موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(119) المكتوب التاسع عشر والمائة إلى المير منصور في بيان اختيار العزلة ** | ** (120) المكتوب العشرون بعد المائة إلى المرزا حسام الدين أحمد في حل عبارات مكتوب متضمن للأسرار

 

 


العبارات الاتّحاد والحلول والحال أنّ المتبادر من هذه الاقوال الظّهور وهو وراء الحلول لانّ الحلول كينونة نفس شيء في شيء مثل كينونة نفس زيد في البيت والظّهور كينونة عكس شيء مثل كينونة عكس زيد في المرآة والاوّل محال في مرتبة الوجوب ونقص لتلك المرتبة المقدّس والثاني لا منع لثبوته ولا نقص عند حصوله فإنّ الاوّل يستلزم التّغيّر المنافي للقدم والثاني لا يستلزم كما لا يخفى فلو ظهرت الكمالات الوجوبيّة في مرايا الأعدام والإمكان لم يلزم منه حلول تلك الكمالات في تلك المرايا ولا تغيّرها ولا انتقالها المنافي للقدم وإنّما هو ظهور وإراءة كمال في مرآة فتجويز شهود كمالاته تعالى في مرايا الإمكان ليس تجويزا لحلول تلك الكمالات فيها بل هو تجويز لظهور الكمال في المرآة ولا نقص فيه وإن كان المجوّز لمثل هذا الشّهود صاحب نقص وغير مستقيم على الجادّة لكنّ المقصود دفع تهمة الحلول عنده لا إثبات كماله وكونه على شيء والله سبحانه أعلم بحقائق الامور كلّها.

(١١٩) المكتوب التّاسع عشر والمائة إلى المير منصور في بيان اختيار العزلة

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وقد أطاب الوقت صحائف أخي الاعزّ بورودها متعاقبة حمدا لله سبحانه لم يتطرّق الفتور والتّلوين إلى محبّتكم للفقراء وارتباطكم بهم مع وجود أسباب عدم المناسبة بل زادت قوّة ذلك الارتباط رزق الله سبحانه الاستقامة على محبّة هذه الطّائفة الّتي هي رأس بضاعة السّعادة (أيّها المشفق) قد غلب شوق الانزواء في هذه الفرصة فاخترت القعود في زاوية حتّى لا أذهب إلى المسجد لغير صلاة الجمعة وجماعة الاوقات الخمسة تنعقد في تلك الزّاوية وصار طريق ملاقاة النّاس مسدودا وتمرّ الاوقات على جمعيّة تامّة وكأنّ متمنّى جميع العمر تيسّر الآن حمدا لله سبحانه على ذلك وبقيّة الأحوال الصّوريّة أيضا مقرونة بالعافية والاولاد وسائر المتعلّقين على جمعيّة وقدم الخواجه عبد الله على دهلي قبل شهر رمضان المبارك حمدا لله سبحانه قد حصّل الخواجه في مجيئه هذا فوائد كثيرة وقلب الورق بالتّمام وتخلّص من غلبات التّوحيد وخاض في بحر التّنزيه ومتوجّه إلى العمق والقعر وذاهب من الظّاهر إلى الباطن بل إلى ابطن البطون وتفصيل الأحوال لمّا قدم الحافظ بهاء الدين هناك أحلناه إليه.

(١٢٠) المكتوب العشرون بعد المائة إلى المرزا حسام الدين أحمد في حلّ عبارات مكتوب متضمّن للأسرار

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى قد شرّفت بمطالعة الصّحيفة الشّريفة المرسلة إلى هذا الفقير على وجه الشّفقة والرأفة وقد اندرج فيها أنّ لواحد من الاعزّة اعتراضات على عبارات المكتوب

