موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(313) المكتوب الثالث عشر والثلاثمائة إلى الخواجه محمد هاشم في حل أسئلة كتبها وهي سبعة وأمر ختم هذا المجلد من المكتوبات بهذا المكتوب لموافقة عددها لعدد الأنبياء المرسلين وعدد أصحاب بدر وأمر بكتابة عرائض المخدوم زاده الأعظم عليه الرحمة في آخر هذه

 

 


(قلنا) قد وقع في أكثر الرّوايات لفظ كان وهو عند غير المنطقيّين من الأدوات الكلّيّة فلا يمكن التّوفيق وما نقل عن الإمام الأعظم من قوله إذا وجدتم حديثا مخالفا لقولي فاتركوا قولي واعملوا بالحديث فالمراد بهذا الحديث حديث لم يبلغ الإمام وحكم بخلافه بناء على عدم علمه به وأحاديث الإشارة ليست من هذا القبيل فإنّها أحاديث معروفة ليس فيها احتمال عدم العلم. (١)

فإن قيل: إنّ العلماء الحنفيّة قد أفتوا بجواز الإشارة أيضا فينبغي أن يجوز العمل بكلّ منهما على مقتضى الفتاوى المتعارضة. (قلنا) إذا وقع التّعارض بين الجواز وعدم الجواز وبين الحلّ والحرمة فالتّرجيح في جانب عدم الجواز وعدم الحرمة وأيضا قال الشّيخ ابن الهمام في أحاديث رفع اليدين انّها معارضة لاحاديث عدم الرّفع فترجّح أحاديث عدم الرّفع بالقياس فإنّ مبنى الصّلاة على السّكون والخشوع الّذي هو مطلوب ومرغوب فيه بالإجماع. والعجب من الشّيخ ابن الهمام أنّه قال وعن كثير من المشائخ عدم الإشارة وهو خلاف الرّواية والدّراية كيف نسب الجهل إلى العلماء المجتهدين المتمسّكين بالقياس الّذي هو الأصل الرّابع من أدلّة الشّرع وهو ظاهر المذهب وظاهر الرّواية عن أبي حنيفة.

وهذا الشّيخ قد ضعّف حديث القلّتين بالاضطراب الحاصل من كثرة اختلاف الرّواية. ويكتب ولدي الأرشد محمّد سعيد رسالة في هذا الباب (٢) فإذا نقلت إلى البياض نرسلها إن شاء الله تعالى.

وكتبت انّ من طالبي الطّريقة جماعة في كلّ طرف ولم أتجاسر على إجازة أحد منهم بتعليم الطّريقة في محلّ أصلا فننظر بما تكون الإشارة. فاعلم أنّ كلّ من ترونه مناسبا يكون رئيس حلقة جماعة وهذا الأمر مفوّض إلى رأيكم وليصدر الأمر بعد الإستخارة والتّوجّه والسّلام عليكم وعلى من لديكم.

(٣١٣) المكتوب الثّالث عشر والثّلاثمائة إلى الخواجه محمّد هاشم في حلّ أسئلة كتبها وهي سبعة وأمر ختم هذا المجلّد من المكتوبات بهذا المكتوب لموافقة عددها لعدد الأنبياء المرسلين وعدد أصحاب بدر وأمر بكتابة عرائض المخدوم زاده الأعظم عليه الرّحمة في آخر هذه المكتوبات ليذكره النّاظرون بالدّعاء وقراءة الفاتحة لروحه

بعد الحمد والصّلوات وتبليغ الدّعوات ليعلم أخونا الخواجه محمّد هاشم أنّ الأسئلة الّتي اندرجت في مكتوب المير محبّ الله وطلبت حلّها نكتب في جوابها ما هو معلوم لنا ونرسله. (حاصل السّؤال الأوّل) أنّ القرب الإلهيّ جلّ سلطانه بحسب الفناء والبقاء وطيّ جميع مقامات الجذبة والسّلوك.

__________

(١) ولذا قال الامام محمد ان الاشارة قولى وقول ابى حنيفة وكذلك نقل عن الثانى في الامالى (القزاني رحمة الله عليه)

(٢) قلت انه صنف تلك الرسالة وصنف اخوه الاصغر مولانا الشيخ محمد يحيى رسالة ردها على ما ذكره مشائخنا قدس الله أسرارهم ولم ارهما وقد علمت ان الراجح هو سنية الاشارة منه.

