موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(292) المكتوب الثاني والتسعون والمائتان إلى الشيخ حميد البنكالي في بيان الآداب الضرورية للمريدين ودفع بعض الشبه

 

 


وكذلك بين علومهما ومعارفهما أيضا فرق وغالب توجّه الخواجه أحرار بعد ذلك إلى نسبة أجداده من طرف أمّه وكانوا كبراء بطنا بعد بطن.

وهذا الفناء والإنعدام الّذي ذكر فيما سبق من لوازم نسبة هؤلاء الأكابر وهذا الفقير اختار لتربية الطّالبين طريق حضرة الخواجه النّقشبند لمصلحة أبناء هذا الوقت ورأيت المناسب ظهور علوم هذا الطّريق ومعارفه الّتي هي أكثر مناسبة بعلوم الشّريعة في مثل هذا الزّمان الفاسد الّذي ظهر فيه ضعف تامّ في أركان الشّريعة فعيّنت هذا الطّريق لإفادة الطّالبين فلو أراد الحقّ سبحانه ترويج الطّريقة الأحراريّة بواسطة هذا الحقير لنوّر العالم بأنوارها فإنّي قد اعطيت أنوار كلّ من هذين الشّيخين المعظّمين على وجه الكمال وكشف عن طريق تكميل كلّ منهما أنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم،

(شعر): مليك من عنايته ولطفه ... لأعطي للفقير العالمينا

آخر: فإذا أتى باب العجوز خليفة ... إيّاك يا صاح ونتف سبالكا

وقد أوردت بعض الأسرار الخفيّة بحكم (وأمّا بنعمة ربّك فحدّث) في معرض الظّهور نفع الحقّ سبحانه الطّالبين بها وإنّي وإن كنت أعلم أنّها لا تزيد المنكرين غير الإنكار ولكنّ المقصود إفادة الطّالبين والمنكرون خارجون عن المبحث ومبعدون عن مطمح النّظر (يضلّ به كثيرا ويهدي به كثيرا) ولا يخفى على أرباب البصيرة أنّ اختيار طريق من الطّرق لإجل مصلحة لا يستلزم أفضليّة هذا الطّريق على طريق آخر ولا يلزم منه تنقيصه، (شعر):

ويمكن غلق أبواب الحصون ... ولكن لا نجاة من الكلام

(٢٩٢) المكتوب الثّاني والتّسعون والمائتان إلى الشّيخ حميد البنكاليّ في بيان الآداب الضّروريّة للمريدين ودفع بعض الشّبه

بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله الّذي أدّبنا بالآداب النّبويّة وهذّبنا بالأخلاق المصطفويّة عليه وعلى آله أفضل الصّلاة والسّلام وأزكى التّحيّة (اعلم) أنّ سالكي هذا الطّريق لا يخلون عن أحد الحالين إمّا أن يكونوا مريدين وإمّا أن يكونوا مرادين فإنّ كانوا مرادين فطوبى لهم يوصل بهم إلى المطلب الأعلى من طريق الإنجذاب والمحبّة من غير اختيار ويعلمون كلّ أدب لازم بواسطة أو بلا واسطة فإن صدرت عنهم زلّة ينبّهون عليها سريعا ولا يؤاخذون بها فإن احتاجوا إلى شيخ ظاهر يهتدون إليه من غير سعي عنهم وبالجملة انّ العناية الأزليّة متكفّلة لجال هؤلاء الأكابر ولا بدّ من حصول أمرهم بسبب أو بلا سبب والله يجتبي إليه من يشاء.

