موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(291) المكتوب الحادي والتسعون والمائتان إلى مولانا عبد الحي في بيان مراتب التوحيد الوجودي والشهودي وما يتعلق بهما من المعارف

 

 


السّلوك فهو منشأ الصّحو ومبدأ المعرفة لا مدخل للسّكر في ذلك الموطن وما غاب عن السّالك في حالة الفناء يرجع إليه كلّه ولكن منصبغا بصبغ الأصل وهو المعنى بالبقاء بالله فبالضّرورة لا يكون للسّكر مجال في علوم أرباب هذا البقاء فتكون علومهم مطابقة لعلوم الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام وأيضا إنّي سمعت واحدا من الأعزّة يقول: إنّ حضرة الخواجه أحرار قدّس سرّه حصّل أيضا نسبة من آبائه وأجداده من طرف أمّه وقد كانوا أصحاب أحوال غريبة وجذبات قويّة وكان لحضرة الخواجه أحرار نصيب وافر من مقام الأقطاب الإثنى عشر الّذين تأييد الدّين كان مربوطا بهم ولهم شأن عظيم في المحبّة وحصل له تأييد الشّريعة ونصرة الدّين من هذه الجهة وقد ذكرت ثمّة من أحواله فيما سبق ثمّ تحقّق إحياء طريقة هؤلاء الأكابر وإشاعة آداب هؤلاء الأعزّة بعده خصوصا في ممالك الهند الّتي كان أهلها محرومين من كمالاتهم بظهور معدن الإرشاد ومنبع المعارف مؤيّد الدّين الرّضيّ شيخنا ومولانا محمّد الباقي سلّمه الله وقد أردت أن أذكر نبذة من كمالاته أيضا في هذا المكتوب ولكن لمّا لم يفهم رضاؤه في هذا الباب تركت الجراءة عليه.

(٢٩١) المكتوب الحادي والتّسعون والمائتان إلى مولانا عبد الحيّ في بيان مراتب التّوحيد الوجوديّ والشّهوديّ وما يتعلّق بهما من المعارف

بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين. اعلم أرشدك الله تعالى أنّ منشأ التّوحيد الوجوديّ في جماعة كثرة ممارسته مراقبات التّوحيد وملاحظة معنى لا إله الّا الله بلا موجود الّا الله وتعقّله كذلك وظهور هذا القسم من التّوحيد بعد التّمحّل والتّأمّل والتّخيّل بواسطة استيلاء سلطان الخيال فإنّ من كثرة مزاولة معنى التّوحيد تنتقش هذه المعرفة في المتخيّلة وحيث كانت مجعولة بجعل الجاعل تكون معلومة البتّة وليس صاحب هذا التّوحيد من أرباب الأحوال فإنّ أرباب الأحوال أرباب القلوب ولا خبر له في ذلك الوقت عن مقام القلب بل هو علميّ لا غير بل للعلم درجات بعضها فوق بعض ومنشأ التّوحيد الوجوديّ في جماعة أخرى الإنجذاب والمحبّة القلبيّة حيث اشتغلوا ابتداء بالأذكار والمراقبات خالية عن تخيّل معنى التّوحيد وبلغوا بالجدّ والجهد أو بمجرّد سبق العناية مقام القلب وحصّلوا الجذب فإن ظهر لهم في هذا المقام جمال التّوحيد الوجوديّ فسببه ينبغي أن يكون غلبة محبّة المجذوب فإنّها جعلت ما سوى المحبوب مختفيا عن نظرهم ومستورا فإذا لم يروا ما سوى المحبوب ولم يجدوه فلا جرم لا يعلمون موجودا غير المحبوب وهذا القسم من التّوحيد من الأحوال ومنزّه ومبرّأ عن علّة التّخيّل وشائبة التّوهّم والإنتقاش في الخيال فإن رجعت هذه الجماعة الّذين هم من أرباب القلوب من ذلك المقام إلى العالم يشاهدون محبوبهم في كلّ ذرّة من ذرّات العالم ويرون الموجودات مرايا حسن المحبوب ومجالي جماله فإن توجّهوا بمحض فضل

الحقّ جلّ سلطانه من مقام القلب إلى جناب قدس مقلّب القلب تشرع هذه المعرفة التّوحيديّة الحاصلة في مقام القلب في الزّوال وكلّما صعدوا في معارج العروج يجدون انفسهم غير مناسب لتلك المعرفة حتّى تبلغ جماعة منهم حدّ الإنكار والطّعن في أرباب تلك المعرفة مثل شيخ ركن الدّين أبى المكارم علاء الدّولة السّمنانيّ ولا يبقى لبعض آخر شغل بنفي تلك المعرفة وإثباتها.

