موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(66) المكتوب السادس والستون إلى خانخانان في بيان التوبة والإنابة والورع والتقوى وما يناسب ذلك

 

 


(٦٦) المكتوب السّادس والسّتّون إلى خانخانان في بيان التّوبة (١) والإنابة (٢) والورع (٣) والتّقوى وما يناسب ذلك

بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وحيث صرفنا العمر العزيز في المعاصي والزّلات والتّقصيرات والهفوات يستحسن أن نتكلّم عن التّوبة والإنابة والورع والتّقوى قال الله تبارك وتعالى وتُوبُوا إلى الله جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤) وقال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلى الله تَوْبَةً نَصُوحًا عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ويُدْخِلَكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ (٥) وقال تعالى وذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وباطِنَهُ (٦) فالتّوبة من الذّنوب واجبة وفرض عين في حقّ كلّ شخص لا يتصوّر أن يستغنى عنها أحد من البشر كيف والأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام لم يستغنوا عن التّوبة قال خاتمهم وسيّدهم عليه وعليهم صلوات الله وتحيّاته “ انّه ليغان على قلبي وإنّي لاستغفر الله في اليوم واللّيلة سبعين مرّة ” فإن كانت المعاصي تتعلّق بحقّ الله تعالى ولا تتعلّق بحقوق العباد من المظالم

__________

(١) التوبة: لغة: الرجوع عن الذنب.، انظر: ابن منظور: لسان العرب: توب أما عند الصوفية فلها مراتب وصور متعددة فصورتها في البدايات: الرجوع عن المعاصي بتركها والإعراض عنها. وفي الأبواب: ترك الفضول القولية والفعلية المباحة وتجريد النفس عن هيئات الميل إليها وبقايا النزوع إلى الشهوات الشاغلة عن التوجه إلى الحق. وفي المعاملات: الإعراض عن رؤية فعل الغير والإجتناب عن الدواعي وأحوال النفس برؤية أفعال الحق. وفي الأخلاق: التوبة عن الرذائل النفسانية وعن إرادته وحوله وقوته. وفي الأصول: الرجوع عن الإلتفات إلى الغير والفتور في العزم. انظر: الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ١٩٢ ١٩٣.

(٢) الإنابة: لغة الرجوع إلى الله بالتوبة. انظر: ابن منظور: لسان العرب: نوب. أما عند الصوفية فلها مراتب متعددة فصورتها في البدايات: الرجوع إلى الحق بالوفاء بعهد التوبة. وفي المعاملات: توجه النفس إلى جناب القلب لتنوره بنوره وتسكن إليه عند حضوره. وفي الأخلاق: التثبت في مطاوعة القلب ومشايعته عند الترقي إلى جناب الرب والطمأنينة في ذلك بالرضا المورث للقرب. وفي الأصول: طيران القلب في الترقي لصحة العزم وقوة الإرادة وتنسم روح الأنس واستشراف نور المودة. انظر: الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ١٩٥.

(٣) الورع: لغة: التحرج وتورع عن كذا أي تحرج والورع: هو الرجل التقي المتحرج. انظر: ابن منظور: لسان العرب: ورع. أما عند الصوفية: فقد عرفه بعضهم فقال: هو أن تتورع عن أن يتشتت قلبك عن الله طرفة عين وقال بعضهم: هو أن لا يتكلم العبد إلا بالحق غضب أو رضي وأن يكون اهتمامه بما يرضي الله تعالى. انظر: السهروردي: عوارف المعارف: ٢٣٩ ٢٤٠. الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ٢١٨.

(٤) النور: ٣١

(٥) التحريم: ٨

(٦) الأنعام: ١٢١

كالزّنا وشرب الخمر وسماع الملاهي والنّظر إلى غير محرم ومسّ المصحف بغير وضوء واعتقاد بدعة فالتّوبة عنها بالنّدم والإستغفار والتّحسّر والإعتذار إلى الله عزّ وجلّ ولو ترك فرض من الفرائض لا بدّ في التّوبة من أدائه وإن كانت المعاصي تتعلّق بمظالم العباد فتوبتها بردّ المظالم إليهم والإستحلال منهم والإحسان إليهم والدعاء لهم وإن كان صاحب المال والعرض ميّتا فالإستغفار والإحسان وردّ المال إلى أولاده وورثته وإن لم يعلم له وارث يتصدّق بقدر المال والجناية على الفقراء والمساكين بنيّة صاحب المال والذي اوذي بغير حقّ قال عليّ كرّم الله وجهه “ سمعت أبا بكر رضي الله عنه يقول وهو الصّادق: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ” ما من عبد أذنب ذنبا فقام فتوضّأ وصلّى واستغفر الله من ذنبه الّا كان حقّا على الله أن يغفر له» (١) لانّه يقول جلّ وعلا (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) وقال عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام في حديث آخر " من أذنب ذنبا ثمّ ندم عليه فهو كفّارة» (٢).

وفي الخبر “ إنّ الرّجل إذا قال: أستغفرك وأتوب إليك ثمّ عاد ثمّ قالها ثمّ عاد ثلاث مرّات كتب في الرّابعة من الكبائر» (٣). وفي الحديث النّبويّ أنّه قال عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام ” هلك المسوّفون يقولون سوف نتوب». أوصى لقمان الحكيم لإبنه “ يا بنيّ لا تؤخّر التّوبة إلى غد فإنّ الموت يأتيك بغتة». قال مجاهد (٤): «من لم يتب إذا أصبح وأمسى فهو من الظّالمين». قال عبد الله بن المبارك (٥): رحمه الله سبحانه ” ردّ فلس من الحرام أفضل من مائة فلس يتصدّق به “ وقيل ” ردّ دانق من فضّة أفضل عند الله من ستّمائة حجّة مبرورة “ رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ. عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال ” إنّ الله تعالى يقول " عبدي أدّ ما افترضت عليك تكن أعبد النّاس وانته عمّا نهيتك عنه تكن من أورع النّاس واقنع بما رزقتك تكن

__________

(١) عزاه المتقي الهندي لابن أبي حاتم وابن مردويه وابن السني في عمل اليوم والليلة. (كنز العمال: ح ١٠٤٢١.)

