موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(73) المكتوب الثالث والسبعون إلى حضرة المخدوم زاده مجد الدين الخواجه محمد معصوم سلمه الله في بيان ظاهر الإنسان الكامل وباطنه وما يناسب ذلك

 

 


بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكًا وهُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ ومَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِنًا ولله عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ومَنْ كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (١) وإن تيسّر اللّحاق بحقيقة الكعبة بفضل الله سبحانه وحصل بعد اللّحاق بها ترقّيات بلا نهاية ولكنّ شوق ملاقاة الصّورة إلى الصّورة موجود وقد صار الحجّ فرضا وتحقّق من الطّريق أيضا بغلبة السّلامة والشّوق ازيد واكمل أيضا من فرضيّة الحجّ ومع ذلك تسويف في تسويف لا تساعد الإستخارة على السّفر كلّ ما كنت متوجّها بحسن التّوجّه لا ينكشف المسير في الطّريق ولا يظهر الوصول إلى الكعبة في النّظر وماذا نصنع وكلّ هذه الاعذار لا تجدي في تأخير أداء الفرض ينبغي أن نخرج من البيت بقصد أداء فرض الحجّ بتوفيق الله تعالى على أيّ حال كان وأن نسير لقطع المراحل فإن تيسّر الوصول فنعمة عظمى وإن بقينا في الطّريق فالرّجاء نقد الوقت رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا واِغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢) وصلّى الله تعالى على سيّدنا محمّد وآله وصحبه وسلّم.

(٧٣) المكتوب الثالث والسّبعون إلى حضرة المخدوم زاده مجد الدين الخواجه محمّد معصوم سلّمه الله في بيان ظاهر الإنسان الكامل وباطنه وما يناسب ذلك.

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى (اعلم) أنّ الإنسان عبارة عن مجموع عالم الامر وعالم الخلق عالم الخلق هو صورة الإنسان وظاهره وعالم الامر هو حقيقة الإنسان وباطنه وإنّما قالوا للأعيان الثابتة حقائق الممكنات باعتبار انّ الممكنات ظلال تلك الاعيان وتلك الاعيان اصولها فانّ حقيقة الممكنات وماهيّتها هي نفس ظلال تلك الاعيان لانّ الممكنات صارت ممكنات بتلك الظّلال وحصل لها بها وجود ظلّيّ بخلاف الاعيان الّتي يثبتون فيها تعيّنات وجوبيّة ويرونها فوق مراتب الإمكان فإنّ تعيّن الوحدة وتعيّن الواحديّة اللّذين هما في مرتبة الاعيان الثابتة قالوا إنّ كلّا منهما تعيّن وجوبيّ واعتقدوا التّعيّنات الثلاثة الباقية أعني التّعيّن الرّوحيّ والتّعيّن المثاليّ والتّعيّن الجسميّ تعيّنات إمكانيّة فالقول بكون التّعيّن الوجوبيّ حقيقة للتّعيّن الإمكانيّ على سبيل التّجوّز لانّ الحقيقة الإمكانيّة إنّما تكون من عالم الإمكان لا من مرتبة الوجوب وكأنّ أصل الشّيء هو حقيقة الشّيء فما قالوا من انّ الصّوفيّ كائن بائن يعني: بظاهره مع الخلق وبباطنه مفارق عنهم وكائن مع الحقّ سبحانه وأرادوا بظاهره عالمه الخلقيّ وبباطنه عالمه الامرىّ. وقالوا في حقّ هذا المقام الذي هو مقام الجمع بين التّوجّهين: إنّه عال جدّا واعتقدوه مقام التّكميل والإرشاد وظنّوه مرتبة الدعوة ولهذا الفقير في ذلك الموطن معرفة خاصّة وهي أنّه

