موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(75) المكتوب الخامس والسبعون إلى هذا الفقير محمد هاشم الكشمي في بيان تجلي أفعاله وتجلي صفاته وتجلي ذاته سبحانه وتعالى وهذا المكتوب كأنه تتمة للمكتوب السابق

 

 


الموجود في الخارج هو التّنزيه الصّرف فلا يكون أحدهما محدّدا ومقيّدا للآخر على قياس الوجود والعدم الخارجيّين فإنّ العدم غير محدّد للوجود ولا العكس فإنّ الوجود على إطلاقه مع العدم إطلاقه مع الوجود غير مقيّد أحدهما بالآخر ولو كان العدم محدّدا للوجود لكان ينبغي أن يحكم بأنّ الكمال في الجمع بين الوجود والعدم ويكون أحدهما عين الآخر وهو سفسطة ظاهرة فلا يكون القول بالتّنزيه الصّرف تحديدا له تعالى ولا يكون الجمع كمالا بل نقصا والحاقا للنّاقص بالكامل ومعلوم أنّ المركّب من النّاقص والكامل ناقص بقي الصّور المسمّاة بالأعيان الثابتة عنده ثابتة في العلم وهي أيضا لا تستلزم تحديد الموجود الخارجيّ حتّى يحكم بالاتّحاد والعينيّة بينها وبينه وإنّما يحدّد الموجود الخارجيّ الموجود الخارجيّ مثله وأمّا الموجود العلميّ فلا يحدّد الموجود الخارجيّ ولا يزاحمه لتباين المرتبتين الا ترى أنّ تصوّر شريك الباري وثبوته في العلم ليحكم عليه بالاستحالة لا يزاحم الباري تعالى الموجود في الخارج ولا يحدّده ولا يقيّده أصلا حتّى يتمحّل في دفعه تمحّلا غير واقع بأنّ أحدهما عين الآخر هذا ولنرجع إلى كلام الشّيخ في التّجلّي الذّاتيّ وما يناسبه فنقول: ذكر الشّيخ بعد ذكر هذا التّجلّي ما حاصله أنّ هذا التّجلّي نهاية التّجلّيات وغاية العروجات وما بعد هذا إلّا العدم المحض فلا تطمع ولا تتعب نفسك بتحصيل العروج فوقه والوصول وراءه فلا مقام أعلى من هذه الدرجة في التّجلّي الذّاتيّ.

(٧٥) المكتوب الخامس والسّبعون إلى هذا الفقير محمّد هاشم الكشميّ في بيان تجلّي أفعاله وتجلّي صفاته وتجلّي ذاته سبحانه وتعالى وهذا المكتوب كأنّه تتمّة للمكتوب السّابق

ليعلم أخي الخواجه محمّد هاشم الكشميّ أن تجلّي الافعال عبارة عن ظهور فعل الحقّ سبحانه للسّالك على نهج يرى أفعال العباد ظلال ذلك الفعل ويجد ذلك الفعل أصل تلك الافعال ويعتقد قيام تلك الافعال بذلك الفعل الواحد وكمال هذا التّجلّي هو أن تختفي تلك الظّلال عن نظره بالتّمام وتكون ملحقة بأصلها وتجد فاعل تلك الافعال بلا حسّ ولا حركة كالجماد وما قاله أرباب التّوحيد الوجوديّ بالعينيّة وقالوا الكلّ هو إنّما هو في ذلك الموطن حيث رأوا هذه الافعال المتكثّرة الصّادرة من العباد فعل فاعل واحد جلّ شأنه وهناك اختفاء انتساب الافعال إلى فعلتها وحدوث الانتساب فيها إلى فاعل واحد لا اختفاء نفس الافعال والحاقها بأصلها شتّان ما بينهما وإن كاد أن يخفى على البعض وتجلّي الصّفات عبارة عن ظهور صفات الحقّ سبحانه للسّالك على نهج يرى صفات العباد ظلال صفات الواجب جلّ سلطانه وأن يجد قيامها بأصولها فيجد علم الممكن مثلا ظلّ علم الواجب وقائما به وكذلك يجد قدرته ظلّ

