موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(67) المكتوب السابع والستون إلى خانجهان في بيان عقائد أهل السنة والجماعة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين مع بيان الاركان الخمسة الإسلامية والتحريض على إسماع الكلمة الحقة يعني كلمة الإسلام على سمع سلطان الوقت

 

 


(٦٧) المكتوب السّابع والسّتّون إلى خانجهان في بيان عقائد أهل السّنّة والجماعة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين مع بيان الاركان الخمسة الإسلاميّة والتّحريض على إسماع الكلمة الحقّة يعني كلمة الإسلام على سمع سلطان الوقت

بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وصلت الصّحيفة الشّريفة المرسلة باسم الفقراء المنقطعين على وجه الكرم والإلتفات حمدا لله سبحانه على حصول الإلتفات والتّواضع للأغنياء ذوي السّعادة في مثل هذا الزّمان المملوّ من الشّبه والإشتباه إلى الفقراء الذين لا حاصل لهم مع عدم المناسبة وحصول الإيمان لهم من حسن النّشأة الذي فيهم بهذه الطّائفة يا لها من نعمة عظيمة حيث لم تكن التّعلّقات الشّتّى مانعة عن حصول هذه الدولة ولم يعاوق التّوجّهات المتفرّقة عن محبّة هؤلاء القوم ينبغي أداء شكر هذه النّعمة العظمى كما حقّه وأن يكون راجيا “ المرء مع من أحبّ ” حديث نبويّ عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام (أيّها) السّعيد النّجيب لا بدّ للإنسان من تصحيح العقائد بموجب آراء الفرقة النّاجية أهل السّنّة والجماعة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين الذين هم السّواد الاعظم والجمّ الغفير حتّى يتصوّر الفلاح الاخرويّ والنّجاة الابدية وخبث الإعتقاد الذى هو مخالفة معتقدات اهل السّنّة سمّ قاتل موصّل إلى الموت الأبديّ والعذاب السّرمديّ والمداهنة في العمل والمساهلة فيه يرجى فيها المغفرة وأمّا المداهنة في الإعتقاد فلا مجال فيها للمغفرة إِنَّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ (١)

(ولنورد) معتقدات أهل السّنّة بلسان الإيجاز والإختصار ينبغي تصحيح الإعتقاد بمقتضاها وأن يسأل الحقّ سبحانه بالتّضرّع والإبتهال الإستقامة على هذه الدولة.

(اعلم) أنّ الله تعالى موجود بذاته القديمة وسائر الاشياء صارت موجودة بإيجاده سبحانه وخرجت من العدم إلى الوجود بتخليقه وهو تعالى قديم أزليّ والأشياء كلّها حادثة وموجودة بعد أن لم تكن وكلّ ما هو قديم أزليّ فهو باق وأبديّ وكلّ ما هو حادث ومسبوق بالعدم فهو فان ومستهلك يعني: في شرف الزّوال وهو سبحانه واحد لا شريك له لا في وجوب الوجود ولا في استحقاق العبادة لا يليق وجوب الوجود لغيره تعالى ولا يستحقّ العبادة سواه سبحانه وله تعالى صفات كاملة فمنها الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسّمع والبصر والكلام والتّكوين كلّها متّصفة بالقدم والأزليّة وقائمة بحضرة الذّات تعالت