وكاتب هذه السّطور يتحاشا من إنكار أرباب هذه المعرفة ويبعد نفسه عن طعنهم فإنّه إنّما يكون للإنكار والطّعن مجال إذا كان لأرباب ذلك الحال حين ظهوره قصد واختيار وهذا المعنى ظهر فيهم من غير إرادة وصنع منهم فهم مغلوبون لذلك الحال فيكونون معذورين البتّة ولا ردّ ولا طعن للمضطرّ المعذور ولكنّي أعلم أنّ فوق هذه المعرفة معرفة أخرى ووراء هذا الحال حالة أخرى والمحبوسون في هذا المقام ممنوعون عن كمالات كثيرة ومحرومون من مقامات عديدة وقد فتح لهذا الفقير قليل البضاعة باب هذه المعرفة من غير ممارسة معنى التّوحيد في ضمن المراقبات والأذكار بل من غير جدّ وجهد بفضل الحقّ سبحانه في ملازمة منبع الهداية والإفاضة ومعدن الحقائق والمعارف المستفاضة مؤيّد الدّين الرّضيّ شيخنا ومولانا محمّد الباقيّ قدّس الله تعالى سرّه الأقدس بعد تعليم الذّكر وتوجّهه والتفاته وإيصاله إلى مقام القلب وأعطيت في هذا المقام علوما غزيرة ومعارف كثيرة وانكشفت دقائق هذه المعارف وبقيت مدّة مديدة في هذا المقام ثمّ أخرجت آخر الأمر من مقام القلب بيمن عنايته لعبده وتوجّهت هذه المعارف في ضمن ذلك نحو الزّوال حتّى صارت بالتّدريج معدومة والمقصود من إظهار الأحوال ليعلم أنّ ما هو المسطور والمرقوم محرّر على وجه الذّوق والكشف لا على وجه الظّنّ والتّقليد وما ظهر من بعض أولياء الله تعالى من المعارف التّوحيديّة لعلّها ظهرت منهم في ابتداء أحوالهم من مقام القلب فلا يلحقهم حينئذ نقص من هذه الجهة أصلا وقد كتب هذا الفقير أيضا رسائل في المعارف التّوحيديّة ولمّا نشر بعض الأصحاب تلك الرّسائل تعسّر جمعها فتركت على حالها وإنّما يلزم النّقص إذا لم يجاوزوا هذا المقام.

وطائفة أخرى من أرباب التّوحيد الّذين حصل لهم الإستهلاك والإضمحلال في مشهودهم على الوجه الأتمّ وجلّ همّتهم أن يكونوا مضمحلّين ومعدومين في مشهودهم دائما وأن لا يرى أثر من لوازم وجودهم ويرون رجوع أنا إلى أنفسهم كفرا.

ونهاية الأمر عندهم الفناء والإنعدام حتّى يرون المشاهدة أيضا تعلّقا.

قال بعضهم: أشتهي عدما لا أعود أبدا وهم قتلى المحبّة، وحديث «من قتلته محبّتي فأنا ديتهم " صادق في حقّهم ومتحقّق في شأنهم وهم تحت ثقل الوجود ليلا ونهارا لا يستريحون لمحة فإنّ الرّاحة في الغفلة ولا مجال للغفلة على تقدير دوام الإستهلاك. قال شيخ الإسلام الهرويّ: من أغفلني عن الحقّ سبحانه ساعة أرجو أن يغفر له جميع ذنوبه والغفلة لازمة للوجود البشريّة وجعل الحقّ سبحانه وتعالى ظاهر كلّ منهم من كمال كرمه مشغولا بأمور مستلزمة للغفلة على قدر استعداده ليخفّف عنهم أثقال