__________

(١) آل عمران: ٩٦

(٢) التحريم: ٨

يكون شخص من أخصّ الخواصّ ويكون مجموع عالم الخلق والأمر بالنّسبة إليه صورة وظاهرا وتكون حقيقته وباطنه الإسم الذي هو مبدأ تعّيّنه مع أسماء وشئونات أخر هي كالأصل لذلك الإسم حتّى تنتهي إلى حضرة الذّات المجرّدة عن الشّئون والإعتبارات وهذا العارف التّامّ المعرفة إذا تيسّر له الوصول إلى الإسم الذي هو قيّومه بعد طيّه جميع المراتب الإمكانيّة وصار قوله “ أنا ” منقلعا عن المراتب الإمكانيّة ومنطبقا على ذلك الإسم وانطبق على مراتب فوق ذلك الإسم الّتي هي كالأصول لذلك الإسم آنا فآنا بالتّرتيب على سبيل العروج وبلغ بهذا النّمط مرتبة الاحديّة المجرّدة تصير تلك المراتب الّتي انطبق عليها قوله أنا كلّها حقيقته ويكون عالمه الأمريّ كعالمه الخلقيّ. وصورة تلك الحقيقة وتلك الصّورة مثل الكسوة لتلك الحقيقة وهي كالشّخص اللّابس لتلك الكسوة وحيث كان إطلاق أنا في الآخرين مقصورا على عالم الخلق والأمر لا جرم تكون صورتهم وحقيقتهم عين عالم الخلق والأمر والأسماء الّتي هي مبادى تعيّناتهم ليست غير أن تكون قيّومات لهم (فإن قيل) إنّ العارف وإن حصل كمال المعرفة من جملة الممكنات لا يخرج من الإمكان ولا يتّصف بالوجوب فالإسم الذي هو قيّومه ومن مرتبة الوجوب كيف يكون حقيقته وجزءه؟ (أجيب) انّ هذه الحقيقة باعتبار الشّهود لا باعتبار الوجود حتّى يلزم المحذور كما قالوا: البقاء بالله وهذا الشّهود ليس مجرّد تخيّل بل تتفرّع عليه ثمرات ونتائج.

(شعر)

خليلي ما هذا بهزل وإنّه ... حديث عجيب من بديع الغرائب

فتحقّق أنّ ما هو مجموع الصّورة والحقيقة للآخرين صورة هذا العارف الّتي هي بالنّسبة إلى الحقيقة كالثّوب العديم نظيره بالنّسبة إلى شخص لابس إيّاه فماذا يدرك الآخرون من حقيقته وماذا يفهمون وماذا يتصوّرون غير كونه مماثلا لهم في صورهم وحقائقهم ومعرفة مثل هذا العارف مستلزمة لمعرفة الحقّ سبحانه إذا رأوا ذكر الله سبحانه علامتهم. إلهي ما هذا الذي جعلت أولياءك بحيث من عرفهم وجدك ومن لم يجدك لم يعرفهم. وما كتبه الفقير في بعض كتبه ورسائله من أنّ العارف التّامّ المعرفة يكون بعد رجوعه للدّعوة متوجّها بكلّيّته إلى العالم لانّ ظاهره مع الخلق وباطنه مع الحقّ سبحانه فالمراد من تلك الكلّيّة عالماه الخلقيّ والامرىّ كما هو متعارف القوم يعني: أنّه يكون متوجّها للدّعوة بعالم الخلق وعالم الامر كليهما. وأمّا تلك الحقيقة والباطن اللّذان كتبهما هذا الفقير فيما سبق مرادا بهما الإسم القيّوم وما فوقه فلا معنى لتوجّهه إلى الحقّ جلّ وعلا فإنّهما من عالم الوجوب كما مرّ فعلى كلّ تقدير توجّه العارف الكامل إلى جانب الخلق بالتّمام والذي له وجه إلى الخلق ووجه آخر إلى الحقّ جلّ وعلا فهو في توسّط السّير ولكنّه أعلى من الشّخص الذي توجّهه إلى الحقّ جلّ وعلا بالتّمام فإنّ هذا الشّخص ناقص في أداء حقوق العباد وذلك يكمل أداء كلّ من حقّ الخالق وحقّ المخلوق مهما أمكن ويدعو الخلق إلى جانب الحقّ سبحانه فيكون أكمل بالنّسبة إليه (ينبغي) أن يعلم أنّ التّوجّه إلى الحقّ جلّ



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!