موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(22) المكتوب الثاني والعشرون أرسل إلى الشيخ عبد المجيد بن الشيخ محمد المفتي اللاهورى في بيان وجه التعلق بين الروح والنفس وبيان عروجهما ونزولهما وبيان الفناء الجسدي والروحي وبقائهما وبيان مقام الدعوة والفرق بين المستهلكين من الأولياء وال

 

 


جميع الحجب الوجوديّة والإعتباريّة علما وعينا يتحقّق في هذا المقام فحينئذ يحصل الوصل عريانا ويتحقّق الوجد حقيقة لا حسبانا. وللكمّل من متابعيه عليه الصّلاة والتّحيّة نصيب كامل وحظّ وافر من هذا المقام العزيز وجوده. فعليكم باتّباعه صلّى الله عليه وسلّم إن كنتم متوجّهين إلى تحصيل هذه الولاية القصوى وتكميل هذه الدّرجة العليا وهذا التّجلّي الذّاتيّ برقيّ عند أكثر المشايخ رحمهم الله تعالى يعني أنّ خرق الحجب عن حضرة الذّات جلّ سلطانه يكون في زمان يسير كالبرق ثمّ تسدل حجب الأسماء والصّفات ويستر سطوات أنوار الذّات تعالى فيكون الحضور الذّاتيّ لمحة كالبرق، والغيبة الذّاتيّة كثيرة جدّا. وعند أكابر المشايخ النّقشبنديّة قدّس الله أسرارهم هذا الحضور الذّاتيّ دائميّ. ولا عبرة عندهم للحضور الزّائل المتبدّل بالغيبة فيكون كمال هؤلاء الأكابر فوق جميع الكمالات ونسبتهم فوق جميع النّسب كما وقع في عباراتهم: «إنّ نسبتنا فوق جميع النّسب " وأرادوا بالنّسبة الحضور الذّاتيّ الدّائميّ.

وأعجب من ذلك أنّ النّهاية في طريقة هؤلاء الكمّل مندرجة في البداية واقتداؤهم في ذلك بصحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبارك وكرّم فإنّهم في أوّل صحبة النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام نالوا ما يتيسّر في النّهاية وذلك باندراج النّهاية في البداية، فكما كانت ولاية محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فوق ولايات جميع الأنبياء والرّسل عليهم الصّلوات والتّسليمات كذلك كانت ولاية هؤلاء الأكابر فوق جميع ولايات الأولياء قدّس الله تعالى أسرارهم كيف وإنّ ولايتهم منسوبة إلى الصّدّيق الأكبر نعم لأفراد من كمّل المشائخ قد حصلت هذه النّسبة لكن باقتباس من الصّدّيق الأكبر رضي الله تعالى عنه كما أخبر أبو سعيد عن دوام هذا الحديث وقد وصلت جبّة الصّديق الأكبر رضي الله عنه إلى هذا الشّيخ أبي سعيد كما نقل صاحب النّفحات. والغرض من إظهار بعض كمالات هذه الطّريقة العليّة النّقشبنديّة ترغيب الطّلّاب في هذه الطّريقة وإلّا فما لي ولشرح كمالاتها قال المولوىّ في المثنوىّ، (شعر):

لم يناسب شرحه للخلق بل ... حقّ أن يخفى كعشق في المثل

غير أنّي صفته كي يرغبوا ... فيه قبل الفوت كيلا يحزنوا

والسّلام عليكم وعلى سائر من اتّبع الهدى (١).

(٢٢) المكتوب الثّاني والعشرون أرسل إلى الشّيخ عبد المجيد بن الشّيخ محمّد المفتي اللّاهورىّ في بيان وجه التّعلّق بين الرّوح والنّفس وبيان عروجهما ونزولهما وبيان الفناء الجسديّ والرّوحيّ وبقائهما وبيان مقام الدّعوة والفرق بين المستهلكين من الأولياء والرّاجعين إلى الدّعوة

__________

(١) الآية: ٤٧ من سورة طه.

