موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(58) المكتوب الثامن والخمسون إلى الخواجه محمد التقى في جواب استفساره عن عالم المثال وفي رد جماعة يقولون بالتناسخ وبيان الكمون والبروز وما يناسب ذلك

 

 


نعم إنّ الظّاهر وإن كان عمدة ومناطا للنّجاة وكثير البركة وعميم المنفعة ولكن كماله مربوط بالباطن والظّاهر بلا باطن غير تامّ والباطن بلا ظاهر غير معتدّ به والذي يجمع بين الظّاهر والباطن كبريت أحمر رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا واِغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) والسّلام على من اتّبع الهدى (٢).

(٥٨) المكتوب الثامن والخمسون إلى الخواجه محمّد التّقى في جواب استفساره عن عالم المثال وفي ردّ جماعة يقولون بالتّناسخ وبيان الكمون والبروز وما يناسب ذلك

بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين وآله الطّاهرين قد تشرّفنا بمطالعة الصّحيفة الصّادرة من حسن النّشأة وعلوّ الفطرة على وجه الإلتفات سلّمكم الله تعالى (وكتبتم) فيها أنّه نقل الشّيخ محيي الدين ابن العربيّ قدّس سرّه حديثا في فتوحاته المكّيّة أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله خلق مائة الف آدم» (٣) وأورد حكاية في بعض مشاهدات عالم المثال أنّه قد ظهر في وقت طواف الكعبة المعظّمة أن جمعا يطوفون بالبيت وأنا لا أعرفهم وأنشدوا في أثناء الطّواف بيتين عربيّين أحد هذين البيتين هذا. (شعر)

لقد طفنا كما طفتم سنينا ... بهذا البيت طرّا أجمعينا

ولمّا سمعت هذا البيت وقع في الخاطر (٤) أنّ هؤلاء من عالم المثال فنظر أحدهم إلى جانبى مقارنا لهذا الخطور وقال أنا من جملة أجدادك فسألته أنّه كم مضى من فوتك قال أزيد من أربعين الف سنة فقلت على وجه التّعجّب إنّه لم يتمّ من ابتداء خلقة آدم أبي البشر على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام إلى الآن سبعة آلاف سنة قال من أيّ آدم تقول انّ هذا هو ذاك آدم الذي خلق في أوّل دور سبعة آلاف قال الشّيخ فوقع في الخاطر في ذلك الوقت أنّ الحديث النّبويّ الذي سبق ذكره مؤيّد لهذا القول (أيّها المخدوم المكرّم) إنّ ما ظهر لهذا الفقير في هذه المسألة بعناية الله سبحانه هو أنّ جميع الأوادم الذين مضوا قبل وجود حضرة آدم على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام كان وجودهم في عالم المثال لا في عالم الشّهادة والذي وجد في عالم الشّهادة ونال الخلافة في الارض وصار مسجود الملائكة هو حضرة آدم أبي البشر فحسب غاية ما في الباب أنّ آدم لمّا كان مخلوقا على صفة الجامعيّة وله في حقيقته لطائف

__________

(١) التحريم: ٨

(٢) طه: ٤٧

(٣) لم أقف عليه.

(٤) الخاطر: هو ما يرد على القلب من الخطاب، أو الوارد الذي لا عمل للعبد فيه. انظر: الجرجاني: التعريفات: ١٢٩.