والأصحاب الكرام قد فضّلوا على جميع أولياء الامّة بصحبة خير الأنام عليه وعليهم الصّلاة والسّلام مرّة واحدة فهل هذا السّير والسّلوك والفناء والبقاء حصلت لهم في تلك الصّحبة الواحدة وكانت أفضل من جميع السّير والسّلوك والفناء والبقاء. وأيضا هل حصل لهم الفناء والبقاء بتوجّهه وتصرّفه عليه الصّلاة والسّلام أو بمجرّد دخولهم في الإسلام (وأيضا) هل كان لهم علم بالسّلوك والجذبة حالا ومقاما أو لا.

فإن كان فبأيّ اسم سمّوه وإن لم يكن لهم طريق السّلوك والجذبة فيمكن أن نقول لهذا بدعة حسنة.

(اعلم) أنّ حلّ هذا المشكل منوط بالصّحبة وموقوف على الخدمة فإنّ الكلام الّذي لم يتكلّم به أحد في هذه المدّة كيف يكون مفهوما ومعقولا لكم بكتابة واحدة ولكن لمّا سألتم لا بدّ من الجواب ومن حلّه على وجه الإجمال بالضّرورة فينبغي الإصغاء إليه. (اعلم) أنّ القرب الّذي هو منوط بالفناء والبقاء والسّلوك والجذبة هو قرب الولاية الّذي تشرّف به أولياء الامّة والقرب الّذي تيسّر للأصحاب الكرام في صحبة خير الأنام عليه وعليهم الصّلاة والسّلام هو قرب النّبوّة حصل لهم بطريق التّبعيّة والوراثة ولا فناء في هذا القرب ولا بقاء ولا جذبة ولا سلوك وهذا القرب أفضل من قرب الولاية وأعلى منه بمراتب فإنّ هذا القرب قرب الأصل وذلك القرب قرب الظّلال شتّان ما بينهما ولكن لا يدرك فهم كلّ أحد مذاق هذه المعرفة كاد الخواصّ أن يشاركوا العوامّ في عدم فهم هذه المعرفة، شعر:

كربو على نواى قلندر نواختى ... صوفى بدى هر آنكه بعالم قلندرست

نعم: إذا وقع العروج إلى ذروة كمالات قرب النّبوّة من طريق الولاية فلا مندوحة حينئذ من الفناء والبقاء والجذبة والسّلوك فإنّ هذه مباد ومعدّات لذلك القرب وأمّا إذا لم يكن السّير من هذا الطّريق بل وقع الإختيار على الطّريق السّلطانيّ لقرب النّبوّة فلا حاجة حينئذ إلى الفناء والبقاء والجذبة والسّلوك وسير الأصحاب الكرام من طريق قرب النّبوّة السّلطانيّ فلم يحتاجوا إلى الجذبة والسّلوك والفناء والبقاء وليطلب بيان هذه المعرفة من المكتوب المحرّر باسم أمان الله وما كتبه الفقير في مواضع من مكتوباته ورسائله من أنّ معاملتي فيما وراء السّلوك والجذبة ووراء الظّهورات والتّجلّيات المراد به هو هذا القرب فإنّي حين كنت في ملازمة حضرة شيخنا قدّس سرّه أخذت هذه الدّولة في الظّهور فعرضتها عليه بهذه العبارة قد ظهر لي أمر السّير الأنفسيّ بالنّسبة إلى هذا الأمر كالسّير الآفاقيّ بالنّسبة إلى السّير الأنفسيّ ولم أجد حينئذ في نفسي قدرة التّعبير عن هذه الدّولة بأزيد من هذه العبارة ولمّا صارت هذه المعاملة العجيبة بعد سنين منقّحة ومحرّرة حرّرتها بعبارة مجملة الحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربّنا بالحقّ فتكون عبارات (١) الفناء والبقاء والجذبة والسّلوك محدثة ومن مخترعات

__________

(١) كما ان الفاظ الفرض والواجب والسنة والمستحب وغيرها واطلاقها على احكام معينة مخصوصة من مخترعات الفقهاء فكما انه لا يعاب على هذا لا يعاب على ذاك أيضا. (القزاني رحمة الله عليه)

المشائخ ذكر المولويّ الجاميّ في النّفحات أنّ أوّل من تكلّم عن الفناء والبقاء أبو سعيد الخرّاز قدّس سرّه.

