موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(89) المكتوب التاسع والثمانون إلى القاضي إسماعيل الفريدآبادي في شرح كلام الشيخ روزبهان البقلي مع بيان بعض دقائق التوحيد الوجودي

 

 


قالوا: إنّ فوق التّعيّن العلميّ مرتبة حضرة الذّات واللّا تعيّن هو هذا التّعيّن الوجوديّ وجدوه عين الذّات وحكموا بعينيّة الوجود للذّات وبين هذين التّعيّنين شأن الحياة الّتي هي أقدم جميع الشّئونات وبعدها شأن العلم إجمالا وتفصيلا وهو تابع لها ولكن لا يظهر مظهريّة هذا التّعيّن المتوسّط في النّظر ومناسبته بحضرة الذّات تعالت أزيد من الكلّ والاستغناء الذّاتيّ واضح فيه جدّا ولكن يفهم أنّ فيوضه وبركاته مستفاضة خصوصا على الرّوحانيّين والله سبحانه أعلم بحقيقة الحال سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١).

(تنبيه) إنّ ما مرّ فيما سبق من أنّ الوصول النّظريّ نصيب الخليل بالاصالة والوصول القدميّ نصيب الحبيب عليهما الصّلاة والسّلام بالاصالة لا بمعنى أنّ هناك شهودا ومشاهدة أو للقدم مجالا ثمّة فإنّه لا مجال هناك لشعرة فضلا عن القدم بل هو وصول مجهول الكيفيّة فإن ارتسم في الصّورة المثاليّة بالنّظر فوصول نظريّ وإن بالقدم فوصول قدميّ وإلّا فالقدم والنّظر كلاهما والهان ومتحيّران في تلك الحضرة جلّ شأنها والسَّلامُ عَلى مَنِ اِتَّبَعَ الْهُدى (٢)

(٨٩) المكتوب التّاسع والثمانون إلى القاضي إسماعيل الفريدآباديّ في شرح كلام الشّيخ روزبهان البقليّ مع بيان بعض دقائق التّوحيد الوجوديّ

قال الشّيخ الوليّ روزبهان البقليّ قدّس سرّه في تبيين غلطات الصّوفيّة وغلط آخر أنّهم يقولون:

الكلّ هو ويريدون بجميع هذه الجزئيّات المتفرّقة الحادثة ذاتا واحدة ويقول بعضهم ببعض بالرّمز ما نحن الّا هو فيكون لهؤلاء الكفّار مائة الف إله وربّ العالمين تعالى وتقدّس منزّه من جمع المحدثات وتفرقتها واحد لا سبيل إليه للجزء ولا يقبل الحلول ولا يكون متلوّنا وهم كفّار بهذا القول لا يعرفون الله ولا يعرفون أنفسهم فإن كان الإنسان حقّا كيف يكون فانيا؟ وغلط القوم في روح وغلط هؤلاء في الجسم قاتلهم الله سبحانه انتهى (لا يخفى) أنّ عبارة “ الكلّ هو ” وإن لم تكن متعارفة فيما بين قدماء الصّوفيّة قدّس الله أسرارهم ولكن كان بينهم مثل: أنا الحقّ وسبحاني وما في جبّتي سوى الله وأمثالها ممّا يعسر تعداده ومؤدّى هذه العبارة وتلك العبارة واحد. (شعر)

إذا ما تعدّى الماء عن مفرق فلا ... تفاوت في مقدار رمح وأرماح

مثل موزون مشهور وهذه العبارة شائعة ذائعة ما بين متأخّري الصّوفيّة ويقولون: الكلّ هو بلا تكلّف ويصرّون على هذا القول إلّا أنّ القليل منهم لهم تردّد في هذه العبارة وأمثالها بل يظهرون صورة

__________

(١) الآية ٣٢: من سورة البقرة.

(٢) الآية ٤٨: من سورة طه.

