موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(74) المكتوب الرابع والسبعون إلى الخواجه هاشم في تأويل قوله تعالى فمنهم ظالم لنفسه الآية وبيان قوله تعالى إنا عرضنا الأمانة على السماوات الآية وبيان خلافة الإنسان الكامل وان معاملته تبلغ مبلغا يجعل قيوما لجميع الاشياء و

 

 


سلطانه يستدعي بعدا والبعد في حقّ هذا العارف صار نصيب الآخرين الذين يحتاجون إلى التّوجّه هل رأيت أحدا يكون متوجّها إلى نفسه فكيف إلى شيء هو أقرب من نفسه فإنّه لا يتصوّر توجّهه إليه وعدم التّوجّه هذا من خصائص كمالات هذا العارف يكاد القاصرون يظنّونه نقصا ويزعمون التّوجّه كمالا بالنّسبة إلى عدم التّوجّه رزقهم الله سبحانه الإنصاف حتّى لا يحكموا بجهلهم المركّب ولا يزعموا الحسن عيبا.

(٧٤) المكتوب الرّابع والسّبعون إلى الخواجه هاشم في تأويل قوله تعالى فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ (١) الآية وبيان قوله تعالى إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ (٢) الآية وبيان خلافة الإنسان الكامل وانّ معاملته تبلغ مبلغا يجعل قيّوما لجميع الاشياء وهو ظالم لنفسه وعبّر عن المقتصد بالنّديم والخليل وعن السّابق بالمحبّ والمحبوب ورأس حلقتهم محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم

قال الله تعالى وتعاظم ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اِصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ (٣) الآية وقال تعالى إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ والْأَرْضِ (٤) الآية. المراد من الآيتين ما أراده الله سبحانه وتعالى ونحن نأوّلهما بما ظهر لنا رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا (٥) ينبغي أن يعلم “ أنّ الله تعالى خلق آدم على صورته ” وهو تعالى منزّه عن الصّورة ومتعال فيمكن أن يكون معنى “ خلق آدم على صورته سبحانه ” أنّه لو فرض لمرتبة التّنزيه صورة في عالم المثال لكانت تلك الصّورة جامعة والإنسان الجامع صار موجودا على تلك الصّورة وليست لصور أخر قابليّة لان تكون تمثالا لتلك المرتبة المقدّسة ومرآة لها. ومن ههنا صار الإنسان مستحقّا لخلافته تعالى فإنّ الشّيء ما لم يخلق على صورة شيء لا يكون مستحقّا لخلافة ذلك الشّيء فإنّ خلافة الشّيء خلف ذلك الشّيء ونائب منابه. ولمّا صار الإنسان خليفة الرّحمن تعيّن بالضّرورة لتحمّل ثقل الامانة لا يحمل عطايا الملك إلّا مطاياه من أين ينال السّموات والأرضون والجبال الجامعيّة حتّى تخلقوا على صورته تعالى وتكونوا مستحقّين لخلافته ولتتحمّلوا ثقل أمانته سبحانه وقد يحسّ أنّه لو أحيلت ثقلة هذه الامانة على السّموات والأرضين لصرن قطعا قطعا ولم يبق منهنّ أثر أصلا. وتلك الامانة بزعم هذا الحقير قيّوميّة جميع الاشياء على سبيل النّيابة الّتي هي

__________

(١) فاطر: ٣٢

(٢) الأحزاب: ٧٢

(٣) فاطر: ٣٢

(٤) الأحزاب: ٧٢

(٥) البقرة: ٢٨٦

مخصوصة بكمال أفراد الإنسان يعني: أنّ معاملة الإنسان الكامل تبلغ مبلغا يجعل قيّوما لجميع الاشياء بحكم الخلافة. وتحصل إفاضة الوجود وبقاء سائر الكمالات الظّاهريّة والباطنيّة للكلّ بتوسّطه فان كان ملك فبه متوسّل وإن كان إنس أو جنّ فبه متشبّث وفي الحقيقة توجّه جميع الاشياء إلى جانبه. والكلّ مائل إليه عرفوا هذا المعنى أوّلا إنّه كان ظلوما جهولا كثير الظّلم على نفسه بحيث لا يبقى من وجوده ولا من توابع وجوده أثر ولا حكم وما لم يظلم نفسه بمثل هذا لا يكون مستحقّا لتحمّل ثقل الامانة جهولا كثير الجهل بحيث لا يكون له علم ولا إدراك بالمطلوب بل عجز عن الإدراك وجهل عن العلم بالمقصود وهذا العجز والجهل في ذلك الموطن كمال المعرفة لانّ أجهلهم أعرفهم ثمّة ولا شكّ أنّ أعرفهم أليق بحمل الامانة وهذان الوصفان كأنّهما علّتان لحمل ثقل الامانة وهذا العارف الذي تشرّف بمنصب قيّوميّة الاشياء حكمه حكم الوزير حيث فوّضت كفاية مهمّات المخلوقات إليه والإنعامات وإن كانت في الحقيقة من السّلطان ولكنّ وصولها إلى أربابها مربوط بتوسّط الوزير ورئيس أهل هذه الدولة أبو البشر آدم على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام وهذا المنصب مخصوص بالأنبياء أولي العزم عليهم الصّلاة والتّحيّات أصالة ويشرّف به بتبعيّة هؤلاء الاكابر ووراثتهم كلّ من أريد له ذلك (ع) لا عسر في أمر مع الكرام * والطّائفة الاولى من وارثي الكتاب الذين هم المصطفون من عباده تعالى هم هؤلاء الظّالمون لانفسهم الذين تشرّفوا بمنصب الوزارة والقيّوميّة. والطّائفة الثانية من هؤلاء المصطفين الذين عبّر الله تعالى عنهم بالمقتصد من تشرّفوا بدولة الخلّة وصاروا أصحاب سرّ ومشورة ومعاملة الملك والسّلطنة وإن كانت مربوطة بالوزير ولكنّ الخليل نديم وصاحب أنس وألفة هذا لاجل فرح نفسه وذاك لاجل مهمّات الآخرين. شتّان ما بينهما ورأس أرباب هذا المقام العالي إبراهيم خليل الرّحمن على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام ويشرّف به كلّ من أريد له ذلك وفوق مقام الخلّة مقام المحبّة الذي تشرّف به الطّائفة الثالثة الذين هم السّابقون بالخيرات باذن الله وفرّق بين الاصحاب والنّديم والمحبّ والمحبوب والأسرار والمعاملات الّتي تمرّ وتمضي على المحبّ والمحبوب لا مدخل فيها للأحباب والنّديم وإن كان يمكن إيراد أسرار حقيقة المحبّة في البين في وقت كمال الانس والألفة مع الخليل الجليل القدر ويمكن أن يجعله محرما لأسرار المحبّ والمحبوب. ورئيس حلقة المحبّين كليم اللهعلى نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام ورئيس زمرة المحبوبين خاتم الرّسل عليه وعليهم الصّلوات والتّحيّات والتسليمات ويشرّف بهذين المقامين بتبعيّة أصحاب هاتين الدولتين ووراثتهم كلّ من أريد له ذلك. والمقامات الّتي فوق مقام المحبّة قد ذكرت في مكتوب من مكتوبات الجلد الثاني للفقير. والصّدارة فيها أيضا لمحمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكلّها داخلة في مقام السّابقين الذي هو نصيب الفرقة الثالثة من وارثي الكتاب. رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَدًا (١) وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اِتَّبَعَ الْهُدى (٢)

__________

(١) الكهف: ١٠

(٢) طه: ٤٧



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!