موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(10) المكتوب العاشر إلى أخيه الحقيقي ميان محمد مودود في بيان أن كل ظهور لا يكون بدون شائبة الظلية بخلاف ظهور ما فوق العرش وأن القلب إذا انتهى إلى نهايته يقتبس لمعة من أنوار العرش

 

 


بطريق التّبعيّة لهم والوراثة منهم والايمان الغيبيّ الذي هو حاصل لعوامّ المؤمنين ليس بخارج عن حيطة الوهم فإنّ وراء الوراء في حقّ العوامّ في جانب البعد الذي فيه مجال للوهم ووراء الوراء عند هؤلاء الاكابر في جانب القرب الذي لا مجال فيه للوهم وما دامت الدنيا قائمة والحياة الدنيويّة موجودة لا بدّ من الإيمان بالغيب؛ فإنّ الإيمان بالمشهود معلول هنا وإذا كانت النّشأة الاخرويّة وانكسرت سورة الوهم والخيال يكون الإيمان الشّهوديّ مقبولا ومبرّءا عن علّة الجعل والنّحت وأظنّ أنّ محمّدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا كان في دار الدنيا مشرّفا بدولة الرّؤية لو أثبتنا الإيمان الشّهوديّ في حقّه هنا لكان محمودا ومنزّها عن علّة الجعل والنّحت فإنّ الذي هو موعود لغيره في الآخرة ميسّر له صلّى الله عليه وسلّم هنا ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (١). (ينبغي أن يعلم) أنّ كلمة النّفي قد أتمّها الخليل على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام ولم يترك بابا من أبواب الشّرك غير مسدود أصلا ولهذا صار إمام الانبياء وأسبقهم قدما فإنّ ظهور نهاية الكمال في النّشأة الدنياويّة منوط بإتمام هذا النّفي وظهور كمالات كلمة الإثبات موقوف على نشأة الآخرة. غاية ما في الباب أنّ خاتم الرّسل عليه وعليهم الصّلاة والسّلام لمّا تشرّف في هذه النّشأة بدولة الرّؤية وجد نصيبا وافرا من كمالات كلمة الإثبات في هذه النّشأة أيضا حتّى يمكن أن يقال إنّ كلمة الإثبات قد تمّت ببعثته عليه الصّلاة والسّلام بمقياس هذه النّشأة ويمكن أن يكون إثبات التّجلّي الذّاتيّ في حقّه صلّى الله عليه وسلّم في هذه النّشأة لهذا المعنى ووعد في حقّ الآخرين والسّلام على من اتّبع الهدى (٢) والتزم متابعة المصطفى عليه وعلى آله من الصّلوات أفضلها ومن التّسليمات أكملها.

(١٠) المكتوب العاشر إلى أخيه الحقيقيّ ميان محمّد مودود في بيان أنّ كلّ ظهور لا يكون بدون شائبة الظّلّيّة بخلاف ظهور ما فوق العرش (٣) وأنّ القلب إذا انتهى إلى نهايته يقتبس لمعة من أنوار العرش

__________

(١) الحديد: ٢٩

(٢) طه: ٤٧

(٣) العرش: هو الجسم المحيط بجميع الأجسام سمي به لارتفاعه أو للتشبيه بسرير الملك في تمكنه عليه عند الحكم لنزول أحكام قضائه وقدره منه ولا صورة ولا جسم ثمة. انظر: الجرجاني: التعريفات: ١٩٢.