__________

(١) النساء: ٤٨

وتقدّست والتّعلّقات الحادثة لا تورث خللا في قدم الصّفات وحدوث المتعلّق لا يصير مانعا لازليّتها واستدلّت الفلاسفة من نقصان عقولهم والمعتزلة من عمايتهم وغوايتهم بحدوث المتعلّق على حدوث المتعلّق ونفوا الصّفات الكاملة وعلمه تعالى بالجزئيّات لاستلزامه التغيّر الذي هو من أمارات الحدوث ولم يعلموا أنّ الصّفات تكون أزليّة وتكون تعلّقاتها بالمتعلّقات الحادثة حادثة ونقائص الصّفات مسلوبة عن جناب قدسه تعالى وهو تعالى منزّه عن صفات الجواهر والأجسام والأعراض ولوازمها لا مجال للزّمان والمكان والجهة في حضرته تعالى وهذه كلّها مخلوقاته تعالى. وزعم جماعة ممّن لا خبر لهم أنّه تعالى فوق العرش وأثبتوا له سبحانه جهة الفوق والعرش وما سواه ممّا حواه كلّها حادثة ومخلوقاته تعالى وكيف يكون للمخلوق الحادث مجال أن يكون مكانا للخالق القديم ومقرّا له ولكنّ العرش أشرف مخلوقاته والنّورانيّة والصّفاء أزيد فيه منها في غيره من الممكنات فلا جرم له حكم المرآتيّة لان يظهر عظمة الخالق وكبرياءه جلّ وعلا فيه ظهورا بيّنا وبعلاقة هذا الظّهور يقال له عرش الله وإلّا فالعرش وغيره كلّه متساو بالنّسبة إليه تعالى وكلّه مخلوقه تعالى ولكن للعرش قابليّة الإراءة وليست هي لغيره ألا ترى أنّ المرآة الّتي ترى صورة إنسان لا يقال إنّ ذلك الإنسان في المرآة بل نسبة هذا الإنسان إلى المرآة ونسبته إلى غيره من الاشياء المتقابلة إليه متساوية وإنّما التّفاوت من جهة القابليّة وعدمها حيث انّ في المرآة قابليّة انطباع الصّورة وليست هذه القابليّة في غيرها وهو تعالى ليس بجسم ولا جسمانيّ ولا جوهر ولا عرض ولا محدود ولا متناه ولا طويل ولا عريض ولا قصير ولا ضيّق بل واسع لا بالوسعة الّتي تدرك بأفهامنا ومحيط لا بالإحاطة الّتي تكون مدركا بإدراكنا وقريب لا بالقرب الذي يتعقّل بعقولنا وهو تعالى معنا لا بالمعيّة المتعارفة نؤمن بأنّه تعالى واسع ومحيط وقريب وأنّه معنا ولكن لا نعرف كيفيّات هذه الصّفات ما هي وكلّ ما نعرف من كيفيّات هذه الصّفات نعرف أنّ له قدما في مذهب المجسّمة وهو تعالى لا يتّحد بشيء أصلا ولا يتّحد معه شيء ولا يحلّ فيه تعالى شيء قطعا ولا يكون هو تعالى حالا في شيء والتجزّي والتّبعّض محالان في جناب قدسه تعالى والتّركيب والتّحليل ممنوعان في حضرته تعالى وليس له تعالى كفؤ ولا مثل ولا صاحبة له ولا ولد وهو تعالى منزّه في ذاته وصفاته عن الكيف والشّبه والمثال ومبلغ علمنا فيه أنّه تعالى موجود وبالأسماء والصّفات الكاملة الّتي وصف بها نفسه وأثنى موصوف ولكن كلّ ما يدرك منها بأفهامنا وإدراكنا ويتصوّر بعقولنا فهو تعالى منزّه عنه ومتعال كما مرّ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ (١)

(شعر) وما فاه أرباب النّهى والحجى بما ... سوى أنّه الموجود لا ربّ غيره

__________

(١) الأنعام: ١٠٣

(ينبغي) أن يعلم: أنّ أسماء الله تعالى توقيفيّة يعني أنّ إطلاقها عليه تعالى موقوف على السّماع من صاحب الشّرع كلّ اسم ورد إطلاقه في الشّرع على حضرة الحقّ سبحانه يجوز إطلاقه عليه تعالى وما لا فلا وإن كان معنى الكمال مندرجا في ذلك الإسم فيجوز إطلاق الجواد لوروده في الشّرع ولا يجوز إطلاق السّخّيّ لعدم وروده. والقرآن كلام الله تعالى أنزل على نبيّنا عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام متلبّسا بلباس الحرف والصّوت وأمر به عباده ونهاهم فكما نحن نظهر كلامنا النّفسيّ بتوسّط الفم واللّسان في لباس الحروف والأصوات ونورد به مقاصدنا الخفيّة في عرصة الظّهور كذلك الحقّ سبحانه أظهر كلامه النّفسيّ لعباده في لباس الحرف والصّوت بقدرته الكاملة بلا توسّط فم ولسان وأجلى أوامره ونواهيه الخفيّة في ضمن الحرف والصّوت على منصّة الظّهور فكلا قسمي الكلام كلام الحقّ جلّ وعلا يعني:

النّفسيّ واللّفظيّ وإطلاق الكلام على كلا القسمين بطريق الحقيقة كما أنّ كلا قسمي كلامنا النّفسيّ واللّفظيّ كلام بطريق الحقيقة لا انّ القسم الاوّل حقيقة والثاني مجاز فانّ نفى المجاز جائز ونفى الكلام اللّفظيّ وإنكار كونه كلام الله تعالى كفر وكذلك سائر الكتب والصّحف الاخرى الّتي أنزلت إلى الانبياء المتقدّمين على نبيّنا وعليهم الصّلوات والتّسليمات كلّها كلام الله سبحانه وكلّ ما اندرج في القرآن وفي تلك الكتب والصّحف أحكام الله تعالى كلّف بها عباده على وفق الاوقات والأزمان (ورؤية المؤمنين) الحقّ سبحانه في الجنّة من غير جهة ومقابلة وبلا كيف وإحاطة حقّ نؤمن بتلك الرّؤية الاخرويّة ولا نشتغل بكيفيّتها فإنّ رؤيته تعالى لا كيفيّة لا يظهر لارباب الكيف والمثال في هذه النّشأة من حقيقتها شيء ولا نصيب لهم منها غير الإيمان بها فيا خسارة الفلاسفة والمعتزلة وسائر الفرق المبتدعة حيث ينكرون الرّؤية الاخرويّة من العمى والحرمان ويقيسون الغائب على الشّاهد ولا يشرّفون بالإيمان بها وهو تعالى كما أنّه خالق العباد كذلك هو تعالى خالق أفعالهم أيضا خيرا كان فعلهم أو شرّا وكلّها بتقدير الله تعالى ولكنّه راض عن الخير غير راض عن الشّرّ وإن كان كلاهما بإرادته ومشيئته تعالى ولكن ينبغي أن لا ينسب الشّرّ وحده إليه تعالى بواسطة الادب وأن لا يقول خالق الشّرّ بل ينبغي أن يقول: خالق الخير والشّرّ كما قال العلماء: ينبغي أن يقول: إنّه تعالى خالق كلّ شيء ولا ينبغي أن يقول: خالق القاذورات والخنازير لرعاية أدب جناب قدسه تعالى والمعتزلة من الثنويّة الّتي فيهم يزعمون أنّ خالق أفعال العباد هو العباد وينسبون فعل الخير والشّرّ إليهم والشّرع والعقل يكذّبانهم نعم قد جعل علماء الحقّ دخلا لقدرة العبد في فعله وأثبتوا فيه الكسب فإنّ الفرق بين حركة المرتعش وحركة المختار واضح لانّه لا مدخل للقدرة والكسب في حركة الإرتعاش وفي حركة الإختيار مدخل لهما وهذا القدر من الفرق يكون باعثا على المؤاخذة ومثبتا للثّواب والعقاب وأكثر النّاس متردّدون في وجود القدرة والكسب والإختيار في العبد ويزعمون العبد مضطرّا وعاجزا وهم لم يفهموا مراد العلماء فإنّ إثبات القدرة والإختيار في العبد لا بمعنى أنّه يفعل كلّ ما يريد ولا يفعل كلّ ما لا يريد فإنّ التّقوّل بذلك بعيد عن العبوديّة بل بمعنى أنّ العبد يقدر

