موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(41) المكتوب الحادي والأربعون إلى الشيخ فريد التهانيسرى في بيان أن في مراتب نهاية النهاية تظهر مرتبة كل ذرة من ذلك الموطن أزيد من تمام دائرة الإمكان بأضعاف مضاعفة وما يناسب ذلك ** | ** (42) المكتوب الثاني والأربعون إلى الخواجه جمال الدين الحسين ولد المرزا

 

 


خرق الحجب ليس بمناف لخبر عدم جواز خرق الحجب فإنّ ذلك الخرق غير هذا الخرق فلا تكن من الممترين والسَّلامُ عَلى مَنِ اِتَّبَعَ الْهُدى (١) والتزم متابعة المصطفى عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام.

(٤١) المكتوب الحادي والأربعون إلى الشّيخ فريد التّهانيسرىّ في بيان أنّ في مراتب نهاية النّهاية تظهر مرتبة كلّ ذرّة من ذلك الموطن أزيد من تمام دائرة الإمكان بأضعاف مضاعفة وما يناسب ذلك

قد يظهر وقت العروج إلى مراتب نهاية النّهاية بعناية الله سبحانه وحرمة حبيبه - عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام - مرتبة كلّ ذرّة من ذلك الموطن أزيد من تمام دائرة الإمكان بأضعاف مضاعفة فإذا قطع مسافة مقدار ذرّة من ذلك الموطن بالسّلوك كأنّه تيسّر قطع زيادة أضعاف دائرة الإمكان فكيف إذا طوى شخص مسافة طويلة من تلك المرتبة؟! فعلم أنّه لا مقدار لدائرة الإمكان بالنّسبة إلى مرتبة الوجوب فما فوقها يا ليت لها حكم القطرة بالنّسبة إلى البحر المحيط!! فبالضّرورة لا يمكن وصول أحد إلى منزل الحبيب بقوّة قدمه ولا بقدر رؤيته ببصر نفسه لا يحمل عطايا الملك الّا مطاياه.

(٤٢) المكتوب الثاني والأربعون إلى الخواجه جمال الدين الحسين ولد المرزا حسام الدين أحمد في بيان حصر الصّوفيّة السّير في الآفاق والأنفس وإثباتهم التّخلية والتّحلية في ذلك السّير ومنعه هو قدّس سرّه هذا المعنى وإثباته نهاية النّهاية فيما وراء الانفس والآفاق بعناية الله سبحانه

بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين وعلى آله الكرام وأصحابه العظام إلى يوم القيامة. أيّها الولد العزيز أسعدك الله تعالى (اسمع) بسمع العقل انّ السّالك إذا اشتغل بالذّكر الإلهيّ جلّ سلطانه بعد تصحيح النّيّة وتخليصها وقدّم الرّياضات (٢) الشّاقّة

__________

(١) طه: ٤٧

(٢) الرياضة: لغة: التذليل يقال: «راض المهر رياضا ورياضة ذلله " انظر: الفيروزابادي: القاموس المحيط: الروضة. أما عند الصوفية فهي: ضرب من ترويض النفس على الطاعات والزهد في ملاذ الحياة ويدل على ذلك قول يحي بن معاذ الرازي: «جاهد نفسك بالطاعة والرياضة فالرياضة: هجر المنام وقلة الكلام وتحمل الأذى من الأنام والقلة من الطعام فيتولد من قلة المنام

والمجاهدات الشّديدة وحصّل التّزكية وبدّل الاوصاف الرّذيلة بالاوصاف الحسنة وتيسّرت له التّوبة والإنابة وزال حبّ الدنيا عن قلبه وحصل له الصّبر والتّوكّل والرّضا وشاهد هذه المعاني الحاصلة له في عالم المثال بالتّدريج والتّرتيب ورأى نفسه طاهرا ومصفّى عن الكدورات البشريّة والصّفات الرّذيلة لكان قد أتمّ السّير الآفاقيّ البتّة واختار طائفة في هذا المقام الإحتياط وقرّروا الامر على تمثّل كلّ لطيفة من اللّطائف السّبعة الإنسانيّة في عالم المثال بصورة نور من الانوار المناسبة لها وجعلوا علامة صفاء كلّ لطيفة ظهور نور من تلك الانوار المثاليّة وابتدءوا هذا السّير من لطيفة القلب وأوصلوه بالتّدريج والتّرتيب إلى اللّطيفة الاخفى الّتي هي منتهى اللّطائف وجعلوا علامة صفاء قلب السّالك مثلا ظهور ذلك القلب في عالم المثال بصورة النّور الاحمر وجعلوا علامة صفاء الرّوح ظهوره بصورة النّور الاصفر وعلى هذا القياس فكان حاصل السّير الآفاقيّ أن يشاهد السّالك تبدّل أوصافه وتغيّر أخلاقه في مرايا عالم المثال وأن يحسّ زوال ظلماته وكدوراته في ذلك العالم حتّى يحصل له اليقين بصفائه ويثبت العلم بتزكيته ولمّا كان السّالك في هذا السّير يشاهد أحواله وأطواره ساعة فساعة في عالم المثال الذي هو من جملة الآفاق ورأى فيه انتقاله من هيئة إلى هيئة كأنّ سيره كان في الآفاق وإن كان هذا السّير في الحقيقة سيرا في نفس السّالك وكانت الحركة حركة كيفيّة في أخلاقه وأوصافه ولكن لمّا كان سطح نظره بعيدا في رؤيته كان ذلك آفاقا لا أنفسا وصار السّير أيضا منتسبا إلى الآفاق وقالوا بتمام السّير إلى الله عند تمام هذا السّير المنسوب إلى الآفاق وجعلوا الفناء مربوطا بهذا السّير وعبّروا عن هذا السّير بالسّلوك فإذا وقع السّير بعد ذلك يسمّونه سيرا أنفسيّا ويقال له أيضا السّير في الله ويثبتون البقاء بالله في هذا الموطن ويرون في هذا المقام حصول الجذبة بعد السّلوك ولمّا حصلت التّزكية للطائف السّالك في السّير الاوّل وتخلّصت عن الكدورات البشريّة حصلت لها قابليّة ظهور ظلال الإسم الجامع الذي هو ربّ السّالك وعكوس ذلك الإسم في مرايا تلك اللّطائف وتكون تلك اللّطائف موارد تجلّيات جزئيّات ذلك الإسم الجامع وظهوراتها وإنّما يسمّون هذا السّير بالسّير الانفسيّ لانّ الانفس صارت مرايا ظلال الاسماء وعكوسها لا إنّ سير السّالك في الانفس كما مرّ في السّير الآفاقيّ من أنّه قيل سيرا آفاقيّا باعتبار المرآتيّة لا لكون السّير في الآفاق وهذا السّير في الحقيقة سير في ظلال الاسماء في مرايا الانفس ولهذا قيل لهذا السّير سير المعشوق في العاشق.

