موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(24) المكتوب الرابع والعشرون إلى الملا محمد مراد الكشمي الذي هو من خدام المير محمد نعمان في بيان مناقب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمتهم ورأفتهم فيما بينهم

 

 


(٢٤) المكتوب الرّابع والعشرون إلى الملّا محمّد مراد الكشميّ الذي هو من خدّام المير محمّد نعمان في بيان مناقب أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورحمتهم ورأفتهم فيما بينهم

قال الله تبارك وتعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله والَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (١) الآية مدح الله سبحانه في هذه الآية أصحاب خير البشر عليه وعليهم الصّلاة والسّلام بكمال رحمة بعضهم لبعض الّتي كانوا عليها فإنّ الرّحيم الذي هو واحد رحماء متضمّن للمبالغة في الرّحمة وحيث انّ للصّفة المشبّهة دلالة على الاستمرار أيضا ينبغي أن يكون رحمة بعضهم بعضا على صفة الدوام والاستمرار سواء كان في حضوره صلّى الله عليه وسلّم أو بعد ارتحاله وكلّ ما هو مناف لرحمة بعضهم بعضا ينبغي أن يكون مسلوبا عنهم على الدوام ويكون احتمال البغض والحقد والحسد وعداوة بعضهم لبعض منتفيا عنهم على سبيل الاستمرار فإذا كان جميع الصّحابة الكرام متّصفين بهذه الصّفة المرضيّة كما هو مقتضى كلمة “ والذين ” الّتي هي من صيغ العموم والاستغراق ماذا نقول من أكابر الصّحابة فإنّ هذه الصّفة تكون فيهم أتمّ وأكمل وأوفى ولهذا قال صلّى الله عليه وسلّم “ أرحم أمّتي بأمّتي أبو بكر». وقال عليه الصّلاة والسّلام في شأن الفاروق رضي الله عنه ” لو كان بعدي نبيّ لكان عمر " يعني أنّ لوازم النّبوّة وكمالاتها كلّها حاصلة في عمر ولكن لمّا ختم منصب النّبوّة بخاتم الرّسل عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام لم يشرّف بدولة منصب النّبوّة وأحد لوازم النّبوّة كمال الرّحمة والشّفقة على الخلق وأيضا إنّ الرّذائل الّتي تنافي الشّفقة والرّحمة ومن ذمايم الاخلاق من الحسد والبغض والحقد والعداوة كيف تتصوّر من قوم تشرّفوا بشرف صحبة خير البشر عليه وعليهم الصّلوات والتّسليمات فإنّهم أفضل هذه الامّة الّتي هي خير الامم وأسبق أهل هذه الملّة الّتي هي ناسخة لجميع الملل لانّ قرنهم كان خير القرون وصاحبهم كان أفضل الانبياء والمرسلين فلو كانوا موصوفين بهذه الصّفات الرّديّة الّتي على أحقر هذه الامّة المرحومة عار منها كيف يكونون أفضل هذه الامّة وبأيّ وجه تكون هذه الامّة خير الامم وأيّ مزيّة وأيّ فضيلة تكون لاسبقيّة الإيمان وأوّليّة إنفاق الاموال وبذل النّفس وأيّ تأثير يكون لخيريّة القرن وأيّ أثر يترتّب على فضيلة صحبة خير البشر عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام والذين يكونون في صحبة أولياء هذه الامّة ينجون من هذه الرّذائل فكيف تتوهّم هذه الذّمائم في حقّ جماعة صرفوا أعمارهم في صحبة أفضل الرّسل عليه وعليهم الصّلوات والتّسليمات وبذلوا أموالهم وأنفسهم لتأييد دينه ونصرة ملّته وإعلاء كلمته الّا إذا سقط عياذا بالله سبحانه عظمة خير البشر عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام وجلالته عن النّظر وتوهّم أنّ صحبته صلّى

__________

(١) الآية: ٢٩ من سورة الفتح.

