موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(285) المكتوب الخامس والثمانون والمائتان إلى السيد محب الله المانكپوري في بيان أحكام السماع والوجد والرقص وبعض المعارف المتعلقة بالروح

 

 


بعد أزمنة متطاولة حتّى يتشرّف بها واحد ويحال الآخرون على علمه ويجعلون من متطفّليه كما أنّ الأنبياء أولي العزم صلوات الله وتسليماته عليهم كانوا يبعثون بعد مدّة مديدة وكان كلّ منهم يختصّ بأحكام متمايزة وكان بقيّة الأنبياء يؤمرون باتّباعهم ويكتفون بالدّعوة بتلك الأحكام،

(شعر):

ليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد.

والسّلام.

(٢٨٥) المكتوب الخامس والثّمانون والمائتان إلى السّيّد محبّ الله المانكپوريّ في بيان أحكام السّماع والوجد والرّقص وبعض المعارف المتعلّقة بالرّوح

بسم الله الرّحمن الرّحيم. الحمد لله وسلام على عباده الّذين اصطفى. اعلم أرشدك الله إلى طريق السّداد وألهمك سبيل الرّشاد أنّ السّماع والوجد نافع لجماعة متّصفون بتقلّب الأحوال ومتّسمون بتبدّل الأوقات ففي وقت حاضرون وفي وقت غائبون وأحيانا واجدون وأحيانا فاقدون وهم أرباب القلوب ينتقلون في مقام التّجلّيات الصّفاتيّة عن صفة إلى صفة ويتحوّلون من اسم إلى اسم، تلوّن الأحوال نقد وقتهم وتشتّت الآمال حاصل مقامهم ودوام الحال محال في حقّهم واستمرار الوقت ممتنع في شأنهم فزمانا في القبض وزمانا في البسط فهم أبناء الوقت ومغلوبوه فمرّة يعرجون ومرّة يهبطون وأمّا أرباب التّجلّيات الذّاتيّة الّذين تخلّصوا من مقام القلب بالتّمام واتّصلوا بمقلّب القلب ورجعوا بكلّيّتهم من رقّيّة الأحوال إلى محوّل الأحوال فهم ليسوا محتاجين إلى الوجد والسّماع فإنّ وقتهم دائميّ وحالهم سرمديّ بل لا وقت لهم ولا حال فهم آباء الوقت وأرباب التّمكين وهم الواصلون الّذين لا رجوع لهم أصلا ولا فقد لهم قطعا فمن لا فقد له لا وجد له نعم إنّ طائفة من المنتهين ينفعهم السّماع أيضا مع وجود استمرار الوقت وسيحرّر بيانه بالتّفصيل في آخر هذا المبحث إن شاء الله تعالى. فإن قيل: قال خاتم الرّسل والرّسالة عليه وعلى آله الصّلاة والتّحيّة: لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل. فيفهم من هذا الحديث أنّ الوقت لا يكون دائما؟ (أجيب) بعد تسليم صحّة هذا الحديث أنّ بعض المشائخ قد أراد بالوقت الواقع في الحديث وقتا مستمرّا أي لي مع الله وقت مستمرّ فلا إشكال. وثانيا: إنّ الوقت المستمرّ قد تعرض فيه أحيانا كيفيّة خاصّة فيمكن أن يكون المراد بالوقت الوقت النّادر ويكون المراد به هذه الكيفيّة النّادرة فعلى هذا يرتفع الإشكال أيضا.

فإن قيل: يمكن أن يكون لاستماع النّغمة مدخل في تحصيل تلك الكيفيّة النّادرة فصار المنتهي أيضا محتاجا إلى السّماع في تحصيل تلك الكيفيّة. (أجيب) أنّ تحقّق تلك الكيفيّة غالبا في حين أداء

