موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(286) المكتوب السادس والثمانون والمائتان إلى مولانا أمان الله الفقيه في بيان أن الإعتقاد الصحيح هو المأخوذ من الكتاب والسنة على وفق آراء أهل السنة والجماعة وفي رد من يستنبط من الكتاب والسنة خلاف معتقدات أهل السنة والجماعة وأدركوا بالكشف

 

 


حضور ذات العالم وحيث كان ذلك الحضور دائميّا فالعلم بالذّات أيضا يكون دائميّا وزوال التّوجّه إلى ذاته غير ممكن وفي البقاء بالله علم حضوريّ لا يتصوّر زواله.

ولا تظنّنّ أنّ البقاء بالله عبارة عن أن يجد السّالك نفسه عين الحقّ كما عبّر البعض من هذه الطّائفة عن حقّ اليقين بهذه العبارة فإنّه ليس كذلك فإنّ البقاء بالله الّذي تيسّر بعد الفناء المطلق لا يناسبه أمثال هذه العلوم وحقّ اليقين الّذي قاله البعض مناسب لبقاء يحصل في الجذبة والبقاء الّذي هو مقصودنا غير ذلك،

شعر: فو الله لا تدري لذي الخمر لذّة ... ولا نشوة حتّى تذوق وتسكرا

فاستمرار التّوجّه ودوام الحضور إنّما ثبتا في البقاء بالله ولا إمكان لدوام التّوجّه قبل التّحقّق بالبقاء بالله وإن توهّم ذلك المعنى لكثيرين قبل الوصول إلى هذا المقام خصوصا في الطّريقة العليّة النّقشبنديّة قدّس الله أسرار أهلها والحقّ ما حقّقت والصّواب ما ألهمت والله سبحانه أعلم بالصّواب وإليه المرجع والمآب الحمد لله ربّ العالمين أوّلا وآخرا والصّلاة والسّلام على رسوله دائما وسرمدا.

(٢٨٦) المكتوب السّادس والثّمانون والمائتان إلى مولانا أمان الله الفقيه في بيان أنّ الإعتقاد الصّحيح هو المأخوذ من الكتاب والسّنّة على وفق آراء أهل السّنّة والجماعة وفي ردّ من يستنبط من الكتاب والسّنّة خلاف معتقدات أهل السّنّة والجماعة وأدركوا بالكشف خلاف ما عليه أهل الحقّ

بسم الله الرّحمن الرّحيم اعلم أرشدك الله وألهمك سواء الصّراط أنّ من جملة ضروريّات الطّريق للسّالك الإعتقاد الصّحيح الّذي استنبطه علماء أهل السّنّة والجماعة من الكتاب والسّنّة وآثار السّلف وحمل الكتاب والسّنّة على المعاني الّتي فهمها جمهور أهل الحقّ يعني علماء أهل السّنّة والجماعة منهما أيضا ضروريّ فإن ظهر فرضا بطريق الكشف والإلهام ما يخالف تلك المعاني المفهومة ينبغي أن لا يعتبره وأن يستعيذ منه مثل الآيات والأحاديث الّتي يفهم من ظواهرها التّوحيد الوجوديّ وكذلك الإحاطة والسّريان والقرب والمعيّة الذّاتيّة ولم يفهم علماء أهل الحقّ من تلك الآيات والأحاديث هذه المعاني فإذا انكشف للسّالك في أثناء الطّريق هذه المعاني بأن لا يرى غير موجود واحد أو بأن يدرك أنّ الله تعالى محيط بالذّات أو وجده قريبا بالذّات فهو وإن كان معذورا في ذلك بسبب غلبة الحال وسكر الوقت فيما هنالك ولكن ينبغي له أن يكون ملتجئا إلى الله تعالى ومتضرّعا إليه دائما لأن يخلّصه من هذه الورطة وأن يكشف له أمورا مطابقة لآراء علماء أهل الحقّ وأن لا يظهر له ما يخالف معتقداتهم الحقّة ولو مقدار شعرة.