الله عليه وسلّم أنقص من صحبة وليّ الامّة نعوذ بالله سبحانه منه ومن المقرّر أنّه لا يبلغ وليّ من أولياء الامّة مرتبة صحابيّ من صحابة تلك الامّة فكيف بمرتبة نبيّها.

قال الشّيخ الشّبليّ عليه الرّحمة: ما آمن برسول الله من لم يوقّر أصحابه (وجماعة) من النّاس يظنّون أنّ أصحاب النّبيّ عليه وعليهم الصّلاة والسّلام كانوا فرقتين فرقة كانت لهم مخالفة مع عليّ رضي الله عنه وعنهم وفرقة كانت لهم موافقة به كرّم الله وجهه وكان في كلّ واحدة من هاتين الفرقتين عداوة وبغض وحقد في حقّ الاخرى وبعض منهم بطن صفاته هذه تقيّة وملاحظة لبعض المصالح وزعموا أنّ تلك الرّذائل امتدّت فيهم إلى قرن واحد وما كانوا كانت فيهم هذه الذّمائم وبهذا التّوهّم يذكرون مخالفي عليّ كرّم الله وجهه بالشّرّ وينسبون إليهم أشياء غير مناسبة ينبغي أن ينصف فإنّه على هذا التّقدير يكون كلا الفريقين موردا للطّعن ومتّصفين برذائل الصّفات ويصير أفضل هذه الامّة شرّ هذه الامّة بل شرّ جميع الامم وتتبدّل خيريّة تلك الفرقة بالشّرّية أيّ إنصاف في ذكر الشّيخين رضي الله عنهما بسوء بهذا التّوهّم ونسبة أمور غير مناسبة إلى كبراء الدين وحضرة الصّدّيق رضي الله عنه أتقى هذه الامّة بحكم نصّ القرآن فإنّ المفسّرين ابن عبّاس وغيره أجمعوا على أنّ قوله تعالى وسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١) الآية نزل في شأن الصّدّيق رضي الله عنه والمراد من الاتقى هو الصّدّيق رضي الله عنه فإذا قال الله تعالى في حقّ شخص إنّه أتقى هذه الامّة الّتي هي خير الامم ينبغي أن يتأمّل أنّ تكفيره وتفسيقه وتضليله إلى أيّ حدّ من الشّناعة يوصّل (واستدلّ) الإمام الفخر الرّازيّ بهذه الآية الكريمة على أفضليّة الصّدّيق رضي الله عنه فإنّ أكرم هذه الامّة المخاطبة بقوله تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقاكُمْ (٢) بحكم هذه الآية هو أتقى هذه الامّة حيث كان الصّدّيق أتقى هذه الامّة بنصّ القرآن ينبغي أن يكون أكرم هذه الامّة عند الحقّ جلّ وعلا بحكم النّصّ اللّاحق هو الصّدّيق رضي الله تعالى عنه أيضا وأثبت أكابر أئمّة السّلف واحد منهم الإمام الشّافعيّ رضي الله تعالى عنهم إجماع الصّحابة والتّابعين على أفضليّة الشّيخين رضي الله عنهما وحكم عليّ كرّم الله وجهه أيضا بأفضليّة الشّيخين قال الذّهبيّ الذي هو من أكابر المحدّثين: روى ذلك عن عليّ نيّف وثمانون نفرا وعبد الرّزّاق الذي هو من أكابر الشّيعة حكم بأفضليّة الشّيخين بموجب هذا النّقل وقال بهذه العبارة “ أفضّل الشّيخين لتفضيل عليّ إيّاهما على نفسه والّا لما فضّلتهما كفى بي وزرا أن أحبّه ثمّ أخالفه ” فتنقيص من كانوا أفضل هذه الامّة التي هي خير الامم بحكم الكتاب والسّنّة وإجماع الامّة وباعتراف عليّ أيضا وتحقيرهم من أيّ إنصاف ومن أيّ ديانة وأيّ خير مودع في ضمنه فلو كان في سبّ أحد معنى الخيريّة والعبادة لكان في سبّ أبي جهل وأبي لهب الذين هما ملعونان ومطرودان بحكم نصّ القرآن ولحصل في ضمنه حسنات كثيرة أيّ خيريّة في السّبّ الذي هو متضمّن للفحش والقطيعة خصوصا في

__________

(١) الآية: ١٧ من سورة الليل.

