موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(302) المكتوب الثاني والثلاثمائة إلى المخدوم زاده جامع العلوم الظاهرية والباطنية مجد الدين محمد معصوم سلمه الله تعالى في بيان فرق الولاية الثلاث وأن النبوة أفضل من الولاية وبعض خصائص مقام النبوة وما يناسب ذلك

 

 


نعم: إنّ هذا الواصل قليل النّصيب من بعض العلوم السّكريّة والظّهورات الظّلّيّة الّتي حاصلة لأرباب الولاية، وهذا المعنى ليس بموجب للمزيّة، بل هذه العلوم والظّهورات عيب وعار على ذلك الواصل، بل تليق بأن تعدّها ذنبا وسوء أدب، نعم: إنّ واصل الأصل منقبض ومتسغفر من ظلال ذلك الأصل والتّعلّق بالظّلّ إنّما هو حين عدم الوصول إلى أصل ذلك الظّلّ، والتّعلّق به بعد الوصول إلى أصله من عدم الحاصل والتّوجّه إليه سوء الأدب (أيّها الولد) إنّ حصول كمالات النّبوّة مربوط بموهبة محضة ومنوط بتكرمة صرفة لا مدخل للتّحمّل وتجشّم الكسب فيه أصلا، أيّ عمل وأيّ كسب يكون منتجا لهذه الدّولة العظمى وأيّ رياضة وأيّة مجاهدة تكون مثمرة لهذه النّعمة الأسنى، بخلاف كمالات الولاية فإنّ مباديها ومقدّماتها كسبيّة وحصولها مربوط بالرّياضة والمجاهدة وإن جاز أن يكون بعض الأشخاص مشرّفا بهذه الدّولة أيضا من غير تجشّم كسب ومباشرة عمل، والفناء والبقاء اللّذان الولاية عبارة عنهما أيضا من الموهبة يشرّف بهما بعد كسب المقدّمات بالفضل والكرم كلّ من أريد له ذلك، ورياضات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومجاهداته قبل البعثة وبعدها لم تكن لتحصيل هذه الدّولة، بل كان المنظور منافع وفوائد أخر مثل قلّة الحساب وكفّارة الزّلّات البشريّة وارتفاع الدّرجات ومراعاة صحبة الملك المرسل الّذي هو بريء من الأكل والشّرب وكثرة ظهور الخوارق المناسبة لمقام النّبوّة.

ينبغي أن يعلم: أنّ حصول هذه الموهبة في حقّ الأنبياء عليهم السّلام بلا توسّط وفي حقّ أصحابهم الّذين تشرّفوا بهذه الدّولة بالتّبعيّة والوراثة إنّما هو بتوسّط الأنبياء عليهم السّلام وبعد الأنبياء وأصحابهم قلّ من تشرّف بهذه الدّولة وإن كان تشرّفهم بها جائزا (شعر):

لو جاء من فيض روح القدس من مدد ... غير المسيح ليصنع مثل ما صنعا

وأظنّ أنّ هذه الدّولة القت الظّلّ في كبار التّابعين وأكابر تبع التّابعين أيضا ثمّ استترت بعد ذلك حتّى إذا بلغت النّوبة الألف الثّاني من بعثته عليه الصّلاة والسّلام برزت هذه الدّولة في هذا الوقت أيضا بالتّبعيّة والوراثة وجعلت الآخر مشابها بالأوّل (شعر):

فإذا أتى باب العجوز خليفة ... إيّاك يا صاح ونتف سبالكا

والسّلام على من اتّبع الهدى والتزم متابعة المصطفى عليه وعلى آله أتمّ الصّلوات وأكمل التّحيّات.