الوجود في الجملة: ألّف جماعة منهم السّماع والرّقص وجعل طائفة مشغولة بتصنيف الكتب وتحرير العلوم والمعارف وشغّل بعضهم بأمور مباحة كان الشّيخ عبد الله الاصطخريّ (١) يذهب إلى الصّحراء ومعه كلاب يصطاد بهنّ فسأل شخص واحد من الأعزّة عن سرّه فقال: ليتخلّص عن ثقل الوجود لحظة وروّح بعضهم بعلوم التّوحيد الوجوديّ وشهود الوحدة في الكثرة ليستريح من تلك الأثقال ساعة ومن هذا القبيل ما ظهر من بعض أكابر مشائخ النّقشبنديّة قدّس الله أسرارهم العليّة من المعارف التّوحيديّة فإنّ نسبتهم تجرّ إلى التّنزيه الصّرف لا تعلّق لها بالعالم وشهود العالم وما كتبه معدن الإرشاد ومنبع الحقائق والمعارف ناصر الدّين الخواجه عبيد الله أحرار من المعارف المناسبة بعلوم التّوحيد الوجوديّ، وشهود الوحدة في الكثرة من القسم الأخير من التّوحيد وكتاب الفقرات له مشتمل على بعض علوم التّوحيد وغيرها منشأ علوم ذلك الكتاب. والمقصود من تلك المعارف استيناسه وألفته بالعالم

وكذلك معارف شيخنا المحرّرة في بعض الرّسائل على طبق كلام كتاب الفقرات وليس منشأ هذه العلوم التّوحيديّة الجذبة ولا غلبة المحبّة ولا نسبة لمشهودهم بالعالم وما يرى لهم في مرآة العالم إنّما هو شبه مشهودهم ومثاله لا مشهودهم الحقيقيّ كما أنّ شخصا إذا كان عاشقا لجمال الشّمس ومن كمال المحبّة أفنى نفسه في الشّمس بحيث لم يترك من نفسه اسما ولا رسما فإذا أريد تسليته وأنسه وألفته بما سوى الشّمس ليتنفّس من غلبة تشعشع أنوارها لمحة ويستريح منها لحظة يرى له الشّمس في مجالي هذا العالم ويحصل له بتلك العلاقة أنس وألفة بهذا العالم ويقال له أحيانا: إنّ هذا العالم عين الشّمس ولا موجود غيرها أصلا وأحيانا يرى له جمال الشّمس في مرآة ذرّات العالم. لا يقال: إنّ العالم إذا لم يكن عين الشّمس في نفس الأمر يكون الإخبار بأنّه عين الشّمس خلاف الواقع لأنّا نقول: إنّ لبعض أفراد العالم مع بعض آخر اشتراكا في بعض الامور وامتيازا في بعض آخر والحقّ سبحانه بكمال قدرته يخفي عن نظر هؤلاء الأكابر الامور الباعثة على الإمتياز بواسطة بعض الحكم والمصالح ويبقى الأجزاء المشتركة فقط مشهودة فيحكمون باتّحاد بعضها لبعض بالضّرورة فتجد الشّمس فيما نحن فيه بهذه العلاقة عين العالم وكذلك الحقّ سبحانه وإن لم يكن له مناسبة بالعالم في الحقيقة أصلا ولكنّ المشابهة الإسميّة قد تصير مصحّحة لهذا الإتّحاد فإنّ الحقّ سبحانه مثلا موجود والعالم أيضا موجود وإن لم يكن بين الوجودين في الحقيقة مناسبة أصلا وكذلك هو تعالى عالم وسميع وبصير وحيّ وقادر ومريد وبعض أفراد العالم أيضا متّصف بهذه الصّفات وإن كان صفات كلّ منهما مغايرة لصفات الآخر ولكن لمّا كانت خصوصيّة الوجود الإمكانيّ ونقائص المحدثات مستورة عن نظرهم ساغ لهم لو حكموا بالإتّحاد وهذا القسم الأخير من التّوحيد أعلى أقسام التّوحيد بل ليس أرباب هذه المعرفة في الحقيقة مغلوبي هذا الوارد ولم يكن الباعث على هذه المعرفة سكرهم بل اورد عليهم هذا الوارد لأجل مصلحة ما وأريد إخراجهم من

__________

(١) عبد الله الاصطخرى هكذا في نسخ المكتوبات وفى نسخ النفحات عبد الرحيم والله اعلم بالصواب (القزاني رحمة الله عليه)

السّكر إلى الصّحو بسبب هذه المعرفة وتسليتهم بها كما تتسلّى جماعة بالسّماع والرّقص وطائفة بالإشتغال ببعض أمور مباحة.