(وبالجملة) ينبغي أن يجعل المعاني الّتي كانت مفهومة لعلماء أهل الحقّ مصداق الكشف وأن لا يجعل محكّ الإلهام غيرها فإنّ المعاني المخالفة للمعاني المفهومة لهم ساقطة عن حيّز الإعتبار لأنّ كلّ مبتدع ضالّ يزعم أنّ مقتدى معتقداته ومأخذها الكتاب والسّنّة فإنّه يفهم منهما بحسب افهامه الرّكيكة معاني غير مطابقة يضلّ به كثيرا ويهدي به كثيرا وإنّما قلت إنّ المعتبر هو المعاني المفهومة لعلماء أهل الحقّ وانّ ما سواها ممّا يخالفها غير معتبرة بناء على أنّهم أخذوا تلك المعاني من تتبّع آثار الصّحابة والسّلف الصّالحين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين واقتبسوها من أنوار نجوم هدايتهم ولهذا صارت النّجاة الأبديّة مخصوصة بهم والفلاح السّرمديّ نصيبا لهم أولئك حزب الله ألا إنّ حزب الله هم المفلحون. فإن تداهن بعض العلماء في الفرعيّات وارتكبوا التّقصيرات في العمليّات مع وجود حقّيّة الإعتقاد لا ينبغي بسبب ذلك أن ينكر العلماء مطلقا وأن يطعن فيهم كلّيّا فإنّ ذلك محض عدم الإنصاف وصرف المكابرة بل إنكار أكثر ضروريّات الدّين فإنّ ناقلي تلك الضّروريّات هم العلماء وناقدي جيّدها عن رديئها هم العلماء فلولا نور هدايتهم لما اهتدينا ولو لا تمييزهم الصّواب عن الخطإ لغوينا وهم الّذين بذلوا جهدهم في إعلاء كلمة الدّين القويم وسلكوا بأناس كثيرة إلى صراط مستقيم فمن تابعهم نجا وأفلح ومن خالفهم ضلّ وأضلّ من الطّريق الأوضح.

(ينبغي) أن يعلم أنّ معتقدات الصّوفيّة بالاخرى أعني بعد تمام منازل السّلوك والوصول إلى أقصى درجات الولاية هي عين معتقدات أهل الحقّ فهى للعلماء بالنّقل والإستدلال وللصّوفيّة بالكشف والإلهام وإن ظهر لبعض الصّوفيّة في أثناء الطّريق بواسطة السّكر وغلبة الحال ما يخالف تلك المعتقدات ولكن إذا جاوز تلك المقامات وبلغ نهاية الأمر تكون تلك المخالفة هباء منثورا وإلّا فيبقى على تلك المخالفة ولكنّ المرجوّ أن لا يوأخذ بها فإنّ حكمه حكم المجتهد المخطئ والمجتهد مخطئ في الإستنباط وهو في الكشف ومن جملة مخالفات هذه الطّائفة الحكم بوحدة الوجود والإحاطة والقرب والمعيّة الذّاتيّات كما مرّ وكذلك إنكارهم وجود الصّفات السّبعة أو الثّمانية في الخارج بوجود زائد على ذات الحقّ جلّ شأنه فإنّ علماء أهل السّنّة ذاهبون إلى وجودها في الخارج بوجود زايد على وجود الذّات.

ومنشأ إنكارهم هو أنّ مشهودهم في ذلك الوقت هو الذّات في مرآة الصّفات ومعلوم أنّ المرآة تكون مختفية من نظر الرّائي فحكموا بعدم وجودها في الخارج بواسطة ذلك الإختفاء وظنّوا أنّها لو كانت موجودة لكانت مشهودة وحيث لا شهود فلا وجود وطعنوا في العلماء بسبب حكمهم بوجود الصّفات بل حكموا بالكفر والثّنويّة أعاذنا الله سبحانه من الجراءة على الطّعن فإن تيسّر لهم التّرقّي من هذا المقام وخرج شهودهم من هذا الحجاب وزال حكم المراتب لرأوا الصّفات مغايرة للذّات ولما أنكروها ولما انجرّ أمرهم إلى طعن أكابر العلماء.

