موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(44) المكتوب الرابع والأربعون إلى محمد صادق ولد الحاج محمد مؤمن في جواب استفساره عن وحدة الوجود وتطبيقها على العلوم الشرعية وعن سؤاله عن حديث إذا أحب الله عبدا ... الخ وما يناسب ذلك

 

 


الكيف والشّبه والمثال والسّير الواقع في تلك الوسعة أيضا لا مثليّ ولا كيفيّ وصاحب السّير مع وجود كونه كمّيّا وكيفيّا يقطع تلك المنازل اللّامثليّة بقوّة لا كيفيّة ولا مثليّة ويرغب عن المثليّ في اللّامثليّ ماذا يدرك العاجزون المفلسون عن حقيقة المعاملة؟! وأيّ خبر يعرف المتعلّقون بعالم المثليّ عن عالم اللّامثليّ؟! يزعمون قصورهم اعتراضا ويتباهون بجهالاتهم. (شعر)

كم من بليد غفول عن معايبه ... استحسن العيب زعما أنّه حسن

ألم يفهموا أنّ نهاية الانبياء عليهم الصّلاة والسّلام بل نهاية خاتم الرّسل عليه الصّلاة والسّلام أيضا وصول إلى الحقّ سبحانه ونهاية هذه الطّائفة ليست متّحدة بنهاية هؤلاء الاكابر بل لا مناسبة بينهما أصلا فيمكن أن تتيسّر لجماعة نهاية تكون وراء نهاية هذه الطّائفة ودون نهاية هؤلاء الكبراء عليهم الصّلوات والتّحيّات فصحّ أنّ نهاية الكلّ هو الوصول إلى الحقّ سبحانه والتفاوت فيما بين الطّوائف ثابت على تفاوت درجاتهم أو نقول: إنّ الكلّ يزعم أنّ نهايته الوصول إلى الحقّ سبحانه لكن كثير من النّاس يظنّ الظّلال وظهورات الحقّ الحقّ تعالى وتقدّس مع وجود تفاوت درجات تلك الظّلال والظّهورات فلم تكن نهايات جميع أرباب النّهايات في نفس الامر الوصول إلى الحقّ تعالى وتقدّس بل منتهى كلّ واحد الحقّ سبحانه بحسب زعمه فحينئذ إذا كان ابتداء شخص ظلال الحقّ وظهوراته سبحانه الّتي هي نهاية الآخر بزعم الحقّانيّة تكون نهاية ذلك الشّخص الوصول إلى الحقّ تعالى الذي هو سبحانه وراء تلك الظّلال والظّهورات فلم يكون مستبعدا؟! وكيف يكون محلّ اشتباه؟!. (شعر)

لو عابهم قاصر طعنا بهم سفها ... نزهت ساحتهم عن أفحش الكلم

هل يقطع الثعلب المحتال سلسلة ... قيّدت بها أسد الدنيا بأسرهم

رَبَّنَا اِغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وثَبِّتْ أَقْدامَنا واُنْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (١)

(٤٤) المكتوب الرّابع والأربعون إلى محمّد صادق ولد الحاجّ محمّد مؤمن في جواب استفساره عن وحدة الوجود (٢) وتطبيقها على العلوم الشّرعيّة وعن سؤاله عن حديث إذا أحبّ الله عبدا ... الخ وما يناسب ذلك

__________

(١) البقرة: ٢٨٦

(٢) انظر: المعجم الفلسفي: ص ٤.

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى قد سألت أنّ الصّوفيّة قائلون بوحدة الوجود ويعتقد العلماء هذا القول كفرا وزندقة وكلتا الطّائفتين من الفرقة النّاجية فما حقيقة هذه المعاملة عندك.

