موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(277) المكتوب السابع والسبعون والمائتان إلى الملا عبد الحي في بيان علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين وهذا من العلوم المناسبة لوسط الحال ونهاية الشهود هنا هو الشهود الأنفسي بل شهود ما وراء الأنفس بل نفس الشهود ليس بشيء بالنسبة إلى الوصول كما

 

 


وعلى سائر من اتّبع الهدى والتزم متابعة المصطفى عليه وعلى آله وعلى إخوانه الصّلوات والتّسليمات العلى.

(٢٧٧) المكتوب السّابع والسّبعون والمائتان إلى الملّا عبد الحيّ في بيان علم اليقين وعين اليقين وحقّ اليقين وهذا من العلوم المناسبة لوسط الحال ونهاية الشّهود هنا هو الشّهود الأنفسيّ بل شهود ما وراء الأنفس بل نفس الشّهود ليس بشيء بالنّسبة إلى الوصول كما يلوح ذلك من سائر مكتوباته ورسائله

اعلم أرشدك الله أنّ علم اليقين بذات الحقّ سبحانه عبارة عن شهود الآيات الدّالّة على قدرته تعالى وتقدّس ويقال لذلك الشّهود سيرا آفاقيّا وأمّا الشّهود والحضور الذّاتيّان فليس شيء منهما بمنصور في غير السّير الأنفسيّ وهو لا يكون في غير نفس السّالك، شعر:

فلسوف تعلم أنّ سيرك لم يكن ... الّا إليك إذا بلغت المنزلا

وما يشاهده في خارجه فهو من قبيل مشاهدة الآثار والدّلائل على ذاته تعالى لا مشاهدته عزّ سلطانه قال قطب المحقّقين سيّد العارفين ناصر الدّين الخواجه عبيد الله قدّس سرّه: إنّ السّير على نوعين سير مستطيل وسير مستدير فالسّير المستطيل بعد في بعد والسّير المستدير قرب في قرب والسّير المستطيل طلب المقصود من خارج دائرة نفسه والسّير المستدير الدّوران حول قلبه وطلب المقصود من نفسه فالتّجلّيات الكائنة في الصّور الحسّيّة والمثاليّة وكذلك التّجلّيات الكائنة في حجب الأنوار داخلة في علم اليقين أيّ صورة كانت وأيّ نور كان وسواء كان النّور مكيّفا وملوّنا أو متناهيا أو لا محيطا كان بالكائنات أو لا قال مولانا المخدوم عبد الرّحمن الجاميّ قدّس الله سرّه السّامي في شرح اللّمعات عند بيان معنى هذا البيت، شعر:

يا من طلبته من جميع مكان ... وسألت عنه أقاصيا وأداني

إنّ هذا إشارة إلى المشاهدة الآفاقيّة الّتي تفيد علم اليقين وحيث انّها لا تخبر عن المقصود ولا تعطي حضوره لا جرم تكون كشهود الدّخان والحرارة الدّالّين على ذات النّار فلا يخرج ذلك الشّهود من دائرة العلم ولا يكون مفيد العين اليقين ومفنيا لوجود السّالك وعين اليقين عبارة عن شهود الحقّ سبحانه بعد أن كان معلوما بالعلم اليقينيّ وهذا الشّهود مستلزم لفناء السّالك وعند غلبة هذا الشّهود يكون تعيّنه متلاشيا بالكلّيّة ولا يبقى أثر منه في عين شهوده ويكون فانيا ومستهلكا في الشّهود وهذا الشّهود معبّر عنه عند هذه الطّائفة العليّة قدّس الله أسرارهم بالإدراك البسيط ويقال له أيضا معرفة والعوامّ يشاركون الخواصّ في هذا الإدراك ولكنّ الفرق بينهما هو أنّ شهود الخلق لا يكون مزاحما في الخواصّ لشهود

الحقّ جلّ وعلا بل ليس المشهود بعيون شهودهم غير الحقّ سبحانه وأمّا العوامّ فهو مزاحم له فيهم ولهذا فيهم ذهول تامّ عن هذا الشّهود وليس لهم خبر عن هذا الإدراك، وعين اليقين هذا حجاب علم اليقين كما أنّ علم اليقين حجابه وعند تحقّق هذا الشّهود لا يدرك شيء غير الحيرة والجهالة لا مجال للعلم في ذلك الموطن أصلا. قال بعض الكبراء قدّس الله تعالى سرّه: علم اليقين حجاب عين اليقين وعين اليقين حجاب علم اليقين.

