موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(57) المكتوب السابع والخمسون إلى الملا غازى النائب في بيان أن ذكر الحق جل وعلا أولى من الصلوات على خير البشر عليه وعلى آله الصلاة والسلام لكن بشرط أن يكون الذكر حقيقا بالقبول ومتلقى من شيخ مقتدى وما يناسب ذلك

 

 


(٥٧) المكتوب السّابع والخمسون إلى الملّا غازى النّائب في بيان أنّ ذكر الحقّ جلّ وعلا أولى من الصّلوات على خير البشر عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام لكن بشرط أن يكون الذّكر حقيقا بالقبول ومتلقّى من شيخ مقتدى وما يناسب ذلك

قد كنت أوقاتا مشغولا بصلاة خير البشر عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام بأنواعها وأقسامها ووجدتها تترتّب عليها نتائج وثمرات عاجلة واهتديت بها لدقائق الولاية الخاصّة المحمّديّة على صاحبها الصّلاة والسّلام والتّحيّة وأسرارها ولمّا مضت مدّة على هذا العمل وقع الفتور في هذا الإشتغال اتّفاقا وزال توفيق المواظبة عليه ووقع الإقتصار على صلوات مؤقّتة واستحسن لي في هذا الوقت الإشتغال بالتّسبيح والتّقديس والتّهليل بدل الصّلوات فقلت ولعلّ في هذا الامر حكمة انظر ماذا يظهر فعلم أخيرا بعناية الله تعالى أنّ الذّكر في هذا الوقت أفضل من الصّلوات في حقّ من يصلّي وفي حقّ من يصلّى عليه وذلك من وجهين احدهما ما ورد في الحديث القدسىّ “ من شغله ذكرى عن مسئلتى اعطيته افضل ما اعطى السّائلين ” والوجه الثاني هو أنّ الذّكر مأخوذ من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فكما أنّ ثواب ذلك الذّكر يصل إلى الذّاكر يصل إليه صلّى الله عليه وسلّم أيضا مثل ذلك الثواب قال عليه الصّلاة والسّلام «من سنّ سنّة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها» (١). وكذلك كلّ عمل صالح حاصل من الامّة كما أنّ أجره يصل إلى العامل يصل أيضا مقدار ذلك الاجر إلى النّبيّ الذي هو واضع ذلك العمل وشارعه من غير أن ينقص من أجر العامل شيء ولا يلزم أن يعمل العامل عمله بنيّة النّبيّ فإنّه عطاء الحقّ جلّ سلطانه لا صنع للعامل فيه نعم إن وجدت النّيّة للنّبىّ أيضا من العامل يكون باعثا على ازدياد أجر العامل وهذه الزّيادة أيضا تعود إلى النّبيّ ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ والله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢) ولا شكّ أنّ المقصود الاصليّ من الذّكر هو تذكّر الحقّ سبحانه وطلب الاجر طفيلىّ له وفي الصّلاة المقصود الاصليّ هو طلب الحاجة شتّان ما بينهما فالفيوض الّتي تصل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من طريق الذّكر تكون زائدة بأضعاف على البركات الّتي تصل إليه صلّى الله عليه وسلّم من طريق الصّلوات (ينبغي أن يعلم) أنّ هذه الرّتبة ليست هي لكلّ ذكر بل هي مخصوصة بالذّكر الذي حقيق بالقبول والذّكر الذي ليس كذلك فللصّلاة مزيّة عليه ووصول البركات منها حينئذ اكثر توقّعا ولكنّ الذّكر الذي أخذه الطّالب عن شيخ

__________

(١) صحيح: أخرجه مسلم: ك: الزكاة. ب: الحث على الصدقة ولو بشق تمرة. ح ١٠١٧. سنن النسائي: ب: التحريض على الصدقة. وأحمد في المسند: أول مسند الكوفيين: حديث جرير بن عبد الله. والطبراني في الكبير: جرير بن عبد الله البجلي.