(ومن جملة) مخالفاتهم حكمهم ببعض أمور يستلزم كونه تعالى فاعلا بالإيجاب فإنّهم وإن لم يطلقوا لفظ الإيجاب وأثبتوا الإرادة لكنّهم ينفون الإرادة في الحقيقة وهم يخالفون جميع أهل الملل في هذا الحكم فمن جملة هذه الامور حكمهم بأنّ الله تعالى قادر بقدرة بمعنى إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل ويقولون بأنّ الشّرطيّة الاولى واجبة الصّدق والثّانية ممتنعة الصّدق وهذا قول بالإيجاب بل إنكار القدرة بالمعنى المقرّر عند أهل الملل فإنّ القدرة عندهم بمعنى صحّة الفعل والتّرك واللّازم لقولهم وجوب الفعل وامتناع التّرك فأين أحدهما من الآخر ومذهبهم في هذه المسألة هو بعينه مذهب الفلاسفة وإثبات الإرادة مع القول بوجوب صدق الأولى وامتناع صدق الثّانية، وامتيازهم عن الفلاسفة بهذا الإثبات غير نافع فإنّ الإرادة هي تخصيص أحد المتساويين فحيث لا تساوي لا إرادة وههنا التّساوي معدوم للوجوب والإمتناع فافهم. ومن جملة تلك الامور بيانهم في مسألة القضاء والقدر على نهج ظاهره إثبات الإيجاب فمن جملة عباراتهم في هذا المبحث هذه العبارة: الحاكم محكوم والمحكوم حاكم وجعل الحقّ سبحانه محكوم أحد وإثبات حاكم عليه مع قطع النّظر عن إثبات الإيجاب مستقبح جدّا إنّهم ليقولون منكرا من القول وزورا. وأمثال ذلك من المخالفات كثيرة كقولهم بعدم إمكان رؤية الحقّ سبحانه الّا بالتّجلّي الصّوريّ وهذا القول مستلزم لانكار رؤية الحقّ سبحانه والرّؤية الّتي جوّزوها بالتّجلّي الصّوريّ ليست هي في الحقيقة رؤية الحقّ سبحانه بل هي ضرب من الشّبه والمثال، نظم:

يراه المؤمنون بغير كيف ... وإدراك وضرب من مثال

وكقولهم بقدم أرواح الكمّل وأزليّتها وهذا القول أيضا مخالف لما عليه أهل الإسلام فإنّ عندهم العالم بجميع أجزائه محدث والأرواح من جملة العالم لأنّ العالم اسم لجميع ما سوى الله تعالى فافهم.

(فينبغي) للسّالك قبل بلوغه كنه الأمر وحقيقته أن يعدّ تقليد علماء أهل الحقّ لازما لنفسه مع وجود مخالفة كشفه وإلهامه وأن يعتقد العلماء محقّين ونفسه مخطئا لأنّ مستند العلماء تقليد الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام المؤيّدين بالوحي القطعيّ المعصومين عن الخطأ والغلط، وكشفه وإلهامه على تقدير مخالفته للأحكام الثّابتة خطأ وغلط فتقديم الكشف على أقوال العلماء تقديم له في الحقيقة على الأحكام القطعيّة المنزّلة وهو عين الضّلالة ومحض الخسارة. وكما أنّ الإعتقاد بموجب الكتاب والسّنّة ضروريّ كذلك العمل بمقتضاهما على نهج استنبطه الأئمّة المجتهدون منهما واستخرجوا الأحكام عنهما من الحلال والحرام والفرض والواجب والسّنّة والمستحبّ والمكروه والمشتبه، والعلم بهذه الأحكام أيضا ضروريّ ولا يجوز للمقلّد أخذ الأحكام من الكتاب والسّنّة على خلاف رأي المجتهد وأن يعمل بها وينبغي أن يختار في العمل القول المختار في مذهب مجتهده الّذي قلّدة وتبعه وأن يعمل بالعزيمة مجتنبا عن البدعة وأن يسعى في جمع أقوال المجتهدين مهما أمكن ليقع العمل على القول المتّفق عليه مثلا أنّ الإمام الشّافعيّ اشترط النّيّة في الوضوء فلا يتوضّأ بلآ نيّة وكذلك قال بفرضيّة التّرتيب في غسل الأعضاء