وأوصاف كثيرة كان يوجد صفة من صفاته أو لطيفة من لطائفه في كلّ وقت من الاوقات قبل وجوده بشخصه بقرون متطاولة بإيجاد الحقّ سبحانه وتظهر بصورة آدم وتسمّي باسمه وكان يقع منها ما سيقع من آدم المنتظر حتّى ظهر منها توالد وتناسل مناسب لعالم المثال ونالت كمالات صوريّة ومعنويّة مناسبة لذلك العالم وصارت مستحقّة للثّواب والعقاب بل قامت القيامة في حقّها وذهب الجنّتىّ إلى الجنّة والجهنّمىّ إلى جهنّم ثمّ ظهرت بعد ذلك في وقت من الاوقات بمشيئة الله سبحانه صفة أخرى من صفاته أو لطيفة أخرى من لطائفه على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام في ذلك العالم وظهر منها ما ظهر من الاولى ولمّا تمّ دورها أيضا ظهر ظهور ثالث من صفاته ولطائفه على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام ولمّا أتمّ ذلك الظّهور أيضا ظهر ظهور رابع وهكذا إلى ما شاء الله تعالى ولمّا تمّت دوائر ظهوراته المثاليّة الّتي تتعلّق بصفاته ولطائفه وجدت آخر الامر هذه النّسخة الجامعة في عالم الشّهادة بإيجاد الله جلّ سلطانه وصارت معزّزة ومكرّمة بعنايته تعالى فإن وجد مائة الف آدم فليسوا إلّا أجزاء آدم هذا وموادّه ومقدّمات وجوده ومباديه وجدّ الشّيخ الاكبر الذي مضى من فوته أزيد من أربعين الف سنة كان لطيفة في عالم المثال من لطائف جدّه فإنّ الشّيخ الذي كان له وجود في عالم الشّهادة طاف بالبيت وقتئذ في عالم المثال فإنّ للكعبة المعظّمة أيضا صورة وشبها في المثال هي قبلة لاهل ذلك العالم والفقير ارسلت نظرى في هذا الباب بعيدا وتعمّقت فيه كثيرا فلم يقع نظرى إلى آدم آخر في عالم الشّهادة ولم أجد غير شعابذة عالم المثال وما قاله البدن المثالىّ أعني قوله “ أنا من جملة أجدادك ومضى من فوتى أزيد من أربعين الف سنة ” أدلّ دليل على أنّ الأوادم الذين كان وجودهم قبل وجود آدم أبي البشر عليه السّلام كانوا من ظهورات صفات آدم ولطائفه عليه السّلام لا إنّه كانت لهم خلقة على حدة مباينة لخلقة آدم هذا فإنّه ما نسبة المباين لآدم هذا وكيف يكون جدّ الشّيخ فإنّه لم يتمّ سبعة آلاف سنة بعد من خلقة آدم فاين المساغ لاربعين الف سنة والذين في قلوبهم مرض يفهمون من هذه الحكاية تناسخا ويكادون يقولون بقدم العالم ينكرون القيامة الكبرى وبعض الملاحدة الذين جلسوا في مسند الشّيخوخة بالباطل يحكمون بجواز التّناسخ ويزعمون أنّ النّفس ما لم تبلغ حدّ كمالها لا بدّ لها من التّقلّب في الابدان ويقولون انّها إذا بلغت حدّ الكمال فقد فرغت من التّقلّب في الابدان بل من التّعلّق بالأبدان والمقصود من خلقتها كمالها فإذا تيسّر كمالها فقد حصل المقصود وهذا القول كفر صريح وإنكار على ما ثبت من الدين بالتّواتر (١) فإنّه إذا بلغت كلّ النّفوس حدّ الكمال في الآخر لمن تكون جهنّم ومن يكون معذبا وقولهم هذا إنكار لجهنّم وإنكار للعذاب الأخروىّ وإنكار أيضا لحشر الاجساد فإنّه لم يبق للنّفس بزعمهم الفاسد احتياج إلى الجسد الذي هو آلة لكمالاتها حتّى تحشر الاجساد واعتقاد هذه الجماعة موافق لاعتقاد الفلاسفة فإنّهم ينكرون حشر الاجساد ويقولون بالثّواب والعذاب الرّوحانيّين بل اعتقادهم أسوء من اعتقاد الفلاسفة فإنّهم

__________

(١) التواتر: هو الخبر الثابت على ألسنة قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب. انظر: الجرجاني: التعريفات: ٩٤.

