موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(293) المكتوب الثالث والتسعون والمائتان إلى الشيخ محمد الچتري في جواب سؤاله عن قوله عليه الصلاة والسلام: «لي مع الله وقت» وقاله أبو ذر الغفاري أيضا وعن قول الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره: «قدمي هذه على رقبة كل ولي» وقاله غيره أيضا:

 

 


(٢٩٣) المكتوب الثّالث والتّسعون والمائتان إلى الشّيخ محمّد الچتريّ في جواب سؤاله عن قوله عليه الصّلاة والسّلام: «لي مع الله وقت» وقاله أبو ذرّ الغفاريّ أيضا وعن قول الشّيخ عبد القادر الجيلانيّ قدّس سرّه: «قدمي هذه على رقبة كلّ وليّ» وقاله غيره أيضا: وهل المراد بكلّ وليّ أولياء عصره أو مطلقا وما يناسبه

الحمد لله وسلام على عباده الّذين اصطفى قد صرت مبتهجا ومسرورا بورود الصّحيفة الشّريفة الّتي أرسلتها يا لها من نعمة يذكر أولياء الله تعالى المنقطعين المهجورين وقد اندرج فيها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال “ لي مع الله وقت ” وقال أبو ذرّ الغفاريّ رضي الله عنه أيضا مثل ذلك وقال الشّيخ محيي الدّين عبد القادر الجيلانيّ قدّس سرّه: قدمي هذه على رقبة كلّ وليّ، وقال آخر مثل ذلك وقد تكون في هذين الكلامين منازعة في بعض الأحيان فنرجو من عنايتكم كتابة ما انطوى في هذين الكلامين من المعنى والفرق بينهما وارساله إلينا ولتكن الكتابة بالتّوجّه التّامّ مشتملة ما لها وما عليها من الكلام وواضحة لتكون قريبة من فهم هذا الغريب.

أيّها المخدوم: إنّ هذا الفقير قد كتب في رسائله أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان له وقت نادر مع وجود استمرار الوقت وأنّ ذلك الوقت النّادر كان في حين أداء الصّلاة ولعلّك سمعت: الصّلاة معراج المؤمن وأرحني يا بلال، شاهد عدل في إثبات هذا المطلب ويمكن أن يكون أبو ذرّ الغفاريّ أيضا مشرّفا بهذه الدّولة بطريق الوراثة والتّبعيّة فإنّ لكمّل تابعيه عليه الصّلاة والسّلام نصيبا وافرا وحظّا كاملا من جميع كمالاته صلّى الله عليه وسلّم بطريق الوراثة. وأمّا ما قال حضرة الشّيخ عبد القادر الجيلانيّ قدّس سرّه: قدمي هذه على رقبة كلّ وليّ الله أو جميع الأولياء فقد جعل صاحب العوارف الّذي هو مريد الشّيخ أبي النّجيب السّهرورديّ ومربّاه وكان من محارم الشّيخ عبد القادر ومصاحبيه هذه الكلمة من الكلمات الّتي صدرت عن المشائخ في بداية الأحوال بواسطة بقايا السّكر، ونقل في النّفحات عن الشّيخ حمّاد الّذي هو من شيوخ حضرة الشّيخ عبد القادر الجيلانيّ أنّه قال بطريق الفراسة: إنّ لهذا العجميّ قدما تكون في وقته على رقبة جميع الأولياء وبكون مأمورا ألبتّة بأن يقول: قدمي هذه على رقبة كلّ وليّ الله ويقول ذلك البتّة ويضع الأولياء جميعهم رقابهم يعني تواضعا وتخضّعا وعلى كلّ حال أنّ حضرة الشّيخ محقّ في هذا الكلام سواء صدر عنه من بقايا السّكر أو حالة الصّحو وسواء كان مأمورا بإظهاره أو لا فإنّ قدمه كانت على رقاب جميع الأولياء في ذلك الوقت وكان أولياء ذلك الوقت جميعهم تحت قدمه ولكن ينبغي أن يعلم أنّ هذا الحكم مخصوص بأولياء ذلك الوقت دون الأولياء المتقدّمين عليه والمتأخّرين عنه فإنّهم خارجون عن هذا الحكم كما يفهم من كلام الشّيخ حمّاد أنّ قدمه تكون في وقته على رقبة جميع