(وحاصل السّؤال الثّاني) أنّ في الطّريقة النّقشبنديّة العليّة التزام اتّباع السّنّة السّنيّة النّبويّة والحال أنّه عليه الصّلاة والسّلام والتّحيّة صدر عنه رياضات عجيبة ومجاهدات شديدة كالجوع الشّديد وفي هذا الطّريق يمنعون عن الرّياضة بل يرونها بواسطة ظهور الكشوفات الصّوريّة بها مضرّة والعجب أنّه كيف يتصوّر احتمال الضّرر في اتّباع السّنّة؟

(أيّها المحبّ) من قال إنّ الرّياضة ممنوعة في هذا الطّريق ومن أين سمع أنّهم يرون الرّياضة مضرّة وفي هذا الطّريق دوام المحافظة على اتّباع السّنّة السّنيّة على صاحبها الصّلاة والسّلام والتّحيّة والسّعي في ستر الأحوال واختيار توسّط الحال ورعاية حدّ الإعتدال في المطاعم والملابس وسائر الأفعال كلّ ذلك من الرّياضات الشّاقّة والمجاهدات الشّديدة. (غاية) ما في الباب أنّ العوامّ كالأنعام لا يعدّون هذه الامور من الرّياضات ولا يرونها من المجاهدات بل الرّياضة والمجاهدة منحصرة عندهم في الجوع وكثرة الجوع عظيم القدر في نظرهم فإنّ الأكل عند هؤلاء المتّصفين بصفات البهائم من أهمّ المهامّ وأعظم المقاصد فلا جرم يكون تركه من الرّياضة الشّاقّة والمجاهدة الشّديدة عندهم بخلاف المحافظة على السّنّة والتزام متابعتها وأمثالها فإنّ هذه الامور لا قدر لها عند العوامّ ولا اعتداد بها حتّى يرون تركها من المنكرات وتحصيلها من الرّياضات فاللّازم لأكابر هذه الطّريقة أن يجتهدوا في ستر الأحوال وترك الرّياضة الّتي هي عظيمة القدر عند العوامّ وباعثة على قبول الأنام ومستلزمة للشّهرة المتضمّنة على الآفات العظام قال عليه الصّلاة والسّلام «بحسب (١) امرئ من الشّرّ الّا من عصمه الله أن يشير النّاس إليه بالأصابع في دينه ودنياه».

وعند الفقير الجوع الكثير أسهل وأيسر جدّا من مراعاة حدّ الإعتدال في المأكولات.

ورياضة رعاية توسّط الحال مستحقّة لأن تكون أزيد وأفضل من رياضة كثرة الجوع.

قال حضرة والدي الماجد قدّس سرّه:

رأيت في علم السّلوك رسالة ورأيت فيها أنّ رعاية حدّ الإعتدال في المأكولات والمحافظة على الحدّ الوسط فيها كافية في الوصول إلى المطلوب لا حاجة مع هذه المراعاة إلى الذّكر والفكر والحقّ أنّ توسّط الحال في المطاعم والملابس بل جميع الامور حسنة وجميلة جدّا، (شعر):

إيّاك والأكل حتّى يحدث الثّقل ... ولا تجوعنّ إلى أن يضعف البدن

__________

(١) قوله بحسب امرئ الخ. اخرجه البيهقي في الشعب عن انس رضى الله عنه (القزاني رحمة الله عليه)

