موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(88) المكتوب الثامن والثمانون إلى حضرة المخدوم زاده العالي المرتبة الخواجه محمد سعيد سلمه الله تعالى في أسرار خلة الخليل وإثبات التعين الوجودي

 

 


فانا مربّى الإله جلّ شأنه ومجتبي فضله وكرمه اللّامتناهي (ع) لا عسر في أمر مع الكرام * الحمد لله ذي الجلال والإكرام والمنّة والصّلاة والسّلام على رسوله والتّحيّة أوّلا وآخرا.

(٨٨) المكتوب الثامن والثمانون إلى حضرة المخدوم زاده العالي المرتبة الخواجه محمّد سعيد سلّمه الله تعالى في أسرار خلّة الخليل وإثبات التّعيّن الوجوديّ

إنّ الحقّ سبحانه إذا شرّف عبدا بدولة خلّته الّتي هي بالاصالة مخصوصة بحضرة إبراهيم على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام وجعله ممتازا بالولاية الإبراهيميّة بجعله أنيسه ونديمه ويورد في البين نسبة الانس والالفة الّتي هي من لوازم الخلّة ولمّا حصلت في البين نسبة الخلّة الّتي من لوازمها الانس والالفة ارتفع من النّظر قبح أخلاق الخليل وكراهة أوصافه فإنّه لو كان قبح في النّظر لكان باعثا على النّفرة وعدم الالفة وهي منافية لمقام الخلّة الّتي هي الفة بالكلّيّة (فإن قيل) إنّ ارتفاع قبح أوصاف الخليل عن النّظر في مرتبة المجاز ظاهر فإنّه يجوز أن يغلب نسبة الخلّة في ذلك الموطن فتستر قبح أوصاف الخليل وأمّا في مرتبة الحقيقة الّتي فيها العلم بالاشياء كما هي فلا يجوز فيها ظهور القبيح غير قبيح وكونه مغلوب نسبة الخلّة (قلت) إن في كلّ قبيح وجها من وجوه الحسن فيمكن أن يرى ذلك القبيح حسنا بالنّظر إلى ذلك الوجه الحسن ويحكم بحسنه (ينبغي) أن يعلم أنّ ذاك القبيح وإن لم يعرض له حسن مطلق ولكن لمّا كان وجهه الحسن ملحوظا ومنظورا للمولى جلّ شأنه كان بحكم فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْغالِبُونَ (١) غالبا على سائر وجوهه القبيحة وجعل كلّها في لونه وصيّرها مستحسنة فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ (٢) (اعلم) أرشدك الله تعالى سواء الصّراط: إنّ النّسبة بين الخلّة والمحبّة عموم وخصوص مطلقا فإنّ الخلّة عامّة والمحبّة فردها الكامل فإنّ إفراط الانس والالفة هو المحبّة الّتي هي باعثة على الهيمان ومورّثة لعدم القرار وعدم الرّاحة والخلّة بتمامها أنس والفة واستراحة والمحبّة هي الّتي عرضت لها كيفيّة أخرى وصارت ممتازة من سائر أفراد الخلّة وكأنّها صارت جنسا آخر والخاصّيّة الّتي امتازت المحبّة بها عن سائر أفراد الخلّة هي الحزن والالم ونفس الخلّة كلّها عيش في عيش وفرح في فرح وأنس في أنس ولعلّه من هذه الحيثيّة أعطى الله سبحانه وتعالى خليله على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام أجر عمله في الدنيا الّتي هي دار المحن وفي الآخرة أيضا قال الله تعالى وآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ (٣)

__________

(١) الآية ٥٦: من سورة المائدة.

(٢) الآية ٧٠: من سورة الفرقان.

(٣) الآية ١٢٢: من سورة النحل.