الأولياء وأيضا انّه كان في بغداد غوث فذهب الشّيخ عبد القادر وابن السّقا وعبد الله (١) لزيارته فقال ذلك الغوث بطريق الفراسة في حقّ الشّيخ: كأنّي أراك تصعد المنبر في بغداد وتقول: قدمي هذه على رقبة كلّ وليّ الله وأرى أولياء وقتك يضعون رقابهم ويخفضونها إجلالا لك وإكراما. ويفهم من كلام هذا الغوث أيضا أنّ هذا الحكم كان مخصوصا بأولياء ذلك الوقت فإذا أعطي الحقّ سبحانه في هذا الوقت أيضا شخصا بصرا بصيرا يرى مثل ما رأى ذلك الغوث أنّ رقاب أولياء ذلك الوقت تحت قدمه وأنّ هذا الحكم لا يتجاوز إلى غير أولياء ذلك الوقت وكيف يجوز هذا الحكم في الأولياء المتقدّمين فإنّ فيهم الأصحاب الكرام عليهم الرّضوان وهم أفضل من حضرة الشّيخ بيقين وكيف يتمشّى أيضا في المتأخّرين فإنّ فيهم المهديّ الّذي بشّر النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام بقدومه ووجوده وقال إنّه خليفة الله وكذلك عيسى على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام الّذي هو من الأنبياء أولي العزم من السّابقين وملحق بأصحاب خاتم الرّسل بمتابعة شريعته عليه الصّلاة والسّلام ولعلّ وجه ما قاله النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم “ لا يدرى أوّلهم خير أم آخرهم ” هو جلالة شأن متأخّري هذه الامّة. وبالجملة: انّ لحضرة الشّيخ عبد القادر في الولاية شأنا عظيما ودرجة عليا أوصل الولاية الخاصّة المحمّديّة من طريق السّرّ إلى النّقطة الأخيرة وصار رأس حلقة تلك الدّائرة. لا يتوهّم هنا أنّ الشّيخ إذا كان رأس حلقة دائرة الولاية المحمّديّة ينبغي أن يكون أفضل من جميع الأولياء فإنّ الولاية المحمّديّة فوق جميع ولايات الأنبياء على نبيّنا وعليهم الصّلاة والسّلام لأنّا نقول: إنّه رأس حلقة الولاية المحمّديّة الحاصلة من طريق السّرّ كما مرّ لا رأس حلقة تلك الولاية مطلقا حتّى يلزم الأفضليّة أو نقول: إنّ كون رأس حلقة الولاية المحمّديّة مطلقا ليس بمستلزم للأفضليّة لأنّه يمكن أن يكون غيره أسبق قدما منه في كمالات النّبوّة المحمّديّة بطريق التّبعيّة والوراثة فتثبت الأفضليّة له من جهة تلك الكمالات وفي جماعة من مريدي حضرة الشّيخ عبد القادر غلوّ كثير في حقّه وتجاوز إلى جانب الإفراط في المحبّة مثل محبّي عليّ كرّم الله وجهه المفرطين فيه، ويفهم من فحوى كلام هؤلاء الجماعة وكلماتهم أنّهم يعتقدون الشّيخ أفضل من جميع الأولياء المتقدّمين والمتأخّرين ولا يعلم أنّهم يفضّلون عليه أحدا غير الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام وهذا من إفراط المحبّة.

فإن قيل: إنّ الكرامات وخوارق العادات الّتي ظهرت من حضرة الشّيخ لم تظهر من وليّ أصلا فيكون الفضل له؟

قلت: إنّ كثرة ظهور الخوارق لا دلالة فيها على الأفضليّة بل يمكن أن يكون الّذي لم يظهر منه خارق أصلا أفضل من الّذي ظهرت منه خوارق وكرامات قال شيخ الشّيوخ في العوارف بعد ذكر الكرامات وخوارق المشائخ للعادات: وكلّ هذه مواهب الله تعالى وقد يكاشف بها قوم ويعطي وقد