ينبغي أن يعلم أنّ هؤلاء المذكورين من هذه الطّوائف يشتغلون ببعض أمور مغايرة لمشهودهم ويتسلّون بها على ما عرفت بخلاف هؤلاء الأكابر فإنّهم لا يلتفتون إلى أمر مغاير لمشهودهم ولا يتسلّون به فلا جرم قد يرى لهم العالم عين مشهودهم أو يظهر لهم مشهودهم في مرآة العالم ليخفّ عنهم ذلك الثّقل ساعة ومنشأ هذا القسم الأخير من التّوحيد لم يكن معلوما لهذا الحقير بطريق الكشف والذّوق بل المعلوم هو الجهتان السّابقتان

وهذا القسم ظنيّ ولهذا لم أكتب في كتبي ورسائلي الّا هاتين الجهتين بل الجهة الثّانية فقط وجعلت التّوحيد الوجوديّ منحصرا فيها ولكن لمّا وقع المرور ببلدة دهلي المحروسة بعد رحلة مرشدي وقبلتي بنيّة زيارة قبره الشّريف اتّفاقا وذهبت لزيارة قبره الشّريف يوم عيد ظهر في أثناء التّوجّه إلى مزاره المتبرّك من روحانيّته المقدّسة التفات تامّ ومنحنى من كمال الطافه وإشفاقه للغرباء نسبته الخاصّة المنسوبة إلى الخواجه أحرار قدّس سرّه ولمّا وجدت تلك النّسبة في نفس وجدت حقيقة تلك العلوم والمعارف بطريق الذّوق بالضّرورة وعلمت أنّ منشأ التّوحيد الوجوديّ فيهما ليس هو الإنجذاب القلبيّ وغلبة المحبّة بل المقصود من تلك المعرفة تخفيف تلك المحبّة ولم أر إظهار هذا المعنى مناسبا إلى مدّة مديدة ولكن لمّا كان ذلك الوجهان السّابقان مذكورين في بعض الرّسائل وقع من ذلك أناس قليلو الدّراية في توهّم أنّه يلزم من هذا البيان تنقيص هذين الشّيخين الجليلين بأنّ طريقهما طريق أرباب التّوحيد وأطالوا بهذا السّبب لسان الفتنة حتّى صار ذلك التّوهّم في بعض الطّلّاب القليلي الإخلاص واليقين باعثا على فتور أحوالهم فرأيت المصلحة في إظهار هذا القسم من التّوحيد بالضّرورة ورأيت المناسب ذكر تلك الواقعة للاستشهاد فحرّرتها لذلك.

(نقل) درويش من مخلصي شيخنا عنه أنّه قال: إنّ النّاس يزعمون بأنّا نكتسب النّسبة من مطالعة كتب أرباب التّوحيد وليس كذلك بل المقصود أن نغفل أنفسنا ساعة وهذا الكلام مؤيّد للكلام السّابق.

ونقل معدن الفضيلة الشّيخ عبد الحقّ الّذي هو من مخلصي شيخنا عنه أنّه قال قبيل أيّام رحلته: قد صار معلوما لنا بيقين يقين أنّ التّوحيد الوجوديّ سكّة ضعيفة والطّريق السّلطانيّ غيره وإن كنت أعلم ذلك قبل ذلك ولكنّ الآن قد ظهر هذا القسم من اليقين به ويفهم من هذا الكلام أيضا أنّه لم يكن لمشربه مناسبة بالتّوحيد الوجوديّ في آخر الأمر وإن كان قد ظهر مثل هذا التّوحيد في ابتداء الحال فليس ذلك بضائر بل قد ظهر مثل هذا التّوحيد لكثير من المشائخ في ابتداء أمرهم ثمّ انقلعوا عنه في الآخر. وأيضا إنّ بين طريق الخواجه النّقشبند وطريق الخواجه أحرار فرقا ومغايرة بعد الوصول إلى مقام الجذبة النّقشبنديّة



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!