موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(43) المكتوب الثالث والأربعون إلى مولانا محمد أفضل في بيان معنى قولهم: «إن ما هو الميسر للسالك في حق حضرة الحق سبحانه إنما هو ذوق الوجدان لا الوجدان» وتحقيق معنى اندراج النهاية في البداية الذي هو من خاصة هذه الطريقة العلية وبيان أفضلية هذ

 

 


ظلماته وكدوراته وتحصل له التّزكية والتّصفية وبعد زوال الظّلمات وحصول التّزكية والتّصفية الذي هو مربوط بتماميّة السّير الانفسيّ تتصوّر التّخلية ويحصل الإستعداد للتّحلية ويصير حقيقا ومستحقّا لظهور أسماء الواجب وصفاته جلّ سلطانه ففي السّير الانفسيّ تحصل التّخلية الذي هو منوط بالتّزكية والتّصفية والتّخلية الّتي كانت متوهّمة في السّير الآفاقيّ فهي صورة التّخلية لا حقيقتها حتّى يتصوّر في السّير الانفسيّ حصول التّحلية وظهور الاسماء والصّفات الواجبيّة كما قالوا؛ فلزم من هذا البيان أنّ الإتّصال بالظّلّ مقدّم على الإنقطاع والإنفصال فإنّه ما لم ينعكس ظلّ من ظلال المطلوب في مرآة السّالك لا يتصوّر الإنقطاع عن غير المطلوب وأمّا الإتّصال بالأصل فهو بعد حصول الإنقطاع والإنفصال فمن قدّم من المشائخ الإتّصال ينبغي أن يراد به الإتّصال بالظّلّ ومن قدّم الإنفصال على الإتّصال ينبغي أن يراد به الإتّصال بالأصل حتّى يكون نزاع الفريقين راجعا إلى اللّفظ والشّيخ أبو سعيد الخرّاز (١) قدّس سرّه - متوقّف في هذا المقام يقول: ما لم تتخلّص لم تنل وما لم تنل لم تتخلّص ولا أدري أيّهما أقدم وأسبق وقد علم أنّ نيل الظّلّ مقدّم على التّخلّص ونيل الاصل بعد التّخلّص فلا اشتباه كما أنّ وقت الصّبح قبل طلوع الشّمس ظهور ظلال أشعّة الشّمس حتّى يخلّى العالم عن الظّلمات ويورثه الصّفاء وبعد زوال الظّلمات وحصول الصّفاء طلوع نفس الشّمس فظهور ظلّ الشّمس من زوال الظّلمات السّابقة وطلوع نفس الشّمس من زوال الظّلمات اللّاحقة والمناسب لطلوع السّلاطين أن يكون بعد التّخلية والتّصفية وإن لم تتصوّر التّخلية والتّصفية بدون مقدّمة طلوعهم فظهر الحقّ وارتفع النّزاع وزال الإشتباه والله سبحانه الملهم للصّواب.

(٤٣) المكتوب الثالث والأربعون إلى مولانا محمّد أفضل في بيان معنى قولهم: «إنّ ما هو الميسّر للسّالك في حقّ حضرة الحقّ سبحانه إنّما هو ذوق الوجدان لا الوجدان» وتحقيق معنى اندراج النّهاية في البداية الذي هو من خاصّة هذه الطّريقة العليّة وبيان أفضليّة هذه الطّريقة على سائر الطّرق وما يناسب ذلك

__________

(١) أبو سعيد الخراز: أحمد بن عيسى المتوفى سنة: ٢٧٧ وقيل سنة: ٢٨٦ هـ - ٨٩٩ م الخراز: نسبة إلى خرز الجلود الزاهد الكبير شيخ الصوفية أحد المشاهير بالعبادة والمجاهدة والورع والمراقبة له في ذلك التصانيف منها كتاب الصدق أو الطريق إلى الله وكتاب الصيام له كرامات وأحوال وصبر على الشدائد قال الجنيد: «لو طالبنا الله بحقيقة ما عليه الخراز هلكنا “ روى عن إبراهيم بن بشار صاحب إبراهيم بن أدهم ومن جيد كلامه: «إذا بكت أعين الخائفين فقد كاتبوا الله بدموعهم ” وقال: «العافية تستر البر والفاجر فإذا نزل البلاء تبين عنده الرجال». انظر في ترجمته: ابن كثير: البداية والنهاية: ١١/ ٦٢ ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب: ٢/ ١٩٢ ابن الأثير: اللباب: ١/ ٣٥ اهدية العارفين: ٥/ ٥٥ الزركلي: الأعلام: ١/ ١٩١ كحالة: معجم المؤلفين: ١/ ٢٢١.