فإذا كانت المحبّة منشأ الالم والحزن فكلّ فرد تكون المحبّة فيها غالبا يكون الالم والحزن فيه أزيد ومن ههنا قيل “ كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متواصل الحزن ” وقال عليه الصّلاة والسّلام «ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت “ فإنّ الفرد الكامل من أفراد الإنسان في حصول المحبّة كان هو النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وإن كان هو عليه الصّلاة والسّلام محبوبا ولكن لمّا حصلت في البين نسبة المحبّة كان المحبوب المحبّ والها ومشغوفا وقد ورد في الحديث القدسيّ ” الا طال شوق الابرار إلى لقائي وأنا إليهم لأشدّ شوقا “ وههنا سؤال مشهور وهو أنّ الشّوق إنّما يكون إلى المفقود ولا شيء مفقود عن حضرته تعالى فكيف يكون فيه الشّوق وما يكون أشدّ الشّوق. (والجواب) أنّ مقتضى كمال المحبّة هو رفع الاثنينيّة واتّحاد المحبّ مع المحبوب وحيث انّ هذا المعنى مفقود فالشّوق موجود ولمّا كان تمنّي الاتّحاد في جانب المحبوب لانّ المحبّ لعلّه يقنع بمجرّد وصال المحبوب كان اشدّ الشّوق في جانب المحبوب بالضّرورة ويكون تواصل الحزن من صفة الحبيب (فإن قيل) إنّ الحقّ سبحانه قادر على جميع الامور وكلّ ما يريده ميسّر له فلا يكون شيء مفقودا في حقّه حتّى يتحقّق الشّوق (أجيب) انّ تمنّي أمر غير إرادته ومراده تعالى لا يتخلّف عن إرادته ولكن يجوز أن يوجد تمنّي أمر ولا توجد الإرادة بحصوله ولا يراد وجوده (ع) وكم في العشق من عجب عجيب * وأحيانا يكون المطلوب في العشق مجرّد الالم ولا يكون الوصل ملحوظا أصلا بل يراد الوصل ويهرب من اتّصال المحبوب وهذا قسم من أقسام جنون العشق بل من محاسن العشق من لم يذق لم يدر (ولنرجع) إلى أصل الكلام فنقول: إنّ الخلّة مقام عال جدّا وكثير البركة وكلّ من فيه أنس والفة وسكونة واطمئنان مع الآخر في عالم المجاز كلّ ذلك من ظلال مقام الخلّة وكذلك كلّ حظّ ولذّة واطمئنان بالصّور الحسنة والمظاهر الجميلة ناشئة من مقام الخلّة والمحبّة شيء آخر فإنّ فيها كيفيّة أخرى فلو لم يكن في البين خلّة وأنس والفة لما وجد مركّب أصلا ولا ينضمّ جزء بجزء آخر خصوصا إذا كانت بينهما نسبة التّضادّ بل لما ينضمّ وجود إلى ماهيّة ما أصلا بل لا يدخل شيء من العالم تحت إيجاد الواجب تعالى فانّ المحرّك لسلسلة الايجاد والباعث على وجود الاشياء هو الحبّ ” فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق " حديث قدسيّ والحبّ فرد كامل من الخلّة كما مرّ فلو لم تكن الخلّة لما وجد شيء من الاشياء ولا يجتمع شيء بشيء ولا يحصل بين الشّيئين الفة ووجود العالم ونظامه كلاهما مربوطان بالخلّة فلو لم تكن خلّة لكان النّظام كالوجود مفقودا فكانت الخلّة أصل الإيجاد من جانب الموجد ومن الموجود فإنّ الذى جعل الممكن مأنوسا لقبول الوجود وأورده في قيد الإيجاد هو الخلّة بل العدم أيضا مطمئنّ ومستريح في بيت خلوته بدولة الخلّة مؤانس بلا شيئيّته بل مؤتلف ومؤانس بنقيضه أيضا ولهذا صار مرآة لكمالاته وواسطة لوجود الممكنات فكانت الخلّة أكثر بركة من جميع الاشياء وكانت بركاتها شاملة للموجود والمعدوم فإذا علمت معارف مقام الخلّة ودقائقها وعموم بركاتها