وإن كانوا مريدين فأمرهم من غير شيخ كامل مكمّل عسير والشّيخ ينبغي أن يكون مشرّفا بدولة الجذبة والسّلوك ومستسعدا بسعادة الفناء والبقاء وأن يكون قد أتمّ السّير إلى الله والسّير في الله والسّير عن الله بالله والسّير في الأشياء بالله فإن كانت جذبته مقدّمة على سلوكه وتربّى بتربية المرادين فهو كبريت أحمر وكلامه دواء ونظره شفاء، إحياء القلوب الميّتة منوط بتوجّهه الشّريف وتزكية النّفوس العاتية مربوطة بالتفاته اللّطيف فإن لم يوجد صاحب دولة مثل ذلك فالسّالك المجذوب أيضا مغتنم يحصل منه تربية النّاقصين ويصلون بوساطته إلى دولة الفناء والبقاء،

شعر: متى قسنا السّما بالعرش ينحطّ ... وما أعلاه إن قسنا بأرض

فإن اهتدى الطّالب بعناية الحقّ جلّ سلطانه إلى مثل هذا الشّيخ الكامل المكمّل ووصل إليه ينبغي أن يغتنم وجوده وأن يفوّض نفسه إليه بالتّمام وأن يعتقد سعادته في مرضيّاته وشقاوته في خلاف مرضيّاته وبالجملة ينبغي أن يجعل هواه تابعا لرضاه وفي الخبر النّبويّ عليه الصّلاة والسّلام «لن يؤمن أحدكم حتّى يكون هواه تابعا لما جئت به "

اعلم أنّ رعاية آداب الصّحبة ومراعاة شرائطها من ضروريّات هذا الطّريق حتّى يكون طريق الإفادة والإستفادة مفتوحا وبدونها لا نتيجة للصّحبة ولا ثمرة للمجالسة ولنورد بعض الآداب والشّرائط الضّروريّة في معرض البيان ينبغي استماعها بسمع العقل

(اعلم) أنّه ينبغي للطّالب أن يعرض بقلبه عن جميع الجهات وأن يتوجّه به إلى شيخه وأن لا يشتغل بالنّوافل والأذكار مع وجود الشّيخ بلا إذنه ولا يلتفت في حضوره إلى غيره بل يجلس لديه متوجّها بكلّيّته إليه حتّى لا يشتغل عنده بالذّكر أيضا الّا أن يأمره به ولا يصلّي في حضوره غير الفرائض والسّنن.

ونقل عن سلطان هذا الوقت أنّ وزيره كان قائما عنده فالتفت الوزير في ذلك الوقت اتّفاقا إلى ثوبه وأصلح أزراره بيده فوقع نظر السّلطان عليه في هذا الحال فرآه متوجّها إلى غيره فقال له بلسان العتاب: أنا لا أقدر أن أهضم هذا الفعل تكون وزيري وتلتفت في حضوري إلى غيري وتشتغل بإصلاح أزرار ثوبك فينبغي التّأمّل إذا كانت رعاية الآداب الدّقيقة لازمة في وسائل الدّنيا الدّنيّة تكون رعاية الآداب لازمة على الوجه الأتمّ في وسائل الوصول إلى الله ومهما أمكن لا يقوم في محلّ يقع ظلّه على ثوب شيخه أو على ظلّه ولا يضع رحله في مصلّاه ولا يتوضّأ في متوضّاه ولا يستعمل ظروفه الخاصّة به ولا يشرب ماء ولا يأكل طعاما ولا يكلّم أحدا في حضوره بل لا يكون متوجّها إلى أحد ولا يمدّ رجله عند غيبة شيخه إلى جانب هو فيه ولا يرمى بزاقه إلى ذلك الجانب وكلّ شيء يصدر عن شيخه يعتقده صوابا وإن لم ير صوابا في الظّاهر فإنّه يفعل ما يفعله بطريق الإلهام والإذن فلا يكون للاعتراض مجال على هذا التّقدير وإن تطرّق الخطأ إلى إلهامه في بعض الصّور فإنّ الخطأ الإلهاميّ كالخطأ الاجتهاديّ لا يجوز فيه

