موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(77) المكتوب السابع والسبعون إلى حضرة المخدوم زاده الخواجه محمد سعيد في أسرار حقيقة القرآن المجيد مع بيان دقائق العجز والمعرفة وحقيقة الصلاة والكلمة الطيبة

 

 


من أن تكون فيه شائبة الإمكان فيكون ممكنا ومن جنس الجوهر والعرض بل هو مرتبة لا يمكن إطلاق شيء عليها غير النّور وإن كان ذلك الغير وجوب الوجود فإنّ الوجوب دونه (تنبيه) لا يتوهّم أحد من هذا البيان أنّ خرق جميع الحجب عن الذّات تعالت قد تحقّق في حقّ هذا العارف لكون هذا النّور آخر الحجب على ما مرّ وهو ممتنع لحديث نقلوه: «إنّ لله سبعين الف حجاب من نور وظلمة لو كشفت لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " لانّ ثمّة تحقّق وبقاء بالحجب الّتي كلّ منها معدّ للآخر لا خرق الحجب شتّان ما بينهما رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَدًا (١)، والسّلام على من اتّبع الهدى (٢)

(٧٧) المكتوب السّابع والسّبعون إلى حضرة المخدوم زاده الخواجه محمّد سعيد في أسرار حقيقة القرآن المجيد مع بيان دقائق العجز والمعرفة وحقيقة الصّلاة والكلمة الطّيّبة

الْحَمْدُ لله الَّذِي هَدانا لِهذا وما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا الله * لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ (٣) وبعد مرتبة النّور الصّرف الّتي وجدها الفقير حقيقة الكعبة الرّبّانيّة وبينها مرتبة عالية جدّا وهي حقيقة القرآن المجيد السّبحانيّ والكعبة المعظّمة إنّما صارت قبلة الآفاق وتشرّفت بدولة المسجوديّة للكلّ بحكم القرآن المجيد الإمام قرآن والمأموم الاوّل كعبة معظّمة وهذه المرتبة المقدّسة مبدأ لوسعة حضرة الذّات اللّاكيفيّة وأيضا إنّ مبدأ امتياز تلك الحضرة اللّاكيفيّ واللّامثليّ هو هذه الدرجة العليا والوسعة في تلك الدرجة المقدّسة ليست هي بحسب الطّول والعرض فإنّ ذلك من سمات النّقص والإمكان بل هي أمر من لم يتحقّق به لا يدر به وكذلك الامتياز في تلك المرتبة المقدّسة ليس هو بالمزايلة والمباينة فإنّ ذلك مستلزم للتّبعّض والتّجزّي اللّذين من لوازم الجسم والجسمانيّ تعالى الله سبحانه عن ذلك ولا يتصوّر في ذلك الموطن فرض شيء غير شيء فإنّ الغيريّة تنبئ عن الاثنينيّة بل لا مجال فيه للفرض لكونه من قبيل فرض المحال؛ من لم يذق لم يدر. (شعر)

وما أبديك من طيري علامه ... وأضحى مثل عنقاء وهامه

وللعنقاء بين النّاس اسم ... ولم يك لاسم طيري استدامه

__________

(١) الآية: ١٠ من سورة الكهف.

(٢) الآية: ٤٨ من سورة طه.

(٣) الآية: ٤٣ من سورة الأعراف.