(٣٠٢) المكتوب الثّاني والثّلاثمائة إلى المخدوم زاده جامع العلوم الظّاهريّة والباطنيّة مجد الدّين محمّد معصوم سلّمه الله تعالى في بيان فرق الولاية الثّلاث وأنّ النّبوّة أفضل من الولاية وبعض خصائص مقام النّبوّة وما يناسب ذلك

اعلم أرشدك الله تعالى: أنّ الولاية عبارة عن قرب إلهيّ لا يتصوّر بلا شائبة الظّلّيّة ولا يحصل بدون حيلولة الحجب فإن كانت ولاية الأولياء فمتّسمة بسمة الظّلّيّة ألبتّة، وولاية الأنبياء وإن كانت خارجة عن الظّلّيّة ولكنّها غير متحقّقة بدون حيلولة حجب الأسماء والصّفات، وولاية الملأ الأعلى وإن كانت فوق حجب الأسماء والصّفات ولكنّها لا بدّ لها من حجب الشّئون والإعتبارات والّتي لمّ يتطرّق عليها شائبة الظّلّيّة وتركت حجب الأسماء والصّفات في الطّريق إنّما هي النّبوّة والرّسالة فتكون النّبوّة أفضل من الولاية بالضّرورة ويكون قرب النّبوّة ذاتيّا وأصليّا، ومن لم يطّلع على حقيقتهما حكم بالعكس وجزم بالقلب، فيكون الوصول في مرتبة النّبوّة والحصول في مقام الولاية فإنّ الحصول لا يتصوّر بدون ملاحظة الظّلّيّة بخلاف الوصول.

وأيضا: إنّ في كمال الحصول رفع الإثنينيّة، وفي كمال الوصول بقاء الإثنينيّة فرفع الإثنينيّة يكون مناسبا لمقام الولاية، وبقاء الإثنينيّة ملائما لمرتبة النّبوّة، فإذا كان رفع الإثنينيّة مناسبا لمقام الولاية يكون السّكر في جميع الوقت لازما لمقام الولاية بالضّرورة وحيث كان في مرتبة النّبوّة بقاء الإثنينيّة يكون الصّحو من خواصّ تلك المرتبة.

وأيضا: إنّ حصول التّجلّيات سواء كان في كسوة الصّور والأشكال أو في حجب الألوان والأنوار كلّه في مقامات الولاية وفي طيّ مقدّماتها ومباديها بخلاف مرتبة النّبوّة فإنّ في ذلك الموطن وصولا إلى الأصل واستغناء عن التّجلّيات والظّهورات الّتي كلّها ظلال ذلك الأصل، وكذلك الإحتياج إلى تلك التّجلّيات وقت طيّ مقدّمات تلك المرتبة ومباديها الّا أن يقع العروج من طريق الولاية فحينئذ حصول تلك التّجلّيات بواسطة الولاية لا بواسطة طيّ مسافة طريق الوصول إلى كمالات النّبوّة. وبالجملة: أن التّجلّيات والظّهورات تنبئ عن الظّلال، والّذي تخلّص عن التّعلّق بالظّلال تخلّص عن التّجلّيات ينبغي أن يطلب سرّ: ما زاغَ الْبَصَرُ من ههنا. أيّها الولد: إنّ اضطراب العشق وطنطنة المحبّة والنّياح المهيّجة للشّوق والصّياح الممتزجة بالتّألّم والذّوق والوجد والرّقص كلّها في مقامات الظّلال وفي أوان الظّهورات والتّجلّيات الظّلّيّة وبعد الوصول إلى الأصل لا يتصوّر حصول هذه الامور، والمحبّة في ذلك الموطن بمعنى إرادة الطّاعة كما قال العلماء لا أنّها معنى زائد عليها منشأ للشّوق والذّوق كما ظنّ بعض الصّوفيّة.

اسمع أيّها الولد: وحيث كان رفع الإثنينيّة مطلوبا في مقام الولاية يسعى الأولياء في إزالة الإرادة بالضّرورة قال الشّيخ البسطام: «أريد أن لا أريد»، وحيث كان رفع الإثنينيّة غير منظور في مرتبة النّبوّة لم يكن زوال نفس الإدارة مطلوبا وكيف يكون مطلوبا فإنّ الإرادة صفة كاملة في حدّ ذاتها فإن تطرّق النّقص إليها فإنّما هو بواسطة خبث متعلّقاتها فينبغي أن لا يكون متعلّقها أمرا خبيثا وغير مرضيّ، بل يكون جميع المرادات مرضيّ الحقّ سبحانه، وكذلك يجتهدون في مقام الولاية في نفي جميع الصّفات البشريّة،