(٢) الحديد: ٢١

كامل مكمّل وداوم عليه بشرائط الطّريقة أفضل من الصّلاة فإنّ هذا الذّكر وسيلة ذاك الذّكر وما لم يشتغل بهذا الذّكر لا يصل إلى ذاك الذّكر ومن ههنا لم يجوّز مشائخ الطّريقة قدّس الله تعالى أسرارهم اشتغال المبتدى بغير الذّكر وأمروه بالإقتصار على الفرائض والسّنن يعني: الرّواتب ومنعوه من الامور النّافلة (ولاح) من هذا البيان أنّه لا تحصل لفرد من أفراد الامّة وإن بلغ في الكمالات درجة عليا مساواة لنبيّه فإنّ جميع تلك الكمالات الّتي حصلت له إنّما هي بواسطة متابعته لشريعة ذلك النّبيّ فتكون هذه الكمالات كلّها أيضا ثابتة لذلك النّبيّ مع كمالات متابعيه الاخر ومع كمالاته المخصوصة به عليه الصّلاة والسّلام وكذلك لا يصل هذا الفرد الكامل إلى مرتبة نبىّ أصلا وإن لم يتّبع لهذا النّبيّ أحد ولم يقبل دعوته فإنّ كلّ نبىّ صاحب دعوة بالأصالة ومأمور بتبليغ الشّريعة ولا يستلزم إنكار الامم قصورا في الدعوة والتّبليغ ومن البيّن الظّاهر أنّه لا يبلغ كمال أصلا مرتبة الدعوة والتّبليغ فإنّ أحبّ عباد الله إلى الله من أحبّ الله إلى عباده وأحبّ عباد الله إلى الله وهو الداعى والمبلّغ ولعلّك سمعت ما ورد في الخبر " أنّه يوزن مداد العلماء يوم القيامة بدم الشّهداء في سبيل الله فيترجّح مداد العلماء على دم الشّهداء» (١) وهذه الدولة لم تتيسّر للأمّة وما هو حاصل فيهم فهو طفيلىّ وضمنىّ الاصل أصل والفرع مستنبط ينبغي أنّ يدرك من ههنا فضل أعيان هذه الامّة ومبلّغيهم وإن كان في الدعوة والتّبليغ درجات والأعيان والمبلّغون متفاوتون في الدرجات. (العلماء) مخصوصون بتبليغ الظّاهر والصّوفيّة يهتمّون بالباطن والذي هو عالم صوفىّ كبريت أحمر ومستحقّ للدّعوة والتّبليغ ظاهرا وباطنا ونائب النّبىّ ووارثه عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام واعتقد جماعة أنّ محدّثى هذه الامّة الذين يبلّغون الاحاديث النّبويّة عليه الصّلاة والسّلام أفضل هذه الامّة فإن اعتقدوا أنّهم أفضل مطلقا فمحلّ خدشة وإن اعتقدوا ذلك بالنّسبة إلى مبلّغى الظّاهر فله مساغ والفضل المطلق إنّما هو للمبلّغ الجامع بين تبليغ الظّاهر والباطن والدعوة الظّاهرة والباطنة لانّ في الإقتصار قصورا ينافي إطلاق الفضل فافهم ولا تكن من القاصرين.

__________

(١) ضعيف شديد الضعف: ضعفه السيوطي في الجامع الصغير ح ٩٦١٩ ووقال في موضع آخر: حديث «مداد العلماء أفضل من دم الشّهداء “ هو من كلام الحسن البصرى وروي مرفوعا بلفظ: «وزن حبر العلماء بدم الشّهداء فرجح عليهم». قال الخطيب: وهو موضوع. (زيادة الجامع الصغير: حرق الميم) * وقال ابن الجوزي: حديث لا يصحو أورده الذهبي في الميزان في ترجمة محمد بن الحسن بن أزهر من حديثه وقال: اتهمه الخطيب بوضع الحديث. انظر: المناوي: فيض القدير ح ٩٦١٩. وقال التفتي: «مداد العلماء أفضل من دم الشهداء ” من قول الحسن البصري ولابن عبد البر من حديث سماك بن حرب عن أبي الدرداء رفعه “ يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودم الشهداء ” وللخطيب عن ابن عمر “ وزن حبر العلماء بدم الشهداء فرجح عليهم ” وفي سنده محمد بن جعفر المتهم بالوضع لكنه متابع. (تذكرة الموضوعات للتفتي: كتاب العلم. فصل في فضل مدادهم وكتابهم وكتبهم وأدبهما.)



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!