الذي كتبه من أجمير فينبغي كتابة شيء في حلّها ولمّا كتب بعض الاصحاب بتعيين مواضع الاشتباه كتبنا في حلّها مقدّمات بمقياس التّعيين والله سبحانه الهادي إلى سبيل الرّشاد (أيّها المخدوم المكرّم) إنّ السّير المراديّ والسّير المريديّ كلّ منهما أمر يتعلّق بوجدان صاحب ذلك السّير لا أنّه الزام أمر يتعلّق بالغير فلا مجال إذا لطلب الحجّة والبرهان على إثباته ومع ذلك إذا أعطى الله سبحانه شخصا قوّة قدسيّة ولاحظ في أحوال صاحب ذلك السّير وأوضاعه ملاحظة تامّة وشاهد الفيوض والبركات والعلوم والمعارف الإلهيّة الّتي هو ممتاز بها يمكن أن يحكم بكون سيره سيرا مراديّا من غير احتياج إلى دليل أصلا كما يحكم بكون نور القمر مستفادا من نور الشّمس بعد ملاحظة قرب القمر من الشّمس وبعده عنها ومقابلته بها واجتماعه معها وإن لم يكن هذا المعنى حجّة لغير أرباب الحدس وأيضا قال حضرة شيخنا قدّس سرّه في أوائل حال سير هذا الفقير أنّ سيره سير مراديّ ولعلّ الاصحاب أيضا سمعوا منه هذا الكلام وأنشد هذين البيتين من المثنويّ معتقدا بأنّهما مطابقان لحال هذا الفقير. (شعر)

عشق معشوق خفيّ وستّير ... عشق عشّاق بطبل ونفير

غير أنّ الثاني مضن للبدن ... عشق معشوق مزيد في السّمن

وكلّ من وصل من المرادين كان سيره على طريق الاجتباء وطريق الاجتباء ليس مخصوصا بالانبياء عليهم السّلام صرّح بذلك صاحب العوارف قدّس سرّه في بيان المجذوب السّالك والسّالك المجذوب وقال لطريق المريدين: طريق الإنابة ولطريق المرادين: طريق الاجتباء قال الله تعالى: «الله يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ " نعم انّ طريق الاجتباء بالاصالة مخصوص بالانبياء عليهم الصّلاة والسّلام وللأمّة كسائر الكمالات بتبعيّتهم لا أنّه مخصوص بالانبياء مطلقا لا نصيب منه للأمّة أصلا فإنّه غير واقع (أيّها المخدوم) إنّ وصول الفيض إلى السّالك بتوسّط خير البشر وحيلولته عليه الصّلاة والسّلام إنّما هو قبل أن تنطبق حقيقة السّالك المحمّديّ المشرب على الحقيقة المحمّديّة وقبل أن تتّحد بها فإذا حصل الاتّحاد بين هاتين الحقيقتين في مقامات العروج بكمال متابعته بل بمحض الفضل ارتفع التّوسّط من البين فإنّ التّوسّط إنّما هو حين المغايرة وفي الاتّحاد لا متوسّط ولا متوسّط له ولا حاجب ولا محجوب بل المعاملة في مقام الاتّحاد بالشّركة ولكن لمّا كان السّالك تابعا وملحقا وطفيليّا لزم أن تكون تلك الشّركة من قبيل شركة الخادم بالمخدوم (وما قلت) من أنّه يحصل لحقيقته انطباق على حقيقته صلّى الله عليه وسلّم وإنّها تتّحد بها بيانه أنّ الحقيقة المحمّديّة جامعة لجميع الحقائق ويقال لها حقيقة الحقائق وحقائق الآخرين كالاجزاء لها أو كالجزئيّات لانّ السّالك لو كان محمّديّ المشرب فحقيقته كالجزئيّ لتلك الكلّيّة ومحمولة عليها وإن كان غير محمّديّ المشرب فحقيقته كالجزء بالنّسبة إلى الكلّ وغير محمولة عليها فإن عرض لحقيقة غير محمّديّ المشرب اتّحاد في أثناء العروج انّما يكون ذلك بحقيقة نبيّ هو على قدمه وتكون محمولة على تلك الحقيقة وتحصل له شركة معه في الكمالات المناسبة به ولكن تكون تلك الشّركة من قبيل شركة الخادم بالمخدوم كما مرّ فإذا حصل لذلك الجزئيّ