(شعر) ما صورة المرآة من حركاتها ... لكنّها انطبعت بها لصفائها

__________

= صفو الإرادات ومن قلة الكلام السلامة من الآفات ومن احتمال الأذى البلوغ إلى الغايات ومن قلة الطعام موت الشهوات " انظر: الغزالي: مكاشفة القلوب: ١٢١١. الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ٢٠١، ٢٠٢.

يمكن أن يقال لهذا السّير السّير في الله باعتبار أنّهم قالوا إنّ السّالك يتخلّق في هذا السّير بأخلاق الله وينتقل من خلق إلى خلق فإنّ للمظهر نصيبا من بعض أوصاف الظّاهر ولو في الجملة فكأنّه تحقّق السّير في أسماء الله تعالى هذا نهاية تحقيق هذا المقام وتصحيح هذا الكلام ولا يدرى ماذا كان حال صاحب المقام؟ وأيّ شيء كان مراد المتكلّم من الكلام كلّ شخص يقول شيئا على مقدار فهمه ووجدانه يريد المتكلّم من كلامه معنى ويفهم السّامع من ذلك الكلام معنى آخر وهم يقولون للسّير الانفسيّ سيرا في الله من غير تكلّف ويسمّونه بقاء بالله بلا تحاش ويزعمونه مقام الوصال والاتّصال وهذه الإطلاقات تثقل على الفقير جدّا؛ فلا جرم يرتكب في توجيهها وتصحيحها التّمحّل والتّكلّف بعض ذلك التّمحّل مأخوذ من كلامهم وبعضه وارد من طريق الإفاضة والإلهام وفي السّير الآفاقيّ كأنّه حصلت التّخلية من الرّذائل وفي السّير الانفسيّ التّحلّي بالاخلاق الحميدة فإنّ التّخلية مناسبة لمقام الفناء والتّحلية مناسبة لمقام البقاء ولم يثبتوا لهذا السّير الانفسيّ نهاية وحكموا بعدم انقطاعه وإن تيسّر العمر الابديّ وقالوا: لا نهاية لشمائل المحبوب وأوصافه فلا يزال تتجلّى صفة من صفاته في مرآة السّالك المتخلّق ويظهر كمال من كمالاته فأين يكون الإنقطاع؟ وكيف تجوز النّهاية؟ قالوا:

(شعر) ولو سعت ذرّة في عمرها طلبا ... خيرا وشرّا تجد في نفسها اكتمانا

وبهذا الفناء والبقاء اللّذين حصلا بالسّير الآفاقيّ والأنفسيّ يطلقون اسم الولاية ويرون نهاية الكمال إلى هنا فإن وقع السّير بعد ذلك فهو سير رجوعيّ عندهم الذي هو معبّر بالسّير عن الله بالله وكذلك السّير الرّابع الذي قالوه سيرا في الاشياء بالله يتعلّق بالنّزول أيضا وقرّروا هذين السّيرين لاجل التّكميل والإرشاد كما أنّ ذينك السّيرين لحصول نفس الولاية والكمال والإسترشاد. وقال جمع: إنّ سبعين ألف حجاب الذي ورد في الخبر: إنّ لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة يخرق في السّير الآفاقيّ فإنّه يخرق في كلّ لطيفة من اللّطائف السّبع عشرة آلاف حجاب فإذا بلغ ذلك السّير تمامه ارتفعت الحجب بتمامها وتحقّق السّالك بالسّير في الله وبلغ مقام الوصل هذا حاصل سير أرباب الولاية وسلوكهم ونسخة كمالهم وتكميلهم الجامعة وما ظهر لهذا الفقير بمحض فضل الحقّ سبحانه وكرمه في هذا الباب وما سلك هو فيه يحرّره إظهارا للنّعمة وشكرا على العطيّة فاعتبروا يا أولي الابصار (اعلم) أرشدك الله وهداك سواء الصّراط أنّ الحقّ سبحانه الذي هو منزّه عن الكيف والمثال والشّبه وما يقع في الخيال كما أنّه وراء الآفاق كذلك هو سبحانه وراء الانفس أيضا فلا يكون لتسمية السّير الآفاقيّ بالسّير بالله والسّير الانفسيّ بالسّير في الله معنى بل كلا السّيرين الآفاقيّ والأنفسيّ داخلان في السّير إلى الله والسّير في الله هو سير بعيد عن الآفاق والأنفس بمراحل ووراء ورائهما (والعجب) أنّهم قرّروا السّير في الله في السّير الانفسيّ وقالوا بعدم نهاية ذلك السّير ولم يجوّزوا انقطاعه في العمر الابديّ كما مرّ وحيث كانت الأنفس كالآفاق من جملة دائرة الإمكان فعلى هذا التّقدير لا يمكن قطع دائرة الإمكان فلا جرم

يكون الحرمان دائما والخسران سرمدا ولا يتحقّق الفناء أبدا ولا يتصوّر البقاء حينئذ فكيف الوصل والإتّصال؟ وكيف القرب والكمال؟ سبحان الله إذا اكتفى الكبراء من الشّراب بالسّراب وزعموا إلى الله في الله وتصوّروا الإمكان وجوبا وعبّروا عن المثليّ والكيفيّ باللّامثليّ واللّاكيفيّ؟! كيف نشتكي من الصّغار ووضيعي الفطرة أيّ بلاء وقع بأيّ اعتبار؟ قالوا للأنفس حقّا جلّ وعلا وظنّوا سيرها غير متناه مع وجود حدّها ونهايتها وظهور أسماء الواجب جلّ سلطانه وصفاته في مرآة السّالك الذي قرّروه في هذا السّير الانفسيّ - هو ظهور ظلّ من ظلال الاسماء والصّفات لا ظهور عين الاسماء والصّفات كما يحرّر تحقيق هذا المعنى في آخر هذا المكتوب إن شاء الله تعالى ماذا أفعل؟ وكيف أجوّز سوء الادب هذا مع جناب قدسه تعالى مع وجود العلم والتّمييز؟! وكيف أشرك غيره في ملكه سبحانه وتعالى؟! وإن اعتقدت أنّ حقوق هؤلاء الاكابر قدّس الله أسرارهم ثابتة في ذمّتي فإنّي مربّى بأنواع تربيتهم ولكنّ حقوق واجب الوجود جلّ سلطانه فوق جميع حقوقهم وتربيته سبحانه فوق تربية الآخرين ولقد نجوت بحسن تربيته تعالى من هذه الورطة ولم أشرك في ملكه تعالى غيره سبحانه. الْحَمْدُ لله الَّذِي هَدانا لِهذا وما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا الله (١) وهو تعالى منزّه عن الكيف والشّبه والمثال وكلّ ما هو متّسم بسمة الكيف والكمّ فهو مسلوب عن جنابه تعالى فلا يكون له سبحانه مجال في مرايا الآفاق ومجالي الانفس وكلّ ما يظهر في هؤلاء يكون كالمظاهر كيفيّا وكمّيّا فينبغي أن يتجاوز الآفاق والانفس وأن يطلبه سبحانه فيما وراءهما وكذلك دائرة الإمكان آفاقيّا كانت او أنفسيّا كما أنّه لا مجال لذاته سبحانه فيها لا مجال أيضا لاسمائه وصفاته سبحانه فيها بل كلّ ما هو ظاهر فيها فهو ظلال الاسماء والصّفات - تعالت وتقدّست - وشبحها ومثالها بل ظلّيّة الاسماء والصّفات ومثاليّتها أيضا في خارج الآفاق والأنفس ليس هنا غير التّعبية وانتقاش القدرة لمن الظّهور وأين التّجلّي فإنّ أسماءه وصفاته سبحانه كذاته تعالى منزّهة عن الكيف والشّبه والمثال فما لم تخرج إلى ما وراء الآفاق والأنفس لا تعلم معنى ظلّيّة أسمائه وصفاته تعالى فكيف الوصول إلى الاسماء والصّفات تعالت وتقدّست؟! وأعجب من هذه المعاملة فإنّي إن تكلّمت من مكشوفاتي ومعلوماتي اليقينيّة لا تكون موافقة لمذاق المشايخ ومطابقة لمكشوفاتهم فمن يصدّقها منّي ومن يقبل؟! وإن لم أتكلّم بل أسكت أكن مجوّزا لالتباس الحقّ بالباطل ولإطلاق ما لا يجوز إطلاقه على الحقّ تعالى وتقدّس فأظهر بالضّرورة ما هو الحقّ واللّائق بجناب قدسه تعالى وأسلب ما ليس بمناسب لجناب قدسه تعالى ولا أبالي من خلاف الآخرين ولا أغتمّ به وإنّما يتحقّق الخوف من مخالفة الآخرين إذا كان في معاملتي تذبذب وفي مكشوفي اشتباه فإذا انكشفت حقيقة الامر مثل فلق الصّبح واتّضحت معاملة الاصل كالقمر ليلة البدر وتجاوزت مراتب الظّلال بالتّمام وارتقيت من الشّبه والمثال أين يكون الإشتباه ولمن يعرض التّذبذب؟! قال حضرة شيخنا - قدّس سرّه -: «علامة صحّة