(أيّها المحبّ) إنّ هذا الفقير قد كتب تحقيق هذا المبحث في مكتوباته ورسائله بالتّفصيل وجعل نزاع الفريقين راجعا إلى اللّفظ ومع ذلك لمّا سألت لا بدّ للسّؤال من الجواب فلنكتب كلمات بالضّرورة (اعلم) أنّ كلّ من يقول من الصّوفيّة العليّة بوحدة الوجود ويرى الاشياء عين الحقّ سبحانه ويحكم بأنّ الكلّ هو ليس مراده إنّ الاشياء متّحدة بالحقّ جلّ وعلا وإنّ التّنزيه صار تشبيها متنزّلا وكان الواجب ممكنا وانقلب اللّامثليّ مثليّا فإنّ هذه كلّها كفر وإلحاد وضلالة وزندقة ليس هناك اتّحاد ولا عينيّة ولا تنزّل ولا تشبّه فهو سبحانه الآن كما كان فسبحان من لا يتغيّر بذاته ولا بصفاته ولا بأسمائه بحدوث الاكوان وهو سبحانه على صرافة إطلاقه ما مال من أوج الوجوب إلى حضيض الإمكان بل معنى الكلّ هو أنّ الاشياء معدومة والموجود هو تعالى وتقدّس وليس مراد الحسين بن منصور الحلّاج (١) من قوله “ أنا الحقّ ” بأنّي حقّ ومتّحد بالحقّ فإنّه كفر وموجب لقتله بل معنى قوله بأنّي معدوم والموجود هو الحقّ سبحانه غاية ما في الباب أنّ الصّوفيّة يرون الاشياء مرايا ظهورات الحقّ تعالى وتقدّس ويظنّونها مجالي أسمائه وصفاته سبحانه من غير شائبة التّنزّل وبلا مظنّة التّغيّر والتّبدّل كما إذا امتدّ ظلّ شخص لا يمكن أن يقال: إنّ ذلك الظّلّ متّحد بذلك الشّخص وله نسبة العينيّة معه أو إنّ ذلك الشّخص تنزّل فظهر في صورة الظّلّ بل ذلك الشّخص على صرافة اصالته ووجد الظّلّ منه من غير شائبة التّنزّل والتّغيّر وإن اختفى وجود الظّلّ في بعض الاوقات عن نظر جماعة بواسطة كمال محبّتهم بوجود الشّخص بحيث لا يكون مشهودهم شيئا غير الشّخص أصلا فح لعلّهم يقولون: إنّ الظّلّ عين الشّخص يعني: الظّلّ معدوم والموجود هو ذلك الشّخص فقط فلزم من هذا التّحقيق أنّ الاشياء عند الصّوفيّة مرايا ظهورات الحقّ لا عينه تعالى وتقدّس فتكون الاشياء من الحقّ لا الحقّ جلّ شأنه فيكون معنى كلامهم الكلّ هو الكلّ منه وهو مختار العلماء الكرام فلا يكون النّزاع بين العلماء الكرام والصّوفيّة العظام كثرهم الله سبحانه إلى يوم القيامة ثابتا في الحقيقة ويكون مآل القولين واحدا وإنّما الفرق أنّ الصّوفيّة يقولون: إنّ الاشياء مرايا ظهورات الحقّ تعالى والعلماء يتحاشون من هذا اللّفظ أيضا من جهة التّحرّز من توهّم الحلول والإتّحاد.

__________

(١) الحسين بن منصور الحلاج أبو مغيث: فيلسوف يعد تارة في كبار المتعبدين والزهاد وتارة في زمرة الملحدين أصله من بيضاء فارس ونشأ بواسط العراق وانتقل إلى البصرة وحج ودخل بغداد وعاد إلى تستر ظهر أمره سنة ٢٩٩ هـ فاتبع بعض الناس طريقته في التوحيد والإيمان وكان ينتقل بين البلدان وينشر طريقته سرا وقيل كان يدعي حلول الألوهية فيه أورد ابن النديم أسماء ٤٦ كتابا له غريبة الأسماء والأوضاع منها: طاسين الأزل والجوهر الأكبر والشجرة النورية الظل المدود والماء المسكوب والحياة الباقية قرآن القرآن والفرقان السياسة والخلفاء والامراء علم البقاء والفناء مدح النبي والمثل الأعلى ... وغير ذلك وكثرت الوشايات به إلى الخليفة العباسي المقتدر بالله فأمر بالقبض عليه فسجن وعذب وضرب ثم قتل سنة ٣٠٩ هـ. انظر: روضات الجنات: ٢٢٦ لسان الميزان ٢/ ٣١٤ وفيات الأعيان ١/ ١٤٦ الأعلام للزركلي ٢/ ٢٦٠.

