موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(23) المكتوب الثالث والعشرون أرسل إلى عبد الرحيم المشتهر بخان خانان في جواب كتابه في المنع عن أخذ الطريق من الناقص وبيان مضرته والمنع عن الألقاب الشبيهة بأهل الكفر

 

 


كالتّفاصيل للنّفس، فالمجمل الملخّص مستهلك في ضمن أنوار الرّوح في مطالعة المشهود وتفصيله باق على الشّعور السّابق من غير تطرّق فتور إليه، بخلاف المرجوع إلى العالم فإنّ نفسه بعد كونها مطمئنّة تخرج من تلك الأنوار للدّعوة وتحصل له المناسبة حينئذ مع العالم فتقع الدّعوة بتلك المناسبة في معرض الإجابة.

(وأمّا) بيان أنّ النّفس مجملة والحواسّ ونحوها تفاصيلها; فلأنّ النّفس لها تعلّق بالقلب الصّنوبريّ، وهو له تعلّق بالرّوح بتوسّط الحقيقة الجامعيّة القلبيّة والفيوض الواردة من الرّوح ترد إجمالا أوّلا عليها ثمّ بتوسّطها إلى سائر القوى والجوارح تفصيلا فخلاصتها موجودة في النّفس إجمالا فظهر الفرق بين الفريقين.

وممّا ينبغي أن يعلم: أنّ الطّائفة الأولى من أرباب السّكر، والثّانية من أرباب الصّحو. والشّرافة للأولى والفضيلة للأخرى. والمقام الأوّل مناسب للولاية والثّاني للنّبوّة. شرّفنا الله تعالى بكرامات الأولياء وثبّتنا على كمال متابعة الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه على نبيّنا وعليهم وعلى جميع إخوانه من الملائكة المقرّبين والعباد الصّالحين إلى يوم الدّين آمين. المحرّر الدّاعي وإن لم يحسن العربيّة لعجميّته لكن لمّا كان مكتوبهم الشّريف محرّرا بالكلمات العربيّة أملى القرطاس على نحو إملائهم والسّلام ختام الكلام.

(٢٣) المكتوب الثّالث والعشرون أرسل إلى عبد الرّحيم المشتهر بخان خانان (١) في جواب كتابه في المنع عن أخذ الطّريق من النّاقص وبيان مضرّته والمنع عن الألقاب الشّبيهة بأهل الكفر

نجّانا الله سبحانه وإيّاكم عن المقال * الخالي عن الحال * والعلم المعرّى عن الأعمال * بحرمة سيّد البشر * المبعوث إلى الأسود والأحمر * عليه وعلى آله من الصّلوات أفضلها ومن التّسليمات أكملها * ويرحم الله عبدا قال آمينا * بلّغ رسالتكم الأخ الصّالح الصّادق تبليغا * وحكى عن جنابكم بلسان التّرجمان ما حكى * فأنشدت (شعر)

أهلا لسعدي والرّسول وحبّذا ... وجه الرّسول لحبّ وجه المرسل

(اعلم) أيّها الأخ القابل لظهور الكمالات أظهر الله سبحانه فعلكم من القوّة: انّ الدّنيا مزرعة الآخرة فويل لمن لم يزرع فيها وعطّل أرض الإستعداد وأضاع بذر الأعمال. وممّا ينبغي أن يعلم: أنّ إضاعة الأرض وتعطيلها إمّا بأن لا يزرع فيها شيئا، أو أن يلقي فيها بذرا خبيثا فاسدا وهذا القسم من

__________

(١) تراجع ترجمة الشيخ حبيب الله جان جانان في الأنوار القدسية ص ٢٠٢.