(٢) لم أقف عليه.

(٣) لم أقف عليه.

(٤) مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي: مولى بني مخزوم تابعي مفسر من أهل مكة أخذ التفسير عن ابن عباس. توفي سنة ١٠٤ هـ. انظر: غاية النهاية لابن الجزري ٢/ ٤١ صفة الصفوة ٢/ ١١٧ حلية الأولياء ٣/ ٢٧٩ الأعلام للزركلي ٥/ ٢٧٨.

(٥) عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي بالولاء التميمي المروزي أبو عبد الرحمن الحافظ شيخ الإسلام المجاهد التاجر صاحب التصانيف والرحلات من أهم كتبه: الرقائق الجهاد توفي سنة ١٨ اهـ انظر: تذكرة الحفاظ ١/ ٢٥٣ الرسالة المستطرفة ٣٧ شذرات الذهب ١/ ٢٩٥ الأعلام ٤ ١١٥.

أغنى النّاس» (١) وقال صلّى الله عليه وسلّم لابي هريرة رضي الله عنه “ كن ورعا تكن أعبد النّاس ” وقال الحسن البصريّ (٢) رحمه الله “ مثقال ذرّة من الورع خير من الف مثقال من الصّوم والصّلاة ” وقال أبو هريرة رضي الله عنه: «جلساء الله غدا اهل الورع والزّهد أوحى الله إلى موسى على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام لا يتقرّب إليّ المتقرّبون بمثل الورع» (٣) قال بعض العلماء بالله لا يتمّ الورع إلّا أن يرى عشرة أشياء فريضة على نفسه أوّلها: حفظ اللّسان عن الغيبة والثاني: الإجتناب عن السّخرية والثالث: الإجتناب عن سوء الظّنّ والرّابع: غضّ النّظر عن المحارم والخامس: صدق اللّسان والسّادس: أن يعرف منّة الله كيلا يعجب بنفسه والسّابع: أن ينفق ماله في الحقّ ولا ينفقه في الباطل والثامن: أن لا يطلب لنفسه العلوّ والكبر والتّاسع: المحافظة على الصّلوات والعاشر: الإستقامة على السّنّة والجماعة " رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا واِغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤) (أيّها المخدوم المكرّم المشفق الأكرم) إن تيسّرت التّوبة عن جميع الذّنوب وحصل الورع والتّقوى من جميع المحرّمات والمشتبهات فذلك نعمة عظيمة ودولة قصوى وإلّا فالتّوبة من بعض الذّنوب والورع من بعض المحرّمات أيضا مغتنمة؛ ولعلّ بركات ذلك البعض وأنواره تسري في الابعاض الاخر ويتيسّر التّوفيق للتّوبة والورع من سائر المعاصي أيضا وما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه اللهمّ وفّقنا لمرضاتك وثبّتنا على دينك وعلى طاعتك بحرمة سيّد المرسلين وقائد الغرّ المحجّلين عليه وعليهم وعلى آل كلّ من الصّلوات أفضلها ومن التّسليمات أكملها.

__________

(١) ورد مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلمبدون نسبة إلى رب العزة سبحانه وتعالى - بلفظ: «اتق المحارم تكن أعبد الناسوارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناسو أحسن إلى جارك تكن مؤمنا وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب " كذا أخرجه: ابن ماجه في السنن: ك: الزهد. ب: الورع والتقوى. ٤٢١٧. سنن الترمذي: أبواب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ح ٢٤٠٧. وقال: حديث غريب وقال العجلوني: رواه أحمد والترمذي عن أبي هريرة بسند ضعيف وضعفه السيوطي في الجامع الصغير ح ٦٤٢٢.

(٢) الحسن بن يسار البصري (أبو سعيد) إمام أهل البصرة، وحبر الأمة في زمنه لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إليه: «إني قد ابتليت بهذا الأمر فانظر لي أعوانا يعينوني عليه»؛ فأجابه الحسن: «أما أبناء الدنيا فلا تريدهم وأما أبناء الآخة فلا يريدونك فاستعن بالله " توفي بالبصرة سنة ١١٠ هـ. انظر: تهذيب التهذيب وفيات الأعيان ميزان الإعتدال ١/ ٢٥٤ حلية الأولياء ٢/ ١٣١ الأعلام للزركلي ٢/ ٢٢٦.

(٣) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن البصري مرسلا. ورواه الطبراني في المعجم الكبير: أحاديث عبد الله بن عباس بن عبد المطلب. وقال المناوي: رواه الطبراني من حديث أم سلمة قال الهيثمي: رواه عن شيخه إبراهيم بن محمد وضعفه الذهبي. (فيض القدير ح ٣٤٦١) وقال الهيثمي في موضع آخر: رواه الطبراني في الأوسط وفيه جويبر وهو ضعيف جدا. (مجمع الزوائد ٨/ ٣٧٣ ح ١٣٧٧٦.)

(٤) التحريم: ٨



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!