الإنكار عليها وما يفهمه هذا الفقير من معنى قولهم: الكلّ هو أنّ جميع هذه الجزئيّات المتفرّقة الحادثة ظهور ذات واحدة - تعالت وتقدّست - كما إذا انعكست صورة زيد في مرايا متعدّدة وظهرت فيها فيقال الكلّ هو يعني أنّ جميع هذه الصّور الّتي ظهرت في مرايا متعدّدة ظهور ذات واحدة لزيد فهنا أيّ جزئيّة واتّحاد وأيّ حلول وتلوّن بل ذات زيد مع وجود الصّور كلّها على صرافتها وحالتها الاصليّة ما زادت هذه الصّور فيها شيئا وما نقصت لا اسم للصّور فيما فيه ذات زيد ولا رسم حتّى يحصل لها معها نسبة من نسب الجزئيّة والاتّحاد والحلول والسّريان ينبغي أن يطلب سرّ الآن كما كان في هذا المكان فإنّ مرتبته سبحانه وتعالى كما لم يكن للعالم فيها مجال قبل الظّهور لا يكون له فيها مجال أيضا بعد الظّهور فلا جرم يكون الآن كما كان (والعجب) أنّ كثيرا من أكابر متقدّمي الصّوفيّة فهموا من هذه العبارة الممزوجة بشهود التّوحيد معنى الحلول والاتّحاد وكفّروا قائليها وضللوهم وبعضهم يوجّه هذه العبارة على نهج لا مناسبة له بمذاق قائليها بوجه ولا نسبة قال صاحب العوارف: إنّ صدور: «أنا الحقّ “ من الحلّاج ” وسبحاني " من أبي يزيد البسطاميّ كان بطريق الحكاية يعني من الحقّ سبحانه وتعالى فلو لم يكن بطريق الحكاية بل كان فيه شائبة الحلول والاتّحاد نردّ قائلي هذه الاقوال كما نردّ النّصارى لقولهم بالحلول والاتّحاد وقد اتّضح من التّحقيق السّابق أنّه لا حلول في هذه العبارة الشّبيهة بالشّطح والاتّحاد والحمل فيها إنّما هو باعتبار الظّهور والشّهود لا باعتبار الوجود كما فهموا وحملوا على الحلول وكان هذه المسالة يعني مسالة التّوحيد الوجوديّ لم تكن محرّرة وملخّصة فيما بين متقدّمي الصّوفيّة كما ينبغي وكلّ من كان منهم مغلوب الحال ظهر منه كلمة في التّوحيد شبيهة بالقول بالاتّحاد وهو لم يطّلع على سرّها من غلبة السّكر ولم يصرفها من ظاهرها الذى يفهم منه شائبة الحلول والاتّحاد ولمّا وصلت النّوبة إلى الشّيخ الاجلّ محيي الدين بن العّربيّ - قدّس سرّه - شرح هذه المسالة الدقيقة من كمال المعرفة وبوّبها وفصّلها ودوّنها تدوين الصّرف والنّحو ومع ذلك لم يفهم جمع من هذه الطّائفة مراده فخطئوه وطعنوا فيه وأطلقوا عليه لسان الملام والشّيخ محقّ في أكثر تحقيقات هذه المسالة والطّاعنون فيه بعيدون عن الصّواب ينبغي أن يعرف جلالة شأن الشّيخ ووفور علمه من تحقيق هذه المسألة لا أن يردّه ويطعن فيه وكلّما يمرّ على هذه المسالة زمان تصير واضحة ومنقّحة بتلاحق أفكار المتأخّرين وتبعد عن شبهات الحلول والاتّحاد الا ترى أنّ النّحو الذى صار الآن واضحا ومنقّحا بتلاحق أفكار المتأخّرين من النّحويّين لم يكن فيه ذلك التّنقيح والوضوح في زمان سيبويه والاخفش فإنّ تكميل الصّناعة بتلاحق الافكار وقد باحث الإمام الاعظم والإمام أبو يوسف في مسالة خلق القرآن ستّة أشهر وجرى بينهما الرّدّ والنّقض ثمّ استقرّ رأيهما على أنّ من قال: إنّ القرآن مخلوق يصير كافرا وطول هذه المنازعة إنّما كان لعدم تنقيح هذه المسالة في ذلك الوقت والآن حيث كانت منقّحة بتلاحق الافكار نقول: لو كان محلّ النّزاع هو الحروف والكلمات الدالّة على الكلام النّفسيّ فلا شكّ أنّها حادثة ومخلوقة وإن كان المراد هو