قدرته تعالى وقائمة بها وكمال هذا التّجلّي هو أن تختفي تلك الصّفات الظّلاليّة عن نظر السّالك بالتّمام وتكون ملحقة بأصولها ويجد نفسه الذى كان موصوفا بهذا الصّفات خاليا عنها كالجماد بلا حياة ولا علم ولا يجد في نفسه أثرا من الوجود وكمالاته وتوابعه حتّى لا يكون هناك ذكر ولا توجّه ولا حضور ولا شهود فلو كان بعد اللّحوق بالاصل توجّه فهو متوجّه من نفسه إلى نفسه وان حضور فحاضر بنفسه مع نفسه ونصيب السّالك من هذا المقام حصول حقيقة الفناء والاضمحلال وانتفاء انتساب الكمالات الّتي كان ينسبها إلى نفسه بزعمه وأداء الامانة الّتي كان يظنّ تهمة وكذبا أنّها من نفسه إلى أهل الامانة وزوال مورد كلمة أنا أيضا على حدّ لو تشرّف بالبقاء لا يكون موردا لأنا ولا يقدر أن يعبّر عن نفسه بأنا وإن وجد نفسه عين أصله لا يتيسّر له مجال إطلاق أنا على ذلك الاصل ولا يقدر أن يقول إنّه عين الاصل فإنّ الانانيّة قد زالت عنه وقول “ أنا الحقّ ” إنّما هو لعدم حصول هذه النّسبة وإجراء “ سبحاني ” على اللّسان لعدم الوصول إلى هذه الدولة ولكن ينبغي حمل صدور أمثال هذه الالفاظ عن الاكابر على توسّط أحوالهم واعتقاد كمالهم وراء هذا القيل والقال والفناء الذى هو حقيقة الانمحاء والاضمحلال وإن كانت منتهى تجلّي الصّفات ولكنّ حصوله من أشعّة تجلّي الذّات وما لم تتجلّ الذّات لا تتيسّر دولة الفناء بل لا يتمّ تجلّي الصّفات أيضا ما لم تجد لم تتخلّص ومن تجلّي الذّات تزول بقيّة العارف الّتي ترى له كالجماد وتلك البقيّة هي العدم الذى هو أصل جميع الممكن وقد حصل له من انعكاس صفات حضرة الوجوب تعالى وتقدّست فيه امتياز وتشخّص وكان بهذه المرآتيّة ممتازا من أعدام أخر ولمّا صارت تلك الظّلال المنعكسة ملحقة بأصولها لم يبق بين تلك الاعدام ما به الامتياز وصار هذا العدم الخاصّ أيضا ملحقا بالعدم المطلق فحينئذ لم يبق من العارف اسم ولا رسم لا تبقى ولا تذر كما أنّ الوجود وتوابع الوجود ودعه وراح كذلك هذا العدم فارقه أيضا ولحق بأصله واستراح (ينبغي) أن يعلم أنّ امتياز هذا العدم من أعدام أخر الذى حصل بواسطة حصول ظلال الصّفات فيه كان باعتبار التّوهّم وفي الحقيقة لم يكن فيه ظلّ أصلا مثل مرايا أخر فإنّ حصول الصّور فيها باعتبار التّوهّم فإذا كان حصول الظّلال فيها باعتبار التّوهّم يكون امتيازه أيضا وهميّا فكما أنّ وجود الممكن باعتبار التّوهّم يكون عدمه أيضا باعتبار التّوهّم فما أعطي في خارج دائرة الوهم موضع قدم فإنّ الوجود والعدم في الحقيقة على صرافة إطلاقهما ما لذاك عرض تنزّل ولا لهذا حصل ترقّ ومن كمال اقتدار الصّانع تعالى خلق العالم في مرتبة الوهم من ذاك وهذا وأتقنه وجعل المعاملة الابديّة والمجازاة السّرمديّة منوطة به وما ذلِكَ عَلَى الله بِعَزِيزٍ (١) وما قلت فيما سبق انّ حصول دولة الفناء من أشعّة تجلّي الذّات يعني أنّ حصول نفس تجلّي الذّات بعد حصول دولة الفناء ما لم تتخلّص لم تجد والفرق بين أشعّة التّجلّي ونفس التّجلّي كالفرق بين إسفار الصّبح وطلوع الشّمس فإنّ في وقت الإسفار ظهور أشعّة تجلّي الشّمس وبعد الطّلوع نفس تجلّي الشّمس وربّما لا

__________

(١) الآية: ٢٠: من سورة إبراهيم.