فيلتزم التّرتيب وافترض الإمام مالك الدّلك في غسل الأعضاء فيدلّك ألبتّة وكذلك قالوا ينقض الوضوء بمسّ النّساء والذّكر فيجدّد الوضوء إن مسّ أحدهما وعلى هذا القياس في سائر الأحكام الخلافيّة وبعد حصول هذين الجناحين الإعتقاديّ والعمليّ يكون متوجّها نحو العروج إلى مدارج القرب الإلهيّ جلّ سلطانه وطالبا لقطع المنازل الظّلمانيّة والمسالك النّورانيّة ولكن ينبغي أن يعلم أنّ ذلك العروج وقطع المنازل مربوط بتوجّه شيخ كامل مكمّل عالم بالطّريق بصير به هاد إليه، نظره شفاء الأمراض القلبيّة وتوجّهه دافع الأخلاق الرّديّة الغير المرضيّة فليطلب أوّلا الشّيخ فإن عرفه بمحض فضل الحقّ سبحانه فليلازمه معتقدا أنّ معرفته إيّاه نعمة عظمى وليكن منقادا له في تصرّفاته بكلّيّته قال شيخ الإسلام الهرويّ:

إلهي ما هذا الّذي جعلت أولياءك بحيث من عرفهم وجدك وما لم يجدك لم يعرفهم ويفنى اختياره في اختيار شيخه بالكلّيّة ويخلّي نفسه عن جميع المرادات ويشدّ نطاق الهمّة في خدمته ويسعى سعيا بليغا في امتثال جميع ما يأمر به شيخه معتقدا بأنّ رأس مال سعادته فيه فإن رأى الشّيخ المقتدى به أنّ المناسب لاستعداده الذّكر يأمره به وإن رأى أنّ المناسب التّوجّه والمراقبة يشير بهما أيضا فيما هنالك وإن علم الكفاية بمجرّد الصّحبة يأمره أيضا بذلك. (وبالجملة) انّ الإحتياج إلى الذّكر مع وجود صحبة الشّيخ ليس شرطا من شرائط الطّريق أصلا بل يأمر الشّيخ بكلّ ما يراه مناسبا لحال الطّالب فإن وقع منه تقصير في بعض شرائط الطّريق يتلافاه بصحبة الشّيخ فيكون توجّهه جابرا لنقصانه.

ومن لم يشرّف بصحبة مثل هذا الشّيخ فإن كان من المرادين يجذبه الحقّ سبحانه ويجتبيه إليه ويكفيه أمره بمحض عنايته الّتي لا غاية لها ولا نهاية ويعلّمه كلّ شرط وأدب لازم له ويجعل روحانيّة بعض الأكابر وسائل طريقه ودليله في قطع منازل السّلوك فإنّ توسّط روحانيّات المشائخ في قطع طريق السّلوك لازم بطريق جرى عادة الله سبحانه.

وإن كان من المريدين فأمره من غير توسّط شيخ مقتدى به مشكل فينبغي أن يلتجئ إلى الله سبحانه دائما إلى أن يصل إلى شيخ مقتدى به. وينبغي أيضا أن يعدّ رعاية شرائط الطّريق لازمة وقد بيّنت تلك الشّرائط في كتب المشائخ تفصيلا فينبغي مراجعتها وملاحظة ما فيها ورعايتها بعد ذلك ومعظم شرائط الطّريق مخالفة النّفس وهي موقوفة على رعاية مقام الورع والتّقوى الّذي هو الإنتهاء من المحارم والإنتهاء من المحارم لا يتصوّر الّا بعد الإجتناب من فضول المباحات فإنّ إرخاء العنان في ارتكاب المباحات يفضي إلى ارتكاب المشتبهات والمشتبه قريب من المحرّم واحتمال الوقوع فيه أقوى ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. فاجتناب المحرّمات كان موقوفا على اجتناب فضول المباحات فلا بدّ في تحقّق الورع من اجتناب فضول المباحات ولا بدّ للتّرقّي والعروج من تحقّق الورع فإنّه مربوط به.