(فإن قيل) إنّ الصّوفيّة مع وجود قولهم بظهورات الاشياء يرونها معدومة خارجيّة ولا يقولون بموجود في الخارج غير الحقّ سبحانه والعلماء يقولون بوجود الاشياء في الخارج فثبت نزاع الفريقين في المعنى (أجيب) انّ الصّوفيّة وإن كانوا يرون العالم معدوما خارجيّا لكنّهم يثبتون له وجودا وهميّا في الخارج ويقولون بإراءة خارجيّة ولا ينكرون الكثرة الوهميّة الخارجيّة ومع ذلك يقولون: إنّ هذا الوجود الوهميّ الذي حصّل إراءة في الخارج ليس من الموجودات الوهميّة الّتي ترتفع بارتفاع الوهم وليس له قرار وثبات بل لمّا كان هذا الوجود الوهميّ وتلك الإراءة الخياليّة بصنع الحقّ سبحانه وانتقاش قدرته الكاملة كان محفوظا من الزّوال ومصونا من الخلل ومعاملة هذه النّشأة وتلك النّشأة مربوطة به والسّوفسطائيّة الذين يظنّون العالم أوهاما وخيالات ويزعمون ارتفاعه بارتفاع الوهم والخيال يقولون: إنّ وجود الاشياء تابع لاعتقادنا ليس له تحقّق في نفس الامر فإن اعتقدنا السّماء أرضا فأرض والأرض باعتقادنا سماء وإذا تخيّلنا الحلو مرّا فمرّ والمرّ باعتقادنا حلو وبالجملة انّ هؤلاء المجانين ينكرون إيجاد الصّانع المختار جلّ سلطانه ولا يسندون الاشياء إليه تعالى ضلّوا فأضلّوا فالصّوفيّة يثبتون للأشياء في الخارج وجودا وهميّا له ثبات واستقرار لا يرتفع بارتفاع الوهم ويجعلون معاملة هذه النّشأة وتلك النّشأة الّتي هي مخلّدة ومؤبّدة مربوطة بذلك الوجود والعلماء يعتقدون الاشياء موجودة في الخارج ويعتقدون ترتّب الاحكام الخارجيّة الابديّة على الاشياء ومع ذلك يتصوّرون وجود الاشياء في جنب وجود الحقّ جلّ وعلا ضعيفا ونحيفا ويعتقدون وجود الممكن بالنّسبة إلى وجود الواجب تعالى وتقدّس هالكا فثبت للأشياء وجود في الخارج عند الفريقين وكانت أحكام هذه النّشأة وتلك النّشأة مربوطة به وإنّه غير مرتفع بارتفاع الوهم والخيال فارتفع النّزاع وزال الخلاف غاية ما في الباب أنّ الصّوفيّة يقولون لذلك الوجود وهميّا بواسطة أنّ وجود الاشياء يصير مختفيا عن نظرهم وقت العروج ولا يبقى في نظرهم غير وجود الحقّ جلّ شأنه والعلماء يتحاشون عن إطلاق لفظ الوهم على ذلك الوجود ولا يقولون وجودا وهميّا؛ لئلّا يحكم قاصر النّظر بارتفاعه فينكر الثواب والعذاب الابديّين (فإن قيل) إنّ مقصود الصّوفيّة من إثبات الوجود الوهميّ للأشياء هو أنّ هذا الوجود مع وجود الثبات والإستقرار ليس هو في نفس الامر وفي غير الوهم ولا نصيب له عن الإراءة والعلماء يقولون بوجود الاشياء في الخارج ونفس الامر فالنّزاع باق (أجيب) انّ الوجود الوهميّ والإراءة الخياليّة لمّا لم يرتفع بارتفاع الوهم والخيال كان في نفس الامر فإنّا لو فرضنا زوال وهم جميع الواهمين يكون هذا الوجود ثابتا لا يزول بزوال الاوهام ولا معنى للواقع ونفس الامر إلّا هذا ولكن فرّق بين نفس الامر الذي يثبت في وجود الممكن وبين نفس الامر الذي هو ثابت في وجود الواجب تعالى فإنّ الاوّل له حكم اللّاشيء في جنب الثاني حتّى يكاد يعدّ من الموهومات والمتخيّلات مثل أجزاء الكلّيّ المشكّك حيث أنّ بينها تفاوتا فاحشا كما أنّ وجود الممكن له حكم اللّاشيء بالنّسبة إلى وجود الواجب بحيث يكاد يعدّ من العدمات فلا نزاع في الحقيقة فإن قيل إذا كان وجود جميع الاشياء في نفس الامر