بعلاقة كمال المتابعة بل بمحض الفضل محبّة خاصّة لكلّيّته وأخذ شوق الوصول إليه بيده يشرع القيد الذي جعل الكليّ جزئيّا بفضل الله تعالى في الزّوال وبعد زواله بالتّدريج يحصل لذلك الجزئيّ انطباق على ذلك الكلّيّ والحاق به وما قلت من أنّه إذا حصل له محبّة خاصّة فهي كما حصلت لهذا الفقير بمحض الفضل حتّى قلت في غلبات تلك المحبّة: إنّ محبّتي لحضرة الحقّ سبحانه إنّما هي من جهة كونه تعالى ربّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم وتعجّب الميان تاج وغيره من الاصحاب من هذا الكلام وأظنّ أنّه لم يخرج من خاطركم أيضا وما لم يحصل مثل هذه المحبّة كيف يتصوّر اللّحاق والاتّحاد؟ ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ والله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١) (ولنبيّن) حقيقة التّوسّط وعدم التّوسّط ينبغي أن يسمع بحسن الاستماع (اعلم) أنّ في طريق الجذبة لمّا كان الجذب والجرّ من جانب المطلوب وكانت العناية الإلهيّة متكلّفة لحال الطّالب لا يقبل الوساطة بالضّرورة وفي طريق السّلوك لمّا كانت الإنابة من طرف الطّالب لا بدّ فيه من وجود الوسائط والوسائط وإن كان لا يحتاج إليها في نفس الجذبة ولكنّ تماميّة الجذبة منوط بالسّلوك فإن لم ينضمّ السّلوك الذي هو عبارة عن إتيان الاحكام الشّرعيّة من التّوبة والزّهد وغيرهما إلى الجذبة فتلك الجذبة غير تامّة بل أبتر وقد رأيت كثيرا من الهنود والملاحدة فيهم جذبة ولكن لمّا لم يكونوا متحلّين بمتابعة صاحب الشّريعة عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام والتّحيّة ليس لهم نصيب غير صورة الجذبة وحالهم خراب وأبتر (فإن قيل) إنّ حصول الجذب يستدعي نحوا من المحبوبيّة فكيف يجوز في حقّ الكفّار الذين هم أعداء الله كون نصيب من الجذبة؟! (قلت) يمكن أن يكون في بعض الكفّار نحو من معنى المحبوبيّة ويكون ذلك باعثا لحصول الجذب ولكن لمّا لم يكونوا متحلّين بمتابعة صاحب الشّريعة عليه الصّلاة والسّلام بقوا خاسرين مخذولين ولم تزدهم تلك الجذبة غير الحجّة عليهم حيث آذنت باستعدادهم ولم يخرجوه من القوّة إلى الفعل بسبب الجهل والعناد وما ظَلَمَهُمُ الله ولكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٢) فإذا تيسّر الوصول إلى المطلوب في طريق الجذبة بمتابعة صاحب الشّريعة الّتي هي عبارة عن السّلوك يكون بلا واسطة وبلا حيلولة أمر قالوا لو دلّيتم بدلو لوقعتم على الله يعني لو انجذبتم وانجررتم إلى حضرة الحقّ سبحانه ووصلتم إلى أبطن البطون لا يكون بينكم وبين الحقّ جلّ وعلا حيلولة أمر وحجابيّته ولعلّ بقي في خاطركم الشّريف أيضا ما قاله حضرة شيخنا قدّس سرّه إنّ تيسّر الوصول للعبد إلى الحقّ سبحانه من طريق المعيّة بينه وبينه تعالى يكون بلا توسّط أمر البتّة فإنّه هو المناسب للمعيّة والواسطة إنّما هي في سلسلة التّربية الّتي هي عبارة عن السّلوك وطريق المعيّة واحد من طرق الجذبة وحديث «المرء مع من أحبّ " أيضا يؤيّد ذلك فإنّه لمّا ثبتت المعيّة بين شخص وبين محبوبه فقد ارتفعت الواسطة. (اسمع) انّ لكلّ ظلّ طريقا واضحا إلى أصله ولا حائل بينهما أصلا فلئن حصل للظّلّ بعناية الله جلّ شأنه ميل إلى أصله وحصل له انجذاب إليه ولحوق به يكون ذلك بلا حيلولة

__________

(١) الآية: ٥٤ من سورة المائدة والآية: ٢١ من سورة الحديد والآية: ٤ من سورة الجمعة.

(٢) الآية: ١٦٠ من سورة الأعراف.