الصّلاة فإن ظهرت في خارج الصّلاة أحيانا فهو أيضا من نتائجها وثمراتها ويمكن أن يكون في حديث “وقرّة عيني (١) في الصّلاة” إشارة إلى هذه الكيفيّة النّادرة. وورد أيضا في الخبر: أقرب ما يكون العبد من الرّبّ في الصّلاة، وقال الله تعالى (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) ولا شكّ أنّ كلّ وقت يكون القرب الإلهيّ فيه أزيد يكون مجال الغير فيه أشدّ انتفاء ففهم من هذا الحديث وهذه الآية أيضا أنّ ذلك الوقت في الصّلاة والدّليل على استمرار الوقت ودوام الوصل اتّفاق المشائخ قال ذو النّون المصريّ: ما رجع من رجع الّا من الطّريق ومن وصل لا يرجع وكون يادداشت عبارة عن دوام الحضور مع جناب قدس الحقّ سبحانه أمر مقرّر في طريقة خواجكان قدّس الله أرواحهم وبالجملة انّ الإنكار على دوام الوقت علامة عدم الوصول وما قاله شرذمة قليلة من المشائخ كابن العطاء وأمثاله من جواز رجوع الواصل إلى الصّفات البشريّة فيفهم منه عدم دوام الوقت فهو خلاف في جواز الرّجوع لا في الوقوع فإنّ الرّجوع غير واقع ألبتّة كما لا يخفى على أربابه فثبت إجماع المشائخ على عدم رجوع الواصل وكان خلاف البعض راجعا إلى جواز الرّجوع هذا.

وطائفة من المنتهين تحصل لهم برودة قويّة في الوصول إلى مشاهدة الجمال اللّايزالىّ بعد وصولهم إلى درجة من درجات الكمالات وتحصل لهم نسبة تامّة تمنعهم عن العروج إلى منازل الوصول وأما مهمّ درجات منازل الوصول لم يقطعوها بعد ولم تنقطع مدارج القرب بالإنتهاء إلى غايته وفيهم مع وجود البرودة ميل إلى العروج وتمنّى كمال القرب

فالسّماع مفيد في حقّهم على تقدير هذه الصّورة وموجب للحرارة ويتيسّر لهم في كلّ وقت بمدد السّماع العروج إلى منازل القرب وبعد التّسكين يهبطون من تلك المنازل ولكنّهم يستصحبون معهم لونا ووصفا من مقامات ذلك العروج وينصبغون به وهذا الوجد ليس هو بعد الفقد فإنّ الفقد مفقود في حقّهم بل هو لأجل التّرقّي إلى منازل الوصول مع وجود دوام الوصل ومن هذا القبيل سماع المنتهين والواصلين ووجدهم نعم إنّهم وإن منحوا الجذبة بعد الفناء والبقاء ولكن لمّا عرضت لهم برودة قويّة لم يكتفوا بها في تحصيل التّرقّيات إلى منازل الوصول والعروج واحتاجوا إلى السّماع وطائفة من المشائخ قدّس الله أسرارهم تهبط‍ نفوسهم إلى مقام العبوديّة بعد وصولهم إلى درجة الولاية وأرواحهم متوجّهة إلى جناب القدس في مقامها الأصليّ بلا مزاحمة النّفوس وكلّما يصل إلى الرّوح مدد من مقام النّفس المطمئنّة الّتي صارت متمكّنة وراسخة في مقام العبوديّة تحصل للرّوح بواسطة ذلك الإمداد مناسبة خاصّة بالمطلوب واطمئنان هؤلاء الأكابر في العبادة وتسكينهم في أداء حقوق العبوديّة والطّاعة وميل العروج مفقود في طباعهم وشوق الصّعود قليل في بواطنهم جبينهم لامع بنور متابعة الملّة وعيون بصيرتهم مكتحلة بكحل اتّباع السّنّة فلا جرم كانت أبصارهم حديدة يبصرون من بعد ما يعجز الأقربون عن رؤيته وإن كان

__________

(١) قوله وقرة عينى فى الصلاة رواه الحاكم والنسائى عن انس رضى الله عنه (القزانى رحمة الله عليه)