الملامة والإعتراض وأيضا إنّ المريد لا بدّ من أن يحصل له محبّة الشّيخ وكلّ ما يصدر عن المحبوب يكون محبوبا في نظر المحبّ فلا يكون للاعتراض مجال وليقتد بشيخه في الكلّيّ والجزئيّ سواء كان في الأكل والشّرب أو اللّبس أو النّوم أو الطّاعة وينبغي أن يصلّي الصّلاة على طرز صلاته وأن يأخذ الفقه من عمله،

شعر: من كان في قصره الحسناء قد فرغا ... من التّنزّه في البستان والمرج

ولا يترك في نفسه مجالا للاعتراض على حركاته وسكناته أصلا وإن كان الإعتراض مقدار حبّة خردلة فإنّه لا نتيجة للاعتراض غير الحرمان وأشقى جميع الخلائق وأبعدهم عن السّعادة الّذين يرون عيوب هذه الطّائفة نجّانا الله سبحانه من هذا البلاء العظيم ولا يطلب من شيخه الكرامات وخوارق العادات وإن كان هذا الطّلب بطريق الخواطر والوساوس فهل سمعت قطّ أنّ مؤمنا طلب من نبيّه معجزة وإنّما طلبها الكفّار وأهل الإنكار، (شعر):

المعجزات مفيدة قهر العدا ... ونتيجة التّقليد ذاك الإقتدا

ما المعجزات مفيدة الإيمان بل ... قد يجذب التّقليد نحو الإهتدا

فإن عرضت لخاطره شبهة يعرضها على شيخه من غير توقّف فإن لم تنحلّ فلير التّقصير من نفسه ولا يجوّز عود منقصة أصلا إلى جانب شيخه فإن وقعت عليها واقعة لا يكتمها عن شيخه ويطلب تعبير الوقائع منه ويعرض عليه أيضا ما انكشف له من التّعبير ويطلب منه تمييز صوابه عن خطئه ولا يعتمد على كشوفه أصلا فإنّ الحقّ ممتزج بالباطل في هذه الدّار والصّواب مختلط بالخطأ ولا يفارقه بلا ضرورة ولا إذن منه فإنّ اختيار الغير وتفضيله عليه مناف للإرادة ولا يرفع صوته فوق صوته ولا يتكلّم معه برفع صوته فإنّه سوء أدب وكلّ فيض وفتوح يرد عليه فليعتقد أنّه بواسطة شيخه فإن رأى في الواقعة أنّ الفيض يرد عليه من مشائخ أخر فليره أيضا من شيخه وليعلم أنّ الشّيخ لمّا كان جامعا للكمالات والفيوضات وصل إليه منه فيض خاصّ مناسب لإستعداده الخاصّ الملائم لكمال شيخ من الشّيوخ أعني الّذي ظهرت منه صورة الإفاضة وإنّ لطيفة من لطائف شيخه لها مناسبة بذلك الفيض ظهرت في صورة ذلك الشّيخ فتخيّل المريد تلك اللّطيفة بواسطة الإبتلاء شيخا وظنّ أنّ الفيض منه وهذه مغلطة عظيمة حفظنا الله من زلّة الأقدام ورزقنا الإستقامة على اعتقاد الشّيخ ومحبّته بحرمة سيّد البشر عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام وبالجملة الطّريق كلّه آداب مثل مشهور لا يصل العاري عن الآداب إلى الله تعالى فإن رأى المريد نفسه مقصّرا في رعاية بعض الآداب ولم يبلغ حدّ أدائها كما ينبغي ولم يقدر أن يخرج عن عهدتها بالسّعي فهو معفوّ عنه ولكن لا بدّ من الإعتراف بالتّقصير فإن لم يراع الآداب عياذا بالله سبحانه ولم ير نفسه مقصّرا فهو محروم من بركات هؤلاء الأكابر،

(شعر):