أمر البتّة وحيث انّ ذلك الاصل اسم من الاسماء الإلهيّة لا يكون بين الاسم وبين مسمّاه حائل البتّة ويكون وصول الظّلّ من هذا الطّريق إلى أصل الاصل الذي هو مسمّى ذلك الاسم بلا توسّط أمر وأيضا إنّ كلّ من كان واصلا إلى حضرة الذّات تعالت بوصول لا كيفيّ فتوسّط أمر وحيلولته مفقود في حقّه فإذا ارتفعت حيلولة صفات الواجب وحجابيّتها في صورة الوصول إلى حضرة الذّات فكيف يكون لحيلولة غير الصّفات وحجابيّته مجال؟! (فإن قيل) إذا لم يجز انفكاك الصّفات عن الذّات فما معنى ارتفاع حيلولة الصّفات من بين الواصل والموصول إليه؟ (قلت) إذا حصل للسّالك وصول إلى أصله الذي هو اسم من الاسماء الإلهيّة والسّالك ظلّه وتحقّق السّالك به لا يكون بينه وبين حضرة الذّات - تعالت - توسّط وحيلولة البتّة كما لا حيلولة بين الاسم ومسمّاه فعلى هذا لا يلزم ارتفاع ولا انفكاك وقد مرّ مثل هذا التّحقيق آنفا في بيان اتّحاد حقيقة السّالك بالحقيقة المحمّديّة وقد مرّت أيضا شمّة من هذا البيان عند بيان وصول الظّلّ إلى أصله (تنبيه) ولا يظنّ أبله من عدم التّوسّط الذي ذكر في طريق الجذبة وغيرها الاستغناء عن تبعيّة خير البشر عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام فإنّ ذلك كفر وزندقة وإنكار على الشّريعة الحقّة وقد مرّ آنفا الجذبة بلا انضمام السّلوك إليه الذي هو عبارة عن إتيان أحكام الشّريعة غير تامّة وأبتر ونقمة ظهرت في صورة النّعمة وأتمّت الحجّة على صاحبها (وبالجملة) قد بلغ مرتبة اليقين بالكشف الصّحيح والالهام الصّريح أيضا أنّه لا يتيسّر دقيقة من دقائق هذا الطّريق ولا معرفة من معارف القوم بلا وساطته ووساطة متابعته عليه الصّلاة والسّلام وفيوض هذا الطّريق وبركاته لا تحصل للمنتهي كالمبتدي والمتوسّط بلا تبعيّته وتطفّله صلّى الله عليه وسلّم.

(شعر) ومن المحال المشي في طرق الصّفا ... يا سعد من غير اتّباع المصطفى

وزعم أفلاطون الابله نفسه مستغنيا عن الانبياء عليهم السّلام بسبب الصّفاء الذي حصل لنفسه من الرّياضات والمجاهدات! وقال: نحن قوم مهذّبون لا حاجة بنا إلى من يهذّبنا (ينبغي أن يعلم) أنّ هذا الصّفاء الذي يحصل بالرّياضات بلا توسّط متابعة الانبياء حكمه حكم نحاس أسود طلي بالذّهب أو سمّ غلّف بالسّكّر والذى يقلب حقيقة النّحاس ذهبا خالصا ويخرج النّفس من الامّاريّة إلى الاطمئنان هو متابعة الانبياء عليهم الصّلاة والسّلام والحكيم المطلق جلّ وعلا إنّما قرّر بعثة الانبياء ووضع شرائعهم لتعجيز النّفس الامّارة وتخريبها ولم يجعل تخريبها - بل إصلاحها - في غير متابعة الانبياء عليهم السّلام فمن ارتكب ألوفا من الرّياضات والمجاهدات بلا متابعة هؤلاء الاكابر لا ينقص من أمّاريّتها مقدار شعرة بل تزيد في طغيانها وعنادها (ع) كلّ مختار العليل علّة * وإزالة مرضها الذّاتيّ منوطة بالتّمسّك بشرائع الانبياء عليهم السّلام وبدونه خرط القتاد (ينبغي) أن يعلم أنّ الجذبة وإن كانت لا بدّ لها من السّلوك سواء كانت مقدّمة عليه أو مؤخّرة عنه ولكنّ الفضل لتقدّم الجذبة على السّلوك فإنّ السّلوك ح خادمها وفي تأخير الجذبة يكون مخدومها لانّ الجذب ح إنّما يتيسّر له بدولة السّلوك وفي تقدّم الجذبة ليس كذلك فإنّه على هذا التّقدير بنفسه مدعوّ ومطلوب ولهذا كان مرادا وذاك مريدا ورأس المرادين ورئيس