عروجهم قليلا ولكنّهم نورانيّون منوّرون بنور الأصل ولهم في ذلك المقام شأن عظيم وجلالة القدر فلا احتياج لهم إلى السّماع والوجد بل تعطيهم العبادة ما للسّماع وتكفيهم نورانيّتهم بنور الأصل عن العروج. والجماعة المقلّدون من أهل السّماع والوجد الّذين لا وقوف لهم على عظم شأن هؤلاء الأكابر يحسبون أنفسهم عشّاقا ويسمّونهم زهّادا وكأنّهم يزعمون أنّ العشق والمحبّة منحصران في الرّقص والوجد. ومن المنتهين طائفة يمنحون بعد قطع مسالك السّير إلى الله والتّحقّق بالبقاء بالله جذبا قويّا فينجرّون بسلسلة الجذبة جرّا جرّا، وسراية البرودة ممنوعة هناك والتّسلية غير جائزة لا يحتاجون في العروج إلى أمور غريبة وليس للسّماع والرّقص إلى مضيق خلوتهم سبيل الدّخول ولا الوجد والتّواجد عندهم شيء مقبول بل يصلون بهذا العروج الإنجذابيّ إلى نهاية المرتبة الممكنة الوصول وينالون بواسطة متابعة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبا من مقامه المخصوص به وهذا النّوع من الوصول مخصوص بطائفة الأفراد لا نصيب من هذا المقام للأقطاب أيضا فان ارجع الواصل إلى نهاية النّهاية بهذا النّوع من الوصول بمحض فضل الحقّ سبحانه إلى العالم، وأحيل عليه تربية المستعدّين تهبط نفسه إلى مقام العبوديّة وروحه متوجّهة إلى جناب المقدّس بلا نفس وهو الجامع للكمالات الفرديّة والحاوي للتّكميلات القطبيّة وأعني بالقطب ههنا قطب الإرشاد لا قطب الأوتاد وعلوم المقامات الظّلّيّة ومعارف المدارج الأصليّة ميسّرة له بل لا ظلّ في المقام الّذي هو فيه ولا أصل فإنّه قد جاوز الظّلّ والأصل ومثل هذا الكامل المكمّل عزيز الوجود جدّا حتّى أنّه لو ظهر بعد قرون متطاولة وأزمنة متباعدة فهو أيضا مغتنم ينوّر به العالم نظره شفاء الأمراض القلبيّة وتوجّهه دافع الأخلاف الرّديّة الغير المرضيّة وهو الّذي أتمّ مدارج العروج ونزل إلى مقام العبوديّة واطمئنّ بالعبادة وآنس بها وينتخب بعض هذه الطّائفة لمقام العبديّة الّذي لا مقام فوقه من مقامات الولاية ويشرّف به.

وقابليّة منصب المحبوبيّة أيضا مسلّمة إليه فهو جامع لجميع كمالات مرتبة الولاية وحاو لتمام مقامات درجة الدّعوة ومحتظّ من الولاية الخاصّة بمقام النّبوّة وبالجملة انّ هذا المصرع صادق في حقّه (ع) قد اجتمعت فيه المحاسن كلّها * هذا

والسّماع والوجد مضرّ للمبتدي ومناف لعروجه وإن وقع بالشّرائط وسيحرّر نبذة من شرائط السّماع في آخر هذه الرّسالة إن شاء الله تعالى ووجد المبتدي معلول وحاله وبال وحركته طبيعيّة وتحرّكه مشوب بالهوى النّفسانيّ وأعني بالمبتدي من ليس من أرباب القلوب وأرباب القلوب متوسّطون بين المبتدي والمنتهي والمنتهي هو الفاني في الله والباقي بالله وهو الواصل الكامل وللانتهاء درجات بعضها فوق بعض وللوصول مراتب لا يمكن قطعها أبد الآبدين (وبالجملة) انّ السّماع نافع للمتوسّطين وطائفة من المنتهين أيضا كما مرّ آنفا ولكن ينبغي أن يعلم أنّ السّماع لا يحتاج إليه أرباب القلوب أيضا مطلقا بل جماعة منهم لم يشرّفوا بعد بدولة الجذبة ويريدون قطع المسافة بالرّياضات والمجاهدات الشّاقّة فالسّماع والوجد ممدّ ومعاون لهؤلاء الجماعة في هذه الصّورة وأمّا إذا كان أرباب القلوب من

