موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(259) المكتوب التاسع والخمسون والمائتان إلى المخدوم زاده الخواجه محمد سعيد قدس سره في بيان فوائد إرسال الرسل وعدم استقلال العقل في معرفته تعالى وبيان الحكم الخاص فيمن نشأ في شاهق الجبل ومشركي زمن الفترة وأطفال مشركي دار الحرب وتحقيق بعثة الأنبي

 

 


(٢٥٩) المكتوب التّاسع والخمسون والمائتان إلى المخدوم زاده الخواجه محمّد سعيد قدّس سرّه في بيان فوائد إرسال الرّسل وعدم استقلال العقل في معرفته تعالى وبيان الحكم الخاصّ فيمن نشأ في شاهق الجبل ومشركي زمن الفترة وأطفال مشركي دار الحرب وتحقيق بعثة الأنبياء في أرض الهند من الهند سابقا وما يناسبه

الحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربّنا بالحقّ بأيّ لسان يؤدّي شكر نعمة إرسال الرّسل عليهم الصّلاة والتّسليمات وبأيّ قلب يعتقد المنعم بها وأين للجوارح أن تكافئها بالأعمال الحسنة فلولا هؤلاء الكبراء من كان يدلّ أمثالنا القاصرين على وجود الصّانع ووحدته جلّ سلطانه ولم يهتد قدماء فلاسفة اليونان إلى وجود الصّانع جلّ شأنه مع وجود الذّكاوة فيهم حتّى نسبوا إيجاد الكائنات إلى الدّهر ولما سطع أنوار دعوة الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام يوما فيوما ردّ متأخّروهم ببركة تلك الأنوار مذهب قدمائهم وقالوا بوجود الصّانع جلّ شأنه وأثبتوا وحدانيّته تعالى فعقولنا بمعزل عن إدراك هذا المطلب العالي بلا تأييد من أنوار النّبوّة وأفهامنا بعيدة عن الوصول إلى هذه المعاملة بدون وساطة وجود الأنبياء عليهم الصّلوات والتّحيّات يا ليت شعري ماذا أراد أصحابنا الماتريديّة من قولهم باستقلال العقل في بعض الامور كإثبات وجود الصّانع تعالى ووحدانيّته سبحانه فكلّفوا من نشأ في شاهق الجبل وعبد الصّنم بهما وإن لم تبلغه دعوة الرّسول وحكموا بترك النّظر فيهما بكفره وخلوده في النّار ونحن لا نفهم الحكم بالكفر والخلود في النّار الّا بعد البلاغ المبين والحجّة البالغة المنوطة بإرسال الرّسل.

نعم العقل حجّة من حجج الله تعالى ولكنّه ليس بحجّة بالغة في المحجّة حتّى يترتّب عليه أشدّ العذاب. فإن قلت: فإن لم يكن من نشأ في شاهق الجبل وعبد الصّنم مخلّدا في النّار يكون في الجنّة بالضّرورة وذا غير جائز فإنّ دخول المشركين الجنّة حرام ومأواهم النّار قال الله تعالى حاكيا عن عيسى على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام: إنّه من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنّة ومأواه النّار. والواسطة بين الجنّة والنّار غير ثابتة وأصحاب الأعراف يدخلون الجنّة بعد مدّة فالخلود إمّا في الجنّة وإمّا في النّار.

قلت: إنّ هذا السّؤال مستصعب جدّا وولدي الأرشد يعرف أنّه كرّر هذا السّؤال إلى هذا الفقير من مدّة كثيرة ولم يجد له جوابا شافيا وما قال صاحب الفتوحات المكّيّة في حلّ هذا السّؤال من إثبات بعثة نبيّ يوم القيامة لاجل دعوة هؤلاء القوم. والحكم بدخول الجنّة والنّار على حسب إنكارهم وإقرارهم غير مستحسن عند هذا الفقير؛ لأنّ الآخرة دار الجزاء لا دار التّكليف حتّى يبعث فيها نبيّ وبعد مدّة مديدة كانت عناية الحقّ جلّ سلطانه دليلا وهاديا وانحلّ هذا المعمّى وكشف أنّ تلك الجماعة لا يخلّدون لا

