موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(312) المكتوب الثاني عشر والثلاثمائة إلى المير محمد نعمان في أجوبة أسئلته من جملتها السؤال عن تحقيق الإشارة في التشهد عند الحنفية

 

 


الله الحسنى الّتي رتبتها فوق رتبة الصّفات الإسم المبارك الله تعالى شأنه وربّ هذا الحقير الإسم المبارك الرّحمن جلّ وعلا.

وحيث كان لهذا الحقير مناسبة للكليم في المبدأ وصل منه إليه بركات كثيرة وإن لم تكن ولاية هذا الحقير ولاية موسويّة ولكنّه مملوء من بركات تلك الولاية وحصل له ترقّيات كثيرة من هذا الطّريق.

والإستفادة الّتي حصلت لهذا الحقير من تلك الولاية من طريق إجمال تلك الولاية واستفادة ولدي الأعظم عليه الرّحمة من طريق تفصيلها وولاية هذا الفقير المستفادة من الولاية الموسويّة شبيهة بولاية رجل مؤمن من آل فرعون وولاية ولدي الأعظم شبيهة بولاية سحرة فرعون الّذين آمنوا.

(٣١٢) المكتوب الثّاني عشر والثّلاثمائة إلى المير محمّد نعمان في أجوبة أسئلته من جملتها السّؤال عن تحقيق الإشارة في التّشهّد عند الحنفيّة

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين وعباد الله الصّالحين وصلت الصّحيفة الشّريفة المرسلة مع ملّا محمود فأورثت فرحا وافرا وسألت أنّ العلماء يقولون إنّ بقعة الرّوضة (١) المتبرّكة المدنيّة على صاحبها الصّلاة والسّلام والتّحيّة أعظم يعني قدرا من مكّة المعظّمة وكيف تكون بقعة الرّوضة المتبرّكة أعظم منها مع كون صورة الكعبة وحقيقتها مسجودا إليهما للصّورة والحقيقة المحمّديّتين عليه الصّلاة والتّحيّة؟

أيّها المخدوم: إنّ ما ثبت عند الفقير هو أنّ خير البقاع الكعبة المعظّمة ثمّ بعدها الرّوضة المقدّسة النّبويّة المدنيّة على صاحبها الصّلاة والتّحيّة ثمّ بعدها أرض الحرم المكّيّ حرسها الله تعالى عن الآفات فإن قال العلماء بأفضليّة الرّوضة المتبرّكة على مكّة المعظّمة ينبغي أن يكون مرادهم بذلك ما سوى أرض الكعبة المقدّسة.

وسألت أنّ ملازمي مولانا المرحوم أعلم الله كتبوا رسالة في مادّة تجويز الإشارة بالسّبّابة وقد أرسلت الرّسالة المذكورة فبم تشير في هذا الباب؟

__________

(١) هذا مبنى على عدم التفرقة بين الروضة وبين القبر النبوى صلى الله عليه وسلم والا لا يقول احد من العلماء بافضلية الروضة فقط على مكة وإنما قال مالك بافضلية المدينة على مكة والجمهور على خلافه ولكن قالوا بافضلية البقعة التى ضمت اعظمه صلى الله عليه وسلم على مكة حتى على الكعبة والعرش منه (القزاني رحمة الله عليه)