أن يخرج عن عهدة جميع ما أمر به مثلا أنّه يقدّر أن يؤدّي الصّلوات الخمس ويقدّر إعطاء الزّكاة واحدا من الاربعين ويقدّر صوم شهر من اثني عشر شهرا ويقدّر أن يحجّ مرّة واحدة في عمره من الإستطاعة إلى الزّاد والرّاحلة وعلى هذا القياس باقى الاحكام الشّرعيّة قد راعى الحقّ سبحانه فيها من كمال الرّأفة السّهولة واليسر لضعف العبد وقلّة اقتداره قال الله تعالى يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (١) وقال تعالى أيضا يُرِيدُ الله أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفًا (٢) يعني: يريد أن يخفّف عنكم ثقل التّكليفات الشّاقّة وخلق الإنسان ضعيفا لا يصبر عن الشّهوات ولا يقدر أن يتحمّل التّكليفات الشّاقّة والأنبياء عليهم الصّلوات والتّسليمات رسل الحقّ سبحانه إلى الخلق ليدعوهم اليه تعالى ويدلّوهم من الضّلالة على طريق الهداية كلّ من يقبل دعوتهم يبشّرونه بالجنّة وكلّ من ينكر يهدّدونه بعذاب جهنّم وما بلغوه من طرف الحقّ سبحانه وأعلموا به كلّه حقّ وصدق ليس فيه شائبة التّخلّف وخاتم الانبياء محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ودينه ناسخ لجميع الاديان السّابقة وكتابه أفضل الكتب المتقدّمة ولا ناسخ لشريعته بل هي قائمة إلى قيام القيامة وينزل عيسى على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام ويعمل بشريعته ويكون من جملة أمّته وما أخبر به صلّى الله عليه وسلّم من أحوال الآخرة كلّه حقّ من عذاب القبر وضغطة اللّحد وسؤال منكر ونكير فيه وفناء العالم وانشقاق السّموات وانتثار الكواكب وزوال الارض والجبال واندكاكها والحشر والنّشر وإعادة الرّوح إلى الجسد وزلزلة السّاعة وأهوال القيامة ومحاسبة الاعمال وشهادة الجوارح بالأعمال المكتسبة وإتيان دفاتر الحسنات والسّيّئات يمينا وشمالا ووضع الميزان ليوزن به الحسنات والسّيّئات ليعرف نقصان الحسنة والسّيّئة وزيادتهما فإن ثقلت كفّة الحسنات فعلامة النّجاة وإن خفّت فعلامة الخسران والشّقاوة وثقل ذلك الميزان وخفّته على خلاف ثقل ميزان الدنيا وخفّته فإنّ الكفّة المرتفعة هي الثقيلة هناك والمتسفّلة هي الخفيفة وشفاعة الانبياء والصّلحاء عليهم الصّلاة والتّسليمات أوّلا وثانيا لعصاة المؤمنين بإذن مالك يوم الدين جلّ سلطانه ثابتة. قال عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام " شفاعتي لاهل الكبائر من أمّتي» (٣). (والصّراط) يوضع على متن جهنّم فيمرّ منه المؤمنون ويذهبون إلى الجنّة ويزلق منه أقدام الكافرين فيسقطون في جهنّم والجنّة الّتي أعدّت لتنعّم المؤمنين وجهنّم الّتي أعدّت لتعذيب الكافرين كلتاهما مخلوقتان الآن وتبقيان إلى أبد الآباد ولا تفنيان فإذا دخل المؤمنون الجنّة بعد المحاسبة يدومون فيها لا يخرجون منها وكذلك الكفّار إذا دخلوا النّار يدومون فيها يعذّبون

__________

(١) البقرة: ٨٥

(٢) النساء: ٢٨

(٣) حسن صحيح غريب: أخرجه الترمذي في السنن: أبواب صفة القيامة. ب: ١١ ح ٢٥٥٢. وقال حسن صحيح غريب من هذا الوجه وأبو داود في السنن: ك: السنة. ب: في الشفاعة. ح ٤٧٣٩. وأحمد في المسند: مسند أنس بن مالك. الطبراني في المعجم الكبير: أنس بن مالك.