الإضاعة أشدّ مضرّة وأكثر فسادا من القسم الأوّل، كما لا يخفى وخبث البذر وفساده بأن يأخذ الطّريق من السّالك النّاقص ويسلك مسلكه لأنّ النّاقص صاحب هوى متّبع وما يشوب بالهوى لا يؤثّر وإن أثّر أعان على الهوى، فيحصل ظلمة على ظلمة لأنّ النّاقص لا يميّز بين الطّرق الموصّلة إلى الله سبحانه وبين الطّرق الّتي لا توصّل إليه سبحانه إذ هو غير واصل قطّ، وكذا لا يميّز بين الإستعدادات المختلفة للطّلبة وإذا لم يميّز طرق الجذبة عن طرق السّلوك فربّما يكون استعداد الطّالب مناسبا لطريق الجذبة غير مناسب لطريق السّلوك ابتداء والنّاقص لعدم تمييزه بين الطّرق وبين الإستعدادات المختلفة يسلكه طريق السّلوك ابتداء فأضلّ عن الطّريق كما ضلّ. فالشّيخ الكامل المكمّل إذا أراد تربية هذا الطّالب وتسليكه احتاج أوّلا إلى إزالة ما أصاب من السّالك النّاقص وإصلاح ما فسد بسببه، ثمّ ألقى البذر الصّالح المناسب لإستعداده في أرض الإستعداد فينبت نباتا حسنا ومَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اُجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (١)، ومثل كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وفَرْعُها فِي السَّماءِ (٢) فصحبة الشّيخ الكامل المكمّل كبريت أحمر، نظره دواء وكلماته شفاء، وبدونها خرط القتاد وثبّتنا الله سبحانه وإيّاكم على جادّة الشّريعة المصطفويّة على صاحبها أفضل الصّلاة والسّلام والتّحيّة إذ هو ملاك الأمر ومدار النّجاة ومناط السّعادة ولنعم ما قيل بالفارسيّة، (شعر):

محمد عربي كابروى هرد وسراست ... كسيكه خاك درش نيست خاك بر سر او

(ترجمته) محمّد سيّد الكونين من عرب ... تعسا لمن لم يكن في بابه التّربا

ولنختم المقالة على صلوات سيّد المرسلين وتسليماته وتحيّاته وبركاته (التّتمّة) والعجب كلّ العجب أنّ الأخ الصّادق قد نقل أنّ من جلسائهم من الشّعراء الفضلاء من يلقّب في الشّعر بالكفرىّ والحال أنّه من السّادات العظام والنّقباء الكرام. فياليت شعري ما حمله على اختيار هذا الإسم الشّنيع البيّن شناعته. والمسلم ينبغي له أن يفرّ من هذا الإسم زيادة ما يفرّ من الأسد المهلك، ويكرهه كلّ الكراهة لأنّ هذا الإسم ومسمّاه مبغوضان على الله تعالى ورسوله عليه الصّلاة والسّلام والمسلمون مأمورون بعداوة أهل الكفر والغلظة عليهم فالتّحاشي عن مثل هذا الإسم القبيح واجب، وما وقع في عبارات (٣) بعض المشائخ قدّس سرّهم في غلبات السّكر من مدح الكفر والتّرغيب في شدّ الزّنّار وأمثال ذلك، فمصروف عن الظّاهر ومحمول على التّأويل. فإنّ كلام السّكارى يحمل ويصرف عن الظّاهر المتبادر فإنّهم معذورون بغلبة السّكر في ارتكاب هذه المحظورات، مع أنّ كفر الحقيقة أنقص بالنّسبة إلى إسلام الحقيقة عند أكابر هؤلاء القوم، وغير السّكارى غير معذور في تقليدهم لا عندهم ولا عند أهل الشّرع لأنّ لكلّ شيء موسما ووقتا خاصّا صلح ذلك الشّيء في ذلك الموسم وقبح في موسم آخر، والعاقل لا

__________

(١) الآية: ٢٦ من سورة إبراهيم.

(٢) الآية: ٢٤ من سورة إبراهيم.

(٣) كقول الحلاج شعر كفرت بدين الله والكفر واجب * لدى وعند المسلمين قبيح.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!