والمطلوب في مرتبة النّبوّة نفي المتعلّقات السّوء لهذه الصّفات لا نفي أصل هذه الصّفات فإنّها كاملة في حدّ ذاتها؛ مثلا: إنّ صفة العلم من الصّفات الكاملة فإن تطرّق إليها نقص فإنّما هو من جهة سوء متعلّقها فكان الضّروريّ نفي سوء المتعلّق لا نفي أصلها، وعلى هذا القياس: فالّذي وصل إلى مقام النّبوّة من طريق الولاية لا بد له من نفي أصل الصّفات في أثناء الطّريق، والّذي وصل إليه بدون توسّط الولاية لا حاجة له إلى نفي أصل الصّفات، بل ينبغي له نفي المتعلّقات السّوء لهذه الصّفات.

ينبغي أن يعلم: أنّ المراد بهذه الولاية المذكورة الولاية الظّلّيّة الّتي يعبّر عنها بالولاية الصّغرى وولاية الأولياء، وأمّا ولاية الأنبياء الّتي جاوزت الظّلّ فهي غيرها والمطلوب فيها نفي المتعلّقات السّوء للصّفات البشريّة لا نفي أصل تلك الصّفات، فإذا حصل نفي المتعلّقات السّوء للصّفات حصلت ولاية الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام فإن وقع العروج بعد ذلك يكون متعلّقا بكمالات النّبوّة فلاح من هذا البيان أنّه لا بدّ للنّبوّة من أصل الولاية؛ فإنّ الولاية من مباديها ومقدّماتها، وأمّا الولاية الظّلّيّة فلا حاجة إليها في الوصول إلى كمالات النّبوّة، بل تتّفق للبعض ولا يقع العبور عليها للبعض الآخر فافهم ولا شكّ أنّ نفي أصل الصّفات متعسّر بالنّسبة إلى متعلّقاتها السّوء فيكون حصول كمالات النّبوّة أهون وأيسر وأقرب بالنّسبة إلى حصول كمالات الولاية، وهذا التّفاوت بالسّير والقرب جار في كلّ أمر له وصول إلى الأصل بالنّسبة إلى أمور مفارقة للأصل؛ ألا ترى أنّ كيمياء الأصل ميسّر بسهولة العمل وحاصل بأقرب الطّرق،

والّذي فارق أصله في محنة وتعب بحيث يفنى عمره في تحصيله ومع ذلك لا حاصل له غير الحرمان وما حصّله بعد اللّتيا واللّتي له شباهة بالأصل وكثيرا ما تزول عنه تلك الشّباهة العارضة ويعود إلى أصله ويؤول إلى الدّناءة والخباثة بخلاف أصل أصله فإنّه مع وجود سهولة العمل وقرب الطّريق أمين من خوف الزّيوفة والخباثة. ولمّا وصل جماعة من سلّاك هذا الطّريق بالرّياضة الشّاقّة والمجاهدة الشّديدة إلى ظلّ من الظّلال ظنّوا أنّ الوصول إلى المطلب منوط بالرّياضات الشّاقّة والمجاهدات الشّديدة، ولم يعلموا أنّ له طريقا آخر أقرب من هذا الطّريق وموصل إلى نهاية النّهاية وهو طريق الإجتباء الّذي هو منوط بمجرّد الفضل والكرم

والطّريق الّذي اختاره هؤلاء الجماعة هو طريق الإنابة مربوط بالمجاهدة والواصلون من هذا الطّريق أقلّ قليل والواصلون من طريق الإجتباء جمّ غفير، الأنبياء عليهم السّلام كلّهم ساروا على طريق الإجتباء وأصحابهم رضوان الله عليهم أجمعين أيضا وصلوا من طريق الإجتباء بالتّبعيّة والوراثة ورياضات أرباب الإجتباء إنّما هي لأداء شكر نعمة الوصول؛ قال عليه الصّلاة والسّلام في جواب السّائل عن وجه رياضاته الشّديدة مع كون ذنوبه المتقدّمة والمتأخّرة مغفورة “ أفلا أكون عبدا شكورا ” ومجاهدات أهل الإنابة لأجل حصول الوصول شتّان ما بينهما وطريق الإجتباء الحمل والجذب على الطّريق، وطريق الإنابة السّير على الطّريق وبين الجذب والسّير فوق عظيم يجذب سريعا ويوصل به بعيدا، والسّائر يسير بطيئا، وربّما

يبقى في الطّريق قال حضرة الخواجه بهاء الدّين النّقشبند قدّس سرّه: نحن المفضّلون، نعم: لو لا الفضل كيف يمكن أن تكون نهاية غيرهم مندرجة في بدايتهم ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ والله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.