فيها أبد الآباد وتخفيف العذاب عنهم غير جائز قال تعالى لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ ولا هُمْ يُنْظَرُونَ (١) ومن كان في قلبه مثقال ذرّة من إيمان فإن أدخل النّار بسبب إفراطه في المعاصي يعذّب بقدر عصيانه ثمّ يخرج من النّار أخيرا ولا يسودّ وجهه كما يسودّ وجه الكفّار ولا يجعل فيه الاغلال والسّلاسل لحرمة إيمانه كما تجعل للكفّار (والملائكة) عباد الله سبحانه المكرّمون لا يَعْصُونَ الله ما أَمَرَهُمْ ويَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٢) مبرّأون من صفات الذّكورة والأنوثة والتّوالد والتّناسل مفقود في حقّهم اصطفى الله سبحانه بعضهم للرّسالة وشرّفه بتليغ الوحي وهم الذين بلّغوا الكتب والصّحف الانبياء عليهم الصّلوات والتّسليمات وهم محفوظون عن الخطأ والخلل ومعصومون عن كيد العدوّ ومكره وما بلّغوه من عند الحقّ سبحانه وتعالى كلّه صدق وصواب ليس فيه شائبة احتمال الخطأ والإشتباه وهؤلاء الكبراء خائفون من عظمة الحقّ وجلاله سبحانه لا شغل لهم غير امتثال أوامره تعالى (والإيمان) تصديق بالقلب وإقرار باللّسان بما بلغنا من الدين بالتّواتر والضّرورة إجمالا وتفصيلا وأعمال الجوارح خارجة من نفس الإيمان ولكنّه تزيد الكمال في الإيمان وتورث فيه الحسن قال الإمام الاعظم الكوفيّ عليه الرّحمة: «الإيمان لا يقبل الزّيادة والنّقصان " فإنّ التّصديق القلبيّ عبارة عن يقين القلب وإذعانه ولا مجال فيه للتّفاوت بالزّيادة والنّقصان وما يقبل التّفاوت فهو داخل في دائرة الظّنّ والوهم وكمال الإيمان ونقصانه باعتبار الطّاعات والحسنات كلّ ما زادت الطّاعة زاد كمال الإيمان فلا يكون إيمان عامّة المؤمنين مثل إيمان الانبياء عليهم الصّلوات والتّسليمات فإنّ إيمانهم بلغ ذروة الكمال بواسطة اقتران الطّاعات وإيمان العوامّ بمراحل عن نفس الكمال فضلا عن ذروته وإن كان إيمان كلّ منهما متشاركين في نفس التّصديق ولكنّ إيمان الانبياء عرض له بواسطة طوق الطّاعات حقيقة أخرى وكأنّ إيمان العوامّ ليس فردا من ذلك الإيمان والمماثلة والمشاركة مفقودة بينهما ألا ترى أنّ عوامّ النّاس وإن كانوا شركاء للأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام في نفس الإنسانيّة ولكنّ الكمالات الاخر للأنبياء بلّغتهم الدرجات العليا وأثبتت لهم حقيقة أخرى وكأنّهم خارجون عن الحقيقة المشتركة بل هم النّاس والعوامّ لهم حكم النّسناس قال الإمام الاعظم عليه الرّحمة: أنا مؤمن حقّا وقال الإمام الشّافعيّ عليه الرّحمة: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى ولكلّ وجه باعتبار الحال يجوز أن يقال: أنا مؤمن حقّا وباعتبار الخاتمة والمآل يصحّ أن يقال: أنا مؤمن إن شاء الله ولكنّ الإجتناب عن صورة الإستثناء أفضل بأيّ وجه قال (ولا يخرج) المؤمن بارتكاب المعاصي من الإيمان ولو كبيرة ولا يدخل في دائرة الكفر نقل أنّ الإمام الاعظم كان يوما جالسا مع جمع من العلماء فجاء شخص فقال: ما تقولون في حقّ مؤمن فاسق قتل أباه بغير حقّ وقطع رأسه وشرب الخمر في كأس رأسه ثمّ زنا بأمّه هل هو مؤمن أو كافر؟ فتكلّم كلّ واحد من العلماء في حقّه بما ليس بصواب ووقعوا في غلط فقال الإمام الاعظم في ذلك