المدلولات فقديمة وغير مخلوقة وهذا التّنقيح من بركات تلاحق الافكار (ولنرجع) إلى أصل الكلام فنقول: إنّ لهذه العبارة معنى آخر بعيدا عن الحلول والاتّحاد يعني أنّ الكلّ معدوم والموجود هو الله تعالى لا أنّ الكلّ موجود ومتّحد معه تعالى فإنّ هذا الكلام لا يتكلّم به أبله فكيف يتصوّر صدوره عن الاكابر ولكن إذا كان ما سوى المحبوب مستورا عن نظر هؤلاء الاكابر عند غلبة المحبّة ولم يبق غيره في شهودهم وهم يقولون: الكلّ هو يعني أنّ جميع هذا الذى يرى ثابتا موهوم ومتخيّل والموجود هو الله تعالى فعلى هذا التّقدير ليست فيها شائبة الجزئيّة والاتّحاد ولا مظنّة الحلول والتّلوّن ومع ذلك لا يستحسن هذا الفقير أمثال هذه العبارة وإن كانت مبرّأة من هذه المفاسد؛ لأنّها ليست بلائقة بمرتبة تقديسه وتنزيهه تعالى وما مقدار هؤلاء الموجودات حتّى تكون مظاهر له تعالى (ع) في أيّ مرآة يكون مصوّرا * وأين فيها استحقاق أن تكون محمولة عليه تعالى ولو باعتبار الظّهور والشّهود فإن كانت مظهرا فمظهر لظلّ من ظلال كمالاته تعالى ولعلّ بين ذلك الظّلّ الذى صارت الموجودات مظهرا له وبين الذّات تعالت وتقدّست ألوفا من الحجاب الم تسمع أنّ لله تعالى سبعين الف حجاب من نور وظلمة فحمل مظهر ظلّ من ظلال كماله سبحانه عليه تعالى من غير تحاش والقول بأنّه هو سوء أدب وكمال جراءة ولكن لمّا كان صدور ذلك في غلبة الحال واستيلاء السّكر ليس بمذموم جدّا وكذلك اعتقاد مشهودهم عين الحقّ على الوجيه الثاني وحمله عليه تعالى بهذا الاعتبار أيضا سوء أدب بل خلاف الواقع فإنّ ذلك المشهود أيضا ظلّ من ظلال كمالاته تعالى وهو تعالى وراء الوراء ثمّ وراء الوراء وأيضا إنّ كلّ ما هو مشهود ومستحقّ للنّفي فلا يكون الحقّ جلّ وعلا قال الخواجه النّقشبند قدّس سرّه: كلّ ما يكون مسموعا ومرئيّا ومدركا فهو غير الحقّ سبحانه ينبغي نفيه بحقيقة كلمة لا وما هو مختار هذا الفقير في هذه المسالة والمناسب لشأن التّقديس والتّنزيه عبارة: الكلّ منه لا بمعنى يقتصر عليه علماء الظّاهر ويقولون: إنّ صدور الخلق كلّه منه فإنّ هذا وإن كان صادقا ولكن مع ذلك هنا علاقة أخرى أيضا لم يهتد العلماء إليها وامتازت الصّوفيّة بإدراكها ووجدانها وهي الارتباط بين الاصالة والظّلّيّة يعني أنّ وجود الممكن ناشئ من وجود الواجب تعالى وظلّ لوجوده سبحانه وكذلك حياته ناشئة من صفة حياته سبحانه وظلّ لتلك الحياة المقدّسة وعلى هذا القياس العلم والقدرة والإرادة وغيرها فالعالم على رأي الصّوفيّة صادر من الحقّ سبحانه وظلّ لكمالاته وناشئ من تلك الكمالات المنزّهة مثلا الوجود الذى أعطيه الممكن ليس هو أمرا على حدة مستقلّ برأسه بل هو وجود الواجب تعالى وكذلك الحياة والعلم وغيرهما ممّا أعطيه الممكن ليست أمورا ثبت لها الاستقلال من الواجب تعالى بل هي مع وجود صدورها عن الواجب تعالى ظلال كمالاته سبحانه وصورها وأمثالها والاهتداء إلى هذا الارتباط يعني ارتباط الاصالة والظّلّيّة رفع معاملة الصّوفيّين إلى أعلى علّيّين وأوصلهم إلى الفناء والبقاء وجعلهم متحقّقين بالولاية الخاصّة ولمّا لم يتيسّر لعلماء الظّاهر هذه الرّؤية والاهتداء لم يصبهم نصيب من الفناء والبقاء ولم يتحقّقوا بالولاية