__________

(١) الأعراف: ٤٣

الأحوال حصول اليقين على الكمال». وأيضا كيف يتصوّر الإشتباه والتّذبذب؟ فإنّه قد تيسّر الإطّلاع بعنايته تعالى الّتي لا غاية لها على تفصيل أحوال هؤلاء الاكابر المقرّرة وانكشفت معارف التّوحيد والاتّحاد وأسرار الإحاطة والسّريان وحصلت حقيقة مكشوفهم ومشهودهم واتّضحت دقائق علومهم ومعارفهم واخترت الإقامة مدّة مديدة في هذا المقام وأدركت قليلهم وكثيرهم الّا ما شاء الله تعالى فظهر آخر الامر - بفضل الله جلّ سلطانه - أنّ هذه كلّها شعبذات الظّلال وشغف بالشّبه والمثال والمطلوب فيما وراء وراء ذلك والمقصود ما سوى هذه فلا جرم صرت متوجّها إلى جناب قدس اللّامثليّ معرضا عن الكلّ وتبرّأت عن كلّ ما هو متّسم بسمة الكمّ والكيف. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ والْأَرْضَ حَنِيفًا وما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فلو لم تكن المعاملة هكذا لما حرّكت شفتيّ على خلاف المشائخ ولما أظهرت مخالفتهم بالظّنّ والتّخمين وأيضا إنّ هذا الخلاف لو لم يتعلّق بذات الواجب وصفاته جلّ سلطانه ولم يكن الكلام من تقديسه وتنزيهه تعالى لما وقع إظهار خلاف مكشوف هؤلاء الاكابر البتّة ولم يحصل الكلام من مخالفة علومهم فإنّي أقلّ مقتطفي عناقيد رياض دولهم وأرذل ملتقطي كسرات خوان نعمهم وأظهر مكرّرا أنّهم هم الذين ربّوني بأنواع التّربية ونفعوني بأضعاف الكرم والإحسان والتّرقية ولكن ماذا نفعل فإنّ حقوق الحقّ سبحانه فوق حقوقهم فإذا وقع البحث في ذاته وصفاته تعالى وعلم أنّ إطلاق بعض الامور على جناب قدسه ليس بلائق فالسّكوت في هذا الموطن خوفا من خلاف الآخرين بعيد عن الدين والديانة لا يطيقه مقام العبوديّة والإطاعة خلاف العلماء من المشائخ رحمهم الله تعالى في الامور الخلافيّة كمسألة التّوحيد وغيرها من طريق النّظر والإستدلال وخلاف هذا الفقير معهم في هذه الامور من طريق الكشف والشّهود والعلماء قائلون بقبح هذه الامور وهذا الفقير قائل بحسن هذه الامور بشرط العبور وخلاف الشّيخ علاء الدولة في مسألة وحدة الوجود يفهم على طور العلماء وينظر إلى قبحها وإن دخل فيها بطريق الكشف فإنّ صاحب الكشف لا يقول بقبحها فإنّ هذه المسألة متضمّنة لأحوال غريبة ومشتملة على معارف عجيبة غاية ما في الباب أنّ دوام الإقامة في هذا الموطن غير مستحسن والإكتفاء بهذه الأحوال ليس بحسن. (فإن قيل) فعلى هذا التّقدير يكون المشائخ على الباطل ويكون الحقّ وراء مكشوفهم ومشهودهم. (أجيب) أنّ الباطل هو الذي لا يكون له محمل من الصّدق وفيما نحن فيه: منشأ هذه الأحوال والمعارف غلبة محبّة الحقّ سبحانه واستيلاء حبّه تعالى على نهج لا يترك في نظر بصيرتهم اسما ولا رسما ممّا سواه تعالى ويجعل اسم الغير والغيريّة ورسمها ممحوّا ومتلاشيا ففي هذا الوقت يعلمون الاغيار والسّوى بواسطة السّكر وغلبة الحال معدومة بالضّرورة ولا يرون موجودا غير الحقّ تعالى فما الباطل هنا وأين البطلان؟! بل في هذا الموطن استيلاء الحقّ وبطلان الباطل وهؤلاء الاكابر باعوا أنفسهم وغيرهم في محبّة الحقّ جلا وعلا ولم يتركوا من أنفسهم وغيرهم اسما ولا

__________

(١) النحل: ١٢٣

رسما يكاد الباطل يفرّ من ظلّهم وهنا كلّه حقّ ولأجل الحقّ ما ذا ينال العلماء الذين نظرهم مقصور على الظّاهر من حقيقتهم؟! وماذا يفهمون غير المخالفة الصّوريّة؟! وماذا يأخذون من كمالاتهم؟! والكلام في أنّ فيما وراء هذه الأحوال والمعارف كمالات أخر حكم هذه الأحوال والمعارف بالنّسبة إلى تلك الكمالات كحكم القطرة بالنّسبة إلى البحر المحيط. (شعر)