__________

(١) النحل: ٨٥

(٢) التحريم: ٦

الاثناء: «إنّه مؤمن لم يخرج بارتكاب هذه الكبائر من الإيمان “ فثقل قول الإمام هذا على العلماء فأطالوا لسان الطّعن فيه والتّشنيع عليه ولكن لمّا كان قول الإمام حقّا قبله كلّهم أخيرا واعترفوا بأنّه الحقّ فلو وفّق المؤمن العاصي للتّوبة قبل الغرغرة فنرجوا له نجاة عظيمة لوعد قبول توبته وإن لم يتشرّف بالتّوبة والإنابة فأمره إلى الله سبحانه فإن شاء عفا وأدخله الجنّة وإن شاء عذّبه بقدر معصيته بالنّار أو بغير النّار ولكن آخر أمره النّجاة ومآله الجنّة فإنّ الحرمان من رحمة الله تعالى في الآخرة مخصوص بأهل الكفر وأمّا من فيه ذرّة من الإيمان فهو مستحقّ للرّحمة والغفران وإن لم تبلغه الرّحمة في الإبتداء بواسطة علّة المعصية ولكنّها تشمله أخيرا بعناية الله سبحانه. رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ (١) (وبحث الإمامة والخلافة) وإن لم يكن عند أهل السّنّة شكر الله تعالى سعيهم من أصول الدين ومتعلّقا بالإعتقاد ولكن لمّا غالت الشّيعة في هذا الباب وأفرطوا فيه وفرّطوا الحق أهل الحقّ رضي الله عنهم هذا المبحث بعلم الكلام بالضّرورة وبيّنوا حقيقة الحال والإمام على الحقّ والخليفة على الإطلاق بعد خاتم الرّسل عليه وعليهم الصّلاة والسّلام أبو بكر الصّدّيق ثمّ عمر الفاروق ثمّ عثمان ذو النّورين ثمّ عليّ بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وأفضليّتهم على ترتيب خلافتهم وأفضليّة الشّيخين ثابتة بإجماع الصّحابة والتّابعين كما نقله أكابر الائمّة واحد منهم الإمام الشّافعيّ قال رئيس أهل السّنّة الشّيخ أبو الحسن الاشعريّ: إنّ أفضليّة الشّيخين على باقي الامّة قطعيّة لا ينكرها إلّا جاهل أو متعصّب. قال عليّ كرّم الله وجهه ” من فضّلني على أبي بكر وعمر فهو مقتر أضربه بالسّوط كما يضرب المفترون». قال الشّيخ عبد القادر الجيلاني (٢) قدّس سرّه - في كتابه الغنية نقلا عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم - أنّه قال " لمّا عرج بى إلى السّماء سألت الله سبحانه أن تجعل الخليفة من بعدي عليّ بن أبي طالب فقال الملائكة: يا محمّد كلّ ما يشاء الله يكن الخليفة بعدك أبو بكر» (٣)

وقال حضرة الشّيخ أيضا قال عليّ كرّم الله وجهه “ ما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الدنيا حتّى أخذ عليّ عهدا على أنّ أبا بكر يلي من بعدي ثمّ عمر ثمّ عثمان من بعده ثمّ أنت من بعده ” رضي الله تعالى عنهم أجمعين والإمام الحسن أفضل من الإمام الحسين رضي الله عنه وعلماء أهل السّنّة يفضّلون عائشة رضي الله عنها على فاطمة رضي الله عنها في كتابه الغنية وما هو معتقد الفقير أنّ عائشة أسبق قدما في العلم والإجتهاد وفاطمة أقدم في الزّهد والإنقطاع ولهذا قيل لفاطمة بتولا وهو صيغة المبالغة في الإنقطاع وعائشة هي مرجع فتاوى الصّحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ما وقع على أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مشكل في العلم إلّا كان حلّه عند عائشة رضي الله عنها والمحاربات

__________

(١) آل عمران: ٨

(٢) -

(٣) لم أقف عليه.

