موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(91) المكتوب الحادي والتسعون إلى مولانا طاهر البدخشي في جواب سؤاله عن الفرق بين المعرفة والإيمان الحقيقي وغير ذلك

 

 


مكشوف صاحب الإيقان الذى تعلّق إيقانه به وذلك المكشوف بعض وجوه الحقّ سبحانه واعتباراته لا ذاته جلّ وعلا ولهذا إذا بلغت معاملة العارف الذّات لا يظهر له مثل هذه التّخيّلات ولا يتخيّل رؤية ولا مرئيّ أصلا فإنّه لا صورة لذاته الاقدس سبحانه في المثال حتّى تظهر له ويرى إيقانه بصورة الرّؤية أو نقول إنّ في عالم المثال صورة المعاني لا صور الذّوات وحيث انّ العالم بتمامه مظاهر الاسماء والصّفات لا يكون له نصيب من الذّاتيّات كما حقّقته في مواضع متعدّدة فيكون بتمامه من قسم المعاني بالضّرورة وتكون له صورة في المثال وفي الكمالات الوجوبيّة كلّ مرتبة فيها الشّأن والصّفة الّتي قيامها بالذّات تعالت ومن قبيل المعاني لو كانت لها صورة في المثال ولو بالنّقص لساغ وأمّا ذاته سبحانه فحاشاها من أن تكون لها صورة في مرتبة من المراتب فإنّ الصّورة مستلزمة للتّحديد والتّقييد وذا ليس بمجوّز في أيّ مرتبة كان وأين المجال للمراتب الّتي كلّها مخلوقة لله تعالى أن يجعل الخالق سبحانه محدودا أو مقيّدا وكلّ من جوّز المثال في حضرته سبحانه وتعالى فهو باعتبار الوجوه والاعتبارات لا باعتبار عين الذّات تعالت وإن كان تجويز المثال في وجوه الذّات واعتباراتها أيضا ثقيلا على هذا الفقير إلّا أن يجوز ذلك في ظلّ من الظّلال البعيدة (فاتّضح) من هذا البيان أنّ ارتسام الصّور في المثال إنّما هو للمعاني والصّفات لا للذّات فما مرّ من صاحب الفصوص من تجويز كون الرّؤية الاخرويّة بصورة مثاليّة ليست هي برؤية الحقّ سبحانه بل ليست برؤية صورة الحقّ فإنّه لا صورة له سبحانه حتّى تتعلّق بها الرّؤية فإن كانت في المثال صورة فهي لظلّ من ظلاله البعيدة فكيف تكون رؤيتها رؤية الحقّ سبحانه؟ والشّيخ قدّس سرّه لا يقصّر في نفي الرّؤية من المعتزلة والفلاسفة بل يثبت الرّؤية على نهج يستلزم نفي الرّؤية وهو أبلغ في النّفي من صريح النّفي لانّ الكناية أبلغ من الصّريح قضيّة مقرّرة إنّما الفرق بينهما أنّ مقتدى تلك الجماعة عقولهم العقليّة ومقتدى الشّيخ الكشف البعيد عن الصّحّة ويشبه أن تكون أدلّة المخالفين الغير التّامّة قد تمكّنت في متخيّلة الشّيخ فحرّفت كشفه أيضا في هذه المسألة عن صوب الصّواب وجعلته مائلا إلى مذهب المخالفين ولكن لمّا كان من أهل السّنّة أثبتها صورة واكتفى بهذا القدر وظنّها رؤية رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا (١) وتحقيق هذه المسألة الدقيقة محرّر أيضا فيما كتبته لحلّ بعض مواضع كتاب “ العوارف ” وما سالتم من تحقّق الإجماع مع وجود الاختلاف فلعلّ الخلاف المعتدّ به لم يكن وقت الإجماع أو أنّه أراد بالإجماع إجماع مشايخ عصره والله سبحانه أعلم بحقيقة الحال.

(٩١) المكتوب الحادي والتّسعون إلى مولانا طاهر البدخشيّ في جواب سؤاله عن الفرق بين المعرفة والإيمان الحقيقيّ وغير ذلك

__________

(١) الآية: ٢٨٦ من سورة البقرة.