وعلمت أيضا أنّ مقام الخلّة بالاصالة مخصوص بحضرة إبراهيم على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام وانّ ولايته ولاية إبراهيميّة فاعلم أنّه قد ظهر لهذا الفقير الآن بتوسّط بركات هذه المعارف أنّ التّعيّن الاوّل هو تعيّن حضرة الذّات - تعالت وتقدّست - بحضرة الوجود وذلك التّعيّن الاوّل هو ربّ حضرة الخليل على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام ولهذا كان هو إمام الكلّ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمامًا (١) وصار سيّد البشر مأمورا بمتابعته (اتّبع ملّة إبراهيم حنيفا) وكلّ نبيّ جاء بعده كان مأمورا بمتابعته وسائر التّعيّنات مندرجة في ضمن هذا التّعيّن الوجوديّ سواء كان تعيّنا علميّا جمليّا أو تفصيليّا ويمكن أن يكون من ههنا ذكر نبيّنا عليه الصّلاة والسّلام إبراهيم عليه السّلام بالابوّة وذكر سائر الانبياء على جميعهم الصّلاة والسّلام بالاخوّة فلو ذكر سائر الانبياء بالبنوّة لجاز فإنّ تعيّناتهم مندرجة في تعيّنه الذى هو التّعيّن العلميّ الجمليّ على ما قالوا وما ورد في الصّلاة المأثورة من قوله صلّى الله عليه وسلّم “ كما صلّيت على إبراهيم ” يمكن أن يكون من جهة أنّ الوصول إلى حضرة الذّات تعالت وتقدّست بدون توسّط التّعيّن الاوّل لتلك المرتبة التّعيّن الوجوديّ وبلا اتمام الكمالات الولاية الإبراهيميّة غير ميسّر فإنّه هو العقوبة الاولى لتلك المرتبة المقدّسة وهو الذى صار مرآة لغيب الغيب فأورد بطن البطون إلى عرصة الظّهور فلا بدّ حينئذ لكلّ أحد من توسّطه وأمر الله سبحانه خاتم الانبياء عليه وعليهم الصّلاة والسّلام بمتابعته ليصل بتبعيّته إلى ولايته ثمّ يتبختر منها إلى حضرة الذّات جلّ شأنه (فإن قيل) لزم من هذا البيان أن يكون إبراهيم أفضل من خاتم الرّسل على جميعهم الصّلاة والسّلام والحال أنّ الإجماع على أفضليّة خاتم الرّسل على جميعهم ولزم أيضا أن يكون التّجلّي الذّاتيّ نصيب حضرة الخليل بالاصالة ويكون لغيره بتبعيّته ومن المقرّر عند أكابر الصّوفيّة أنّ التّجلّي الذّاتيّ بالاصالة مخصوص بخاتم الرّسل ولغيره بتبعيّته (أجيب) انّ الوصول إلى الذّات كتجلّي الذّات - تعالت وتقدّست - على قسمين: باعتبار النّظر وباعتبار القدم يعني: أنّ الواصل إمّا النّظر أو النّاظر بنفسه والوصول النّظريّ نصيب الخليل عليه السّلام بالاصالة فإنّ أقرب التّعيّنات إلى حضرة الذّات هو التّعيّن الاوّل الذى هو ربّه كما مرّ وما لم يوصل إلى ذلك التّعيّن لا ينفذ النّظر إلى ما ورائه والوصول القدميّ نصيب الحبيب بالاصالة فإنّه محبوب ربّ العالمين ويوصل بالمحبوبين إلى محلّ يعجز عنه الاخلّاء إلّا أن يذهبوا فيه بتبعيّته واللّائق بالخليل أن يصل نظره إلى مقام يصل إليه رئيس المحبوبين عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام وأن لا يقصّر في الطّريق (وبالجملة) انّ تجلّي الذّات من وجه مخصوص بالخليل وغيره تابع له ومن وجه مخصوص بخاتم الرّسل وغيره تابع له عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام ولمّا كان الوجه الثاني أقوى وأدخل في مراتب القرب كانت مناسبة التّجلّي الذّاتيّ بخاتم الرّسل أكثر وأزيد وكان هو صلّى الله عليه وسلّم أفضل من الخليل ومن سائر الانبياء بالضّرورة فكان الفضل الكلّيّ نصيب الحبيب والخليل من بين الانبياء وإن كان أحدهما أفضل من الآخر ولمّا كان موسى عليه وعلى نبيّنا

__________

(١) الآية ١٢٤: من سورة البقرة.