لزم أن تكون الموجودات متعدّدة في نفس الامر لا موجودا واحدا وهذا مناف لوحدة الوجود الّتي هي مقرّرة ومسلّمة عند الصّوفيّة (أجيب) كلاهما مطابقان لنفس الامر تعدّد الموجودات ووحدة الوجود في نفس الامر ولكن لمّا كان الجهة والإعتبار مختلفان ارتفع توهّم اجتماع النّقيضين (وليتّضح) هذا المبحث بمثال وهو أنّ صورة زيد مثلا مرئيّة في المرآة ولا صورة في المرآة في نفس الامر أصلا فإنّ تلك الصّورة المرئيّة ليست تحت المرآة ولا في وجهها بل وجود تلك الصّورة في المرآة باعتبار التّوهّم ليس لها حصول في المرآة غير الإراءة الخياليّة وهذا الوجود الوهميّ والإراءة الخياليّة اللّذان عرضا للصّورة في المرآة أيضا كائنان في نفس الامر ولهذا لو قال شخص: رأيت صورة زيد في المرآة يصدّق في كلامه هذا عقلا وعرفا ويعدّ محقّا وحيث كان مبنى الإيمان على العرف لو حلف شخص بأن يقول والله رأيت صورة زيد في المرآة ينبغي أن لا يحنث به ففي هذا الصّورة عدم حصول صورة زيد في المرآة وحصولها فيها باعتبار التّوهّم والتّخيّل كلاهما في نفس الامر والواقع ولكنّ الاوّل بحسب نفس الامر مطلقا والثاني بتوسّط الوهم والتّخيّل (والعجب) أنّ اعتبار التّوهّم والتّخيّل الذي هو مناف لنفس الامر صار هنا محلّا لنفس الامر إذ لولاه لما حصل ثمّة نفس الامر والمثال الثاني النّقطة الجوّالة الّتي تعرض لها صورة الدائرة في الخارج بحسب التّوهّم والتّخيّل فههنا عدم حصول الدائرة في الخارج وحصولها أيضا فيه باعتبار التّوهّم والتّخيّل كلاهما في نفس الامر ولكن عدم حصول الدائرة في نفس الامر مطلقا وحصولها فيه بحسب التّوهّم والتّخيّل فالأوّل مطلق والثاني مقيّد ففيما نحن فيه تكون وحدة الوجود بحسب نفس الامر مطلقا وتعدّد الوجود في نفس الامر باعتبار التّوهّم والتّخيّل فبملاحظة الإطلاق والتّقييد لا يكون بين كون المتناقضين بحسب نفس الامر تناقض ولا يثبت اجتماع النّقيضين (فإن قيل) إذا فرض زوال وهم جميع الواهمين كيف يكون الوجود الوهميّ والإراءة الخياليّة ثابتا؟ (أجيب) انّ هذا الوجود الوهميّ لم يحصل بمجرّد اختراع الوهم حتّى يزول بزوال الوهم بل هو حاصل بصنع الحقّ جلّ وعلا في مرتبة الوهم وحصل له الإتقان فلا يتطرّق عليه الخلل بزوال الوهم بالضّرورة وإنّما يقال له وجودا وهميّا باعتبار أنّ الحقّ سبحانه خلقه في مرتبة الحسّ والوهم وحيث كان خلقه تعالى فهو محفوظ عن الزّوال والخلل في أيّ مرتبة كان وحيث أنّ الحقّ سبحانه خلقه كان في نفس الامر بالضّرورة في أيّ مرتبة خلقه وإن لم تكن تلك المرتبة نفس الامر بل مجرّد اعتبار ولكنّ المخلوق في تلك المرتبة منسوب إلى نفس الامر. وما قلت: إنّ الحقّ سبحانه خلقه في مرتبة الحسّ والوهم يعني أنّه تعالى خلق الاشياء في مرتبة ليس لها في تلك المرتبة حصول ولا ثبوت إلّا في الحسّ والوهم كما يرى اهل الشّعبذة اشياء غير واقعيّة ويرون شيئا واحدا عشرة أشياء وليس لهذه الاشياء العشرة حصول إلّا في الحسّ والوهم وليس الموجود في نفس الامر غير ذلك الشّيء الواحد فإذا عرض لهذه الاشياء العشرة بقدرة الحقّ - جلّ سلطانه - ثبات واستقرار وصارت محفوظة عن الخلل وسرعة الزّوال تصير في نفس الامر فهذه الاشياء العشرة موجودة في نفس