من لم يكن نحو السّعادة مقبلا ... فشهوده وجه النّبيّ لا ينفعه

نعم إذا وصل المريد ببركة توجّه الشّيخ وهمّته إلى مرتبة الفناء والبقاء وظهر له طريق الإلهام والفراسة وسلّم له الشّيخ ذلك وصدّقه وشهد له بالكمال والإكمال فحينئذ يسوغ لمثل هذا المريد أن يخالف شيخه في بعض الامور الإلهاميّة وأن يعمل بمقتضى إلهامه وإن تحقّق عند الشّيخ خلافه فإنّ المريد قد خرج حينئذ عن ربقة التّقليد والتّقليد خطأ في حقّه ألا ترى أنّ الأصحاب الكرام خالفوا رأي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الامور الإجتهاديّة والأحكام الغير المنزّلة وظهر الصّواب في بعض الأوقات في جانب الأصحاب كما لا يخفى على أرباب العلم أولي الألباب فعلم أنّ مخالفة الشّيخ بعد الوصول إلى مرتبة الكمال والإكمال مجوّز وعن سوء الأدب مبرّأ بل الأدب هنا هو هذه المخالفة والّا فأصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كانوا مؤدّبين بكمال الأدب لم يفعلوا شيئا بلا تقليد وتقليد أبي يوسف أبا حنيفة رحمهما الله تعالى بعد بلوغه مرتبة الإجتهاد خطأ والصّواب إنّما هو متابعة رأيه لا رأى أبي حنيفة وقد اشتهر عن الإمام أبي يوسف رحمه الله أنّه قال: نازعت أبا حنيفة في مسألة خلق القرآن ستّة أشهر.

ولعلّك سمعت أنّ تكميل الصّناعة بتلاحق الأفكار فإنّها لو بقيت على فكر واحد لما حصلت فيها الزّيادة ألا ترى أنّ النّحو الّذي كان في زمن سيبويه حصل له اليوم باختلاف الآراء وتلاحق الأفكار والأنظار زيادة مائة أمثاله وبلغ نهاية كماله ولكن لمّا كان هو واضع بنائه ومؤسّس أساسه كان الفضل له الفضل لمتقدّمين ولكنّ الكمال لهؤلاء المتأخّرين “ مثل أمّتي مثل المطر لا يدرى أوّله خير أم آخره ” حديث نبويّ عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام. تنبيه: لرفع شبهة بعض المريدين اعلم أنّهم قالوا: الشّيخ يحيي ويميت، الإحياء والإماتة من لوازم مقام المشيخة والمراد بالإحياء الإحياء الرّوحيّ لا الجسميّ وكذلك المراد بالإماتة الرّوحيّة لا الجسميّة والمراد بالحياة والموت الفناء والبقاء اللّذان يوصلان إلى مقام الولاية والكمال، والشّيخ المقتدى به متكفّل بهذين الأمرين بإذن الله سبحانه فلا بدّ إذا للشّيخ من هذين فمعنى يحيي ويميت يبقى ويفنى ولا دخل للإحياء والإماتة في مقام المشيخة، وحكم الشّيخ المقتدى به كحكم كهرباء كلّ من له مناسبة به يعدو من ورائه وينجذب إليه كالحشيش بالنّسبة إلى كهرباء وينال منه نصيبه مستوفى وليست الكرامات وخوارق العادات لجذب المريدين فإنّ المريدين يتجذّبون إليه بالمناسبة المعنويّة. وأمّا الّذين لا مناسبة لهم بهؤلاء الأكابر فهم محرومون من نعم كمالاتهم وإن شاهدوا ألوفا من كراماتهم ينبغي أن يستشهد لهذا المعنى بأبي جهل وأبي لهب. قال الله سبحانه في حقّ الكفّار: وإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ (١) يقول الّذين كفروا إن هذا الّا أساطير الأوّلين.

والسّلام.

__________

(١) الآية: ٢٥ من سورة الأنعام.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!