موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(75) المكتوب الخامس والسبعون إلى المرزا مظفر في بيان أن المحن والبليات كفارات لزلات الاحباب وأنه ينبغي طلب العفو والعافية بالتضرع والإبتهال إلى الله المتعالى ** | ** (76) المكتوب السادس والسبعون إلى مولانا فرخ حسين في بيان حقيقة العرش الذي هو برزخ بين عال

 

 


(٧٥) المكتوب الخامس والسّبعون إلى المرزا مظفّر في بيان أنّ المحن والبليّات كفّارات لزلّات الاحباب وأنّه ينبغي طلب العفو والعافية بالتّضرّع والإبتهال إلى الله المتعالى

سلّمكم الله سبحانه عمّا لا يليق بجنابكم إنّ الالم والمحن والبليّات في الاحباب كفارّات لزلّاتهم ينبغي طلب العفو والعافية من جناب قدسه تعالى بالتّضرّع والإبتهال والإلتجاء والإنكسار إلى أن يفهم أثر الإجابة ويعلم تسكين الفتن وإن كان الاحباب والنّاصحون في هذا الامر ولكن صاحب المعاملة أحقّ به فإنّ شرب الدواء والإحتماء شغل صاحب المرض. والآخرون من الإخوان ليسوا غير أن يكونوا من الاعوان في إزالة المرض. وحقيقة المعاملة هي أنّ كلّ ما يصيب من المحبوب الحقيقيّ ينبغي أن يقبله ببشاشة الوجه وانشراح الصّدر بل ينبغي أن يتلذّذ به وحصول العار الذي هو مراد المحبوب أفضل عند المحبّ من زواله الذي هو مراد نفسه فإن لم يكن هذا المعنى حاصلا في المحبّ فهو ناقص في المحبّة بل كاذب فيها. (شعر)

وأترك ما أهوى لما قد هويته ... وأرضى بما يرضى وإن هلكت نفسي

ولمّا رجع جناب مرجع الشّريعة من الخدمة بين أحوال السّفر وضيق أحوال المسافرين فقرأنا الفاتحة لسلامتهم وعافيتهم رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْرًا كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا ولا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ واُعْفُ عَنّا واِغْفِرْ لَنا واِرْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢) سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ وسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ والْحَمْدُ لله رَبِّ الْعالَمِينَ (٣)

(٧٦) المكتوب السّادس والسّبعون إلى مولانا فرخ حسين في بيان حقيقة العرش الذي هو برزخ بين عالم الخلق وعالم الامر وله وصف من كليهما وليس من جنس الارض والسّماء وبيان الكرسيّ ووسعته

__________

(٢) البقرة: ٢٨٦

(٣) الصافات: ١٨٠ ١٨١، ١٨٢

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى (اعلم) أنّ العرش المجيد من عجائب مصنوعات الحقّ سبحانه وبرزخ بين عالم الخلق وعالم الامر في العالم الكبير وفيه وصف من هذا ووصف من ذاك. وعالم الخلق الذي خلق في ستّة أيّام والأرض والسّموات والجبال الّتي وقع ذكرها في قوله تعالى خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ الآية. إيجاد العرش مقدّم على خلق هذه كما قال الله تبارك وتعالى هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ (١) وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ (٢) بل يفهم تقدّم خلقه من هذه الآية أيضا. فالعرش المجيد كما أنّه ليس من جنس الارض ليس من جنس السّموات أيضا فإنّ له حظّا وافرا من عالم الامر أيضا ليس شيء منها لهؤلاء. غاية ما في الباب أنّ مناسبته للسّموات ازيد منها للارض فلا جرم عدّ من السّموات وإلّا فكما انّه ليس من الارض ليس من السّموات في الحقيقة فلا جرم تكون آثار الارض والسّموات وأحكامهما مغايرة لآثار العرش وأحكامها بقيت معاملة الكرسيّ والذي يفهم من قوله تعالى وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ والْأَرْضَ (٣) أنّ الكرسيّ أيضا مغاير للسّموات والأرض وأوسع منهما ولا شكّ أنّ الكرسيّ ليس من عالم الامر فإنّه قيل إنّه تحت العرش. ومعاملة عالم الامر فوق العرش فإذا كان من عالم الخلق يكون خلقه مغايرا لخلق السّموات وينبغي أن يكون خلقه في ما وراء الايّام السّتّة ولا يلزم من هذا المعنى محذور أصلا فإنّه تعالى لم يخلق تمام عالم الخلق في هذه الايّام السّتّة فإنّ خلق الماء كان فيما وراء هذه الايّام السّتّة ومقدّما عليها كما مرّ. ولمّا لم تكن معاملة الكرسيّ مكشوفة لنا كما ينبغي أخّرنا تحقيقه إلى وقت آخر راجيا من كرم الحقّ جلّ وعلا رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (٤) ومن هذا التّحقيق ارتفع اعتراضان قويّان أحدهما إنّه إذا لم تكن السّموات والأرض من أين كان تعيين الايّام السّتّة وتشخيصها وكيف افترق يوم الاحد من يوم الإثنين وكيف امتاز يوم الثلثاء من يوم الاربعاء وبأيّ وجه صار يوم الخميس متميّزا من يوم الجمعة. ولمّا علم سبقة خلق العرش على خلق الارض والسّموات صار حصول الزّمان متصوّرا واتّضح ثبوت الايّام واندفع الإعتراض ومن أين يلزم كون امتياز الايّام مخصوصا بطلوع الشّمس وغروبها الا ترى انّ الجنّة ليس فيها طلوع ولا غروب وامتياز الايّام ثابت كما ورد في الاخبار والإعتراض الثاني الذي اندفع مخصوص بعلوم الفقير وهو أنّه قد ورد في الحديث القدسيّ “ لا يسعني أرضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن ” فإنّه يفهم من هذا الحديث أنّ الظّهور الاتمّ مخصوص بقلب المؤمن وإنّ هذه الدولة غير ميسّرة لغيره. وأنت قد كتبت في مكتوباتك خلافه حيث قلت: إنّ الظّهور الاتمّ للعرش المجيد والظّهور القلبيّ لمعة من الظّهور العرشيّ وعلم من التّحقيق السّابق