الامر ومعدومة فيه أيضا لكن باعتبارين فإنّه إذا قطع النّظر عن مرتبة الحسّ والوهم فمعدومة وبلا ملاحظة الحسّ والوهم موجودة ومن القصص المشهورة أنّ أرباب الشّعبذة في بلد من بلاد الهند أسّسوا بنيان الشّعبذة عند واحد من السّلاطين ففي ذلك الاثناء أظهروا في نظر النّاس بالطّلسم والشّعبذة بستان أشجار أنبة وأروا في ذلك المجلس أنّ تلك الاشجار كبرت وأثمرت وأكل أهل المجلس من ثمارها فأمر السّلطان في ذلك الوقت بقتل أرباب الشّعبذة لانّه كان قد سمع أنّه إذا قتل صاحب الشّعبذة بعد ظهور الشّعبذة تبقى تلك الشّعبذة على حالها بقدرة الحقّ - جلّ سلطانه - فلمّا قتلوهم بقيت تلك الاشجار بقدرة الله جلّ سلطانه وسمعت أنّها باقية إلى الآن والنّاس يأكلون من ثمارها وما ذلك على الله بعزيز.

ففي الصّورة المتنازع فيها أظهر الحقّ - سبحانه الذي لا موجود غيره في الخارج ونفس الامر - كمالات أسمائه وصفاته بقدرته الكاملة في حجب صور الممكنات في مرتبة الحسّ والوهم وأجلى تلك الكمالات في مجالي الاشياء بوجود وهميّ وثبوت خياليّ يعني: أوجد الاشياء على طبق تلك الكمالات في مرتبة الحسّ والوهم فوجود الاشياء باعتبار الإراءة الخياليّة ولكن لمّا منح الحقّ سبحانه وتعالى تلك الإراءة الإستقرار والثبات وراعى الإتقان في صنع الاشياء وجعل المعاملة الابديّة مربوطة بها صار وجودها الوهميّ وثبوتها الخياليّ أيضا في نفس الامر وكانت محفوظة عن الخلل فيمكن أن يقال: إنّ الاشياء لها في الخارج ونفس الامر وجود وليس لها وجود كما مرّ مكرّرا.

قال حضرة والد هذا الفقير - قدّس سرّه - وكان من العلماء المحقّقين: «سألني القاضي جلال الدين الأكريّ الذي كان من العلماء المتبحّرين: هل الواقع الوحدة أو الكثرة؟ فإن كان وحدة تصير الشّريعة الّتي مبناها على الاحكام المتباينة والمتمايزة باطلة وإن كان كثرة يبطل قول الصّوفيّة الذين يقولون بوحدة الوجود قال حضرة شيخنا في جوابه: «كلتاهما مطابقتان لنفس الامر وواقعتان فيه». وبين ذلك لم يبق في خاطر الفقير ما قال في بيانه وما أفيض على خاطر الفقير في هذا الوقت أورده في قيد الكتابة والأمر إلى الله سبحانه. فالصّوفيّة الذين يقولون بوحدة الوجود محقّون والعلماء الذين يحكمون بالكثرة أيضا محقّون والمناسب لأحوال الصّوفيّة الوحدة والمناسب لأحوال العلماء الكثرة فإنّ مبنى الشّرائع على كثرة وتغاير الاحكام مربوط بالكثرة ودعوة الانبياء - عليهم الصّلاة السّلام - والتّنعيم والتّعذيب الاخرويّان كلّه متعلّق بالكثرة وحيث انّ الحقّ سبحانه يريد الكثرة ويحبّ الظّهور كما قال تعالى “ فأحببت أن أعرف ” فبقاء هذه المرتبة أيضا ضروريّ فإنّ ترتيب هذه المرتبة مرضىّ ربّ العالمين ومحبوبه تعالى فإنّه لا بدّ لسلطان ذي شأن من الخدّم والحشّم والذّلّ والإفتقار والإنكسار لازم لعظمته وكبريائه ومعاملة وحدة الوجود وإن كانت كالحقيقة ومعاملة الكثرة بالنّسبة إليه كالمجاز ولهذا يقال لذلك العالم “ عالم الحقيقة ” ولهذا العالم “ عالم المجاز ” ولكن لمّا كانت الظّهورات محبوب ربّ العالمين وأعطى الاشياء البقاء الابديّ وأورد القدرة في لباس الحكمة وجعل الاسباب نقاب أفعاله كانت تلك الحقيقة



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!