متى قسنا السّماء بالعرش ينحطّ ... وما أعلاه إن قسنا بأرض

(ولنرجع) إلى أصل الكلام ونقول وما قالوا في خرق الحجب من أنّه ترتفع في السّير الآفاقيّ الحجب الظّلمانيّة والنّورانيّة بتمامها كما مرّ فهذا الكلام عند هذا الفقير محلّ خدشة بل ثبت خلافه وشوهد أنّ خرق الحجب الظّلمانيّة منوط بطيّ جميع مراتب الإمكان وهو إنّما يتيسّر بالسّير الآفاقيّ والسّير الانفسيّ وخرق الحجب النّورانيّة مربوط بسير الاسماء والصّفات الواجبيّة تعالت وتقدّست حتّى لا يبقى في نظره اسم ولا صفة ولا شأن ولا اعتبار فحينئذ يتيسّر له خرق الحجب النّورانيّة بتمامها ويتشرّف بالوصل (١) العريان وإن كان هذا الوصل أقلّ حصولا وهذا الوصل أعزّ وجودا ففي السّير الآفاقيّ لا يعلم أنّه انخرق نصف الحجب الظّلمانيّة أم لا؟ فكيف يتصوّر هناك خرق الحجب النّورانيّة؟ غاية ما في الباب أنّ المراتب في الحجب الظّلمانيّة متفاوتة فيكون ذلك التّفاوت سببا للاشتباه فإنّ الحجب النّفسانيّة فوق الحجب القلبيّة في الظّلمة مثلا وإن ظهر قليل الظّلمة نفسه بعنوان النّورانيّة النّسبيّة وخيّل الظّلمانيّ نورانيّا ولكنّ الظّلمانيّ ظلمانيّ في الحقيقة والنّورانيّ نورانيّ لا يخلط حديد البصر أحدهما بالآخر ولا يحكم على الظّلمة بالنّور لوجدانه منشأ الإشتباه. ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ والله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢) والطّريق الذي شرّف هذا الفقير بتسليكه جامع للجذبة والسّلوك وكلّ واحد من التّخلية والتّحلية مجتمع مع الآخر وكلّ واحد من التّصفية والتّزكية مقترن في ذلك الموطن بالآخر والسّير الانفسيّ متضمّن في ذلك المقام للسّير الآفاقيّ ففي عين التّصفية تزكية وفي عين التّخلية تحلية ونفس الجذبة محصّلة للسّلوك والأنفس شاملة للآفاق ولكنّ التّقدّم الذّاتيّ للتّخلية والجذبة وللتّصفية سبقة ذاتيّة على التّزكية وملحوظ النّظر الانفس لا الآفاق فلا جرم كان هذا الطّريق أقرب في الوصول بل أقول: إنّ هذا الطّريق موصّل البتّة واحتمال عدم الوصول مفقود فيه ينبغي أن يسأل الحقّ سبحانه الإستقامة وأن يطلب منه تعالى الفرصة وإنّما قلت: إنّ هذا الطّريق موصّل البتّة فإنّ أوّل قدم هذا الطّريق الجذبة الّتي هي دهليز الوصول ومواقع التّوقّفات أمّا منازل السّلوك أو مواطن الجذبات الّتي لا تكون متضمّنة للسّلوك وكلا المانعين مرتفعان في هذا الطّريق؛ فإنّ السّلوك طفيليّ يحصل في ضمن الجذبة فههنا ليس سلوك خالص ولا جذبة أبتر حتّى

__________

(١) الوصل: هو الوحدة الحقيقيية الواصلة بين البطون والظهور وقد يعبر به عن سبق الرحمة بالمحبة وقد يعبر به عن قيومية الحق للأشياء فإنها تصل الكثرة بعضها ببعض حتى تتحد. انظر: الكاشاني: معجم مصطلحات الصوفية: ٧٦.

(٢) الحديد: ٢١

يكون الطّريق مسدودا وهذا الطّريق طريق الانبياء عليهم الصّلاة والسّلام وهؤلاء الاكابر وصلوا إلى منازل الوصول على تفاوت درجاتهم من هذا الطّريق وقطعوا الآفاق والأنفس بخطوة واحدة ووضعوا أقدامهم الاخر فيما وراء الآفاق والأنفس ورقّوا المعاملة فوق السّلوك والجذبة فإنّ نهاية السّلوك إلى نهاية السّير الآفاقيّ ونهاية الجذبة إلى نهاية السّير الانفسيّ فإذا بلغ السّير الآفاقيّ والأنفسيّ نهايته فقد تمّت معاملة السّلوك والجذبة وبعد ذلك لا سلوك ولا جذبة وهذا المعنى ليس ممّا يجيء في حوصلة كلّ مجذوب سالك وسالك مجذوب فإنّ عندهم لا مجال للقدم فيما وراء الآفاق والأنفس فلو نالوا عمرا أبديّا بالفرض والتّقدير لصرفوه في السّير الانفسيّ ثمّ لا يظنّونه تماما. قال واحد من العظماء. (شعر)