أيّها المخدوم: إنّ الأحاديث النّبويّة في باب تجويز الإشارة بالسّبّابة كثيرة (١) جدّا وورد بعض الرّوايات الفقهيّة الحنفيّة أيضا في هذا الباب كما أوردها مولانا في رسالته وإذا لوحظت الكتب الفقهيّة الحنفيّة ملاحظة جيّدة يعلم أنّ روايات جواز الإشارة غير روايات الاصول وغير ظاهر المذهب وما قال الإمام محمّد الشّيبانيّ رحمه الله كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يشير ونصنع كما يصنع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: وهذا قولي وقول أبي حنيفة رضي الله عنه من روايات النّوادر لا من روايات الاصول في الفتاوى الغرائب في المحيط هل يشير بإصبعه السّبّابة من يده اليمنى لم يذكر محمّد هذه المسألة في الأصل وقد اختلف المشائخ فيها منهم من قال لا يشير ومنهم من قال يشير وذكر محمّد في غير الاصول حديثا عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان يشير ثمّ قال هذا قولى وقول ابى حنيفة رضى الله عنهما وقد قيل انّه سنّة وقيل مستحبّ ثمّ قال فيها هذا ما ذكروا والتّصحيح أنّ الإشارة حرام وفي السّراجيّة: ويكره أن يشير بالسّبّابة في الصّلاة عند قوله أشهد أن لا إله إلّا الله هو المختار وفي الكبرى وعليه الفتوى؛ لأنّ مبنى الصّلاة على السّكون والوقار وفي الغياثيّة من الفتاوى لا يشير بالسّبّابة عند التّشهّد هو المختار وعليه الفتوى وفي جامع الرّموز لا يشير ولا يعقد وهو ظاهر (٢) أصول أصحابنا كما في الزّاهديّ وعليه الفتوى كما في المضمرات والولوالجيّ والخلاصة وغيرها وعن أصحابنا جميعا أنّه سنّة في خزانة الرّوايات من التّتارخانيّة ثمّ إذا أخذ في التّشهّد وانتهى إلى قوله أشهد أن لا إله الّا الله هل يشير باصبعه السّبّابة من اليد اليمنى لم يذكره محمّد في الاصل فقد اختلف المشائخ فيه منهم من قال لا يشير وفي الكبرى وعليه الفتوى ومنهم من قال يشير وفي الغياثيّة ولا يشير بالسّبّابة عند التّشهّد هو المختار اهـ.

__________

(١) اخرجها كثير من المحدثين في كتبهم عن كثير من الصحابة رضوان الله عليهم وقد جمع على القارى طرفا منها في رسالته تزيين العبارة في تحسين الاشارة وافردها كثير من الحنفية بالتأليف خصوصا المتأخرين منهم لما رأو تعصب بعض الجهلة فيها مع وضوح سنتها وورد روايات فقهية كثيرة فيها من متقدمى الحنفية وآخر من الف فيها شيخنا المحقق العلامة الشيخ آخوند جان افندى المرغينانى جمع فيها الروايات الحيثية والفقهية وقد اجاد كل الاجادة واحسن ما يتعذر عن طرف الامام قدس سره في هذا الباب ان الروايات الفقهية لم تتضح له فيها غاية الاتضاح كما يدل عليه قوله وورد بعض الروايات الفقهية الحنفية وعادته الكريمة عدم تجاوز الروايات الفقهية مقدار ذرة كما لا يخفى حاله على من نتبع أحواله واقواله فانه قدس سره كان جبلا شامخا في التصلب على المذهب ما كان يستعزه كلما يشاهده في هوامش الكتب بعنوان الحديث كما هو ديدن الجملة والاعتذار عنه بان الاحاديث لم تبلغه ليس مما ينبغى بالنسبة إلى حاله وبالنظر إلى مقاله كما سبق وكما سيجيئ وان اعتذر به بعض خلفاء طريقته من مشائخنا وبعض اولاده نعم المعتذر به كان كذلك واما قوله قدس سره روايات الاشارة فليس من رواية الاصول ولا رواية النوادر بل من رواية الواقعات والفتاوى والنوازل ومرتبتها نازلة من رواية النوادر كما هو مبين في حمله ولهذا افتى عامة المتأخرين بسنية الاشارة وافردوها بالتأليف وهى الحق الذى لا يعدل عنه وخلافها خلافه والله الهادى والحق احق بالاتباع لمحرره مراد الحنفى المجددى.

(٢) توهم البعض من هذا القول ان عدم الاشارة مذكورة في الاصل وظاهر المذهب وهو توهم باطل فان الاصل وظاهر المذهب ليس فيه ذكر الاشارة لا نفيا ولا اثباتا كما مر هنا مرتين ان محمدا لم يذكره في الاصل بل لا وجود لعدم الاشارة في النوادر أيضا كما مر وإنما معناه انه مستنبط من ظاهر اصولهم وقواعدهم اعنى قولهم مبنى الصلة على السكون وهذا الاستنباط إنما يصح اذا لم توجد الرواية في النوادر أيضا وحيث وجدت لا يصح استنباطهم. (القزاني رحمة الله عليه)