وبيانه أنّ للأعمال جزأين امتثال الأوامر والإنتهاء عن المناهي والإمتثال يشارك فيه القدسيّون فإن وقع التّرقّي بالإمتثال فقط لوقع للقدسيّين أيضا، والإنتهاء عن المناهي خاصّ بالإنسيّين ليس هو في القدسيّين

فإنّهم معصومون بالذّات ليس فيهم مجال المخالفة حتّى ينهون عنها فلزم كون التّرقّي مربوطا بهذا الجزء وهذا الإجتناب هو عين مخالفة النّفس فإنّ الشّريعة إنّما وردت لرفع الأهواء النّفسانيّة ودفع الرّسوم الظّلمانيّة فإنّ مقتضى طبيعة النّفس إمّا ارتكاب المحرّم أو ارتكاب الفضول المفضي أخيرا للمحرّم فاجتناب الفضول هو عين مخالفة النّفس.

فإن قيل: إنّ في امتثال الأوامر أيضا مخالفة النّفس فإنّ النّفس لا تريد الإشتغال بالعبادة فيكون الإمتثال أيضا مستلزما للتّرقّي وفي الملائكة لمّا كانت مخالفة الإمتثال مفقودة لم يكن سببا لترقّيهم فالقياس مع الفارق (قلت) إنّ عدم إرادة النّفس العبادة وعدم رضاها بها إنّما هو بسبب كونها طالبة لفراغها بحيث لا تريد أن تكون مقيّدة ومشغولة بشيء وهذا الفراغ وعدم الإشتغال أيضا داخلان في المحرّم او الفضول فجاءت مخالفة النّفس في امتثال الأوامر من طريق اجتناب المحرّم والفضول لا من طريق أداء الأوامر يعني المأمورات فقط حتّى يقال: إنّه موجود في الملائكة أيضا فالقياس صحيح. فكلّ طريق مخالفة النّفس فيه أكثر فهو أقرب الطّرق ولا شكّ أنّ رعاية مخالفة النّفس في طريقة النّقشبنديّة أكثر منها في سائر الطّرق فإنّ هؤلاء الأكابر اختاروا العمل بالعزيمة والإجتناب عن الرّخصة ومن المعلوم أنّ كلّا من اجتناب المحرّم والفضول موجود في العزيمة ومرعىّ فيها بخلاف الرّخصة فانّ فيها اجتناب المحرّم فقط.

فإن قيل: يمكن أن يكون المختار عند أرباب سائر الطّرق أيضا العزيمة.

قلت: إنّ في أكثر الطّرق سماعا ورقصا ويبلغ الأمر فيه حدّ الرّخصة بعد تمحّل كثير وأين فيه المجال للعزيمة بعد وكذلك ذكر الجهر لا يتصوّر فيه ما فوق الرّخصة وقد أحدث مشائخ سائر الطّرق أمورا محدثة في طرقهم لبعض نيّات صحيحة، نهاية التّصحيح في تلك الامور الحكم بالرّخصة بخلاف أكابر هذه السّلسلة العليّة فإنّهم لا يجوّزون مقدار شعرة من مخالفة السّنّة فتكون مخالفة النّفس في هذا الطّريق أتمّ فيكون أقرب الطّرق فيكون اختيار هذا الطّريق للطّالب أولى وأنسب لأنّ الطّرق في نهاية الأقربيّة والمطلب في كمال الرّفعة.

(وقد ترك جماعة) من متأخّري خلفائهم أوضاع هؤلاء الأكابر وأحدثوا في هذا الطّريق بعض الامور واختاروا السّماع والرّقص والجهر ومنشأ ذلك عدم الوصول إلى حقيقة نيّات أكابر هذه الطّريقة العليّة فخالوا أنّهم يكملون ويتمّمون هذه الطّريقة بهذه المحدثات والمبتدعات ولم يدروا أنّهم يسعون بها في تخريبها ويجتهدون في إضاعتها والله يحقّ الحقّ وهو يهدي السّبيل.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!