في الجنّة ولا في النّار بل يعذّبون ويعاقبون بعد البعث والإحياء في الآخرة على قدر جريمتهم في مقام الحساب وتستوفى منهم الحقوق ثمّ يجعلون بعد ذلك معدوما مطلقا ولا شيئا محضا مثل حيوانات غير مكلّفة فلمن يكون الخلود ومن يكون مكلّفا ولمّا عرضت هذه المعرفة الغريبة في محضر من الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام صدّقها جميعهم وقبلوها والعلم عند الله سبحانه وتعالى والحكم بإخلاد الحقّ سبحانه وتعالى عبده في النّار وتأبيد عذابه بمجرّد العقل الّذي مجال الخطإ والغلط كثير فيه جدّا من غير بلاغ بيّن بوساطة الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام مع كمال رأفته ورحمته تعالى يثقل على هذا الفقير جدّا كما يثقل الحكم بالخلود في الجنّة مع وجود الشّرك كما يلزم ذلك على مذهب الأشعريّ لعدم القول بالواسطة بين الجنّة والنّار فالحقّ ما ألهمت به من إعدامه بعد استيفاء محاسبة يوم الحشر كما مرّ وهذا هو حكم أطفال مشركي دار الحرب عند الفقير أيضا قال فإنّ دخول الجنّة منوط بالإيمان إمّا بالأصالة وإمّا بالتّبعيّة وإن كانت تبعيّة دار الإسلام كما هو في أطفال أهل الذّمّة والإيمان مفقود في حقّهم مطلقا فلا يتصوّر دخولهم الجنّة ودخول النّار والخلود فيها مربوط بالشّرك بعد ثبوت التّكليف وهذا أيضا مفقود في حقّهم فحكمهم حكم البهائم من الإعدام بعد البعث والنّشور للحساب واستيفاء الحقوق وهذا هو الحكم أيضا في مشركي زمن فترة الرّسل الّذين لم تبلغهم دعوة نبيّ من الأنبياء.

(أيّها الولد) إنّ هذا الفقير كلّما يلاحظ ويجيل النّظر لا يجد محلّا لم تبلغه دعوة نبيّنا عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام بل يكون محسوسا أنّ نور دعوته صلّى الله عليه وسلّم بلغ كلّ محلّ مثل نور الشّمس حتّى اليأجوج والمأجوج الّذين حال بينهم السّدّ وان ألاحظ في الامم السّابقة لا أجد بقعة لم يبعث فيها نبيّ حتّى في أرض الهند الّتي ترى بعيدة عن هذه المعاملة أجد أنبياء كانوا مبعوثين من أهل الهند ودعوا إلى الحقّ جلّ شأنه ويشاهد في بعض بلاد الهند أنوار الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام في ظلمات الشّرك كالمشاعل المسرّجة فإن شئت عيّنت تلك البلاد وأرى نبيّا لم يصدّقه أحد ولم يقبل دعوته ونبيّا آخر آمن به شخص وآخر صدّقه شخصان وصدّق البعض ثلاثة ولا يقع النّظر على أزيد من ثلاثة آمنوا بنبيّ في الهند ولا أرى نبيّا آمن به واتّبعه أربعة وما كتبه رؤساء كفرة الهنود من وجود الواجب وصفاته ومن تنزيهاته وتقديساته كلّ ذلك مقتبس من أنوار مشكاة النّبوّة لأنّه مضى في كلّ عصر من الامم السّابقة نبيّ من الأنبياء وأخبروا عن وجود الواجب وصفاته الثّبوتيّة ومن تنزيهاته وتقديساته سبحانه وتعالى.

فلو لا وجود هؤلاء الكبراء كيف كان هؤلاء المخذولون بعقولهم القاصرة العمياء المتلوّثة بظلمات الكفر والمعاصي مهتدين إلى هذه الدّولة وعقول هؤلاء المخذولين النّاقصة حاكمة في حدّ ذاتها بالوهيّتهم ولا يثبتون إلها سواهم كما قال فرعون مصر (ما علمت لكم من إله غيري) وقال أيضا: لان اتّخذت إلها غيري لأجعلنّك من المسجونين.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!