وحيث ذكرت حرمة الإشارة في الرّوايات (١) المعتبرة وأفتوا بكراهتها ونهوا عنها وقالوا: إنّها ظاهر أصول أصحابنا لا يجوز لامثالنا المقلّدين الجراءة على الإشارة عملا بمقتضى الأحاديث وارتكاب أمر محرّم أو مكروه أو منهيّ عنه بفتاوى كثير من العلماء المجتهدين ومرتكب هذا الأمر من الحنفيّة لا يخلو من أحد الحالين إمّا أن لا يثبت للعلماء المجتهدين علم الأحاديث المعروفة الواردة في جواز الإشارة وإمّا أن يقول بعدم عمل هؤلاء الأكابر بمقتضى هذه الأحاديث مع عملهم بورودها وثبوتها عندهم ويظنّ أنّهم حكموا بالحرمة والكراهة على خلاف الأحاديث بمقتضى آرائهم وكلّ من هذين الشّقّين فاسد لا يجوّزهما الّا سفيه ومعاند. (٢)

وما قال في ترغيب الصّلاة انّ رفع اصبع الشّهادة في التّشهّد سنّة العلماء المتقدّمين وأمّا العلماء المتأخّرون فقد نهوا عنها وذلك لأنّهم لمّا رأوا غلوّ الرّوافض فيها تركوها خوفا من تهمة السّنّيّ بالرّفض مخالف لروايات الكتب المعتبرة فإنّ ظاهر أصول أصحابنا عدم الإشارة وعدم الإشارة وعدم العقد فكأنّ عدم الإشارة سنّة العلماء المتقدّمين ولم يكن وجه التّرك نفي التّهمة وحسن ظنّنا بهؤلاء الأكابر هو أنّهم إن لم يظهر لهم في هذا الباب دليل الحرمة والكراهة لما حكموا بهما وحيث قالوا بعد ذكر سنّيّة الإشارة واستحبابيّتها هذا ما ذكروا والصّحيح أنّ الإشارة حرام علم أنّ أدلّة سنّيّة الإشارة واستحبابيّتها لم تبلغ عند هؤلاء الأكابر مرتبة الصّحّة بل صحّت خلافها.

غاية ما في الباب أنّه لا دليل لنا على ذلك وهذا لا يستلزم القدح في هؤلاء الأكابر.

فإن قيل: إنّ لنا دليلا على خلاف ذلك. (قلنا) إنّ علم المقلّة غير معتبر في إثبات الحلّ والحرمة وإنّما المعتبر في هذا الباب هو ظنّ المجتهد (٣) والقول في حقّ أدلّة المجتهد انّها أوهن من بيت العنكبوت جراءة عظيمة وترجيح لعلمه على علم هؤلاء الأكابر وإبطال لظاهر أصول أصحابنا الحنفيّة وتخريب للرّوايات المفتى بها وهؤلاء الأكابر حكموا بشذوذ هذه الأحاديث فإنّهم لقرب عهدهم ووفور علمهم وحصول الورع والتّقوى لهم أعلم بها من أمثالنا العاجزين وأعرف منّا بصحّتها وسقمها ونسخها وعدم

__________

(١) لا يخفى ان هذه الروايات ليست بمعتبرة بل هى ليست بروايات عن المشائخ كما مر بل هى اقوال هؤلاء المشائخ وهم ليسوا من ارابا الترجيح والفتاوى عندنا كما لا يخفى على من له ممارسة بقواعدنا الحنفية (القزاني رحمة الله عليه)

(٢) وهذا عجيب من هذا الامام الهمام قدس سره جدا فان القائلين بحرمة الاشارة وكراهتها ليسوا هم مجتهدين بل ثبت عنهم الاشارة وفق الاحاديث كما نقله بنفسه واما ارباب هذه الاقوال فليسوا بمجتهدين ولا من اصحاب الترجيح حتى يلزم الفساد ولا فساد ان قلنا انه لم يبلغهم هذه الاحاديث فانهم ليسوا بمحدثين بل هم فقهاء ولا بدع في جهل الفقهاء بعلم الاحاديث من حيث انهم فقهاء ولا يقدح ذلك في عظمة شأنهم في الفقه قال على القارى في موضوعاته بعد ان قال ببطلان حديث صلاة اليلة البراءة ثم لا عبرة بنقل صاحب النهاية ولا بقية شراح الهداية لانهم ليسوا من المحدثين (القزاني رحمة الله عليه)

(٣) قلنا نعم هذا القول على العين والرأس وقد ثبت عن المجتهد فعلها لا منعها وتركها قلنا ديلي رواية ودراية مستوفاة الشروط ولا دليل على خلافه (القزاني رحمة الله عليه)