يشرّف البعض بنفس التّجلّي مع ظهور أشعّة التّجلّي ولا يوصّل به إلى تلك الدولة القصوى بواسطة عروض بعض العوارض كما يدرك الإسفار ولا يدرك الطّلوع بعروض علّة سماويّة أو أرضيّة وأيضا لا حاجة في شهود الإسفار إلى كمال قوّة الباصرة وشهود الشّمس هو الذى يستدعي كمال قوّة الباصرة وحدّة النّظر ا لا ترى أنّ الخفّاش قادر على إدراك الاسفار وعاجز عن إبصار الشّمس في النّهار وإبصار الشّمس يستدعي أن يحصل له بصر آخر وربّما يكون في السّالك استعداد اشعّة التجلّى ولا يكون فيه استعداد نفس التّجلّى والخفّاش فيه استعداد مشاهدة أشعّة تجلّي الشّمس وليس فيه استعداد نفس تجلّي الشّمس ها أنا أقول كلاما عاليا لعلّه يكون نافعا وبعد انصرام تجلّي الصّفات وبعد حصول فناء الصّفات والذّات يستقبل العارف تجلّ كانّه دهليز تجلّي الذّات وكانّه برزخ بين تجلّي الصّفات وتجلّي الذّات والذي يترقّى من هذا التّجلّي له نصيب من تجلّي الذّات بقدر استعداده وهذا التّجلّي البرزخيّ بزعم هذا الفقير أصل لذاك التّجلّي الذّاتيّ الذى قال الشّيخ ابن العربيّ قدّس سرّه في حقّه هذه العبارة والتّجلّي من الذّات لا يكون إلّا بصورة المتجلّى له فالمتجلّى له ما رأى سوى صورته في مرآة الحقّ وما رأى الحقّ ولا يمكن أن يراه وقال لهذا التّجلّي منتهى التّجلّيات ولم يقل بمقام فوقه وقال وما بعد هذا التّجلّي إلّا العدم المحض فلا تطمع ولا تتعب في تحصيل العروج والتّرقّي فوقه فلا مقام اعلى من هذه الدرجة في التّجلّي الذّاتيّ والعجب أنّ الوصول إلى المطلوب الحقيقيّ فيما وراء هذا التّجلّي والشّيخ يخوّف ويحذّر عنه بقوله تعالى “ ويحذّركم الله نفسه ” ويهدّد فلو لم نطمع نحن المهجورون المتحيّرون فيه ولم نتعب لحصوله ماذا كنّا فعلناه غير التّسلّي من الجوهر النّفيس بقطعات الخزف. غاية ما في الباب أنّ النّصيب من كلّ مرتبة مناسب لتلك المرتبة فالنّصيب الميسّر من اللّاكيفيّ يكون لا كيفيّا لا سبيل للكيف إلى اللّاكيفيّ فالمعرفة الّتي تتعلّق بتلك المرتبة ليست كمعرفة تتعلّق بالكيفيّ فإنّه لا مجال لهذه المعرفة هناك العلم في ذات الله سبحانه جهل أي ليس علما من جنس العلم المتعلّق بعلم الممكن فإنّه من مقولة الكيف ولا كيف ثمّة والمنع من التّفكّر في ذات الله سبحانه إنّما هو بواسطة أنّه تعالى وراء التّفكّر والتّخيّل ووجد أنّه تعالى إنّما يمكن به سبحانه لا بالفكر والخيال رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَدًا (١) وكان ينبغي للشّيخ قدّس سرّه أن يقول وما بعد هذا التّجلّي إلّا الوجود الصّرف والنّور المحض وإنّما قال وما بعد هذا التّجلّي الّا العدم باعتبار أنّ العالم ظلّ الصّفات والتّفوّق والتّرقّي من الصّفات اجتهاد وسعي في إعدام نفسه وليس كذلك فإنّ العارف إذا لم يترقّ من الصّفة الّتي هي أصله ولم يتفوّق الشّئون والاعتبارات الذّاتيّة ماذا يكون فعله ولاىّ شيء يكون مجيئه والفناء والبقاء اللّذان تيسّرا له في كلّ مرتبة جرّاه للتّجاوز إلى ما فوق أصله فتجاوز ببقاء الاصل عن الاصل ووصل إلى أصل الاصل. (شعر)

يحرق بالنّار من يمسّ بها ... ومن هو النّار كيف يحترق

__________

(١) الآية: ١٠ من سورة الكهف.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!