وكلّ شيء يفرض في ذلك الموطن وإن كان فرض المحال ويتعمّق النّظر في ذلك الشّيء لا يظهر فيه أمر له اختصاص بذلك الشّيء المحقّق ولا يوجد في شيء آخر مفروض ومع ذلك يكون الامتياز بين ذينك الشّيئين المفروضين كائنا وبائنا وتكون أحكام كلّ منهما متميّزة عن أحكام الآخر فسبحان من لم يجعل للخلق إليه سبيلا إلّا بالعجز عن معرفته والعجز عن المعرفة نصيب الاكابر الأولياء وعدم المعرفة غير العجز عن المعرفة مثلا الحكم بعدم الامتياز في ذلك الموطن المقدّس ووجدان كلّ كمال ذاتيّ عين الآخر كما قالوا إنّ العلم عين القدرة والقدرة عين الإرادة عدم المعرفة بامتياز ذلك الموطن والحكم بالامتياز في ذلك الموطن والاعتراف بعدم وجدان كنه ذلك الامتياز عجز عن معرفة امتياز ذلك الموطن وعدم المعرفة جهل والعجز عن المعرفة علم بل العجز متضمّن للعلمين علم الشّيء والعلم بعدم وجدان كنه ذلك الشّيء من غاية عظمة ذلك الشّيء وكبريائه فلو أدرجنا فيه علما ثالثا أيضا لساغ وهو علم الإنسان بعجزه وقصوره الذى هو مؤيّد لمقام عبديّته وعبوديّته وفي عدم المعرفة الّتي هو الجهل ربّما يكون ذلك الجهل مركّبا إذا لم يعرف جهل نفسه أنّه جهل بل زعم أنّه علم وفي العجز عن المعرفة نجاة تامّة من هذا المرض بل لا مجال فيه لهذا المرض لكونه معترفا بعجزه فلو كان عدم المعرفة والعجز عن المعرفة متساويين لكان الجهلاء كلّهم عرفاء وكان جهلهم واسطة لكمالهم بل هناك كلّ من كان أجهل يكون أعرف فإنّ المعرفة هناك في عدم وجدان المعروف وفي العجز عن المعرفة هذه المقدّمة صادقة فإنّ كلّ من يكون أعجز عن المعرفة يكون أعرف بالمعارف والعجز عن المعرفة مدح يشبه الذّمّ وعدم المعرفة ذمّ صرف ليست فيه رائحة المدح ربّ زدني علما بكمال العجز عن معرفتك سبحانك فلو لاحظ الشّيخ محيي الدين بن العربيّ قدّس سرّه هذا الفرق الذى اهتدى إليه هذا الفقير لما ذكر العجز عن المعرفة بالجهل أصلا ولما عدّه من عدم العلم قطعا حيث قال منّا من علم ومنّا من جهل فقال العجز عن درك الإدراك إدراك وبعد ذلك بيّن علوم الشّقّ الاوّل وباهى بها واعتقدها من نفسه وقال خاتم الانبياء يأخذ هذه العلوم من خاتم الولاية وعنى بخاتم الولاية المحمّديّة نفسه فصار من هذه الجهة موردا لمطاعن الخلائق وشرّاح النّصوص صرفوا في توجيهات هذا الكلام هممهم وعند الفقير يمكن أن يقال إنّ هذا الكلام في الحقيقة ادون من ذلك العجز بل لا مناسبة لديه لكونه مربوطا بالظّلال والعجز في موطن الاصل سبحان الله إنّ قائل هذا القول هو الصّدّيق رضي الله عنه كما قالوا وهو رأس العرفاء ورئيس الصّدّيقين فأيّ علم يسبق ذلك العجز؟ وأيّ قادر يكون أسبق قدما من ذاك العاجز؟ نعم إذا قال في حقّ أستاذ الصّدّيق يعني النّبيّ عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام ما قال كيف لا يقول ذلك في حقّ الصّدّيق؟! والعجب أنّ الشّيخ بهذا القيل والقال وبهذا الشّطح من المقال يظهر في النّظر من المقبولين ويشاهد في عداد الأولياء المكرّمين

(ع) لا عسر في أمر مع الكرام

نعم ربّما يحصل التّأذّي من الدعاء وربّما يحصل السّرور والابتهاج من الشّتم والإيذاء والذين يردّون الشّيخ في خطر والذين يقبلونه ويقبلون كلامه

