موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(17) المكتوب السابع عشر إلى المرزا حسام الدين أحمد في بيان أن مصيبات هذا العالم وإن كانت في الظاهر جراحات ولكنها مراهم في الحقيقة وباعثة لترقيات كثيرة وفي فضيلة موت الطاعون وما يناسب ذلك

 

 


فإن جعل القميص المتبرّك بدل قميص الكفن جاز. وأكفان الشّهداء هي أثوابهم ووصّى الصّدّيق الاكبر رضي الله عنه بتكفينه في ثوبه حيث قال " كفّنوني في ثوبيّ هذين» (١). ولمّا كان البرزخ الصّغير من مواطن الدنيا من وجه جاز أن يكون فيه مجال للتّرقّي وأحوال هذا الموطن فيها تفاوت فاحش بالنّظر إلى أشخاص متفاوتة ولعلّك سمعت أنّ الانبياء يصلّون في القبور ولمّا مرّ نبيّنا عليه الصّلاة والسّلام بقبر موسى عليه السّلام ليلة المعراج: رآه يصلّي في قبره ولمّا رقّي إلى السّماء في تلك اللّحظة وجد الكليم هناك» (٢). وفي معاملة هذا الموطن عجائب وغرائب وحيث انّنا نكثر النّظر في هذه الايّام إلى ذلك الموطن من أجل المرحوم ولدي الاعظم تظهر فيه أسرار غريبة بحيث إن ذكرت نبذة منها تكون باعثة على الفتن وسقف الجنّة وإن كان عرشا مجيدا ولكنّ القبر أيضا روضة من رياض الجنّة وإن كان العقل القاصر عاجزا عن تصويره. والنّاظر إلى تلك الاعجوبات هو عين أخرى ومجرّد الإيمان - وإن كان منجيا بعد اللّتيّا واللّتى - ولكنّ رفع الكلمة الطّيّبة مربوط بالعمل الصّالح والفرار من الموت كبيرة كالفرار يوم الزّحف ومن ثبت في أرض الوباء صبرا ومات فهو من الشّهداء ومأمون من فتنة القبر والذي صبر ولم يمت فهو من الغزاة. (شعر)

فإن قال لي مت متّ سمعا وطاعة ... وقلت لداعي الموت أهلا ومرحبا

وقد أعجزني البلغم والسّعال منذ أيّام وبلغ ضعف البدن نهايته فاقتصرنا على الاجوبة بالضّرورة والسّلام.

(١٧) المكتوب السّابع عشر إلى المرزا حسام الدين أحمد في بيان أنّ مصيبات هذا العالم وإن كانت في الظّاهر جراحات ولكنّها مراهم في الحقيقة وباعثة لترقّيات كثيرة وفي فضيلة موت الطّاعون وما يناسب ذلك

__________

(١) مسند الإمام أحمد. حديث السيدة عائشة رضي الله عنها. * وعزاه الزيلعي للإمام أحمد في الزهد. عبد الرزاق في المصنف عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة. انظر: نصب الراية: كتاب الصلاة. باب الجنائز. فصل في التكفين. ح ٣

(٢) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: أحاديث عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف * عن بن جريج عن عمرو بن دينار عن بن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر موسى عليه السلام وهو يصلي في قبره.

وبعد الحمد والصّلوات وتبليغ الدعوات (ليعلم) انّ الصّحيفة الشّريفة المرسلة مع الشّيخ مصطفى في باب التّعزية والمصيبات قد تشرّفت بملاحظة مضمونها “ إنّا لله وإنّا إليه راجعون ” وهذه المصيبات جراحات في الظّاهر ولكنّها مراهم في الحقيقة وموجبة للتّرقّيات والثمرات والنّتائج المرتّبة عليها بعناية الله تعالى عشر عشير تلك الثمرات المتوقّعة المأمولة بعناية الله تعالى في الآخرة؛ فوجود الاولاد عين الرّحمة حيث انّ في حياتهم منافع وفوائد وفي مماتهم أيضا ترتّب الثمرات والنّتائج. (ذكر الإمام الاجلّ محيي السّنة في حلية الابرار) أنّه وقع الطّاعون في زمن عبد الله بن الزّبير رضي الله عنهما ثلاثة أيّام ومات في ذلك الطّاعون ثلاثة وثمانون ابناء لانس - رضي الله عنه - خادم نبيّنا عليه وعلى آله الصّلوات والتّسليمات وقد دعا له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالبركة ومات أربعون ابنا لعبد الرّحمن ابن أبي بكر رضي الله عنهم. فإذا عومل بأصحاب خير الأنام - عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام - هذه المعاملة فأيّ حساب لامثالنا العاصين؟! وقد ورد في الخبر: أنّ الطّاعون كان عذابا للأمم السّابقة وهو شهادة لهذه الامّة. والحقّ أنّ الذين يموتون في هذا الوباء يذهبون حاضرين متوجّهين على وجه يقضى منه العجب حتّى يتمنّى الإنسان اللّحاق في هذه الايّام بهؤلاء الجماعة أرباب البلاء ونقل الحمول من الدنيا إلى الآخرة وهذا البلاء في هذه الامّة غضب في الظّاهر رحمة في الباطن. وقال الشّيخ طاهر: «رأيت شخصا في لاهور في أيّام الطّاعون يقول: من لم يمت في هذه الايّام فهو متحسّر». (نعم) إذا أجيل النّظر في أحوال هؤلاء الماضين تشاهد أحوال غريبة ومعاملات عجيبة لا يمتاز بهذه الخصائص غير الشّهداء في سبيل الله يعني: لا ينالها غيرهم. (أيّها المخدوم) إنّ مفارقة ولدي الاعزّ - قدّس سرّه - من أعظم المصائب لا يعلم كون شخص مصابا بمثل هذه المصيبة. وأمّا الصّبر والشّكر اللّذان رزقهما الله سبحانه لهذا الضعيف في هذه المصيبة فمن أجلّ إحسانه وأعظم إنعامه سبحانه وتعالى وأسأل الله سبحانه أن يؤخّر جزاء هذه المصيبة إلى الآخرة وأن يكون معدّا لها وأن لا يظهر شيء منه في الدنيا وإن كنت أعلم أنّ هذه المسألة من ضيق الصّدر وإلّا فهو تعالى واسع الرّحمة فَلله الْآخِرَةُ والْأُولى (١) (المسئول من الإخوان) الإمداد والاعانة ودعاء سلامة الخاتمة والعفو عن الزّلات اللّازمة للبشريّة والتّجاوز عن التّقصيرات النّاشئة من البشريّة رَبَّنَا اِغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وثَبِّتْ أَقْدامَنا واُنْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢) والسّلام عليكم وسائر من اتّبع الهدى (٣).

__________

(١) الآية: ٢٥ من سورة النجم.

(٢) البقرة: ٢٨٦

(٣) طه: ٤٧



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!