قال الشّيخ أبو يزيد البسطاميّ: «لو أنّ العرش وما حواه في زاوية من زوايا قلب العارف (١) ما أحسّ به “ يعني من وسعة قلبه. وأيّد الشّيخ الجنيد هذا القول وأثبته بدليل وقال ” إنّ الحادث إذا اقترن بالقديم لا يبقى منه أثر " يعني أنّ العرش وما فيه حادث فإذا اقترن ذلك الحادث بقلب العارف الذي هو محلّ ظهور أنوار القدم يصير مضمحلّا ومتلاشيا فكيف يكون محسوسا؟! والعجب الف عجب من صدور مثل هذا الكلام عن رؤساء الصوفيّة سلطان العارفين وسيّد الطّائفة حيث لا يجعلون للعرش المجيد اعتبارا في جنب قلب العارف أصلا ويرون العرش حادثا خاليا من ظهور أنوار القدم ويسمّون القلب قديما بواسطة ظهور أنوار القدم فيه فماذا أقول من غيرهم وماذا أكتب؟! وعند الفقير الذي هو مربّى الجذبات الإلهيّة هو أنّ قلب العارف إذا انتهى إلى نهاية النّهاية بمقتضى استعداده الخاصّ وحصّل الكمال الذي لا يتصوّر شيء فوقه يحصل له حينئذ قابليّة فيضان لمعة من لمعات ظهور أنوار العرش الّتي لا نهاية لها وتكون تلك اللّمعة (٢) بالنّسبة إلى لمعات العرش قطرة بالنّسبة إلى البحر المحيط بل أقلّ والعرش هو الذي سمّاه الله سبحانه عظيما وأثبت فيه سرّ الإستواء ويقال لقلب العارف بواسطة جامعيّته على سبيل التّمثيل والتّشبيه عرش لله يعني كما أنّ العرش المجيد برزخ بين عالم الخلق وعالم الامر في العالم الكبير وجامع لكلا طرفى الخلق والامر كذلك القلب برزخ بين عالم الخلق وعالم الامر في العالم الصّغير وجامع لكلا طرفى الخلق والامر من ذلك العالم الصّغير فيمكن أن يقال للقلب أيضا عرشا على سبيل التّمثيل.

(اسمع اسمع) انّ قابليّة ظهور أنوار القدم الّتي هي منزّهة ومبرّأة عن شائبة الظّلّيّة مخصوصة بالعرش المجيد ليست تلك القابليّة لشيء من عالم الخلق ولا من عالم الامر ولا من العالم الكبير ولا من العالم الصّغير غير العرش المجيد ويقتبس قلب العارف الكامل من تلك الانوار بواسطة علاقة الجامعيّة والبرزخيّة ويغترف غرفة من ذلك البحر وكلّ ظهور بعد العرش وقلب العارف التّامّ المعرفة متّسم بسمة الظّلّيّة لم يجد رائحة من الاصل فإن قال أبو يزيد كذلك من السّكر فله ذلك ولكنّ صدوره من الجنيد الذي هو مدّع للصّحو (٣) ليس بحسن وماذا يصنعون فإنّهم لم ينتبهوا لحقيقة المعاملة ولم يخرجوا من

__________

(١) العارف: هو من أشهده الله تعالى ذاته وصفاته وأسماءه وأفعاله فالمعرفة حال تحدث من شهوده. الكاشاني: المعجم: ١٢٤.

(٢) اللوامع: هي ما يثبت من أنوار التجلي وغيره واللوامع إنما تثبت وقتين وقريبا من ذلك لأن الوقت الأول لظهورها والوقت الثاني لإفادة ما أتت به من العلوم الإلهية ولا تعلق لها بالعلوم الكونية أصلا. الكاشاني: رشح الزلال: ١٠٨. الفتوحات المكية: ح‍١٣/ ٤٨، ٧٤.

(٣) الصحو: لغة: نقيض السكر. انظر: ابن منظور: لسان العرب / صحا. فإذا كان السكر عند الصوفية: هو إستيلاء سلطان الحال فإن الصحو هو العودة إلى ترتيب الأفعال وتهذيب الأقوال. وصورته في الأبواب: السلو عن الخوف والرجاء. وفي المعاملات: السلو عن اغلتدبير وحظوظ النفس للإشتغال بالرعاية والمراقبة. وفي الاخلاق: ذكاء اللنفس وصفاء القلب. وفي الأصول: السلو عن الخلق للتوجه إلى الحق والإنجذاب إلى جنابه لشدة



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!