(ولنرجع) إلى أصل الكلام ونقول: إنّ هذا الفقير قد كتب فيما كتب إلى شيخه المعظّم من العرائض أنّه قد ارتفعت جميع المرادات، ولكنّ نفس الإرادة باقية على حالها، ثمّ كتب بعد مدّة: أنّ الإرادة أيضا صارت مرتفعة مثل المرادات، ولمّا شرّفه الحقّ سبحانه بوراثة الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام علم أنّه كان ارتفاع المتعلّق بالسّوء لتلك الإرادة وزواله لا ارتفاع نفس الإرادة فإنّه لا يلزم ارتفاع أصل الإرادة في حصول ارتفاع المتعلّق السّوء على الوجه الأتمّ والأكمل، بل الشّيء كثيرا ما يتيسّر بمجرّد الفضل ولا يتيسّر عشر عشيره بالتّعمّل والتّكلّف.

أيّها الولد: ينبغي في مقام الولاية اليأس والإعراض الكلّيّ عن الدّنيا والآخرة وأن يعدّ التّعلّق بالآخرة كالتّعلّق بالدّنيا، وأن يرى شوق الآخرة كشوق الدّنيا غير محمودة؛ قال الإمام داود الطّائيّ: «إن أردت السّلامة سلّم على الدّنيا، وإن أردت الكرامة كبّر على الآخرة». وقال غيره من هذه الطّائفة: إنّ في قوله تعالى: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا ومِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ الآية شكاية من الفريقين. وبالجملة: انّ الفناء الّذي هو عبارة عن نسيان ما سوى الحقّ سبحانه شامل للدّنيا والآخرة والفناء والبقاء كلاهما من أجزاء الولاية فلا بدّ إذا في الولاية من نسيان الآخرة، والتّعلّق بالآخرة إنّما هو محمود في كمالات النّبوّة، وشوق الآخرة إنّما هو مرضيّ فيها، بل الشّوق والخوف في ذلك الموطن هو شوق الآخرة وخوفه والتّعلّق بالآخرة قوله تعالى: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وطَمَعًا، وقوله تعالى: ويَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ويَخافُونَ سُوءَ، وقوله تعالى: الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وهُمْ مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ أوصاف أرباب هذا المقام بكاؤهم وأنينهم من تذكّر أحوال الآخرة وألمهم وحزنهم من خوف أهوال يوم القيامة، يستعيذون من فتنة القبر على الدّوام، ويخافون من عذاب النّار، ويلتجؤن منه إلى الملك الجبّار بالتّضرّع التّامّ، شوق الحقّ جلّ وعلا عندهم هو شوق الآخرة، ومحبّتهم محبّة الآخرة فإنّ اللّقاء موعود في الآخرة وكمال الرّضا أيضا موقوف على الآخرة الدّنيا مبغوضة الحقّ جلّ وعلا والآخرة مرضيّته ولا يمكن جعل المرضيّة مساوية للمبغوضة في وقت من الأوقات فإنّ المبغوضة لائقة للإعراض والمرضيّة مستحقّة للإقبال، والإعراض عن المرضيّة عين السّكر وخلاف مدعوّه تعالى المرضيّ وقوله تعالى: والله يَدْعُوا إلى دارِ السَّلامِ شاهد لهذا المعنى، والله سبحانه يرغّب في الآخرة بالمبالغة والتّأكيد فالإعراض عن الآخرة معارضة الحقّ سبحانه في الحقيقة وسعي في رفع مرضيّه، وحيث كان لداود الطّائيّ قدم راسخ في الولاية قال مع جلالة شأنه في حقّ ترك الآخرة إنّه كرامة، ألم يعلم أنّ الأصحاب الكرام عليهم الرّضوان كلّهم كانوا مبتلين بفكر الآخرة وخائفين وجلين من عذابها مرّ عمر رضي الله عنه بدار إنسان فسمع قارئا يقرأ



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!