ولو سعت ذرّة في عمرها طلبا ... خيرا وشرّا تنل في نفسها اكتمانا

كما مرّ وقال الآخر: والتّجلّي من الذّات لا يكون الّا بصورة المتجلّي له فالمتجلّي له ما رأى غير صورته في مرآة الحقّ ولا يمكن أن يراه (ينبغي أن يعلم) أنّ شيوخي وهداتي وأدلّائي إلى الله تعالى الذين فتحت عيني في هذا الطّريق بتوسّلهم وحرّكت شفتيّ بمثل هذه المقالة بتوسّطهم وأخذت درس “ ألف با ” في الطّريقة منهم وحصّلت ملكة المولويّة من توجّهاتهم الشّريفة فإن كان لي علم فهو بتطفّلهم وإن كانت معرفة فهي أيضا أثر التفاتهم وتعلّمت طريق اندراج النّهاية في البداية من هؤلاء الاكابر وأخذت نسبة الإنجذاب إلى جهة القيّوميّة أيضا منهم ورأيت بنظرهم الواحد ما لا يراه النّاس في الاربعين ووجدت بكلامهم الواحد ما لا يجده الآخرون في السّنين.

(شعر) من نال نظرة شمس تبريز ليهزأ ... باختلاء الاربعين وعشرة

ولقد أجاد من قال:

أعجب من النّقشبنديّين إنّهم ... يمشون بالرّكب مخفيّين للحرم

ومن علوّ الفطرة وسموّ الهمّة قرّروا ابتداء الطّريقة من السّير الانفسيّ وقطعوا السّير الآفاقيّ في ضمنه والسّفر (١) في الوطن في عباراتهم كناية عن هذا السّير والمسافة في طريق هؤلاء الاكابر قريبة وأقرب إلى الوصول نهاية سير الآخرين بداية سيرهم ولهذا قالوا: نحن ندرج النّهاية في البداية.

وبالجملة أنّ طريق هؤلاء الاكابر فيما بين سائر طرق المشائخ قدّس الله أسرار جميعهم عال جدّا وحضورهم وشعورهم يمكن أن يقال: إنّهما فوق شعور أكثرهم ومن هنا قالوا: إن نسبتنا فوق جميع النّسب وأرادوا بالنّسبة الحضور والشّعور ولكن لمّا لم يكن فيما وراء الآفاق والأنفس ووراء السّلوك

__________

(١) السفر: عبارة عن القلب عند أخذه في التوجه بتصحيح معاملات وتعديل أحوال تسفر عن النفس المرتقية في مناهج كمالاتها سفساف الأخلاق ويحيلها بمعرفة مكامن القواطع وموارد القطعيات من المراتب الكونية والحضرات الحقية إلى الحق تعالى بالذكر. انظر: الكاشاني: رشح الزلال: ٤٣، ٤٤.

والجذبة مجال لقدم ولاية الأولياء وممرّ - لم يخبر هؤلاء الاكابر أيضا بالضّرورة عن خارج الآفاق والأنفس ولم يتكلّموا فيما وراء السّلوك والجذبة ويقولون بمقياس كمالات الولاية: إنّ أهل الله كما يرونه بعد الفناء والبقاء يرونه في أنفسهم وكلّ ما يعرفون يعرفونه في أنفسهم والحيرة فيهم في وجود أنفسهم وفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (١) لله سبحانه الحمد والمنّة انّ هؤلاء الاكابر وإن لم يخبروا عن خارج الانفس ولكنّهم ليسوا بمبتلين ومفتونين بالأنفس أيضا بل يريدون أن يجعلوا الانفس تحت كلمة “ لا ” كالآفاق وأن ينفوها بعلّة الغيريّة قال الخواجه الاعظم - قدّس سرّه -: كلّ ما يرى ويسمع ويعلم فهو غيره تعالى ينبغي نفيه بحقيقة كلمة “ لا ”

(شعر) ما غرّهم نقش ذا من نقش ذا بل أتوا ... في كلّ آن بنقش عزّ عن شبه

ينبغي أن يعلم: أنّ نفي الغيريّة غير انتفاء الغيريّة شتّان ما بينهما وإنّما قلت أن ليس للولاية مجال القدم في خارج الجذبة والسّلوك والآفاق والأنفس فإنّ ما وراء هذه الاركان الاربعة للولاية مبادى كمالات النّبوّة ومقدّماتها ويد الولاية قاصرة عن تلك الشّجرة العالية الرّفيعة وقد اهتدى إلى هذه الدولة الاكثرون من أصحاب الانبياء عليهم الصّلاة والسّلام والأقلّون من سائر الامم بتبعيّة الانبياء ووراثتهم عليهم الصّلوات والتّحيّات وقطعوا بهذا الطّريق الجامع للجذبة والسّلوك منازل البعد ووضعوا أقدامهم فيما وراء السّلوك والجذبة وخرجوا من دائرة الظّلال بالتّمام وخلّفوا الانفس كالآفاق وراءهم وفي هذا المقام التّجلّي الذّاتيّ البرقيّ - الذي هو كالبرق الخاطف لغيرهم - دائميّ لهم بل معاملة هؤلاء الاكابر فوق التّجلّي برقيّا أو غيره فإنّ التّجلّي يستدعي نحوا من الظّلّيّة والنّقطة من الظّلّيّة جبل عظيم لهؤلاء الكبراء وبداية أمر هؤلاء العظماء الجذب والمحبّة الإلهيّة جلّ سلطانه فإذا زادت تلك المحبّة بعناية الله جلّ سلطانه وعظم شأنه الّتي لا غاية لها واستولت ساعة فساعة وقويت وغلبت تشرع محبّة ما سواه تعالى بالضّرورة درجة فدرجة في الزّوال ويرتفع التّعلّق بالأغيار بالتّدريج فإذا زالت محبّة ما سواه تعالى عن صاحب دولة باستيلاء محبّته جلّ سلطانه بالكلّيّة وصار محلّها التّعلّق والمحبّة ما سواه تعالى عن صاحب دولة الرّذيلة وأخلاقه الرّديئة بالتّمام وصار محلّى بالأخلاق الحميدة وتحقّق بالمقامات العشرة وما كان له تعلّق بالسّير الآفاقيّ تيسّر بلا مؤنة السّلوك التّفصيليّ وبلا رياضات شاقّة ومجاهدات (٢) شديدة؛ فإنّ المحبّة تقتضي إطاعة المحبوب فإذا بلغت المحبّة كمالها حصلت الإطاعة بتمامها وحيث حصلت الإطاعة على