__________

(١) وهو ابو سعيد عبد الله ابن ابى عسرون امام الشافعية في وقته وهو الذى نقل هذه الحكاية بطولها على ما في الفتاوى الحديثية لابن حجر (القزاني رحمة الله عليه)

يكون فوق هؤلاء من لا يكون له شيء من هذا؛ لأنّ هذه كلّها تقوية اليقين ومن منح صرف اليقين لا حاجة له إلى شيء من هذا فكلّ هذه الكرامات دون ما ذكرناه من تجوهر الذّكر في القلب وجعل كثرة ظهور الخوارق دليلا على الأفضليّة كجعل كثرة فضائل عليّ كرّم الله وجهه ومناقبه دليلا على أفضليّته على الصّدّيق رضي الله عنه فإنّه لم يظهر منه هذا القدر من الفضائل والمناقب. اسمع أيّها الأخ: أنّ خوارق العادات على نوعين، النّوع الأوّل: العلوم والمعارف الإلهيّة الّتي تتعلّق بذات الواجب جلّ وعلا وصفاته وأفعاله وراء طور نظر العقل وخلاف المتعارف المعتاد وجعل الحقّ سبحانه عباده الخاصّة ممتازين بها والنّوع الثّاني: كشف صور المخلوقات والأخبار عن المغيّبات الّتي تتعلّق بالعالم والنّوع الأوّل مخصوص بأهل الحقّ وأرباب المعرفة والنّوع الثّاني شامل للمحقّ والمبطل فإنّه حاصل لأهل الإستدراج أيضا والنّوع الأوّل له شرافة واعتبار عند الحقّ جلّ وعلا لكونه مخصوصا بأوليائه وعدم مشاركة أعدائه فيه.

والنّوع الثّاني معتبر عند عوامّ الخلائق ومعزّز ومكرّم عند أنظارهم حتّى لو ظهر ذلك من أهل الإستدراج يكادون يعبدونه من جهلهم ويطيعونه وينقادون له فيما يأمرهم به من رطب ويابس وينهاهم بل المحجوبون لا يعدّون النّوع الأوّل من الخوارق. والكرامات والخوارق منحصرة عندهم في النّوع الثّاني والكرامات مخصوصة عندهم بكشف صور المخلوقات والأخبار عن المغيّبات ما أبعدهم عن العقل أيّ شرافة وأيّ كرامة في علم يتعلّق بأحوال المخلوقات حاضرة كانت أو غائبة بل الأليق والأنسب أن يبدّل مثل هذا العلم جهلا ليحصل نسيان المخلوقات وأحوالها. واللّائق بالشّرافة والكرامة هو معرفة الحقّ تعالى وتقدّس وهي المستحقّة للإعزاز والإحترام،

(شعر) ومليحة مهجورة ودميمة ... مقبولة من أجل ذا عقلي عطل

(غيره) وربّ مليح لا يحبّ وضدّه ... يقبّل منه العين والخدّ والفم

وقريب ممّا ذكرنا ما قال شيخ الإسلام الهرويّ والإمام الأنصاريّ في منازل السّائرين وشارحه والّذي ثبت عندي بالتّجربة أنّ فراسة أهل المعرفة إنّما هي في تميّزهم من يصلح لحضرة الله جلّ وعلا ممّن لا يصلح ويعرفون أهل الإستعداد الّذين اشتغلوا بالله سبحانه ووصلوا إلى حضرة الجمع وهذه فراسة أهل المعرفة وأمّا فراسة أهل الرّياضة بالجوع والخلوة وتصفية الباطن من غير وصلة إلى جانب الحقّ تعالى فلهم فراسة كشف الصّور والإخبار بالمغيّبات المختصّة بالخلق فإنّهم لا يخبرون الّا عن الخلق لأنّهم محجوبون عن الحقّ سبحانه.

وأمّا أهل المعرفة فلإشتغالهم بما يرد عليهم من معارف الحقّ تعالى لا يكون إخبارهم الّا عن الحقّ تعالى ولمّا كان العالم أكثرهم أهل انقطاع عن الله سبحانه واشتغال بالدّنيا مالت قلوبهم إلى أهل كشف



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!