الخاصّة والصّوفيّة وجدوا كمالاتهم ظلال كمالات الواجب وعلموا أنّ الوجود وتوابع الوجود عكوس تلك الكمالات فلا جرم لم يروا أنفسهم غير حاملي أمانات كمالاته سبحانه ولم يجدوا أنفسهم سوى أن يكونوا مرايا لتلك الكمالات فإذا أدّوا هذه الامانات بحكم إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إلى أَهْلِها (١) الآية إلى أهل الامانات وأعطوا هذه الكمالات بالتّمام إلى الاصل ذوقا يجدون أنفسهم معدومين ميّتين فإنّه لمّا ذهب الوجود والحياة إلى الاصل بقوا معدومين وميّتين فتحقّق الفناء للمولويّ الرّوميّ رحمه الله. (شعر)

فإذا عرفته أنت من هو أوّلا ... ونسبت نفسك نحو حضرته العلا

وعرفت أنّك ظلّ من يا من درى ... كن فارغا حيّا وميّتا من ملا

فمن تشرّف بالبقاء بعد الفناء أعطي الوجود وتوابع الوجود من الصّفات الكاملة مرّة ثانية ويتحقّق بالولادة الثانية لن يلج ملكوت السّموات من لم يولد مرّتين (ع) هنيئا لأرباب النّعيم نعيمها * إلهي قد أطلق من ضيق العبارة الالفاظ الّتي لم يرد الشّرع بإطلاقها كالظّلّيّة وغيرها وأقول: إنّ وجود الممكن ظلّ وجود الواجب تعالى وصفاته ظلال صفاته الكاملة وأنا خائف وجل من هذه الإطلاقات وإذ قد سبق أولياؤك بإطلاق هذه العبارات نرجو العفو والمعافاة رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا (٢) (ينبغي) أن يعلم أنّه قد اتّضح من التّحقيق السّابق أنّ الصّوفيّة القائلون بكلام: الكلّ هو لا يعتقدون اتّحاد العالم بالحقّ جلّ وعلا ولا يثبتون الحلول والسّريان والحمل الذى يحصل من كلامهم هذا فإنّما هو باعتبار الظّهور والظّلّيّة لا باعتبار الوجود والتّحقّق وإن توهّم من ظاهر عباراتهم الاتّحاد الوجوديّ ولكن حاشاهم من أن يكون مرادهم ذلك فإنّه كفر والحاد فإذا كان حمل أحدهما على الآخر باعتبار الظّهور والشّهود لا باعتبار الوجود كان معنى “ الكلّ هو ” الكلّ منه " فإنّ ظلّ الشّيء ناشئ من ذلك الشّيء وإن كانوا يقولون وقت غلبة الحال: الكلّ هو ولكن يكون مرادهم من هذه العبارة في الحقيقة الكلّ منه فلا مجال في الطّعن في كلامهم والحكم بتضليل قائليه وتكفيرهم (اعلم) أنّ ظلّ شيء عبارة عن ظهور الشّيء في مرتبة ثانية أو ثالثة أو رابعة مثلا: إنّ صورة زيد المنعكسة في المرآة ظلّ زيد وظهوره في مرتبة ثانية وزيد في الحقيقة في مرتبة وجوده الاصليّ أظهر نفسه في المرآة بالظّلّ من غير أن يطرأ له في ذاته وصفاته تلوّن وتغيّر كما مرّ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا واِغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣) وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اِتَّبَعَ الْهُدى (٤)

__________

(١) الآية: ٥٨ من سورة النساء.

(٢) الآية: ٢٨٦ من سورة البقرة.

(٣) الآية ٨: من سورة التحريم.

(٤) الآية: ٤٨ من سورة طه.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!