وقال أيضا: وعلامة من عرف حقّ المعرفة أن يطّلع على سرّه فلا يجد علما به فذلك الكامل في المعرفة الّتي لا معرفة وراءها. وقال بعضهم أيضا قدّس الله أسرارهم العليّة: أعرفهم بالله أشدّهم تحيّرا فيه.

وحقّ اليقين عبارة عن شهوده سبحانه بعد ارتفاع التّعيّن واضمحلال المتعيّن وشهوده هذا للحقّ بالحقّ سبحانه لا به لا يحمل عطايا الملك الّا مطاياه وذلك يتصوّر في البقاء بالله الّذي هو مقام بي يسمع وبي يبصر الّذي يهب الحقّ سبحانه فيه للسّالك وجودا من عنده بمحض عنايته بعد تحقّقه بالفناء المطلق الّذي هو الفناء في ذاته وصفاته سبحانه وتعالى ويخرجه من السّكر والغيبة إلى الصّحو والإفاقة ويقال لهذا الوجود الوجود الموهوب الحقّانيّ وفي ذلك الموطن لا يكون العلم حجابا للعين ولا العين حجابا للعلم بل يكون في عين الشّهود عالما وفي عين العلم مشاهدا وهذا التّعيّن هو الّذي يجده العارف في ذلك الموطن عين الحقّ سبحانه لا التّعيّن الكونيّ فإنّه لم يبق منه أثر في نظر شهوده ولأنّه من التّجلّيات الصّوريّة الّتي هي أن يجد السّالك التّعيّنات والصّور عين الحقّ سبحانه وهي تعيّنات كونيّة لم يتطرّق إليها الفناء أصلا فأين أحدهما عن الآخر ما للتّراب وربّ الأرباب وظاهر العبارة وإن كان عند العوامّ موهما لعدم الفرق بين التّجلّي الصّوريّ الّذي هو وجدان السّالك نفسه عين الحقّ وبين حقّ اليقين الّذي هو أيضا وحدانه نفسه عين الحقّ لكن في الحقيقة فرق بينهما وهو أنّ التّعبير بأنا في التّجلّي الصّوريّ يقع على الصّورة في حقّ اليقين على الحقيقة وأيضا أنّ السّالك يرى الحقّ سبحانه في التّجلّي الصّوريّ بنفسه وفي هذا الموطن يرى الحقّ بالحقّ سبحانه لا بنفسه فإنّه لا يمكنه فيه رؤية نفسه فإطلاق الشّهود في التّجلّي الصّوريّ على سبيل التّجوّز فإنّه لا يمكن رؤية الحقّ بغير الحقّ سبحانه وهي في مرتبة حقّ اليقين الّتي تتحقّق فيها حقيقة الشّهود وبعض شيوخ الزّمان لمّا لم يطّلع على هذا الفرق ولم يعلم تعيّنا سوى التّعيّن الكونيّ أطال لسان الطّعن في الأكابر قدّس الله تعالى أسرارهم في تفسيرهم حقّ اليقين على النّهج الّذي قرّرته وزعم أنّ هذا اليقين قد يحصل في التّجلّي الصّوريّ الّذي هو أوّل القدم في السّلوك وهم فسّروا به حقّ اليقين الّذي هو نهاية الأقدام فكيف يستقيم بل حكم أنّ الحقّ اليقين الّذي حصل لهم في النّهاية يحصل لنا في التّجلّي الصّوريّ الّذي هو أوّل أقدامنا والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم والسّلام.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!