بعد الحمد والصّلوات وتبليغ الدعوات أنهي أنّ صحيفة أخي الاعزّ المرسلة صحبة الشّيخ سجاول قد وصلت الحمد لله سبحانه على سلامتكم وعافيتكم وقد اندرجت فيها أسئلة متعدّدة فكتبنا في جوابها ما خطر في الخاطر ينبغي أن يلاحظه بالتّوجّه الكامل (السّؤال الاوّل) ما الفرق بين المعرفة والإيمان الحقيقيّ؟ (وجوابه) انّ المعرفة غير الإيمان فإنّ المعرفة يعبّر عنها بالفارسيّة بشناختن والإيمان يعبّر عنه بكرويدن وربّما تحصل المعرفة بالمعنى المذكور ولا يحصل الإيمان الا ترى أنّ أهل الكتاب كانت لهم معرفة نبيّنا عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام عرفوا أنّه نبيّ كما قال الله يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ (١) ولكن لمّا لم يحصل لهم التّصديق بواسطة العناد لم يتحقّق الإيمان والمعرفة أيضا منقسم إلى قسمين مثل الإيمان: صورة المعرفة كصورة الإيمان وحقيقة المعرفة كحقيقة الإيمان وصورة الإيمان هي ما اكتفى به الحقّ سبحانه من كمال رأفته ورحمته في الشّريعة للنّجاة الاخرويّة وهو تصديق القلب مع وجود إنكار النّفس الامّارة وتمرّدها وصورة المعرفة هي أيضا كون المعرفة مقصورة على تلك اللّطيفة لها مع وجود جهل الامّارة وحقيقة المعرفة هي خروج النّفس الامّارة من جهالتها بالجبليّة وحصول المعرفة لها وحقيقة الإيمان هي تصديق النّفس بعد حصول المعرفة لها واطمئنانها بعد خروجها من الامّاريّة الّتي هي كانت طبيعيّة لها (فإن قيل) قد اعتبر في الشّريعة التّصديق القلبيّ فكرويدن هذا هل هو عين التّصديق أو امر وراءه؟ فإن كان وراءه يلزم أن يعتبر في الإيمان ثلاثة أجزاء: الإقرار والتّصديق وكرويدن وهو خلاف ما هو مقرّر عند العلماء ويكون العمل عند من اعتبره من الإيمان جزءا رابعا (أجيب) انّ كرويدن هو عين التّصديق فإنّ التّصديق الذى هو الحكم عبارة عن الإذعان المعبّر عنه في الفارسيّة: «بكرويدن». (فإن قيل) إذا عرف أهل الكتاب نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم بعنوان النّبوّة فقد حكموا بنبوّته بالضّرورة وحصل لهم الإذعان المعبّر عنه بكرويدن فإنّ الحكم على هذا التّقدير عين هذا الإذعان فلم لا يكون الإيمان متحقّقا في حقّهم وبأيّ علّة لا يخرجون من الكفر؟ (قلت) قد عرفوه بعنوان النّبوّة ولكن لم يحصل لقلبهم الإذعان بواسطة التّعصّب والعناد حتّى يحصل لهم الحكم بنبوّته فإنّه ربّما يحصل المعرفة والتّصوّر ولا يحصل الإذعان حتّى يوجد التّصديق ويتحقّق الإيمان ويخرجون من الكفر الفرق دقيق اسمع وارجع إلى وجدانك ومع وجود العناد يمكن أنّ نبيّ الله فعل كذا ولا يمكن أن يقول: إنّه نبيّ الله ما لم يحصل الإذعان فإنّ في الصّورة الاولى تصوّرا فقط وإحالة إلى معرفة مشهورة وفي الصّورة الثانية تصديقا مبنيّا على الإذعان فإذا لم يوجد الإذعان كيف يتصوّر وجود التّصديق؟ وأيضا ليس المقصود في الصّورة الاولى إثبات النّبوّة بل إثبات الفعل وفي الصّورة الثانية إثبات النّبوّة والعناد لا يجتمع معه فكيف يتصوّر وجود الإذعان فلو حصل

__________

(١) الآية: ١٤٦ من سورة البقرة.