ينكرون التّناسخ ويرّدون قول من يقول به ويثبتون العذاب الرّوحانىّ وهؤلاء يثبتون التّناسخ وينكرون العذاب الأخروىّ والعذاب عند هؤلاء هو عذاب الدنيا وإنّما يثبتونه لاجل تهذيب النّفس (فإن قيل) قد نقل عن أمير المؤمنين علىّ كرّم الله وجهه وبعض أولياء الله أيضا غيره أنّه وقع عنهم بعض أعمال غريبة وأفعال عجيبة قبل وجودهم العنصريّ بقرون متطاولة في عالم الشّهادة فكيف يصحّ ذلك بدون تجويز التّناسخ (أجيب) أنّ صدور هذه الاعمال والأفعال إنّما هو من أرواح هؤلاء الاكابر صارت متجسّدة بالأجساد بمشيئة الله تعالى وباشرت الافعال العجيبة لا من أجساد اخر تعلّقت أرواحهم بها (والتّناسخ) هو تعلّق روح قبل تعلّقه بهذا البدن ببدن آخر مباين ومغاير لهذا البدن فإذا تجسّدت الرّوح بنفسه كيف يكون تناسخا ألا ترى أنّ الجنّ يتشكّل بأشكال مختلفة ويتجسّد بأجساد متباينة ويقع عنهم في هذا الحال أعمال عجيبة مناسبة لتلك الاشكال والأجساد ولا تناسخ فيه أصلا ولا حلول فإذا كان في الجنّ بإقدار الله تعالى قدرة التّشكّل بالأشكال ووقوع الاعمال الغريبة منهم كيف يكون إعطاء تلك القدرة لارواح الكمّل محلّ تعجّب وما الحاجة إلى بدن آخر ومن هذا القبيل ما نقل عن بعض أولياء الله تعالى من أنّهم يحضرون في أمكنة متعدّدة في ساعة واحدة ويقع عنهم أمور متباينة وههنا أيضا لطائفهم متشكّلة بأشكال متباينة ومتجسّدة بأجساد مختلفة وكذلك حال من هو متوطّن في الهند من الاعزّة ولم يخرج من وطنه فجاء جماعة من مكّة المعظّمة وقالوا رأينا الشّيخ الفلانىّ في حرم مكّة المكرّمة مشيرين إلى ذلك الشّخص من الاعزّة وجرى بيننا وبينه كيت وكيت وقالت جماعة أخرى نحن رأيناه في الرّوم ورآه طائفة أخرى في بغداد كلّ ذلك تشكّل لطائف ذلك الشّيخ بأشكال مختلفة وربّما لا يكون لذلك الشّيخ اطّلاع على هذه التّشكّلات ولهذا يقول في جواب هذه الجماعات أحيانا كلّ ذلك تهمة علىّ أنا لم أخرج من البيت ولم أر حرم مكّة ولا أعرف الرّوم وبغداد ولا أدري من أنتم وكذا أرباب الحاجات يستمدّون من الاعزّة الاحياء والأموات في المخاوف والمهالك ويرون أنّ صور هؤلاء الاعزّة قد حضرت ودفعت عنهم البليّة فأحيانا يكون لهؤلاء الاعزّة اطّلاع على ذلك وأحيانا لا [ع] فهل لنا ولكم شيء سوى نسب * وهذا أيضا تشكّل لطائف هؤلاء الاعزّة وهذا التّشكّل يكون أحيانا في عالم الشّهادة وأحيانا في عالم المثال كما أنّ الف إنسان يرون النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في المنام في ليلة واحدة بصورة مختلفة ويستفيدون منه صلّى الله عليه وسلّم أشياء هذا كلّه تشكّل صفاته ولطائفه صلّى الله عليه وسلّم وكذلك المريدون يستفيدون من صور الشّيوخ المثاليّة أشياء ويحلّون المشكلات والكمون والبروز اللّذان نقلا عن بعض المشائخ لا مساس لهما بالتّناسخ فإنّ تعلّق الرّوح بالبدن الثاني في التّناسخ إنّما هو لثبوت الحياة ولأجل حصول الحسّ والحركة لذلك البدن وفي البروز ليس تعلّق النّفس ببدن آخر لاجل حصول الغرض بل المقصود من هذا التّعلّق هو حصول الكمالات لذلك البدن ووصوله إلى الدرجات كما أنّ جنّيّا إذا تعلّق بفرد من أفراد الإنسان وبرز في شخصه ليس ذلك التّعلّق لاجل حصول الحياة لذلك الفرد فإنّه حىّ