__________

(١) الحديد: ٤

(٢) هود: ٧

(٣) البقرة: ٢٥٥

(٤) طه: ١١٤

من أنّ آثار العرش المجيد وأحكامه مغايرة لاحكام الارض والسّموات لا وسعة في الارض والسّموات وفي العرش وسعة. نعم إنّ الارض والسّموات مع ما فيهنّ ليست لهنّ قابليّة الوسعة غير قلب المؤمن فإنّه مستعدّ لهذه الدولة فكان حصر الوسعة على القلب باعتبار الارض والسّموات لا بالنّسبة إلى جميع المصنوعات الّتي تكون شاملة للعرش المجيد أيضا حتّى يتصوّر خلاف مفهوم الحديث القدسيّ فاندفع الإعتراض الثاني أيضا (ينبغي) أن يعلم أنّ العرش المجيد الذي هو محلّ الظّهور التّامّ إذا رمينا الارض والسّموات مع ما فيهما في مقابلته تكون متلاشية ومضمحلّة بلا توقّف ولا تبقى أثر منها أصلا إلّا القلب الإنسانيّ الذي هو منصبغ بلونه فإنّه يبقى ولا يكون متلاشيا محضا وكذلك الظّهور في جانب الفوق الذي يتعلّق بما وراء العرش الذي هو من عالم الامر الصّرف حكم العرش بالنّسبة إلى تلك المرتبة حكم الارض والسّموات بالنّسبة إلى العرش وهكذا حكم كلّ فوق بالنّسبة إلى ما تحته هو هذا الحكم بعينه إلى أن ينتهي عالم الامر وبعد تمام هذه الدائرة تنجرّ المعاملة إلى الجهل والحيرة فإن كانت معرفة فهي أيضا مجهولة الكيفيّة ليست ممّا يحصل في حوصلة العقل الحادث ولنبيّن شمّة من الكمالات الإنسانيّة والقلب الإنسانيّ أيضا.

(شعر) وقد أطنبت في عيبه ... فبيّن حسنه أيضا

العرش المجيد وإن كان أوسع ومظهرا أتمّ ولكن ليس فيه علم بحصول هذه الدولة ولا شعور له بهذا الكمال بخلاف القلب الإنسانيّ فإنّه صاحب شعور وبالعلم والمعرفة معمور والمزيّة الاخرى للقلب هي ما نبيّنه ينبغي أن يستمع كمال الإستماع أنّ مجموع الإنسان الذي يسمّونه عالما صغيرا وإن كان مركّبا من عالم الخلق والامر ولكنّ له هيئة وحدانيّة حقيقيّة والآثار والأحكام مترتّبة لتلك الهيئة والعالم الكبير ليست له تلك الهيئة فإن كانت فهي اعتباريّة فالفيوض الّتي ترد من جهة هذه الهيئة الوحدانيّة على الإنسان وبتوسّطه على قلب الإنسان لا يحصل منها للعالم الكبير والعرش المجيد الذي هو بمثابة القلب للعالم الكبير سوى النّزر اليسير فإنّهما قليلا النّصيب من تلك الفيوض والبركات وأيضا انّ الجزء الارضيّ الذي هو في الحقيقة خلاصة الموجودات ومع وجود بعده أقرب الظّهورات قد سرت كمالاته في مجموعة عالم الصّغير ولمّا لم تكن تلك المجموعة في العالم الكبير في الحقيقة فقدت فيه هذه السّراية فلقلب الإنسان هذه الكمالات أيضا بخلاف العرش المجيد. ينبغي أن يعلم أنّ هذه الفضائل والكمالات الّتي أثبتناها في القلب إذا لاحظنا ملاحظة جيّدة نجدها داخلة في فضل جزئيّ والفضل الكلّيّ إنّما هو للظّهور العرشيّ وتجد مثل العرش والقلب كمثل نار وسيعة نوّرت جميع البراري والصّحارى واوقدت من تلك النّار مشعلة حصلت له بواسطة لحوق بعض الامور نورانيّة أخرى ليست هي في تلك النّار ولا شكّ أنّ تلك الزّيادة لا يثبت لها غير الفضل الجزئيّ والله سبحانه أعلم بحقائق الامور وكلّها رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!