موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(7) المكتوب السابع في بيان بعض أحواله الغريبة مع بعض استفساراته الضرورية كتبه إلى شيخه المكرم

 

 


فإذا تشرّف واحد أو اثنان من أكابر هذه السّلسلة بعد قرون كثيرة بهذه النّسبة فماذا يقولون في سلاسل أخر وهذه نسبة خواجه عبد الخالق الغجدوانيّ (١) قدّس سرّه ومتمّمها ومكمّلها شيخ الشّيوخ، أعني: حضرة الخواجه بهاء الدّين المعروف بالنّقشبند قدّس سرّه وتشرّف بهذه الدّولة من خلفائه الخواجه علاء الدّين العطّار قدّس سرّه، (ع):

وتلك سعادات تكون نصيب من!

والعجب من هذا الأمر حيث كان كلّ بلاء ومصيبة واقعة باعثة على السّرور والفرح أوّلا وكنت أقول: هل من مزيد، وكلّما فاتني شيء من متاع الدّنيا كان يطيب به قلبي، وكنت أتمنّى مثله ولمّا أنزلت الآن إلى عالم الأسباب ووقع نظري على عجزي وافتقاري صار يحصل لي نوع حزن بحصول ضرر يسير في أوّل وهلة، وإن زال بسرعة ولم يبق أصلا وكذا إذا دعوت الله سبحانه لدفع بلاء أو مصيبة ما كان المقصود منه رفع تلك المصيبة بل لأجل الإمتثال لأمر: «ادعوا». والآن صار المقصود من الدّعاء رفع المصائب والبلاء وقد رجع الخوف والحزن اللّذان قد زالا. من قبل وصار معلوما لي أنّ ذلك كان من السّكر.

وأمّا في الصّحو فكلّ ما هو موجود في عوامّ النّاس من العجز والإفتقار والخوف والحزن والغمّ والفرح موجود في صاحب الصّحو وفي الإبتداء، وإن لم يكن المقصود من الدّعاء رفع البلاء ولكن ما كان قلبي يطيب بهذا المعنى إلّا أنّ الحال كان غالبا عليّ. وكان أوّلا يخطر في البال أن دعوات الأنبياء عليهم الصّلوات والتّسليمات ليست من قبيل استدعاء حصول المراد. ولمّا شرّفت الآن بتلك الحالة صارت حقيقة الأمر واضحة، وعلمت أنّ دعوات الأنبياء عليهم الصّلوات والتّسليمات كانت على وجه العجز والإفتقار والخوف والإنكسار، لا لمجرّد امتثال الأمر.

وتصدر الجراءة أحيانا بعرض بعض الأمور الواقعة حسب الأمر.

(٧) المكتوب السّابع في بيان بعض أحواله الغريبة مع بعض استفساراته الضّروريّة كتبه إلى شيخه المكرّم

عريضة أقلّ العبيد أحمد: انّ المقام الّذي كان فوق المحدّد وجدت روحي هناك بطريق العروج، وكان لهذا المقام اختصاص بحضرة الخواجه النّقشبند قدّس سرّه الأقدس ثمّ وجدت بدني العنصريّ هناك

__________

(١) عبد الخالق بن عبد الجميل الملطي الغجدواني ثم البخاري الصوفي: من خلفاء يوسف الهمداني، توفي سنة ٥٧٥ هـ، له الوصايا في التصوف. انظر: إسماعيل باشا البغدادي: هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين: ٥/ ٥٠٩.

بعد زمان، وخيّل لي في ذلك الوقت أنّ هذا العالم بتمامه من العنصريّات والفلكيّات نازل إلى التّحت، ولم يبق منه اسم ولا رسم، ولمّا لم يكن في ذلك المقام إلّا بعض الأولياء الكبار، والآن أجد تمام العالم شريكا لي في المحلّ والمقام.