وقد أعطي الحقّ سبحانه نبيّنا عليه الصّلاة والسّلام قوّة أربعين رجلا فكان صلّى الله عليه وسلّم يتحمّل بهذه القوّة ثقل الجوع. والأصحاب الكرام رضوان الله عليهم أجمعين كانوا يتحمّلون هذا الثّقل ببركة صحبة خير البشر عليه وعليهم الصّلاة والسّلام ولم يقع فتور وخلل في أعمالهم وأفعالهم أصلا وكانت قدرتهم على محاربة الأعداء مع وجود الجوع على نهج لا تبلغ قدرة أهل الشّبع عشرها ومن ههنا غلّب العشرون من الصّابرين على مائتين من الكفّار ومائة منهم على ألف منهم وأهل الجوع من غير الصّحابة يكادون يعجزون عن إتيان الآداب والسّنن بل ربّما يخرجون عن عهدة الفرائض بالتّكلّف فتقليد الصّحابة في هذا الأمر بلا قدرة تعرّض للعجز عن إتيان السّنن والفرائض (نقل) عن الصّدّيق الأكبر رضي الله عنه أنّه اختار صوم الوصال تقليدا (١) للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسقط من الضّعف وعدم القوّة على الأرض من غير اختيار

فقال عليه الصّلاة والسّلام على سبيل الإعتراض " أنا لست كأحدكم أبيت عند ربّي فيطعمني ويسقيني». فلم يستحسن التّقليد بلا قدرة وأيضا إنّ الأصحاب الكرام كانوا محفوظين ومأمونين من المضرّات المتولّدة من كثرة الجوع ببركة صحبة خير الأنام عليه وعليهم الصّلاة والسّلام وليس ذلك ميسّرا لغيرهم

بيانه: إنّ كثرة الجوع مورثة للصّفاء ألبتّة تورث طائفة صفاء القلب وجماعة صفاء النّفس، وصفاء القلب يزيد الهداية ويورث النّور وصفاء النّفس يستتبع الضّلالة ويزيد الظّلمة ألا ترى أنّ فلاسفة اليونان وبراهمة الهنود وجوكيّتهم أورثت الرّياضة كلّهم صفاء النّفس ودلّتهم بذلك على طريق الضّلالة وجرّتهم إلى الخسارة حتّى اعتمد أفلاطون الأحمق على صفاء نفسه وجعل الصّور الكشفيّة الخياليّة مقتداه فأعجب بنفسه ولم يصدّق عيسى على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام وكان مبعوثا في زمنه وقال: نحن قوم مهديّون لا حاجة بنا إلى من يهدينا فإن لم يكن فيه هذا الصّفاء الموجب لزيادة الظّلمة لما كانت الصّور الكشفيّة الخياليّة سدّة في طريقه ومانعة له عن الوصول إلى المطلب وقد وجد هو نفسه بسبب هذا الصّفاء نورانيّا ولم يعلم أنّ ذلك الصّفاء لم يجاوز القشر الرّقيق من نفسه الأمّارة وانّها على خبثها ونجاستها ولم يزد فيها شيئا سوى أن تكون كنجاسة مغلّظة مغلّفة بغلاف رقيق من السّكر (والقلب) الّذي هو نورانيّ في حدّ

__________

(١) روى البخارى عن ابى هريرة رضى الله عنه في جملة حديث بلفظ فقال رجل من المسلمين انك تواصل يا رسول الله قال ايكم مثلى انى ابيت يطعمنى ربى ويسقبنى اهـ. وليس فيه ذكر الصديق رض وليس في رواية غير البخارى قاله المخرج الاول قلت عدم ذكر الصديق مسلم ولكن الاقتصار على هذا مما لا وجه له فان البخارى اخرج هذا الحديث في باب بركة السحور وباب صوم الوصال وكتاب التمنى عن انس وابن عمر وابى سعيد الخدرى وعائشة وابى هريرة ورواه مسلم وغيره أيضا عن بعضهم وغيرهم بل المطابق لقول الامام ما رواه البخارى عن ابن عمر رضى الله عنهما ان النبى صلى الله عليه وسلّم وصال فواصل الناس فشق عليهم فناهم قالوا انك تواصل قال لست كهيئتكم انى اظل اطعم واسقى اهـ. والمطابقة في قوله فشق الخ.