والمنازعات الّتي وقعت بين الاصحاب الكرام عليهم الرّضوان مثل محاربة الجمل ومحاربة الصّفّين ينبغي أن يحملها على محامل صحيحة حسنة وأن يبعدهم عن الهوى والتّعصّب فإنّ نفوس هؤلاء الاكابر كانت مزكّاة عن الهوى والهوس ومطهّرة عن الحقد والحرص في صحبة خير البشر عليه وعليهم الصّلاة والسّلام فإن وقعت عنهم مصالحة فهي لاجل الحقّ وإن ظهرت منهم منازعة ومشاجرة فهي أيضا للحقّ سبحانه كلّ فرقة منهم عملوا بمقتضى اجتهادهم ودفعوا المخالف عن أنفسهم بلا شائبة هوى وتعصّب فكلّ من هو مصيب في اجتهاده فله درجتان من الثواب وفي قول عشر درجات ومن هو مخطئ فله درجة واحدة من الثواب فالمخطئ كالمصيب بعيد عن الملامة بل يتوقّع له درجة من درجات الثواب قال العلماء: إنّ الحقّ في تلك المحاربات. كان في جانب عليّ كرّم الله وجهه وكان المخالفون في طرف من الصّواب ومع ذلك ليسوا بموارد للطّعن ولا مجال للملامة فيهم فضلا عن أن ينسب إليهم الكفر والفسق قال عليّ - كرّم الله تعالى وجهه - “ إخواننا بغوا علينا ليسوا بكفّار ولا فسّاق فإنّ لهم تأويلا يمنع عنهم الكفر والفسق». قال نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاكم وما شجر بين أصحابي» (١) فينبغي تعظيم جميع أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأن يذكر جميعهم بخير وأن لا يسيئ الظّنّ بأحد منهم وأن يرى منازعتهم أفضل من مصالحة غيرهم هذا هو طريق النّجاة والفلاح فإنّ حبّ الاصحاب الكرام بواسطة حبّ النّبيّ وبغضهم ينجرّ إلى بغضه عليه وعليهم الصّلاة والسّلام قال واحد من الكبراء: ما آمن برسول الله صلّى الله عليه وسلّم من لم يوقّر أصحابه (وعلامات القيامة) الّتي أخبر عنها المخبر الصّادق صلّى الله عليه وسلّم كلّها حقّ ليس فيها احتمال التّخلّف كطلوع الشّمس من جانب المغرب على خلاف العادة وظهور مهديّ عليه الرّضوان ونزول روح الله على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام وخروج دجّال وظهور يأجوج ومأجوج وخروج دابّة الارض ودخان يظهر من السّماء يغشى النّاس كلّهم ويعذّبهم بعذاب أليم ويقول النّاس من الإضطراب رَبَّنَا اِكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنّا مُؤْمِنُونَ (٢) وآخر العلامات نار تخرج من عدن وزعم جماعة من الجهالة أنّ الشّخص الذي ادّعى المهدويّة من أهل الهند هو المهديّ الموعود فالمهديّ قد مضى بزعمهم وفات ويقولون: إنّ قبره في فره وفي الاحاديث الصّحيحة الّتي بلغت حدّ الشّهرة بل حدّ التّواتر المعنويّ ما يكذّب هذه الطّائفة فإنّه صلّى الله عليه وسلّم بيّن للمهديّ علامات وتلك العلامات مفقودة في ذلك الشّخص الذي يعتقدونه مهديّا ورد في الاحاديث النّبويّة أنّه يخرج المهديّ وعلى رأسه قطعة سحاب فيها ملك ينادي ” إنّ هذا الشّخص مهديّ فاتّبعوه “ وقال عليه الصّلاة والسّلام «ملك جميع الارض أربعة اثنان من المؤمنين واثنان من الكافرين ذو القرنين وسليمان من المؤمنين ونمرود وبخت نصّر من الكافرين وسيملك الارض خامس من أهل بيتي ” يعني المهديّ وقال

__________

(١) النهاية لابن الأثير: باب الشين مع الجيم. لسان العرب: شجر.

(٢) الدخان: ١٢

عليه الصّلاة والسّلام «لا تزول الدنيا حتّى يبعث الله رجلا من أهل بيتي اسمه يوافق اسمي واسم أبيه يوافق اسم أبي فيملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما» (١).

وورد في الحديث أيضا “ إنّ أصحاب الكهف يكونون أعوان المهديّ» (٢) وينزل عيسى على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام في زمانه وهو يوافق عيسى عليه السّلام في قتال الدجّال وفي زمان ظهور سلطنته تنكسف الشّمس في الرّابع عشر من رمضان وينخسف القمر في أوّل ذلك الشّهر على خلاف العادة وخلاف حساب المنجّمين ينبغي ان ينظر بنظر الإنصاف هل كانت هذه العلامات في ذاك الشّخص الميّت او لا وله علامات أخر كثيرة أخبر بها المخبر الصّادق عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام وكتب الشّيخ ابن حجر رسالة في بيان علامات المهديّ المنتظر تبلغ مائتى علامة وبقاء جماعة في ضلالة مع وضوح أمر المهديّ الموعود من نهاية الجهالة هداهم الله سبحانه سواء الصّراط. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ” إنّ بني إسرائيل تفرّقت على اثنين وسبعين فرقة كلّهم في النّار إلّا واحدة منها وستفترق امّتى على ثلاث وسبعين فرقة كلّها في النّار إلّا فرقة واحدة قالوا: ومن هذه الفرقة النّاجية يا رسول الله؟ قال: هم على ما أنا عليه وأصحابي» (٣) وهذه الفرقة النّاجية أهل السّنّة والجماعة فإنّهم هم الملتزمون متابعته ومتابعة أصحابه عليه الصّلوات والتّسليمات اللهمّ ثبّتنا على معتقدات أهل السّنّة والجماعة وامتنا في زمرتهم واحشرنا معهم رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ (٤) (وبعد تصحيح الإعتقاد) لا بدّ من امتثال الاوامر والإنتهاء عن المناهي الشّرعيّتين بين الإسلام بالعمل ينبغي أداء الصّلوات الخمس من غير فتور مع تعديل الاركان والجماعة والفارق بين الإسلام والكفر هو هذه الصّلاة فإذا تيسّر اداء الصّلاة على الوجه المسنون فقد حصل الإستمساك بالحبل المتين من الدين فإنّ الصّلاة هي الاصل الثاني من الاصول الخمسة الإسلاميّة (الاصل الاوّل) الإيمان بالله وبرسوله

__________

(١) أحمد في المسند بنحوه: مسند ابي سعيد الخدري. والحاكم في المستدرك ٤/ ٤٦٥، وقال الذهبي: إسناده مظلم. وقال الهيثمي: رواه الترمذي وغيره باختصار كثير. رواه أحمد بأسانيد وأبو يعلى باختصار كثير ورجالهما ثقات. (مجمع الزوائد. ك: الفتن. ب: ما جاء في المهدي ح ١٢٣٩٣.