التّصديق - والحكم فرضا - بلا حصول الإذعان فهو أيضا داخل في التّصوّرات وصورة التّصديق وما لم يحصل الإذعان لا تحصل حقيقة التّصديق فلا يحصل الإيمان وهذه المسالة من أمّهات مسائل علم الكلام ودقيقة جدّا حتّى عجز في حلّها فحول العلماء وزاد بعضهم ركنا ثالثا في الإيمان بالاضطرار وقال بزيادة كرويدن على التّصديق والذين قالوا بعينيّة التّصديق بكرويدن لم يحلّ هذا المعنى كما ينبغي بل اكتفى بالإجمال ومضى الْحَمْدُ لله الَّذِي هَدانا لِهذا وما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا الله (١). (اسمع) انّ المركّب التّقييديّ والمركّب التّوصيفيّ مثل “ نبيّ الله ” “ وهذا النّبيّ ” وإن كانا متضمّنين للحكم بأنّه نبيّ ومشتملين على معرفته بعنوان النّبوّة ولكنّ حصول التّصديق بأنّه نبيّ موقوف على الإذعان الذى هو مثبت للإيمان غلام زيد فعل كذا ورجل صالح حكم بكذا كلاهما صحيح بلا إذعان والمعرفة بعنوان الغلاميّة وعنوان الصّلاحيّة ثابتة في كليهما ولكن لا إذعان فيهما حتّى يحصل التّصديق بالغلاميّة والصّلاحيّة. (فإن قيل) إنّك قلت: إنّ إذعان النّفس بعد إذعان القلب وعبّرت عن إذعان النّفس بالإيمان الحقيقيّ والحال أنّ الفلاسفة وأرباب المعقول أخذوا في التّصديق مطلق إذعان النّفس ولم يتكلّموا في إذعان القلب (قلت) إنّ أرباب المعقول يريدون بالنّفس في بعض الإطلاقات الرّوح وفي بعض الإطلاقات القلب (وبالجملة) انّ تدقيقاتهم الفلسفيّة في محالّ اخر وأكثرها ممّا لا طائل فيه وهم معطّلون وعاجزون في هذه المسالة وحكمهم فيها حكم العوامّ ونوبة التّدقيق ثمّة انتهت إلى الصّوفيّة فإنّهم يتلبّسون بأحكام كلّ لطيفة ويترقّون من جميع اللّطائف بالسّير والسّلوك ويفرّقون النّفس من القلب والرّوح من السّرّ ويميّزون بين الخفيّ والاخفى ولا يعلم حصول نصيب من هؤلاء لأرباب المعقول غير معرفة أساميها وقد اعتقدت الفلاسفة النّفس الامّارة شيئا عظيما وعدّوها من المجرّدات ولم يجر اسم القلب والرّوح على السنتهم ولم يبد من السّرّ والخفيّ والاخفى علامة إنّ لله سبحانه ملكا يسوق الاهل إلى أهل (وجواب آخر) أنّ أرباب العقول إنّما ذكروا إذعان النّفس نظرا إلى الاحكام العاديّة والعرفيّة لكونها قريبة إلى فهمهم وكلامنا في تصديقات الاحكام الشّرعيّة وللنّفس إنكار عليها بالذّات فأين الإذعان وهذا الإنكار إنكار موصل للمنكر إلى حدّ عداوة صاحب تلك الاحكام نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا؟ وقد ورد في الحديث القدسيّ “ عاد نفسك فإنّها انتصبت لمعاداتي ” وأرحم الرّاحمين لم يجعل إذعان النّفس من كمال رأفته منظورا في أوائل الحال وجعل النّجاة مربوطة بإذعان القلب فلو تيسّر إذعان النّفس ثانيا بمحض كرمه سبحانه وتعالى فهو نور وسرور ووصول إلى درجات الولاية وحصول حقيقة الإيمان وقد كتبتم أنّه ينبغي أن تكتبوا جوابا موافقا لفهم الفقير وإدراكه حتّى يمكن لي فهمه ماذا أصنع المسالة دقيقة جدّا وحلّها أيضا بلا دقّة مشكل بل نفس الحلّ يقتضي الدقّة فما ذنب العبارة وكان ينبغي لكم أن تتفكّرون هذا

__________

(١) الآية: ٤٣ من سورة الأعراف.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!