ذاته وطاهر وإنّما قعد على وجهه غبار من مجاورته النّفس الظّلمانيّة يرجع إلى حاله الأصليّ بقليل من التّصفية ويصير نورانيّا بخلاف النّفس فإنّها خبيثة في حدّ ذاتها والظّلمة من صفاتها الذّاتيّة وما لم تزكّ ولم تطهّر بسياسة القلب بل باتّباع السّنّة والتزام الشّريعة على صاحبها الصّلاة والسّلام والتّحيّة بل بمحض فضل الله سبحانه لا يزول عنها خبثها الذّاتيّ ولا يتصوّر عنها الفلاح والخير وأفلاطون قد ظنّ صفاءه الّذي تعلّق بنفسه الأمّارة كصفاء القلب العيسويّ فتخيّل نفسه بالضّرورة مهذّبا ومطهّرا مثله وحرم من دولة متابعته عليه السّلام وصار متّسما بسمة الخسارة الأبديّة أعاذنا الله سبحانه من هذا البلاء، ولمّا كانت هذه المضرّة مضمرة ومكمونة في طبيعة الجوع ترك أكابر هذه الطّريقة قدّس الله أسرارهم رياضة الجوع واختاروا رياضة الإعتدال في المطعومات ومجاهدة رعاية الإقتصاد في سائر الحالات وتركوا منافع الجوع لإحتمال الضّرر العظيم وترتّب الآفات، والآخرون لاحظوا منافعه وأغمضوا عن مضارّه فرغبوا فيه ومن المقرّر عند العقلاء أنّه يترك المنافع الكثيرة لإحتمال المضرّة اليسيرة وقريب من هذه المقالة ما قاله العلماء شكر الله سعيهم: إنّ الأمر إذا دار بين السّنّة والبدعة الأفضل ترك هذا الأمر لإحتمال كونه بدعة دون إتيانه بسبب احتمال كونه سنّة يعني أنّ في احتمال كونه بدعة احتمال الضّرر وفي احتمال كونه سنّة توقّع المنافع فينبغي تركه ترجيحا لإحتمال الضّرر على توقّع المنافع فلا عجب لو عرض الضّرر في إتيان السّنّة من طريق آخر (وحقيقة هذا الكلام) هي أنّ هذه السّنّة كأنّها كانت موقّتة بذلك القرن ولمّا لم يجد جماعة كونها موقّتة بواسطة الدّقّة والخفاء بادروا على فعلها بالتّقليد وجماعة لمّا وجدوها موقّتة تركوا التّقليد فيها والله سبحانه أعلم بحقيقة الحال.

(والسّؤال الثّالث) قد ذكر في كتب أكابر هذه الطّريقة أنّ نسبتنا منسوبة إلى الصّدّيق رضي الله عنه بخلاف سائر الطّرق فإن قال مدّع: إنّ أكثر الطّرق واصل إلى الإمام جعفر الصّادق وهو منسوب إلى الصّدّيق فلم لا ننسب بقيّة الطّرق أيضا إلى الصّدّيق؟ (الجواب) انّ للامام نسبة من الصّدّيق ونسبة من عليّ رضي الله تعالى عنهما وكمالات كلّ واحدة من هاتين النّسبتين مع وجود اجتماعهما في الإمام على حدة ومتميّز بعضها عن بعض فأخذت طائفة عنه النّسبة الصّدّيقيّة بواسطة المناسبة الصّدّيقيّة وانتسبوا إلى الصّدّيق وأخذت جماعة عنه أيضا النّسبة العلويّة بالمناسبة العلويّة وانتسبوا إلى عليّ كرّم الله وجهه وقد كنت ذهبت بلدة بنارس لحاجة ما وهناك يجتمع نهر كنك مع نهر جمن ومع هذا الإجتماع يشاهد أنّ نهر كنك غير مختلط بنهر جمن بل متمايز عنه بحيث يتوهّم أن بينهما برزخا يمنع اختلاط أحدهما بالآخر، والّذين هم في طرف نهر كنك يشربون من نهر كنك والّذين هم على طرف نهر جمن يشربون من ماء نهر جمن.