(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور لابن مردويه عن ابن عباس (الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي: تفسير سورة الكهف الآية: ١٠ - ١٢) وقال الحافظ ابن حجر: وفي تفسير ابن مردويه عن ابن عباس: أصحاب الكهف أعوان المهدي وسنده ضعيففإن ثبت حمل على أنهم لم يموتوا بل هم في المنام إلى أن يبعثوا لإعانة المهدي. (فتح الباري بشرح صحيح البخاري. ك: أحاديث الأنبياء. ب: «أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم "

(٣) حسن غريب: سنن أبي داوود: ك: السنة. ب: شرح السنة ح ٤٥٨٥. سنن الترمذي: أبواب الإيمان: ب: إفتراق هذه الأمة ح ٢٧٧٩ بنحوه وقال: حديث حسن غريب. والطبراني في الكبير: حديث عمرو بن عوف بن ملحة المزني. وقال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه كثير بن عبد الله وهو ضعيف وقد حسن الترمذي له حديثا، وبقية رجاله ثقات. ابن جرير في جامع البيان ٥٩٨٧ تفسير سورة آل عمران: تأويل قوله تعالى “ ولا تفرقوا ”

(٤) آل عمران: ٨

سبحانه والأصل الثاني الصّلاة والثالث أداء الزّكاة والرّابع صوم شهر رمضان والخامس حجّ بيت الله الاصل الاوّل يتعلّق بالاعتقاد والأصول الاربعة الباقية تتعلّق بالأعمال وأجمع جميع العبادات وأفضلها الصّلاة ويكون ابتداء المحاسبة يوم القيامة من الصّلاة فإذا تمّ أمر الصّلاة تمضي محاسبة الاخرى بعناية الله سبحانه بالسّهولة وينبغي الاجتناب عن المحظورات الشّرعيّة مهما امكن وان يرى ما لا يرضاه المولى سبحانه سمّا مهلكا وأن يجعل موادّ التّقصيرات نصب العين وأن يكون خجلا ومنفعلا من ارتكابها وأن يكون متندّما ومتحسّرا على فعلها واقترافها هذا هو طريق العبوديّة والله الموفّق والذي يرتكب ما لا يرضى عنه مولاه بلا تحاش ولا يكون خجلا ومنفعلا عن ذلك العمل فهو مارد متمرّد ويكاد يخرج إصراره وتمرّده رأسه عن ربقة الإسلام ويدخله في دائرة الاعداء رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَدًا (١) والدولة الّتي جعلك الله سبحانه ممتازا بها وأكثر النّاس غافلون عنها بل تكاد لا تدركها أنت أيضا هي أنّ سلطان الوقت مسلم من جدّه السّابع ومن أهل السّنّة وحنفيّ المذهب وإن تقرّب بعض طلبة العلوم بشؤم الطّمع النّاشئ من خبث الباطن من منذ سنين في هذه الاوان الّتي هي أوان قرب القيامة وبعد العهد من زمان النّبوّة إلى الامراء والسّلاطين وداخلوهم من طريق المطايبة والمداهنة وأوقعوا في الدين المتين تشكيكات وأظهروا فيه شبهات وأضلّوا الاغنياء عن الطّريق ولكن لمّا كان مثل هذا السّلطان عظيم الشّأن مصغيا إلى قولكم بحسن الإستماع ومتلقّيا إيّاه بالقبول كان اللّازم أن يعدّ ذلك دولة عظيمة وأن يبلّغ الكلمة الحقّة يعني كلمة الإسلام الموافقة لمعتقدات أهل السّنّة شكر الله تعالى سعيهم صراحة أو إشارة إلى سمع السّلطان وأن يعرض إليه كلام أهل الحقّ بقدر الإمكان بل ينبغي أن يترصّد وينتظر دائما فرصة لايراد كلام أهل المذهب الحقّ في البين حتّى تظهر حقيقة الإسلام ويبدو بطلان الكفر وشناعته والكفر هو ظاهر البطلان لا يستحسنه عاقل أصلا ينبغي أن يظهر بطلانه بلا تحاش وأن ينفي آلهتهم الباطلة من غير توقّف وأن يثبت الإله الحقّ الذي هو خالق السّموات والأرض بلا تردّد هل كان مسموعا أصلا من غير توقّف وأن يثبت الإله الحقّ الذي هو خالق السّموات والأرض بلا تردّد هل كان مسموعا أصلا أنّ آلهتهم الباطلة خلقوا ذبابة ولو اجتمعوا له كلّهم بل لو قرصهم الذّباب وآذاهم لا يقدرون حفظ أنفسهم منه فضلا عن حفظ غيرهم وكأنّ الكفرة قالوا ملاحظا لشناعة هذا الامر هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ الله (٢) وإنّهم ليقرّبونا إلى الله زلفى ولم يدر هؤلاء المجانين أنّه ليس لهذه الجمادات مجال الشّفاعة وإنّ الحقّ سبحانه لا يقبل شفاعة الشّركاء الذين هم في الحقيقة أعداؤه تعالى في حقّ عبدة أعدائه مثل قيّم بستان خرج على سلطان فجاء جماعة من البلهاء يمدّون القيّم بزعم أنّه يشفّعهم عند السّلطان وقت المضايقة وأنّهم يتقرّبون إلى السّلطان بالتّوسّل به ما أعظم حماقتهم حيث يخدمون القيّم ويطلبون العفو من السّلطان بشفاعته ويتقرّبون إليه به لم لا يخدمون السّلطان على الحقّ ويكسرون القيّم حتّى يكونوا من