الصّلاة والسّلام رئيس المحبّين كما كان نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم رئيس المحبوبين كان له بحكم “ المرء مع من أحبّ ” معيّة بحضرة الذّات بالضّرورة ليست هي لغيره وله أيضا في تلك الحضرة منزلة لا مدخل فيها لغيره وإنّما نال ذلك بواسطة محبّته فقط ولكنّ هذا الفضل راجع إلى جزئيّ يمكن أن يقال: إنّه عديل للكلّيّ فإنّ الجمّ الغفير من الانبياء تابعون له في ذلك المقام ومع ذلك الفضل الكلّيّ هو ما كان نصيب الخليل والحبيب عليهما الصّلاة والسّلام وإن كان كلّ منهما تابعا للآخر من وجه حيث إنّ الخليل أصل في الوصول النّظريّ والحبيب تابع له فيه وعكسه في الوصول القدميّ وفي الخاطر أن أكتب ما ظهر لي من الكمالات والفضائل المخصوصة بحضرة الكليم على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام في ورقة على حدة إن شاء الله تعالى (ينبغي) أن يعلم أنّ الانبياء إذا وصلوا إلى حضرة الذّات تعالت وتقدّست بتوسّط نبيّ من الانبياء عليهم الصّلاة والسّلام لا يكون ذلك النّبيّ حائلا بين حضرة الذّات وبين هؤلاء الانبياء بل لهم من حضرة الذّات نصيب بالاصالة غاية ما في الباب أنّ وصولهم إلى تلك الدرجة مربوط بتبعيّة ذلك النّبيّ عليه وعليهم الصّلاة والسّلام بخلاف أمّة نبيّ وصلت بتوسّطه فإنّ ذلك النّبيّ حائل في البين إلّا أن يكون لفرد من أفراد الامّة نصيب من حضرة الذّات بالاصالة فالحيلولة ثمّة أيضا مفقودة وتبعيّته له موجودة وقليل ما هم بل أقلّ. (فإن قيل) فعلى هذا التّقدير ما يكون الفرق بين ذلك الفرد من الامّة وبين سائر الانبياء؟ فإنّ الحيلولة مفقودة في كليهما والتّبعيّة موجودة. (أجيب) انّ تبعيّة ذلك الفرد من الامّة باعتبار التّشريع فإنّه ما لم يتّبع شريعة نبيّ لا يصل والتّبعيّة في الانبياء باعتبار أنّ وصول النّبيّ المتبوع إلى تلك الدرجة أوّلا وبالذّات ووصول غيره ثانيا وبالعرض فإنّ المطلوب من الدعوة هو المحبوب وغيره إنّما يدعى بتطفّله ويطلب بتبعيّته ولكنّ الكلّ جلساء على سفرة واحدة ومستوفون للتّلذّذات والتّنعّمات في مجلس واحد على تفاوت درجاتهم والامم هم الذين ينالون من زلّاتهم ويأكلون من فضلاتهم إلّا أن يكون فرد من أفرادهم مخصوصا بكرم الله جلّ شأنه فيصير جليس مجلس الاكابر كما مرّ (ع) لا عسر في أمر مع الكرام * ومع ذلك الامّة أمّة والنّبيّ نبيّ والامّة وإن حصل لها غاية الرّفعة ونهاية العلوّ ولكن لا يبلغ رأسها قدم نبيّ من الانبياء قال الله تعالى ولَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١). (فإن قيل) ما المراد من متابعة ملّة إبراهيم الّتي أمر نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم بها وما يكون الامر بالتّبعيّة مع وجود استقلال شريعته صلّى الله عليه وسلّم؟ (أجيب) لا منافاة بين استقلال الشّريعة وبين التّبعيّة فإنّه يجوز أن يكون نبيّنا عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام أخذ الشّريعة بالاصالة ولكنّه يصير مأمورا بمتابعة الخليل عليه السّلام في حصول أمر من الامور لكون ذلك الامر من خصائص ذلك المتبوع الذى أمر بمتابعته ولكون حصوله مربوطا بحصول المتابعة كما إذا أدّى شخص مثلا فرضا من الفرائض ومع ذلك ينوي المتابعة ويقول إنّ هذا الفرض قد أدّاه نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم فأؤديّه أنا

__________

(١) الآيات ١٧٠ ١٧١ ١٧٢: من سورة الصافات.