المجذوبين فقطع مسالك سيرهم بمدد الجذبة وليسوا محتاجين إلى السّماع (ينبغي) أيضا أن يعلم أنّ نفع السّماع لأرباب القلوب الغير المجذوبين ليس على إطلاقه بل الإنتفاع به مشروط بالشّرائط وبدونها خرط القتاد فمن جملة الشّرائط عدم الإعتقاد لكمال نفسه فلو كان معتقد التّماميّة نفسه فهو محبوس نعم قد يورثه السّماع أيضا من العروج ولكنّه يهبط من مقام عروج إليه وقت السّماع بعد التّسكين والشّرائط المبيّنة في كتب الأكابر مستقيمي الأحوال كعوارف المعارف أكثرها مفقودة في سماع أبناء هذا الزّمان بل مثل هذا السّماع الّذي شاع في هذا الزّمان وهذا الإجتماع الّذي صار متعارفا في هذه الاوان لا شكّ في أنّه مضرّ ومناف صرف لا طمع للعروج فيه ولا يتصوّر الصّعود والتّرقّي به وإمداد السّماع مفقود في هذا المحلّ والمضرّة موجودة في ذلك المحفل. تنبيه: إنّ السّماع وإن كان مفيدا بالنّسبة إلى بعض المنتهين ولكن لمّا كان أمامهم مراتب العروج فهم من الأوساط وما لم تطو مراتب العروج الممكنة الحصول بالتّمام فحقيقة الإنتهاء مفقودة فيهم وإطلاق النّهاية إنّما هو باعتبار نهاية السّير إلى الله وهذا السّير إلى اسم إلهيّ كان السّالك مظهره والسّير بعد ذلك يكون في ذلك الإسم وما يتعلّق به فإذا جاوزه وما يتعلّق ممّا ينكشف لأربابه ووصل إلى الاسم الحقيقيّ وحصل له هناك فناء وبقاء فهو حينئذ يكون منتهيا حقيقيّا ونهاية السّير إلى الله في الحقيقة يتحقّق في ذلك المحلّ وقد عدّوا النّهاية الاولى الّتي هي انتهاء السّير إلى الإسم من نهاية السّير إلى الله واعتبروها منها أيضا وباعتبار حصول الفناء والبقاء في تلك المرتبة أطلقوا اسم الولاية أيضا. وما قيل من أن لا نهاية للسّير في الله فهذا السّير في حين البقاء وبعد طيّ منازل العروج ومعنى عدم نهاية ذلك السّير هو أنّ السّير إذا وقع في ذلك الإسم بالتّفصيل وتخلّق بالشّئونات المندرجة فيه لا يصل إلى نهايته أصلا فإنّ كلّ اسم مشتمل على شئونات غير متناهية وأمّا إذا أريد ترقّيه من ذلك الإسم وقت العروج فيمكن أن يطوى ذلك بقدم واحد ويصل إلى نهاية النّهاية ثمّ إن استهلك هناك فيا لها من شرافة وإن أرجع لتربية الخلق فيا لها من فضيلة وكرامة ولا تظنّنّ أنّ الوصول إلى ذلك الإسم أمر سهل بل لا بدّ من بذل الرّوح حتّى يشرّف بتلك الدّولة ومن ذا الّذي يختصّ بهذه النّعمة القصوى من بين أقرانه ويمتاز بها وما تتخيّله تنزيها وتقديسا ربّما يكون عين التّشبيه والتّنقيص بل أكثر المراتب الّذي تتخيّله تنزيها أسفل وأدون من مقام الرّوح والتّنزيه الّذي يخيّل لك فوق العرش فهو أيضا داخل في دائرة التّشبيه وذلك المكشوف المنزّه من عالم الأرواح فإنّ العرش محدّد الجهات ومنتهى الأبعاد وعالم الأرواح وراء عالم الجهات والأبعاد فإنّ الرّوح لا مكانيّة لا يسعها المكان. وإثبات الرّوح فيما وراء العرش لا يوهمنّك أنّها بعيدة عنك والمسافة بينك وبينها طويلة فإنّ الأمر ليس كذلك لأنّ نسبة الرّوح مع وجود لا مكانيّتها مساوية إلى جميع الأزمنة والقول بأنّها وراء العرش له معنى آخر لا تعرفه حتّى تبلغ هناك (وطائفة) من الصّوفيّة لمّا وصلوا إلى التّنزيه الرّوحيّ ووجدوها فوق العرش تخيّلوه تنزيها إلهيّا جلّ شأنه وظنّوا علوم ذلك المقام ومعارفه من غوامض العلوم وحلّوا أسرار الإستواء في هذا المقام والحقّ أنّ ذلك النّور نور الرّوح وقد عرض للفقير أيضا مثل هذا الإشتباه عند حصول ذلك المقام ولكن