__________

(١) الذاريات: ٢١

(٢) المجاهدة: هي حمل النفس على المشاق البدنية ومخالفة الهوى على كل حال فإن الهووى يطلب الإسترسال فيما ترغب النفس فيه بطبعها ومخالفته تقييده بالتزام الأمر والنهي. انظر: الكاشاني: رشح الزلال: ٩٩.

الوجه الاتمّ بمقياس القوّة البشريّة تيسّرت المقامات العشرة وبهذا السّير المحبوبيّ - كما حصل السّير الآفاقيّ - تمّ به السّير الانفسيّ أيضا؛ فإنّه قال المخبر الصّادق عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام “ المرء مع من أحبّ ” وحيث كان المحبوب وراء الآفاق والأنفس ينبغي للمحبّ أيضا أن يتجاوز الآفاق والأنفس بحكم المعيّة فيخلّف السّير الانفسيّ أيضا وراءه بالضّرورة ويحصّل دولة المعيّة فهؤلاء الاكابر لا شغل لهم بالآفاق ولا بالأنفس ببركة دولة المحبّة بل الآفاق والأنفس تابعة لامرهم والسّلوك والجذبة متطفّلان بمعاملاتهم ورأس بضاعة هؤلاء الاكابر المحبّة الّتي إطاعة المحبوب لازمة لها وإطاعة المحبوب مربوطة بإتيان الشّريعة على صاحبها الصّلاة والسّلام والتّحيّة الّتي هي الدين المرضيّ لله تعالى فعلامة كمال المحبّة كمال إتيان الشّريعة وإتيان الشّريعة بكمالها منوط بالعلم والعمل والإخلاص والإخلاص الذي يتصوّر في جميع الاقوال والأعمال وجميع الحركات والسّكنات هو نصيب المخلصين بفتح اللّام والمخلصين المكسوري اللّام ماذا يدركون من هذا المعمّى لعلّك سمعت والمخلصون على خطر عظيم (ولنرجع) إلى أصل الكلام فنقول: إنّ المقصود من السّلوك والجذبة والتّصفية تطهير النّفس من الاخلاق الرّديّة والأوصاف الرّذيلة ورأس جميع تلك الذّمائم التّعلّق بالنّفس وتحصيل مراداتها وهواها فح لا يكون بدّ من السّير الانفسيّ ولا مندوحة من الإنتقال من الصّفات الذّميمة إلى الاخلاق الحميدة والسّير الآفاقيّ خارج عن المقصود ولا تعلّق به لغرض معتدّ به فإنّ العلائق الآفاقيّة بواسطة العلائق الانفسيّة فإنّ كلّ ما يحبّه الإنسان إنّما يحبّه لحبّ نفسه فإذا أحبّ الاولاد والاموال إنّما يحبّ لاجل استمتاعه وانتفاعه فإذا زالت في السّير الانفسيّ محبّته لنفسه بواسطة استيلاء محبّة الحقّ جلّ وعلا زالت في ضمنه محبّته لاولاده وأمواله أيضا؛ فكان السّير الانفسيّ ضروريّا ويتيسّر السّير الآفاقيّ بالتّطفّل في ضمنه ولهذا كان سير الانبياء عليهم الصّلوات والتّحيّات مقصورا على السّير الانفسيّ وقطع السّير الآفاقيّ في ضمنه طفيليّا نعم السّير الآفاقيّ أيضا حسن لو وجدت الفرصة لقطعة وتيسّر إتمامه من غير تخلّل التّوقّفات فلو لم توجد الفرصة لقطعة ووقع الإبتلاء بالتّوقّفات يكاد يعدّ السّير الآفاقيّ داخلا فيما لا يعني ويحسب من موانع حصول المطلوب والسّير الانفسيّ كلّما يقطع فهو مغتنم فإنّه انتقال من السّيّئة إلى الحسنة يا لها من نعمة عظيمة لو أتمّ السّالك بهذا السّير وتبختر في خارج دائرة الانفس ولايّ شيء يلزم أن يشاهد شخص تلوينات (١) الانفس في مرآة الآفاق وأن يعاين تغيّراته فيها كما يعلم صفاء قلبه مثلا في مرآة المثال ويرى ذلك الصّفاء بصورة النّور الاحمر فلم لا يستعمل وجدانه؟ ولم لا يحيل صفاءه على فراسته؟ ما حاجة من بلغ اثنتي عشرة سنة إلى الطّبيب مثل مشهور فإنّه يمكن أن يدرك تلوينات أحواله بوجدانه الصّحيح وأن يعلم بتفرّسه الصّريح صحّته وسقمه نعم إنّ السّير الآفاقيّ فيه علوم ومعارف وتجلّيات وظهورات كثيرة

