موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(17) المكتوب السابع عشر في الأحوال المتعلقة بالعروج والنزول كتبه إلى شيخه المكرم أيضا ** | ** (18) المكتوب الثامن عشر في التمكين الذي يحصل بعد التلوين وبيان مراتب الولايات الثلاث وبيان أن وجود الواجب تعالى زائد على ذاته تعالى وغير ذلك كتبه إلى شيخه المكرم

 

 


عند الله سبحانه. وقد حرّرت علوم أرباب الجذبة والسّلوك وحقيقة كلّ من هذين المقامين بالتّفصيل في رسالة أخرى. وستشرّف بوقوع النّظر الشّريف عليها إن شاء الله تعالى.

(١٧) المكتوب السّابع عشر في الأحوال المتعلّقة بالعروج والنّزول كتبه إلى شيخه المكرّم أيضا

عريضة أحقر الخدمة انّ العزيز الّذي كان متوقّفا منذ أوقات ظهر يوم التّحرير أنّه عرج من ذلك المقام بنحو من العروج ونزل التّحت ولكنّه ما نزل بالتّمام. والبقايا الّذين كانوا تحت هذا المقام عرجوا أيضا وتوجّهوا نحو النّزول من طريق ذلك المقام الفوقانيّ. وكلّ كيفيّة تظهر بعد هذا نعرضها فإن كتب صاحب المعاملة شيئا بعد انكشاف حاله لكان أقرب إلى الصّواب. ولمّا كان حدوث قضيّة هذا النّزول قويّا ودفعيّا، وقد طرأ على الفقير ضعف بواسطة تناول الجلّاب لم أشتغل بأمر هذا النّزول ولم أنظر إلى مآله وسيظهر إن شاء الله تعالى.

(١٨) المكتوب الثّامن عشر في التّمكين الّذي يحصل بعد التّلوين وبيان مراتب الولايات الثّلاث وبيان أنّ وجود الواجب تعالى زائد على ذاته تعالى وغير ذلك كتبه إلى شيخه المكرّم أيضا

عريضة أقلّ العبيد ذي التّقصير أحمد بن عبد الأحد أنّه ما دامت الأحوال واردة كنّا نتجاسر بعرضها ولمّا حرّر الحقّ سبحانه من رقّيّة الأحوال ببركة توجّهاتكم العليّة، وشرّف بالتّمكين بعد التّخليص من التّلوين ما بقي في اليد حاصل الأمر غير الحيرة والعجز، وما حصل من الوصل سوى الهجر والفصل، ومن القرب غير البعد، ولم يزد من المعرفة غير النّكرة ومن العلم غير الجهل، فلا جرم وقع التّوقّف في تقديم العرائض. ولم أتجاسر بمجرّد عرض أحوال أيّام الفراق ومع ذلك قد استولت البرودة على القلب على نهج لا ميل فىّ إلى أمر ما أصلا ولا شوق ولا أقدر على الإشتغال بعمل كما هو ديدن أرباب البطالة،

(شعر)

وإنّي لا شيء ومن ذاك أنقص ... ومن هو لا شيء يكون معطّلا

ولنرجع إلى أصل المقصود ونقول: والعجب أنّ الحقّ سبحانه قد شرّفني الآن بمقام حقّ اليقين الّذي ليس العلم والعين فيه بعضه حجابا عن بعض. والفناء والبقاء مجتمعان فيه وفي عين الحيرة وفقدان الأمارة علم وشعور، وفي نفس الغيبة أنس وحضور، ومع وجود العلم والمعرفة لا يحصل سوى ازدياد الجهل والنّكرة،

(ع) ألا فاعجبوا من واصل متحيّر *

وقد رزق الله تعالى بمحض عنايته الّتي ليست لها نهاية في مدارج القرب والكمالات ترقّيات بلا نهاية ففوق مقام الولاية مقام الشّهادة. ونسبة الولاية إلى الشّهادة كنسبة التّجلّي الصّوريّ إلى التّجلّي الذّاتيّ، بل بعد ما بينهما أكثر من بعد ما بين هذين التّجلّيين كذا مرّة. وفوق مقام الشّهادة مقام الصّدّيقيّة.

والتّفاوت فيما بين هذين المقامين أجلّ من أن يعبّر عنه بعبارة وأعظم من أن يشار إليه بإشارة وليس فوقه مقام إلّا مقام النّبوّة على أهلها الصّلاة والسّلام والتّحيّة.

ولا ينبغي أن يكون مقام بين الصّدّيقيّة والنّبوّة بل هو محال. وهذا الحكم أعني الحكم بالإستحالة علم بكشف صريح صحيح، وما أثبته بعض أهل الله من الواسطة بين هذين المقامين وسمّوها بمقام القرب قد شرّفت به أيضا، واطّلعت على حقيقته بعد توجّه كثير وتضرّع غزير ظهر أوّلا على طور بيّنه بعض الأكابر، ثمّ صارت حقيقة الأمر معلومة. نعم إنّ حصول هذا المقام إنّما هو بعد حصول مقام الصّدّيقيّة وقت العروج. ولكنّ كونه واسطة محلّ تأمّل. وسنعرض حقيقة الأمر بالتّفصيل بعد حصول الملازمة الصّوريّة إن شاء الله تعالى.