لمّا أدركتني عناية الحقّ سبحانه ورقّتني من تلك الورطة علمت أنّ ذلك النّور كان نور الرّوح لا النّور الإلهيّ الحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا الله، وحيث كانت الرّوح لا مكانيّة ومخلوقة على صورة لا مثاليّة فلا جرم تكون محلّ اشتباه والله يحقّ الحقّ وهو يهدي السّبيل. (وجماعة) منهم ينزلون آخذين ذلك النّور يعني نور الرّوح الّتي فوق العرش ويحصل لهم البقاء به فيظنّون أنفسهم جامعين بين التّشبيه والتّنزيه فإن وجدوا ذلك النّور منفكّا عنهم يتصوّرون ذلك مقام الفرق بعد الجمع وأمثال هذه المغالطات فيما بين الصّوفيّة كثيرة وهو سبحانه العاصم عن مظانّ الأغلاط ومحلّ الإحتياط.

وينبغي أن يعلم أنّ الرّوح وإن كانت بالنّسبة إلى العالم لا مثليّة ولكنّها بالنّسبة إلى اللّامثليّ الحقيقيّ داخلة في دائرة المثليّ وكأنّها برزخ بين العالم المثليّ وبين جناب القدس الحقيقيّ ففيها وصف الطّرفين وكلا الإعتبارين صحيح فيها بخلاف اللّامثليّ الحقيقيّ فانّه لا سبيل للمثليّ إليه أصلا فما لم يعرج السّالك من جميع مقامات الرّوح لا يصل إلى ذلك الإسم فينبغي أوّلا أن يتجاوز جميع طبقات السّموات حتّى العرش والخروج من لوازم المكان بالتّمام ثمّ يلزم ثانيا طيّ مراتب لا مكانيّة عالم الأرواح فيصل في ذلك الوقت إلى ذلك الإسم، (شعر)

ويظنّ مولانا بأنّه واصل ... ما ان له غير الظّنون حاصل

فهو سبحانه وراء الوراء فإنّ وراء عالم الخلق هذا عالم الأمر ووراء عالم الأمر مراتب الأسماء والشّئونات ظلّا وأصالة وإجمالا وتفصيلا فينبغي طلب المطلوب الحقيقيّ فيما وراء هذه المراتب الظّلّيّة والأصليّة والكونيّة والإلهيّة والإجماليّة والتّفصيليّة فمن ذا الّذي ينعم به عليه وأيّ صاحب دولة يشرّف بهذه الدّولة ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

ينبغي للعاقل أن يكون عالي الهمّة وأن لا يقنع بكلّما يتيسّر في الطّريق وأن يطلب المطلوب في ما وراء الوراء، شعر:

كيف الوصول إلى سعاد ودونها ... قلل الجبال ودونهنّ خيوف

تنبيه آخر: اعلم أنّ دوام الوقت واستمراره مسلّم لشخص تشرّف بالبقاء بالله بعد تحقّقه بالفناء المطلق وتبدّل علمه الحصوليّ حضوريّا ولنوضّح هذا المبحث ببيان.

اعلم أنّ كلّ علم يحصل للعالم من وراء ذاته فطريق حصوله له هو حصول صورة المعلوم في ذهن العالم وكلّ علم لا يحتاج في حصوله إلى حصول الصّورة وهو علم الإنسان بذاته فهو علم حضوريّ فإنّ الذّات حاضرة عند العالم بنفسها وما دامت صورة المعلوم حاصلة في العلم الحصوليّ فهو معلوم في ذهن المتوجّه فإذا زالت الصّورة عن الذّهن زال ذلك التّوجّه الذّهنيّ فدوام التّوجّه في العلم الحصوليّ محال عاديّ بخلافه في العلم الحضوريّ فإنّ الغفلة عن المعلوم غير متصوّرة هناك فإنّ منشأ تحقّق ذلك العلم



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!