__________

(١) التلوين: هو تنقل العبد في أحواله. وقيل: هو الإحتجاب عن أحكام حال أو مقام سنى بآثار حال أو مقام دنى وعدمه على التعاقب. انظر: ابن عربي: اصطلاحات الصوفية: ٢٩١. الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ١٧٤.

ولكنّ كلّها راجعة إلى الظّلال وتسلّ بالشّبه والمثال فإذا كان السّير الانفسيّ متعلّقا بالظّلال كما حقّقته في رسائلي ومكاتيبي يلزم أن يكون السّير الآفاقيّ متعلّقا بظلّ الظّلّ فإنّ الآفاق كالظّلّ للأنفس ومرآة لظهورها (ينبغي) أن يعلم أنّ مثل من يشاهد أحوال الانفس في مرآة الآفاق ويعلم الصّفاء والتّخلية منها كمثل من يرى نفسه في المنام أو في الواقعة في عالم المثال سلطانا أو يشاهد فيه نفسه قطب الوقت (١) فهو في الحقيقة ليس بسلطان ولا قطب الوقت فإنّ السّلطان والقطب من يكون مشرّفا في الخارج بمنصب السّلطنة أو القطبيّة غاية ما في الباب أنّه يعلم من هذا المنام أو الواقعة استعداد السّلطنة وقابليّة القطبيّة ينبغي بذل الرّوح حتّى تخرج المعاملة من القوّة إلى الفعل وتنتقل من المراسلة إلى المعانقة وفيما نحن فيه أيضا التّزكية والتّحلية منوطة بالسّير الانفسيّ وما رآه في السّير الآفاقيّ فهو استعداد التّزكية وقابليّة التّحلية فما لم ير نفسه مزكّى ومطهّرا فهو الخارج بالسّير الانفسيّ ولم يدرك نفسه مصفّى بوجدانه فليس له نصيب من الفناء في الحقيقة ولا حظّ له من التّحقّق بالمقامات ولم يحصل من الاطوار السّبعة غير القشر فكان السّير الانفسيّ داخلا في السّير إلى الله بالضّرورة وكانت تماميّة السّير إلى الله الّتي هي مقام الفناء مربوطة بالسّير الانفسيّ والسّير في الله يتصوّر بعد السّير الانفسيّ بمراحل.

(شعر)

كيف الوصول إلى سعاد ودونها ... قلل الجبال ودونهنّ خيوف

(أيّها السّعيد) إنّ التّعلّق العلميّ والحبّيّ الذي كان منسوبا إلى ذات السّالك إذا زال في السّير الانفسيّ يرتفع التّعلّق الذي كان بنفسه ويزول تعلّقه بالأغيار أيضا في ضمن زوال تعلّقه بنفسه فإنّ علائقه بالأغيار إنّما هي بواسطة علاقته بنفسه كما تقدّم تحقيقه فصحّ أنّ السّير الآفاقيّ يقطع في ضمن السّير الانفسيّ ونجي السّالك بهذا السّير الواحد من علائق الاغيار ومن علائق نفسه أيضا فبمقياس ذلك التّحقيق صحّ معنى السّير الانفسيّ والسّير الآفاقيّ من غير تكلّف فإنّ السّير في الحقيقة في الانفس وفي الآفاق أيضا فإنّ قطع تعلّقات الانفس بالتّدريج سير في الانفس وقطع التّعلّقات الآفاقيّة الذي هو يحصل في ضمن السّير الانفسيّ سير في الآفاق بخلاف السّير الآفاقيّ والسّير الانفسيّ بطور الآخرين فإنّه يحتاج فيهما إلى التّكلّف كما مرّ نعم إنّ كلّ محلّ فيه حقيقة فهو محرّر عن التّكلّف والله سبحانه الموفّق (اسمع اسمع) انّ ظهور أسماء الواجب وصفاته جلّ سلطانه في مرآة السّالك الذي أثبتوه في السّير الانفسيّ وظنّوه تحلية بعد تخلية ليس ذلك الظّهور في الحقيقة ظهور الاسماء والصّفات ولا هو تحلية بعد تخلية بل هو ظهور ظلّ من ظلال الاسماء والصّفات ومحصّل للتّحلية ومسهّل للتّزكية والتّصفية. بيانه أنّ السّبقة من ذلك الطّرف؛ لانّها مناسبة للمبدائيّة فيحصل أوّلا ظهور ظلّ من ظلال المطلوب في مرآة الطّالب حتّى يزيل

__________

(١) سبق



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!