(٢) الآية: ١٣ من سورة الحجرات.

حقّ شخص لا يستحقّه ولا يكون أهلا له ووضع الشّيء في غير موضعه ظلم وفرق بين شيء وشيء وتفاوت بين موضع وموضع فيكون بين ظلم وظلم بونا بعيدا (وخلافة) ذي النّورين رضي الله عنه ثابتة بإجماع الصّحابة الكرام وبإتّفاق صغار ذلك القرن الذي هو خير القرون وكبارهم وذكورهم وإناثهم ولهذا قال العلماء: إنّ الاتّفاق والإجماع الذي وقع في خلافة ذي النّورين لم يتّفق في خلافة أحد من سائر الخلفاء الثلاثة فإنّه لمّا كان في بدء خلافته نوع تردّد راعى أهل ذلك القرن في تلك المادّة احتياطا كثيرا ثمّ أقدموا عليها (ينبغي أن يعلم) أنّ الاصحاب الكرام رضي الله تعالى عنهم مبلّغو الكتاب والسّنّة وكان الإجماع أيضا منوطا بقرنهم فلو كان جميعهم أو بعضهم متّصفين بالضّلالة والفسق يرتفع الاعتماد عن كلّ الدين أو بعضه وتكون فائدة بعثة خاتم الانبياء وأفضل الرّسل قليلة وجامع القرآن المجيد هو حضرة عثمان بل حضرة الصّدّيق وحضرة الفاروق رضي الله تعالى عنهم فلو كان هؤلاء مطعونا فيهم ومسلوبي العدالة أيّ اعتماد يبقى على القرآن وبأيّ شيء يكون الدين قائما ينبغي أن يتأمّل في شناعة هذا الامر أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كلّهم عدول وكلّ ما بلغنا بتبليغهم حقّ وصدق والمخالفات والمنازعات الواقعة في زمن خلافة عليّ رضي الله تعالى عنه لم تكن من جهة الهوى والهوس ولا لأجل حبّ الجاه والرّياسة بل كانت على وجه الاجتهاد والاستنباط وإن كان في اجتهاد واحد منهم خطأ واستنباطه بعيدا عن الصّواب ومن المقرّر عند علماء أهل السّنّة والجماعة رضي الله تعالى عنهم أنّ المحقّ في تلك المحاربات والمشاجرات كان عليّا كرّم الله وجهه ومخالفوهم كانوا على خطإ ولكن لمّا كان منشأ هذا الخطإ الاجتهاد كان صاحبه بعيدا عن الطّعن والملامة عليه والمقصود حقّيّة جانب عليّ وخطأ جانب مخالفيه وأهل السّنّة قائلون بذلك واللّعن والطّعن زيادة بلا فائدة بل متضمّنة لاحتمال الضّرر فإنّهم أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ورضي عنهم وبعضهم مبشّر بالجنّة وبدريّ مغفور له والعذاب الاخرويّ مرفوع عنه كما ورد في الاحاديث الصّحاح “ إنّ الله اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فإنّي غفرت لكم». وبعضهم تشرّف ببيعة الرّضوان وقد قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ” لا يدخل النّار أحد ممّن بايع تحت الشّجرة " بل قال العلماء: يفهم من القرآن المجيد أنّ جميع الصّحابة من أهل الجنّة لقوله تعالى لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وقاتَلُوا وكُلًّا وَعَدَ الله الْحُسْنى والله بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١) والحسنى هي الجنّة فكلّ صحابيّ أنفق وقاتل قبل الفتح وبعده موعود له بالجنّة قالوا: إنّ صفة الإنفاق والقتال ليست للتّقييد بل للمدح فإنّ جميع الصّحابة كانوا متّصفين بهاتين الصّفتين فكلّهم يكونون موعودا لهم بالجنّة فينبغي الملاحظة إن ذكر أمثال هؤلاء الاكابر بشرّ وسوء الظّنّ بهم فكيف يكون من الإنصاف والديانة.