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى قد وقع في عبارات مشائخ هذه الطّريقة العليّة قدّس الله أسرارهم السّنيّة أنّ الميسّر للسّالك في حقّ حضرة الحقّ جلّ سلطانه ذوق الوجدان لا الوجدان لا الوجدان وهذا الكلام مناسب لمقام اندراج النّهاية في البداية الذي هو موطن الجذبة الخاصّة بهؤلاء الاكابر وليس في هذا المقام حقيقة الوجدان فإنّها مخصوصة بالإنتهاء ولكن حيث مزجوا ودرجوا ذوقا وطعما من النّهاية في البداية فذوق الوجدان ميسّر فيه فإذا ترقّت المعاملة من الجذبة وبلغت من الإبتداء إلى الإنتهاء يشرع ذوق الوجدان أيضا كالوجدان في الإنعدام فلا يكون فيه وجدان ولا ذوق الوجدان فإذا بلغ الامر نهايته يتيسّر الوجدان ويفقد ذوق الوجدان وحيث كان ذوق الوجدان مفقودا في المنتهى يكون الإلتذاذ والحلاوة أقلّ في حقّه فإنّ المنتهى قد ترك الذّوق والحلاوة في القدم الاوّل وصار آخرا مخمول زاوية عدم الحلاوة والذّوق " كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - متواصل الحزن دائم الفكر» (فإن قيل) إذا تيسّر وجدان المطلوب للمنتهي فلم لا يتيسّر ذوق الوجدان فيه وحيث لا نصيب للمبتدي من الوجدان من أين وجد ذوق الوجدان؟ (أجيب) أنّ دولة الوجدان نصيب باطن المنتهي فإنّه تشرّف بهذه الدولة بعد انقطاع تعلّقه الذي كان منه بظاهرة وحيث بقي تعلّق باطنه بظاهره قليلا لا تسري نسبة باطنه في ظاهره بالضّرورة ولا يأخذ الظّاهر ذوقا من وجدان الباطن ولا يكون ملتذّا به فيكون وجدان المطلوب حاصلا في باطن المنتهي ولا يكون في ظاهره ذوق ذلك الوجدان بقي ذوق الباطن الذي الوجدان نصيبه وحيث أنّ الباطن نال نصيبا من اللّامثليّ يكون ذوق ذلك الوجدان أيضا من عالم اللّامثليّ لا يحصل في درك الظّاهر الذي هو مثليّ من القدم إلى الرّأس فكثيرا ما ينفي الظّاهر الذّوق من الباطن ويزعم الباطن أيضا مثل نفسه فاقد الحلاوة فإنّ ذوق المثليّ غير ذوق اللّامثليّ لا مناسبة بينهما فإذا لم يكن لظاهر المنتهي خبر عن ذوق باطنه كيف يكون للعوامّ الذين نظرهم مقصور على الظّاهر خبر عن باطن المنتهي وماذا يكون نصيبهم غير الإنكار والذّوق الذي يجيء في فهمهم هو ذوق الظّاهر الذي هو من عالم المثل ومن ههنا كان السّماع والرّقص والصّيحة والاضطراب وأمثالها ممّا هو من أحوال الظّاهر وأذواق الصّورة عزيزة الوجود وعظيمة القدرة عندهم بل ربّما يعتقدون انحصار الاذواق والمواجيد في هذه الامور ولا يظنّون كمالات الولاية في غيرها هداهم الله سبحانه سواء الصّراط وحكم أحوال الظّاهر بالنّسبة إلى أحوال الباطن كحكم المثليّ بالنّسبة إلى اللّامثليّ فثبت أنّ لباطن المنتهي وجدانا وذوق الوجدان غاية ما في الباب أنّ ذلك الذّوق لمّا كان له نصيب من عالم اللّامثليّ ولا يجيء في درك ظاهره بل الظّاهر حاكم بنفيه وإن كان الظّاهر مطّلعا على وجدان الباطن ولكنّه لا يمكن أن يدرك ذوق ذلك الوجدان أمكن أن يقال بالنّظر إلى الظّاهر: إنّ الوجدان موجود في المنتهي وذوق الوجدان مفقود فيه وإنّما يثبتون ذوق الوجدان في المبتدي الرّشيد من هذا الطّريق العالي مع فقدان الوجدان وذلك لانّ هؤلاء الاكابر يدرجون في الإبتداء طعما وذوقا من الإنتهاء ويلقون ظلّا من النّهاية في باطن المبتدى الرّشيد بطريق الإنعكاس وحيث كان ظاهر المبتدي