وحسّاس ومتحرّك قبل ذلك التّعلّق والذي يحدث فيه من هذا التّعلّق هو ظهور صفات ذلك الجنّىّ وحركاته وسكناته. والمشائخ المستقيمو الأحوال لا يتفوّهون بعبارة الكمون والبروز ولا يرمون به النّاقصين في البلاء والفتنة لا حاجة عند الفقير إلى الكمون والبروز أصلا بل لو أراد كامل أن يربّى ناقصا ينبغي أن يجعل بإقدار الله تعالى صفاته الكاملة منعكسة في المريد النّاقص وأن يجعل ذلك الإنعكاس ثابتا ومستقرّا ليخرج المريد النّاقص من النّقص إلى الكمال ويميل من الصّفات الرّذيلة إلى الصّفات الحميدة من غير أن يكون في البين كمون وبروز أصلا ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ والله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١).

وقال بعض آخر بنقل الارواح يقولون أنّه يحصل للرّوح بعد الكمال قدرة بحيث تترك بدنها لو شاء وتدخل في بدن آخر نقل أنّ واحدا من الاعزّة الذي كان له هذا الكمال وهذه القدرة لمّا توفّي في جواره شابّ ترك بدن نفسه الذي كان قد أدرك سنّ الشّيخوخة ودخل في بدن ذلك الشّابّ فصار بدنه الاوّل ميّتا وبدن الشّابّ حيّا وهذا القول مستلزم للتّناسخ لانّ تعلّق الرّوح بالبدن الثاني على هذا التّقدير إنّما هو لحصول الحياة لذلك البدن وإنّما الفرق بين هذا وبين التّناسخ أنّ القائل بالتّناسخ حاكم بنقص النّفس ويثبت التّناسخ لاجل تكميلها والذي هو قائل بنقل الرّوح يعتقد الرّوح كاملا ويثبت الإنتقال بعد كمال الرّوح وعند الفقير القول بانتقال الرّوح أسقط من القول بالتّناسخ فإنّ القائل بالتّناسخ اعتبر التّناسخ لاجل تكميل النّفوس وإن كان هذا الإعتبار باطلا وزعم انتقال الرّوح بعد حصول الكمال وإن لم يكن كمال أصلا فإذا تقرّر كون تبدّل الابدان لاجل تحصيل الكمالات فلاىّ شيء يكون الإنتقال إلى بدن آخر بعد حصول الكمال وأهل الكمال ليسوا بأرباب الهوس بل همّتهم بعد حصول الكمال التّجرّد عن الابدان لا التّعلّق بالابدان فإنّه قد حصل ما هو المقصود من التّعلّق وأيضا إنّ في انتقال الرّوح إماتة البدن الاوّل وإحياء البدن الثاني فلا بدّ للبدن الاوّل من حصول أحكام البرزخ كعذاب القبر وثوابه والبدن الثاني لمّا أثبتوا له الحياة الثانية ثبت في حقّه الحشر في الدنيا وأظنّ أن معتقدى انتقال الرّوح لا يقولون بعذاب القبر وثوابه ولا يعتقدون الحشر والنّشر فآه الف آه حيث انّ أمثال هؤلاء البطّالين جلسوا في مسند الشّيخوخة وصاروا مقتدى بهم لاهل الإسلام ضلّوا فأضلّوا رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ (٢) بحرمة سيّد المرسلين عليه وعليهم الصّلاة والسّلام.

(تذييل) في بيان بعض العلوم والمعارف الّتي تتعلّق بعالم المثال ينبغي أن يعلم: أنّ عالم المثال أوسع من جميع العوالم وكلّ ما هو في جميع العوالم له صورة في عالم المثال وللمعقولات والمعانى كلّها صورة فيه قيل انّ الحقّ سبحانه ليس له مثل ولكن له مثال ولله المثل الاعلى وقد كتب هذا الفقير في مكاتيبه كما أنّ لا مثل له تعالى في مرتبة التّنزيه الصّرف ليس له سبحانه مثال أيضا فَلا تَضْرِبُوا