فإن قيل: إنّ الخواجه محمّد پارسا قدّس سرّه قد حقّق في رسالته القدسيّة أنّ الإمام عليّا كرّم الله وجهه كما أنّه وجد التّربية من خاتم الرّسالة عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام والتّحيّة كذلك وجد التّربية من

الصّدّيق رضي الله عنه فتكون نسبة عليّ عين نسبة الصّدّيق فماذا يكون الفرق بينهما؟ قلنا: انّ خصوصيّات المحالّ مع وجود اتّحاد النّسبة باقية على حالها وقد يعرض لماء واحد بواسطة تعدّد المحالّ خصوصيّات متميّزة فيجوز أن ينسب إلى كلّ منهما طريق بالنّظر إلى خصوصيّة كلّ منهما.

(وحاصل السّؤال الرّابع) هو أنّه قد حرّر في مكتوب ملّا محمّد صدّيق أنّه إذا كان لشخص استعداد الولاية الموسويّة لا يدرى أنّ صاحب تصرّف هل يقدر على إخراجه إلى الولاية المحمّديّة أو لا، وحرّر في مكتوب المخدوم زاده الأكبر قدّس سرّه بأنّي أخرجتك من الولاية الموسويّة إلى الولاية المحمّديّة فما وجه التّوفيق.

(الجواب) انّ الواقع في مكتوب ملّا محمّد صدّيق هو أنّ الإخراج من الولاية الموسويّة إلى الولاية المحمّديّة ليس بمعلوم الوقوع ولم يكن في ذلك الوقت علم بوقوع هذا الأمر ولمّا صار معلوما بعد ذلك وحصلت قدرة التّغيير والتّبديل كتبت بأنّي أخرجتك من هذه الولاية إلى تلك الولاية فلم يوجد اتّحاد الزّمان حتّى يتصوّر التّناقض.

(وحاصل السّؤال الخامس) أنّ الصّوفيّة هنا يلبسون قميصا مشقوق الجيب على الصّدر، ويقولون:

" إنّ السّنّة هي هذا»، وأصحاب المير يلبسون قميصا مدوّر الجيب فما تحقيق ذلك؟

اعلم: أنّا نحن أيضا في التّردّد في هذا الباب فإنّ العرب يلبسونه مشقوق الجيب على الصّدر ويرونه (١) سنّة، ويفهم من بعض الكتب الحنفيّة أنّه لا ينبغي للرّجال لبس قميص مشقوق الصّدر لكونه لباس النّساء؛ روى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لعن رجل يلبس لبس المرآة ولعنت إمرأة تلبس لبس الرّجل " وفي مطالب المؤمنين: «ولا تتشبّه المرأة بالرّجال ولا يتشبّه الرّجل بالنّساء فإنّ كلا الفريقين ملعون». بل يفهم أنّ القميص المشقوق الصّدر ليس من لباس أهل الدّين وأهل العلم؛ ولهذا جوّزوه لأهل الذّمّة في جامع الرّموز نقلا عن المحيط فلا يلبس أيّ الذّمّيّ ما يختصّ بأهل الدّين والعلم كالرّداء والعمامة بل قميصا خشنا من الكرباس جيبه على صدره كالنّساء. وأيضا إنّ

__________

(١) (قوله ويرونه سنة) قلت لم يثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم فيه شيئ صريحا لا فعلا ولا قولا ولكن عقد البخارى في كتاب اللباس من صحيحه بابا ترجمه بباب جيب القميث من عند الصدر وذكر فيه حديث ابى هريهرة في وصف السخى والبخيل وفيه قال ابو هريرة فانا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول باصبعه هكذا في جيبه الحديث قال العينى فان الظاهر انه كان لابس قميص وكان في طوقه فتحة إلى صدره وعن هذا قال ابن بطال كان الجيب في ثباب السلف عند الصدر اهـ. واستدل عليه أيضا بحديث قرة بن اياس المزنى قال وان قميصه لمطلق الازرار فادخلت بى في جيب قميصه قال الحافظ ابن حدر ومقتضى حديث قرة هذا انه كان في صدره لقوله اولا انه رآه مطلق الازرار اى غير مزرر اهـ. ولعل هذا هو الصواب فان الاعراب لم يغير وازيهم في اللباس اصلا فدل ذلك ان جيب العرّب كان في الصدر الاول كذلك واما الاستدلال بجواز لبسه للذمى فإنما هو لاعتياد المسلمين للبس خلافه في تلك البلاد والمقصود مخالفتهم لعادة المسلمين ليحصل الامتياز واما ان ما اعتاده المسلمون هناك سنة اولا فهو شيئ آخر. (محمد مراد القزاني رحمة الله عليه)

مشقوق الجيب على الصّدر ليس قميصا على قول بعض العلماء بل هو درع وإنّما القميص عندهم ما يكون مشقوق الجيب على المنكبين في جامع الرّموز في بيان كفن المرأة وفي الهداية بدل القميص الدّرع. وفرّق بينهما أنّ شقّه إلى الصّدر والقميص إلى المنكب، وقالوا بالتّرادف.