__________

(١) الكهف: ١٠

(٢) يونس: ١٨

أهل القرب وأهل الحقّ ويكونوا في أمن وأمان وهؤلاء المجانين ينحتون الحجر بأيديهم ويعبدونه سنين ويطمعون منه توقّعات وبالجملة الكفر ظاهر البطلان والذين بعدوا عن الطّريق الحقّ والصّراط المستقيم من المسلمين هم أهل الهوى والبدعة وذلك الطّريق المستقيم هو طريق النّبيّ وطريق خلفائه الرّاشدين عليه وعليهم الصّلوات والتّسليمات. قال الشّيخ عبد القادر الجيلانيّ قدّس سرّه في كتابه الغنية: إنّ أديان المبتدعة الذين أصولهم تسعة طوائف الخوارج والشّيعة والمعتزلة والمرجئة والمشبّهة والجهميّة والضّراريّة والنّجّاريّة والكلابيّة لم تكن في زمن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا في زمان خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم أجمعين أيضا. واختلاف هذه الطّوائف وتفرّقهم إنّما حدث بعد سنين من موت الصّحابة والتّابعين وموت الفقهاء السّبعة رضي الله عنهم أجمعين. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم " إنّه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين من بعدي وتمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنّواجذ وإيّاكم ومحدثات الامور فإنّ كلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة وكلّ ما حدث بعدي فهو ردّ» (١) فالمذهب الذي حدث بعد زمان النّبيّ وخلفائه الرّاشدين عليه وعليهم الصّلوات والتّسليمات ساقط عن حيّز الإعتبار ليس بلائق به ينبغي أداء شكر نعمة الحقّ سبحانه العظمى حيث جعلنا من كمال كرمه وفضله داخلين في الفرقة النّاجية الذين هم أهل السّنّة والجماعة ولم يجعلنا من فرق أهل الهوى والبدعة ولم يبتلنا باعتقادهم الفاسد ولم يجعلنا من الذين يشركون العبد بالله في أخصّ صفاته تعالى ويزعمون أنّ خالق أفعال العبد هو العبد وينكرون الرّؤية الاخرويّة الّتي هي رأس بضاعة السّعادات الدنيويّة والأخرويّة وينفون الصّفات الكاملة عن الواجب تعالى. ولم يجعلنا أيضا من الطّائفتين اللّتين يبغضون أصحاب خير البشر عليه وعليهم الصّلوات والتّسليمات ويسيئون الظّنّ بأكابر الدين ويزعمون أنّهم كانوا يعادون بعضهم بعضا ويتّهمونهم بالبغض المضمر والحقد المبطن والله سبحانه وتعالى يقول في حقّهم رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (٢). وهاتان الطّائفتان يكذّبون كلام الحقّ جلّ وعلا ويثبتون بينهم العداوة والبغضاء والحقد رزقهم الله سبحانه التّوفيق وبصّرهم الصّراط المستقيم ولم يجعلنا أيضا من الذين يثبتون الجهة والمكان للحقّ تعالى ويزعمونه جسما وجسمانيّا ويثبتون في الواجب القديم جلّ شأنه أمارات الحدوث والإمكان (ولنرجع) إلى أصل الكلام فنقول: معلومكم أنّ السّلطان كالرّوح وسائر النّاس كالجسد فإن كانت الرّوح صالحة فالبدن صالح وإن كانت الرّوح فاسدة فالبدن فاسد فالإجتهاد والسّعي

__________

(١) حسن صحيح: سنن الترمذي. ك: العلم. ب: ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدعة. ح ٣٧٤٦. بنحوه وقال: حسن صحيح. سنن ابن ماجه: ك: فضائل الصحابة. ب: اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين. ح ٤٣. أحمد في المسند: مسند الشاميين: حديث العرباض بن سارية. الطبراني في المعجم الكبير: حديث العرباض بن سارية. ١٨/ ٢٤٧.

(٢) الفتح: ٢٩.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!