وذلك المقام عال جدّا ولا يعلم في منازل العروج مقام فوقه ويظهر في هذا المقام زيادة الوجود على ذات الله عزّ وجلّ كما هو المقرّر عند علماء أهل الحقّ شكر الله تعالى سعيهم ويبقى الوجود هنا أيضا في الطّريق ويقع العروج فوقه كما قال الشّيخ أبو المكارم ركن الدّين علاء الدّولة في بعض مصنّفاته: “وفوق عالم الوجود عالم الملك الودود ” ومقام الصّدّيقيّة من مقامات البقاء الّتي هي ناظرة إلى العالم وأسفل (١) منه مقام النّبوّة، وفي الحقيقة هو أعلى منه وهو مقام كمال الصّحو والبقاء، وليس لمقام القرب لياقة البرزخيّة بين هذين المقامين فإنّه ناظر إلى التّنزيه الصّرف، وتمام العروج شتّان ما بينهما، (شعر):

قد أمسكوني وراء المرئىّ كدرّتهم ... أقول ما قال لي أستاذي الأزليّ

وقد صارت العلوم الشّرعيّة النّظريّة الإستدلاليّة ضروريّة كشفيّة لا مخالفة بينها وبين أصول علماء الشّريعة مقدار شعرة، وإنّما جعلت تلك العلوم الإجماليّة تفصيليّة وأخرجت من النّظريّة إلى الضّروريّة.

سئل الخواجه الأعظم يعني بهاء الدّين النّقشبند قدّس سرّه أنّه ما المقصود من السّلوك؟ فقال: «المقصود منه كون المعرفة الإجماليّة تفصيليّة والإستدلاليّة كشفيّة " ولم يقل حصول علوم سواها نعم يظهر في الطّريق علوم كثيرة ومعارف غزيرة ولكن ينبغي أن يجاوزها، وما دام السّالك لم يصل إلى نهاية النّهايات الّتي هي مقام الصّدّيقيّة لا يكون له نصيب من هذه العلوم الحقيقيّة والمعارف اليقينيّة. فيا ليت شعري إنّ

__________

(١) يعني في مراتب النزول والبقاء ولهذا قال وهو في الحقيقة أعلى منه فافهم سند (محمد مراد القزاني رحمة الله عليه).

من أهل الله القائلين بحصول هذا المقام الشّريف لأنفسهم وليس لهم مناسبة بعلوم هذا المقام ومعارفه فما وجهه: وفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (١).

واطّلعت أيضا على سرّ مسألة القضاء والقدر وعلمتها على نهج لا تقع المخالفة بينها وبين أصول ظاهر الشّريعة الغرّاء بوجه من الوجوه مبرّأة ومنزّهة عن نقص الإيجاب وشائبة الجبر وفي الظّهور كالقمر ليلة البدر، والعجب ما وجه إخفائها مع عدم مخالفتها أصول الشّريعة فلو كانت فيها شائبة المخالفة لكان للسّتر والإخفاء شيء من المناسبة: لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ (٢)، (شعر)

ومن الّذي في فعله يتكلّم ... دون الرّضا يا صاح والتّسليم

وتفاض العلوم والمعارف مثل فيضان المطر من سحاب الرّبيع بحيث تعجز القوّة المدركة عن تحمّلها وإطلاق القوّة المدركة مجرّد تعبير وإلّا فلا يحمل عطايا الملك إلّا مطاياه وقد كان في الأوائل شوق قيد هذه العلوم الغريبة بالكتابة ولكنّي لم أوفّق لذلك وكان لي تحرّج وثقل من هذه الجهة فسلّيت آخر الأمر بأنّ المقصود من إفاضة هذه العلوم حصول الملكة لا حفظها كما أنّ طلبة العلوم يحصّلون العلوم لينالوا ملكة المولويّة لا أنّهم يحصّلونها لأجل حفظ أصول الصّرف والنّحو وغيرهما ولنعرض بعض العلوم المذكورة قال الله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٣) أوّل هذا الكلام إثبات التّنزيه المحض كما هو الظّاهر وقوله سبحانه وتعالى وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٤) متمّم ومكمّل للتّنزيه.

وبيانه أنّ ثبوت السّمع والبصر للمخلوق لمّا كان موهما لثبوت المماثلة ولو في الجملة نفى الله سبحانه عنهم السّمع والبصر لدفع هذا الوهم يعني أنّ السّميع والبصير هو تعالى ليس إلّا والسّمع والبصر الموجودتان في المخلوقات ليس لهما مدخل في السّماع والرّؤية فكما أنّ الحقّ سبحانه خلق السّمع والبصر كذلك يخلق السّماع والرّؤية بعد خلق هاتين الصّفتين بطريق جري العادة من غير تأثير لصفاتهم ولو قلنا بالتّأثير فالتّأثير فيها أيضا مخلوق فكما أنّ ذواتهم جماد محض كذلك صفاتهم أيضا جماد محض مثلا إذا خلق القادر بمحض قدرته كلاما في الحجر لا يقال إنّ الحجر متكلّم في الحقيقة وإنّ له صفة الكلام وفي هذه الصّورة كما أنّ الحجر جماد كذلك هذه الصّفة لو فرض أنّها موجودة فيه أيضا جماد لا مدخل له أصلا في ظهور الحرف والصّوت

وجميع الصّفات من هذا القبيل. غاية ما في الباب أنّ هاتين الصّفتين لمّا كانت أظهر من غيرهما خصّهما الله تعالى بنفيهما ويكون لزوم نفي البواقي منها بالطّريق الأولى. وخلق الله سبحانه يعني في

__________

(١) الآية: ٦٧ من سورة يوسف.