مرتبطا بباطنه وقوّة التّعلّق بين الظّاهر والباطن ثابتة فلا جرم يسري ظلّ تلك النّهاية وذوق الولاية من باطن المبتدئ إلى ظاهره ويجعل ظاهره منصبغا بلون باطنه ويظهر ذوق الوجدان في ظاهره من غير اختيار فصحّ أنّ حقيقة الوجدان مفقودة في المبتدي وذوق الوجدان حاصل فيه. ومن هذا البيان يعلم علوّ طريق أكابر النّقشبنديّة قدّس الله تعالى أسرارهم ورفعة نسبتهم العليّة ويفهم منه حسن تربية هؤلاء الاكابر وكمال اهتمامهم في حقّ المريدين والطّالبين وإنّهم يعطون للمريد الرّشيد والطّالب الصّادق على مقدار حوصلته في أوّل القدم ما هو فيهم ويرمونه بعلاقة حبّيّة وارتباط معنويّ بطريق الإلتفات والإنعكاس وبعض مشايخ السّلاسل الاخر قدّس الله أسرارهم في اشتباه من كلمة: «اندراج النّهاية في البداية " الّتي صدرت عن هؤلاء الاكابر وله تردّد في حقّيّة هذا الكلام ولا يجوز أن يكون مبتدى هذا الطّريق مساويا لمنتهى طريق آخر والعجب انّه من أين فهم مساواة مبتدى هذا الطّريق لمنتهى طرق أخرى ولم يصدر عن هؤلاء الاكابر غير اندراج النّهاية في البداية وليست في هذه العبارة دلالة على المساواة ومقصودهم منها أنّ الشّيخ المنتهي في هذا الطّريق يعطي بالتّوجّه والتّصرّف ذوقا من دولة نهايته لمبتدى رشيد بطريق الإنعكاس ويمزج في بداية ملح نهايته فأين المساواة وما محلّ الإشتباه؟! وأين المجال للتّردّد في حقّيّته وهذا الإندراج دولة عظيمة جدّا؟! ومبتدى هذا الطّريق وإن لم يكن له حكم المنتهى ولكنّه ليس محروما عن دولة النّهاية ولو فرضنا أنّ هذا المبتدى لا يعطي فرصة قطع طريق الوصول وطيّ منازله ولكنّه لا يذهب محروما عن دولة النّهاية وتجعل تلك الذّرّة من ملح النّهاية كلّيّته مليحة ومملوحة بخلاف مبتدى طرق أخر فإنّهم بعيدون عن معاملة النّهاية وعاجزون عن قطع المنازل وطيّ المسافات فيا ويلهم الف ويل لو لم يقطعوا فرصة قطع المنازل وطيّ المسافات فإذا اتّضح الفرق بين مبتدئى هذا الطّريق ومبتدئي طرق أخر ولاحت مزيّة ذلك المبتدى على سائر أرباب البداية ينبغي أن يعلم أنّ هذا الفرق ثابت بين منتهى هذا الطّريق ومنتهى طرق أخر وهذه المزيّة متحقّقة بينهما بل نهاية هذا الطّريق العليّة وراء نهايات سائر طرق المشائخ يصدّقون هذا الكلام منّي أم لا فإن سلكوا طريق الإنصاف لعلّهم يصدّقون فإنّ النّهاية الّتي بدايتها ممتزجة بالنّهاية يكون لها امتياز عن نهايات الآخرين البتّة وتكون نهاية تلك النّهايات البتّة [ع] وعام الرّخص يعلم من ربيعه * وجماعة من متعصّبي سلاسل أخرى يقولون لنا: إنّ نهايتنا وصول إلى الحقّ سبحانه وأنتم تقولون: إنّها بدايتكم فإلى أين تذهبون من الحقّ؟ وما يكون نهايتكم وراء الحقّ؟ (قلنا) نذهب من الحقّ إلى الحقّ جلّ سلطانه ونهرب من شائبة الظّلّيّة ونقصد أصل الاصل ونعرض عن التّجلّيات ونطلب المتجلّي ونخلّف الظّهورات خلف ظهورنا ونلتمس الظّاهر في أبطن البطون وحيث كانت مراتب الأبطنيّة متفاوتة تذهب من أبطنيّة إلى أبطنيّة أخرى ونضع القدم من أبطنيّة أخرى إلى أبطنيّة ثالثة ومنها إلى ما شاء الله تعالى وحضرة الحقّ سبحانه وإن كان بسيطا حقيقيّا ولكنّه تعالى واسع أيضا لا بالوسعة الّتي لها طول وعرض فإنّها من أمارات الإمكان وعلامات الحدوث بل وسعته تعالى كذاته سبحانه منزّهة عن



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!