__________

(١) الآية: ١٠ من سورة الحديد.

(فإن قيل) قال جماعة: إنّ بعض الأصحاب الكرام لم يبق بعد ارتحاله صلّى الله عليه وسلّم على ذلك الطّريق بل انحرف من طريق الحقّ بواسطة حبّ الخلافة وطلب الجاه والرّياسة وغصب عن عليّ كرّم الله وجهه منصب الخلافة بل يظنّون أنّ انحرافه بلغ حدّ الكفر والضّلالة فيكون هؤلاء المذكورون بزعم هذه الجماعة محرومين عمّا وعد به الأصحاب الكرام فإنّ نيل فضيلة الصّحبة فرع تحقّق الإسلام فإذا كان في إسلامهم كلام كيف يكون للصّحبة تأثير (أجيب) أنّ الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم مبشّرون بالجنّة ثبت ذلك بأحاديث صحيحة بلغت حدّ التّواتر المعنويّ فاحتمال الكفر والضّلالة مدفوع عنهم والشّيخان من أهل بدر وهم مغفور لهم مطلقا على ما في الاحاديث الصّحاح وأيضا إنّهم من أهل بيعة الرّضوان وهم من أهل الجنّة بأحاديث صحيحة كما مرّ وعثمان لم يحضر بدرا لانّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تركه في المدينة لتمريض أهله بنت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قائلا “ بأنّ لك من الأجر ما لأهل بدر ” ولم يحضر بيعة الرّضوان “ لانّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان أرسله إلى مكّة عند قريش وبايع عنه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بنفسه ” كما هو مشهور وأيضا إنّ القرآن المجيد يشهد بجلالة شأن هؤلاء الاكابر ويخبر عن علوّ درجاتهم فمن أغمض عن الكتاب والسّنّة فهو خارج عن المبحث قال الشّيخ السعديّ رحمه الله. (شعر)

من لم يقف عند الكتاب وسنّة ... فجوابه أن لا تجيب وتسكتا

أيّ بلاء وقع لو كان في الصّدّيق احتمال الكفر والضّلالة لما أجلسه الصّحابة مع عدالتهم وكثرتهم مكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وفي تكذيب خلافة الصّدّيق تكذيب ثلاث وثلاثين الفا من أهل ذلك القرن الذي هو خير القرون ولا يجوّز ذلك من له أدنى دراية أيّ خير يبقى في قرن يجتمع من أهله ثلاث وثلاثون الفا على الباطل ويجلسون مكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ضالّا ومضلّا رزق الله سبحانه لهؤلاء الجماعة الإنصاف حتّى يكفّوا لسانهم عن الطّعن في أكابر الدين ويراعوا حقّ صحبة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام “ الله الله في أصحابي لا تتّخذوهم غرضا من بعدي من أحبّهم فبحبّي أحبّهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ” ماذا أكتب زيادة على ذلك وكيف أجلى أجلى البديهات والقرآن المجيد مملوء بمدح الصّدّيق نزلت فيه سورة اللّيل وآيات أخر وروي في كمالاته وفضائله من الأحاديث الصّحاح ما لا يعدّ ولا يحصى وورد في كتب الانبياء المتقدّمين ذكر شمائله وأوصافه بل ذكر جميع الصّحابة كما قال الله تعالى مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ ومَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ (١) (ورأس) هذه الامّة المرحومة الّتي خير الامم ورئيسهم هو الصّدّيق فإذا رموه بالكفر والضّلالة بما يعتذرون في حقّ غيره وبأيّ طريق يتكلّمون اللهمَّ فاطِرَ السَّماواتِ والْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ والشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما

__________

(١) الآية: ٢٩ من سورة الفتح.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!