نسخها ولهم في ترك العمل بمقتضى هذه الأحاديث وجه موجّه ألبتّة ومبلغ علم أمثالنا قاصري الفهم أنّ بين رواة الأحاديث اختلافا كثيرا في كيفيّة الإشارة والعقد، وكثرة اختلافهم هذه أورثت اضطرابا في نفس الإشارة فمن بعض الرّوايات يفهم ثبوت الإشارة بلا عقد (١) ومن قال بالإشارة مع العقد ففي بعض الرّوايات جعل العقد ثلاثة (٢) وخمسين وفي بعضها عقد ثلاثة (٣) وعشرين وبعضهم روى بقبض الخنصر (٤) والبنصر وحلق الإبهام والوسطي والإشارة بالسّبّابة وفي رواية بمجرّد وضع الإبهام على الوسطي وورد في بعض الرّوايات (٥) أنّه يشير بوضع اليد اليمنى على الفخذ اليسرى واليد اليسرى على الفخذ اليمنى وفى رواية اخرى انّه يشير واضعا يده اليمنى على ظهر يده اليسرى والرّسغ على الرّسغ والسّاعد على السّاعد وفي بعض الرّوايات أنّه يشير بقبض جميع (٦) الأصابع وفي بعض الرّواية أنّها من غير (٧) تحريك السّبّابة وفي بعض الرّوايات بإثبات التّحريك والواقع في بعض الرّواية أنّها وقت قراءة التّشهّد (٨) من غير تعيين وفي بعضها أنّها وقت التّكلّم بكلمة الشّهادة وفي بعض الرّواية مقيّدة بوقت (٩) الدّعاء أعني: يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك. ولمّا رأى العلماء الحنفيّة اضطراب الرّواة في كيفيّة الإشارة لم يثبتوا فعلا زائدا في الصّلاة على خلاف القياس وهو أنّ بناء الصّلاة على السّكون والوقار وأيضا أنّ توجيه الأصابع نحو القبلة مهما أمكن سنّة كما قال عليه الصّلاة والسّلام وليوجّه (١٠) من أعضائه القبلة ما استطاع.

فإن قيل: إنّ كثرة الإختلاف إنّما يورث الإضطراب إذا لم يمكن التّوفيق بين الرّوايات والتّوفيق فيما نحن فيه ممكن فإنّه يمكن أن يفعل جميع ما ورد في جميع الرّوايات في أوقات مختلفة.

__________

(١) كما يفهم من حديث ابن عمر رضى الله عنه ان النبى صلى الله عليه وسلم كان اذا جلس في الصلاة وضع يده اليمنى على ركبته ووضع اصبعه اليمنى التى تلى الابهام فدعا به الحديث رواه مسلم والترمذي والنسائى عنه. (القزاني رحمة الله عليه)

(٢) رواه مسلم عن ابن عمر أيضا (القزاني رحمة الله عليه)

(٣) وهو وضع الابهام على اصبعه الوسطى اخرجه مسلم عن ابن الزبير رضى الله عنهما (القزاني رحمة الله عليه)

(٤) رواه ابو داود والنسائى وغيرهما (القزاني رحمة الله عليه)

(٥) قال المخرج ما وجدت لهما اصلا (القزاني رحمة الله عليه)

(٦) رواه الترمذي عن عاصم بن كليب رضى الله عنه (القزاني رحمة الله عليه)

(٧) التحريك في رواية ابى داود والدارمى عن وائل بن حجر رضه وعدمه في رواية ابى داود والنسائى عن ابن الزبير رضى الله عنهما (القزاني رحمة الله عليه)

(٨) قال المخرج التى ثبتت في الاحاديث ففى مطلق الجلوس والتى وقت التكلم فمن استحسانات المشائخ اهـ. قلت اول من قال به شمس الائمة الحلوانى رحمه الله (القزاني رحمة الله عليه)

(٩) رواه الترمذي عن عاصم بن كليب. (القزاني رحمة الله عليه)

(١٠) اخرجه النسائى عن ابن عمر رضى الله عنه ان من السنتة في الصلاة ان ينصب القدم اليمنى واستقباله باصابعه القبلة الحديث واخرج البخارى عن ابى حميد الساعدى رضه حديثا فيه واسقبل باطراف اصابع رجليه القبلة الحديث واما لفظ الامام فهو في الهداية قال الزيلعى انه غريب (القزاني رحمة الله عليه)



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!