أيضا فعلى هذا التّقدير ينال ثوابا للمتابعة سوى ثواب أداء الفرائض ويحصل له مناسبة بالنّبيّ فيستفيد من بركاته وتفتيش أنّ المراد من متابعة الملّة هل هو متابعة تمام الملّة أو بعضها فإن كان متابعة تمام الملّة فكيف يتصوّر متابعة الكلّ مع وجود نسخ بعض الاحكام؟ وإن كان متابعة البعض فلا يخلو عن خدشه أيضا فقد حلّه علماء التّفسير فينبغي المراجعة ثمّة فإنّه من علوم علماء الظّاهر ومناسبته بعلوم الصّوفيّة قليلة سبحان الله إنّ المعارف الّتي تظهر منّي حتّى يكاد أبناء الجنس يتنفّرون عنّي بسبب غرابتها ويصير المحاريم في مقام البغض فيحرّمونها وأيّ اختيار لي في حصول تلك المعارف وأيّ غرض لي في إظهارها وقد أعلمت أنّ التّعيّن الاوّل هو التّعيّن الوجوديّ وأنّه ربّ الخليل ومبدأ تعيّنه على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام ولم يسمع أحد في مدّة الف سنة أنّ التّعيّن الاوّل هو التّعيّن الوجوديّ وأنّه ربّ خليل الرّحمن على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام فإنّ هذه العبارات والاصطلاحات لم تكن متعارفة بين المتقدّمين ولم يكن للتّعيّن والتّنزّل مجال عندهم والمقرّر عند المتأخّرين الذين صارت هذه الكلمات متعارفة فيما بينهم أنّ التّعيّن الاوّل هو التّعيّن العلميّ وأنّه ربّ خاتم الرّسل عليه الصّلاة والسّلام واليوم يظهر خلاف ما هو المقرّر من شخص فينبغي التّخيّل أنّه ماذا يرد على رأسه وما يطلق عليه من الطّعن والملامة يظنّون أنّه يفضّل الخليل على الحبيب ويجعل الحبيب جزءا من الخليل حيث يعتقد أنّ سائر التّعيّنات مندرجة في التّعيّن الاوّل وإن دفع توهّمهم ذلك فيما مرّ وأجاب جوابا شافيا ولكن لا يعلم أنّهم يكتفون بذلك الدفع ويتشفّون بذلك الجواب الشّافي أوّلا ماذا نفعل؟ فإنّه لا علاج للجهل والعناد والتّعصّب إلّا أن يقلّب مقلّب القلوب بقدرته الكاملة قلوبهم ويصيّرهم قابلين لإستماع الحقّ ينبغي أن يدرك علوّ شأن حضرة الخليل من أمر اتّبع الذى صدر منه سبحانه إلى حبيبه فإنّه ما مناسبة المتبوع بالتّابع ولكنّ المحبوبيّة الّتي صارت نصيب خاتم الرّسل عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام رجحت على جميع الفضائل ومراتب القرب وجعلته صلّى الله عليه وسلّم أسبق قدما من الكلّ لا يساوى الف مرتبة من مراتب القرب لنسبة واحدة من نسب المحبوبيّة والمحبّ يرى محبوبه أعزّ من نفسه فأين للغير مجال دعوى المشاركة معه؟ (فإن قيل) إنّك كتبت في رسائلك أنّ ربّ الخليل أيضا شأن العلم كما أنّه ربّ الحبيب عليهما الصّلاة والسّلام والفرق أنّه هناك بالتّفصيل وهنا بالإجمال. (أجيب) انّ تلك المعرفة إنّما كانت قبل الوصول إلى حقيقة ولاية الخلّة هذه ولمّا تحقّقت بحقيقة هذه الولاية ظهرت المعاملة كما هي وكأنّ تلك المعرفة كانت متعلّقة بظلّ هذه الحقيقة والله سبحانه الملهم للصّواب فاتّضح من هذا البيان أنّ الوجود ليس بعين الذّات بل تعيّن أسبق من سائر تعيّنات الذّات تعالت وتقدّست ومن قال بعينيّة الوجود للذّات فقد ظنّ التّعيّن لا تعيّنا وزعم غير الذّات ذاتا والمناقشة في قول الغير لا حاصل فيها فإنّه جيء به لضيق ميدان العبارة. (فإن قيل) ما نسبة هذا التّعيّن الاوّل الوجوديّ الذى وجدته بذاك التّعيّن الاوّل العلميّ الجمليّ الذى وجده الآخرون؟ وهل بين هذين التّعيّنين تعيّن آخر أو لا؟ (أجيب) انّ التّعيّن الوجوديّ فوق التّعيّن العلميّ وما



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!