سبحان من جمع بين النّور والظّلمة وقرن اللّامكانيّ المتبرّي عن الجهة مع المكانيّ الحاصل في الجهة فحبّبت الظّلمة إلى النّور فعشق بها وامتزج معها بكمال المحبّة ليزداد بهذا التّعلّق جلاؤه ويكمل بمجاورة الظّلمة صفاؤه كالمرآة إذا أريد صقالتها وقصد ظهور لطافتها ترّبت أوّلا ليظهر بمجاورة الظّلمة التّرابيّة صفاؤها ويزداد بتعلّق الكثافة الطّينيّة بهاؤها فنسي ذلك النّور ما حصل له أوّلا من شهوده القدسيّ بل جهل نفسه وتوابعه الوجوديّة لإستغراقه في شهود معشوقه الظّلمانيّ وتعلّقه بالهيكل الهيولانىّ فصار من أصحاب المشأمة في مصاحبته وضاع من كرامات الميمنة في مجاورته فإن بقي في مضيق هذا الإستغراق ولم يتخلّص إلى فضاء الإطلاق فالويل له كلّ الويل لما لم يتيسّر له ما هو المقصود منه وضاع جوهر استعداده فضلّ ضلالا بعيدا وإن سبقت له الحسنى وأدركته العناية القصوى رفع رأسه وتذكّر ما ضلّ عنه فرجع القهقرى قائلا (شعر):

إليك يا منيتي حجّي ومعتمري ... إن حجّ قوم على ترب وأحجار

وإن حصل له الإستغراق ثانيا في شهود المطلوب الأقدس على أحسن طرق وتيسّر له التّوجّه إلى الجناب المقدّس بأكمل وجوه تبعه الظّلمة ح واندرجت في غلبات أنواره، فإذا بلغ هذا الإستغراق إلى أن نسي المتعلّق الظّلمانيّ رأسا وجهل نفسه وتوابع وجوده كلّيّة فاستهلك في مشاهدة نور الأنوار، وحصل له حضور المطلوب وراء الأستار، شرّف بالفناء الجسديّ والرّوحيّ وإن حصل له البقاء بذلك المشهود أيضا بعد الفناء فيه فقد تمّت له جهتا الفناء والبقاء وصحّ ح إطلاق اسم الولاية عليه. فحينئذ لا يخلو حاله من أمرين: إمّا الإستغراق في المشهود بالكلّيّة والإستهلاك فيه على الدّوام. وإمّا الرّجوع إلى دعوة الخلق إلى الحقّ عزّ سلطانه بأن يصير باطنه مع الله سبحانه وظاهره مع الخلق فيتخلّص النّور حينئذ من الظّلمة المندرجة فيه المتوجّهة إلى المطلوب، ويصير بهذا التّخلّص من أصحاب اليمين، وهو وإن لم يكن له في الحقيقة يمين ولا شمال لكنّ اليمين أولى بحاله وأنسب لكماله، لجامعيّته الجهة الخيريّة مع اشتراكهما في اليمن والبركة كما وقع في شأنه عزّ شأنه كلتا يديه يمين (١) وتنزل تلك الظّلمة من ذلك النّور في مقام العبادة وأداء الطّاعة. ونعني بالنّور اللّامكانيّ الرّوح بل خلاصته وبالظّلمة المقيّدة بالجهة النّفس. وكذا المراد بالظّاهر والباطن (فإن قال قائل): إنّ للأولياء المستهلكين أيضا شعورا بالعالم وتوجّها إليه واختلاطا مع بني نوعهم فما معنى الإستهلاك والتّوجّه على الدّوام؟ وما الفرق بينهم وبين المرجوعين إلى العالم للدّعوة؟

(قلنا) إنّ الإستهلاك والتّوجّه بالكلّيّة عبارة عن توجّه الرّوح والنّفس معا بعد اندراج النّفس في أنوار الرّوح كما مرّت الإشارة إليه. والشّعور بالعالم ونحوه إنّما يكون بالحواسّ والقوى والجوارح الّتي هي

__________

(١) رواه مسلم عن عبد الله ابن عمرو والترمذي عن أبي هريرة بلفظ وكلتا يدى ربي يمين مباركة. (القزاني رحمة الله عليه)



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!