__________

(١) الحديد: ٢١

(٢) آل عمران: ٨

لله الْأَمْثالَ (١) وانموذج عالم المثال في العالم الصّغير هو الخيال فإنّ صورة جميع الاشياء متصوّرة في الخيال والخيال هو الذي يرى كيفيّات أحوال السّالك ومقاماته بالتّصوير ويجعله من أرباب العلم فلو لم يكن الخيال أو كان قاصرا لزم الجهل ومن ههنا ليس فوق مرتبة الظّلال غير الجهل والحيرة فإنّ جولان الخيال إنّما هو في مراتب الظّلال وحيث لا ظلال فيه لا مجال للخيال فيه فإذا لم تكن الصّورة التّنزيهيّة في المثال كما مرّ كيف تتصوّر هي في الخيال الذي هو ظلّ المثال فلا جرم لا يكون ثمّة إلّا الجهل والحيرة وكلّ محلّ ليس فيه علم ليس فيه قيل وقال “ من عرف الله كلّ لسانه ” علامة ذلك وكلّ محلّ فيه علم فيه قيل وقال “ من عرف الله طال لسانه ” بيان ما هنالك فيكون طول اللّسان في مقام الظّلال وكلّ اللّسان فوق مراتب الظّلال فعلا كان أو صفة اسما كان أو مسمّي وكلّ ما هو منحوت الخيال فهو من الظّلال وكلّ ما هو من الظّلال فهو معلول وبعلّة الجعل مجعول وليس هو غير أن يكون من آثار المطلوب وعلاماته المفيدة لعلم اليقين وعين اليقين وحقّ اليقين كلاهما وراء الظّلال والخيال والخلاص من نحت الخيال إنّما يتيسّر إذا ترك السّير الانفسيّ أيضا كالسّير الآفاقيّ وراء الظّهر وجال في ما وراء الانفس والآفاق وهذا المعنى يتيسّر لاكثر الأولياء بعد الموت وما دامت الحياة باقية فالخيال متشبّث بإذيالهم ويتيسّر للأقلّين من الاكابر في هذه النّشأة فيخرجون من تصرّف سلطان الخيال مع وجود الحياة الدنيويّة ويعانقون المطلوب بلا نحت الخيال وجعله ففي هذا الوقت يصير التّجلّي البرقيّ دائميّا في حقّهم وتظهر مبادئ الوصل العريان.

(شعر) هنيئا لارباب النّعيم نعيمها ... وللعاشق المسكين ما يتجرّع

(فإن قيل) قد يرى جماعة في الواقعات والمنامات في المثال أو الخيال أنّهم صاروا سلاطين ويعاينون خدّمهم وحشّمهم أو يرون أنّهم صاروا أقطابا وتوجّه إليهم جميع العالم وفي عالم اليقظة (٢) والإفاقة الذي هو عالم الشّهادة لا يظهر شيء من تلك الكمالات فهل لهذه الرّؤية وجه من الصّدق أو باطل محض (أجيب) انّ لهذه الرّؤية محلّا من الصّدق بيانه هو أنّ معنى السّلطنة والقطبيّة كائن في تلك الجماعة ولكنّه ضعيف فيهم غير لائق لان يظهر في عالم الشّهادة ثمّ بعد ذلك لا يخلو عن أحد الحالين امّا أن تحدث لهذا المعنى بعناية الله سبحانه قوّة ويصير لائقا لان يظهر في عالم الشّهادة فيصيرون بقدرة

__________

(١) النحل: ٧٤

(٢) اليقظة لغة: نقيض النوم. انظر: ابن منظور: لسان العرب: يقظ. أما عند الصوفية: فالمراد بها الفهم عن الله وصورتها في الأبواب: التيقظ في التحرز عن دواهي الشيطان والتحفظ عن التخيلات الموجبة للخذلان. وفي الأخلاق: التيقظ في التعفي عن رؤية فضيلته واستحقاره لركاكة حاله حتى تصير فضائله بذلك رذائل. وفي الأصول: أن يحيا بالحياة القلبية الذاتية المنافية للنوم والموت الموجبة لدوام المراقبة والحضور مع الله والسعي في القوت. وفي الأودية: تنور البصيرة بنور القدس والتيقظ بها عن التلف إلى جانب البدن وعالم الرجس. انظر: ابن عربي: اصطلاحات الصوفية: ٢٩٨. الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ١٩٠ ١٩١.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!