(٢) الآية: ٢٣ من سورة الأنبياء.

(٣) الآية: ١١ من سورة الشورى.

(٤) الآية: ١١ من سورة الشورى.

المخلوق أوّلا صفة العلم ثمّ خلق توجّهه نحو المعلوم ثمّ خلق تعلّقها به ثمّ جعل ذلك المعلوم منكشفا له ثمّ خلق الإنكشاف فيه بعد خلق صفة العلم بمجرّد جري العادة فعلم أن لا مدخل للعلم في الإنكشاف وكذلك خلق فيه أوّلا صفة السّمع ثمّ خلق الإصغاء والتّوجّه إلى المسموع ثمّ خلق السّماع ثمّ خلق إدراك المسموع وكذلك خلق فيه البصر أوّلا ثمّ تقليب الحدقة والتّوجّه نحو المرئيّ ثمّ الرّؤية ثمّ إدراك المرئيّ وعلى هذا القياس سائر الصّفات والسّميع والبصير إنّما هو من يكون مبدأ سماعه ورؤيته هاتين الصّفتين، ومن ليس كذلك فليس بسميع ولا بصير. فتحقّق أنّ صفات المخلوقين جمادات كذواتهم. فالمقصود من آخر الكلام نفي الصّفات عنهم رأسا لا أنّ لهم صفات. وتلك الصّفات ثابتة له سبحانه حتّى يكون جمعا بين التّنزيه والتّشبيه بل تمام الآية الكريمة لإثبات التّنزيه ونفي المماثلة رأسا.

والعلم الأوّل، أعني إثبات صفات هؤلاء للحقّ سبحانه واعتقاد ذواتهم جمادا محضا وزعمها في ظهور هذه الصّفات منهم مثل الدّنّ والكوز في ظهور الماء منهما من العلوم المناسبة لمقام الولاية. والعلم الثّاني، أعني وجدان صفات هؤلاء مثل الجمادات واعتقاداتهم لا شعور لهم كالأموات كما قال الله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (١) من العلوم المناسبة لمقام الشّهادة. ومن هنا أيضا يعلم التّفاوت بين هذين المقامين. القليل يدلّ على الكثير والقطرة تنبئ عن الغدير (ع) وعام الرّخص يعلم من ربيع *

وكذلك يجد أرباب هذا المقام العالي أفعال المخلوقات كالميّت والجماد لا أنّهم ينسبون أفعالهم إلى الحقّ سبحانه ويقولون إنّ فاعل هذه الأفعال هو الله تعالى عن ذلك علوّا كبيرا مثلا إذا حرّك شخص حجرا لا يقال إنّ هذا الشّخص متحرّك بل هو موجد للحركة في الحجر والمتحرّك إنّما هو الحجر وكما أنّ الحجر جماد محض كذلك حركته جماد صرف فإن هلك بتلك الحركة فرضا شخص لا يقال إنّه قتله حجر بل يقال قتله ذلك الشّخص الّذي حرّك الحجر. وقول علماء الشّريعة شكر الله تعالى سعيهم، موافق لهذا العلم فإنّهم يقولون: إنّ مفعول المخلوقات مصنوع الحقّ سبحانه مع وجود صدور الأفعال عنهم بالإرادة والإختيار ولا مدخل لإفعالهم في مصنوعيّته وأفعالهم عبارة عن حركات شتّى من غير أن يكون لها تأثير في مجعوليّة المعمول (فان قيل) فعلى هذا يكون جعل افعالهم مناطا للثّواب والعقاب غير معقول ويكون كتكليف حجر بامر وترتيب ذمّ ومدح على فعله (قلت) فرّق بين الحجر والمكلّفين فانّ مناط التّكليف القدرة والارادة والحجر لا قدرة فيه ولا ارادة بخلاف المكلّفين فانّ فيهم ارادة ولكن لمّا كانت ارادتهم أيضا مخلوقة للحقّ سبحانه من غير تأثير لها في حصول المراد، كانت تلك الإرادة أيضا كالميّت وفائدتها إنّما هي كون المراد مخلوقا بعد تحقّقها بطريق جري العادة. ولو قيل إنّ قدرة المخلوق مؤثّرة ولو في الجملة كما ذهب إليه علماء ما وراء النّهر. فذلك التّأثير أيضا مخلوق فيها كما هي مخلوقة

__________

(١) الآية: ٣٠ من سورة الزمر.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!