حصلت الحيرة بأنّه مع وجود الأجنبيّة التّامّة أرى نفسي معهم. والحاصل: تظهر أحيانا حالة لا أبقى فيها أنا ولا العالم ولا يظهر شيء لا في النّظر ولا في العلم، وتلك الحالة مستمرّة إلى الآن ووجود العالم محتجب عن النّظر والعلم، ثمّ ظهر في ذلك المقام قصر عال قد وضع فيه سلالم فطلعت فيه ثمّ تنزّل ذلك المقام أيضا بالتّدريج مثل العالم ووجدتني صاعدا ساعة فساعة فصلّيت اتّفاقا ركعتي شكر الوضوء، فظهر مقام عال جدّا، فرأيت فيه الأكابر الأربعة (١) النّقشبنديّين قدّس الله أسرارهم وكان فيه أيضا مشايخ آخرون مثل سيّد الطّائفة وغيره، وكان بعض من المشائخ فوق ذلك المقام، ولكن كانوا قاعدين آخذين بقوائمه وكان بعضهم تحته على تفاوت درجاتهم، ووجدت نفسي بعيدا عن ذلك المقام جدّا، بل لم أر في نفسي مناسبة بهذا المقام. فحصل لي من هذه الواقعة اضطراب تامّ حتّى كدت أكون مجنونا ويخرج روحي من بدني من فرط الحزن والأسف فمرّت على هذه النّهج أوقات، ثمّ رأيت نفسي أخيرا مناسبا لذلك المقام بتوجّهاتكم العليّة. ووجدت رأسي أوّلا محاذيا لذلك المقام، ثمّ صعدت تدريجا وقعدت فوقه، ثمّ خطر في بالى بعد التّوجّه أنّ ذلك المقام مقام التّكميل التّامّ يوصّل إليه بعد تمام السّلوك ولا حظّ من ذلك المقام لمجذوب لم يتمّ السّلوك، وخيّل لي في ذلك الوقت أنّ الوصول إلى ذلك المقام من نتائج تلك الواقعة الّتي كنت رأيتها حين كوني في ملازمتكم، وهي أنّي رأيت سيّدنا عليّا كرّم الله وجهه قد جاء وقال:

“ جئتك لأعلّمك علم السّموات ” إلخ. ولمّا أمعنت النّظر وجدت ذلك المقام مخصوصا بسيّدنا عليّ (٢) كرّم الله وجهه من بين سائر الخلفاء الرّاشدين رضي الله عنهم أجمعين والله سبحانه وتعالى أعلم.

والمعروض ثانيا: أنّه يظهر لي أنّ الأخلاق السّيئة ترتفع ساعة فساعة بعضها يخرج من البدن مثل الخيط وبعضها مثل الدّود، ويخيّل في بعض الأوقات أنّ كلّها قد زالت ثمّ يظهر في وقت آخر. وثالثا: أنّ التّوجّه لدفع بعض الأمراض والشّدائد هل هو مشروط بأن يعلم رضا الحقّ سبحانه أوّلا أو لا؟ والظّاهر من عبارة الرّشحات المنقولة عن حضرة الخواجه يعنى: عبيد الله أحرار قدّس الله سرّه الأقدس أنّ هذا ليس بشرط فبماذا تحكمون في هذا الباب، مع أنّ التّوجّه غير مستحسن يعنى: عنده. ورابعا: أنّ بعد تحقّق

__________

(١) لعله أراد بهم الخواجه عبد الخالق الغجدوانى والخواجه محمد بهاء الدين النقشبند والخواجه علاء الدين العطار والخواجه عبيد الله أحرار قدس سرهم لمؤلفه عفى عنه.

(٢) أبو الحسن علي بن أبي طالب: ابن عم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، واسم أبي طالب عبد مناف، أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، أسلمت وهاجرت، ويكنى أبا الحسن وأبا تراب، أسلم وهو ابن سبع سنين، وشهد المشاهد كلها، ولم يتخلف إلا في تبوك؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه في أهله، وكان غزير العلم مرجعا في الفتوى والقضاء حتى قيل: «فتوى ولا أبا الحسن لها»، توفي بالمدينة سنة خمسين. انظر: ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب في أخبار من ذهب: ١/ ٥٦، ابن الجوزي: صفة الصفوة: ١/ ١٦٢، الشيخ يس السنهوتي النقشبندي ت (١٤١٦ ه): الأنوار القدسية في مناقب السادة النقشبندية: ٢١.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!