياء الموهومة أيضا فيتجلى له قوله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه ويكشف جمال قوله لمن الملك اليوم لله الواحد القهار عن وجهه برافع الاستتار فيكون موحدا حقيقيا كما قال (شعر)

ما وحد الواحد من واحد ... إذ كل من وحده جاحد

توحيد اياه توحيده ... ونعت من ينعته لاحد

ففي البيتين إشارة إلى حصول هذه المرتبة العليا لخواص عباده في دار الدنيا وكانت المتابعة سبب حصول هذه المرتبة العلية فمن اراد هذا التحصيل فليجالس من يوافق ظاهره الشريعة المحمدية وباطنه بواسطة المتابعة في المراتب المذكورة مظهرا للكمالات اذ القلب مجبول على التأثر من الجليس أن خيرا فخير وان شرا فشر بحيث لو جلس أحد مع محزون يتأثر من حزنه واذا جلس مع مسرور يتأثر من مسرته وان جالسهما يتمكن فيه الصقتان وهذا من كمال قابلية القلب ولو لا هذه القابلية لما حصلت له الكمالات المذكورة فمن جالس هذه الطائفة يتأثر باطنه عن باطنهم فيميل قلبه إلى الحق جل وعلا وبمقدار ميله ينقطع عما سواه وبمقدار انقطاعه يزيد الميل فازدياد الميل سبب ازدياد الانقطاع وازدياد الانقطاع سبب لميل آخر وهلم جرا إلى أن لا يبقى له ميل إلى الغير وربما يحصل هذا الحال لبعض ارباب القابلية في صحبة هذه الطائفة بنظرة واحدة فينقطع قلبه عن غير الله ويتوجه بكلية قلبه إلى ربه ومولاه وهذا هو الوصول في مرتبة من المراتب ولكن الثبات على هذه الحالة مشكل لا يعرفه الا ارباب معاملة القلب وقد يحصل هذه السعادة للسالك في صحبة أهل الله وما يشعر بها لضعف استعداده والثبات عليه منوط بدوام



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!