أيضا في خطر ينبغي أن يقبل الشّيخ وينبغي أن لا يقبل كلماته المخالفة هذا هو الطّريق الوسط في قبول الشّيخ وعدم قبوله الذى هو اختيار هذا الفقير والله سبحانه أعلم بحقيقة الحال (ولنرجع) إلى أصل الكلام فنقول: إنّ هذه المرتبة المقدّسة الّتي قلنا إنّها حقيقة القرآن لا مجال فيها لإطلاق النّور أيضا وبقي النّور في الطّريق كسائر الكمالات الذّاتيّة لا يوجد هناك شيء أصلا غير الوسعة اللّاكيفيّة والامتياز اللّامثليّ فلو كان المراد من قوله تعالى قَدْ جاءَكُمْ مِنَ الله نُورٌ (١) القرآن يمكن أنّ ذلك باعتبار الإنزال والتّنزيل كما يومئ إليه كلمة جاءكم وفوق هذه المرتبة المقدّسة مرتبة عالية جدّا وهي حقيقة الصّلاة الّتي صورتها قائمة في عالم الشّهادة بالمصلّين من أرباب النّهاية ولعلّ فيما ورد في قصّة المعراج في قوله صلّى الله عليه وسلّم حكاية “ قف يا محمّد إنّ الله يصلّي ” إيماء إلى حقيقة الصّلاة هذه نعم إنّ العبادة الّتي تكون لائقة بمرتبة التّنزّه والتّجرّد لعلّها تكون صادرة عن مراتب الوجوب وتظهر من أطوار القدم فالعبادة اللّائقة بجناب قدسه تعالى هي الصّادرة من مراتب الوجوب لا غير فهو العابد والمعبود وفي هذه المرتبة المقدّسة كمال الوسعة اللّاكيفيّة والامتياز اللّامثليّ فإنّ حقيقة الكعبة وحقيقة القرآن جزآها والصّلاة هي جامعة لجميع كمالات مراتب العبادات وكائنة على نسبة أصل الاصل فإنّ المعبوديّة الصّرفة متحقّقة فيها وحقيقة الصّلاة الّتي هي جامعة لجميع العبادات عبادة في هذه المرتبة للمرتبة المقدّسة الّتي فوقها واستحقاق المعبوديّة الصّرفة ثابت لها فإنّها أصل الكلّ وملاذ الجميع وتقصر الوسعة أيضا دون هذا الموطن ويبقى الامتياز في الطّريق وإن كان لا كيفيّا ولا مثليّا ومنتهى أقدام الكمّل من الانبياء وأكابر الأولياء عليهم الصّلوات والتّسليمات أوّلا وآخرا إلى نهاية مقام حقيقة الصّلاة الّتي هي نهاية عبادة العباد وفوق ذلك المقام مقام المعبوديّة الصّرفة الّتي لا شركة فيها لأحد بوجه من الوجوه حتّى يضع قدمه إلى فوق وكلّ مقام فيه شوب عبادة وعابد فيه مجال للقدم كالنّظر وإذا وقعت المعاملة إلى المعبوديّة الصّرفة يقصر القدم ويتمّ السّير ولكن بحمد الله سبحانه لم يمنع من النّظر فيها بل له فيها مجال بقدر الاستعداد (ع) لو لم يكن هذا لكان بلاء * يمكن أن يكون في أمر قف يا محمّد إشارة إلى قصور القدم هذا يعني: قف يا محمّد ولا تضع قدمك فوق ذلك فإنّه لا مجال للقدم فوق مرتبة الصّلاة الّتي هي صادرة عن مرتبة الوجوب ومرتبة تجرّد حضرة الذّات وتنزّهها تعالت وتقدّست وحقيقة الكلمة الطّيّبة لا إله إلّا الله تتحقّق في ذلك المقام ونفي عبادة الآلهة الغير المستحقّة للعبادة يتصوّر في ذلك الموطن وإثبات المعبود الحقيقيّ الذى لا مستحقّ للعبادة غيره يحصل في ذلك المقام وكمال الامتياز بين العابديّة والمعبوديّة يظهر ههنا ويمتاز فيه العابد من المعبود كما ينبغي أن يمتاز ويعلم أنّ معنى لا إله إلّا الله بالنّسبة إلى حال المنتهين لا معبود إلّا الله كما تقرّر في الشّرع أنّه معنى هذه الكلمة وملاحظة لا مقصود ولا موجود بالنّسبة إلى الابتداء والوسط ولا مقصود فوق لا موجود فإنّه روزنة لا معبود إلّا الله (ينبغي) أن يعلم أنّ التّرقّي في

__________

(١) الآية ١٥: من سورة المائدة.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!