والصّواب عند الفقير هو: أنّه لمّا كان الرّجال ممنوعين عن التّشبّه بالنّساء توقّف الحكم على معرفة عادة النّساء فننظر إذا كان في محلّ تلبس فيه النّساء قميصا شقّه على الصّدر ينبغي أن يترك الرّجال لبسه لئلّا يتشبّهوا بالنّساء، وأن يلبسوا قميصا شقّه على المنكب، وإذا كان في محلّ تلبس فيه النّساء قميصا شقّه على المنكب يختار الرّجال قميصا شقّه على الصّدر ففي بلاد العرب تلبس النّساء قميصا مدوّر الجيب فيلبس الرّجال ما شقّه على الصّدر بالضّرورة، وفي ما وراء النّهر والهند تلبس النّساء قميصا شقّه على الصّدر، فيختار الرّجال قميصا شقّه على المنكب بالضّرورة.

قال الشّيخ ميان عبد الحقّ: كنت في مكّة فرأيت واحدا من مريدي الشّيخ نظام النّار نوليّ يطوف بالبيت لابسا قميصا مدوّر الجيب وصار جمع من العرب يتعجّبون من قميصه قائلين: إنّه لبس قميص النّساء فباعتبار العرف والعادة يكون عمل كلّ من العرب والهند وأهل ما وراء النّهر صوابا: ولِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فلو ثبتت سنّيّة لبس القميص المشقوق على الصّدر لما جوّز علماء الحنفيّة لبسه لأهل الذّمّة ولما جعلوا خلافه مخصوصا بأهل العلم والدّين، ولمّا كانت النّساء أقدم وأسبق في هذا اللّباس من الرّجال جعلوا لباس الرّجال هنا تابعا للباس النّساء.

(وحاصل السّؤال السّادس): هو أنّ توجّه الطّالب في هذا الطّريق لمّا كان إلى الاحديّة الصّرفة من ابتداء الأمر كان اللّازم أن لا يجتمع هذا التّوجّه مع النّفي والإثبات فإنّ التّوجّه وقت النّفي إلى الغير.

(الجواب) أنّ التّوجّه إلى الغير إنّما هو لتقوية التّوجّه إلى الأحديّة وتربيته، والمقصود من نفي الغير حصول دوام ذلك التّوجّه من غير مزاحمة الأغيار، فالتّوجّه إلى نفي الغير ليس بمناف للتّوجّه إلى الأحديّة وإنّما المنافي له التّوجّه إلى الغير لا التّوجّه إلى نفي الغير، شتّان ما بينهما.

(وحاصل السّؤال السّابع) هو أنّ كلّ ذكر يستعمل باللّسان يستعمله المبتدئون في هذه الطّريقة بالقلب؛ فالنّفي والإثبات هل يستعمل جميعه بالقلب أو لا بل بعضه بالقلب وبعضه بغيره؟ فإن كان المستعمل بالقلب جميعه فكيف يستقيم مدلّا إلى فوق وصرفه إلى يمين.

(الجواب) ما النّقصان إن كان المستعمل بالقلب جميعه فإن لا يمدّ بالقلب إلى فوق ويصرف اله إلى يمين ويجرّ الّا الله نحوه أي القلب مع أنّ النّفي والإثبات في هذا الطّريق بالتّخيّل لا دخل فيه للّسان والحنك أصلا حتّى يشترط مواطأة القلب والقول، وهذان السّؤالان الأخيران من قبيل تشكيكات الفخر الرّازيّ، فلئن تأمّلتم فيهما تأمّلا جيّدا لاندفعا.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!