المحبوبين محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنّ المقصود الذّاتيّ والمدعوّ الاوّل في هذه الدعوة هو عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام وغيره إنّما دعوا بتطفّله سواء كانوا مرادين أو مريدين لولاه لما خلق الله الخلق ولما أظهر الرّبوبيّة كما ورد فإذا كان كلّ من سواه طفيليّة وكان هو صلّى الله عليه وسلّم مقصودا أصليّا من هذه الدعوة فلا جرم يكون الكلّ محتاجين إليه ويأخذون الفيوض والبركات بتوسّطه عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام فلو قيل للكلّ اله من هذه الحيثيّة لجاز فإنّ الكلّ متّبعون له لا يأخذون كمالا إلّا بتوسّطه فإنّه إذا كان وجود من سواه لا يتصوّر بدون وجوده كيف تتصوّر كمالاتهم الّتي هي تابعة للوجود بدون توسّطه عليه الصّلاة والسّلام؟ نعم ينبغي لمحبوب ربّ العالمين أن يكون كذلك (اسمع) قد صار مكشوفا أن محبوبيّته صلّى الله عليه وسلّم كائنة بمحبّته تعالى المتعلّقة بذاته البحت بلا ملاحظة الشّئون والاعتبارات وصارت حضرة الذّات محبوبة بتلك المحبّة بخلاف محبوبيّة غيره صلّى الله عليه وسلّم فإنّها كائنة بالمحبّة المتعلّقة بالشّئون والاعتبارات ومتلبّسة بالاسماء والصّفات أو بظلال الاسماء والصّفات على تفاوت الدرجات. (شعر)

فإنّ فضل رسول الله ليس له ... حدّ فيعرب عنه ناطق بفم

عليه وعلى جميع إخوانه من الانبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين الصّلوات والتّسليمات والبركات (وتحقيق هذا المقام) انّه يمكن أن يكون توسّطه صلّى الله عليه وسلّم بمعنيين أحدهما أنّه يكون حائلا وحاجبا بين السّالك والمطلوب والثاني أنّ السّالك يصل إلى المطلوب بتطفّله وبتوسّط تبعيّته ومتابعته عليه الصّلاة والسّلام ففي طريق السّلوك التّوسّط كائن بمعنييه قبل الوصول إلى الحقيقة المحمّديّة بل أظنّ أنّ كلّ من كان واسطة في البين من الشّيوخ في هذا الطّريق فهو حاجب عن شهود السّالك فويل لمثل هذا السّالك لو لم يتدارك ذلك أخيرا بالجذبة ولم تجرّ معاملته من الحجاب إلى عدم الحجابيّة فإنّ في طريق الجذبة وبعد الوصول إلى حقيقة الحقائق التّوسّط بالمعنى الثاني الذي هو تطفّل السّالك وتبعيّته دون الحيلولة والحجاب حتّى يكون حجابا للشّهود والمشاهدة وأمثالهما (لا يقال) إنّ عدم التّوسّط وإن كان بمعنى واحد يستلزم قصورا لجنابه صلّى الله عليه وسلّم لأنّا نقول أنّ عدم التّوسّط بالمعنى المذكور مستلزم لكمال جنابه صلّى الله عليه وسلّم لا للقصور بل القصور في وجود التّوسّط فإنّ كمال المتبوع هو أن يصل تابعه بتطفّله وتبعيّته إلى جميع درجات الكمال وأن لا يترك دقيقة من دقائقه وهذا إنّما هو في عدم التّوسّط لا في وجوده فإنّ في عدم التّوسّط شهودا بلا حجاب وهو أقصى درجات الكمال وفي وجود الشّهود في حجاب فيكون الكمال في عدم التّوسّط والقصور في التّوسّط ومن شوكة المخدوم وعظمته أن لا يتخلّف عنه خادمه في مقام أصلا ويكون بتبعيّته شريكا في دولة أقرانه ومن ههنا قال عليه الصّلاة والسّلام «علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل “ وستكون الرّؤية الاخرويّة بلا توسّط شيء وحيلولة أمر وقد ورد في الحديث الصّحيح ” إنّ العبد إذا دخل في الصّلاة يرتفع الحجاب الذي بين

العبد والرّبّ " ولهذا كانت الصّلاة معراج المؤمن وصار الحظّ الوافر منها نصيبا للمنتهى الواصل فإنّ رفع الحجاب مخصوص بالمنتهى الواصل فثبت ارتفاع التّوسّط والحيلولة وهذه المعرفة من خواصّ المعارف اللدنيّة بهذا الفقير أعطيها بمحض الفضل والكرم وتحقّق بحقيقتها.

(شعر) كأنّي بقعة فيها سحاب ال‍ ... رّبيع ممطر ماء زلالا

ونعم ما قيل (شعر)

وإذا أتى باب العجوز خليفة ... إيّاك يا صاح ونتف سبالكا

ولمشائخ الطّريقة قدّس الله أسرارهم اختلافات في توسّطه وعدم توسّطه صلّى الله عليه وسلّم ذهب جماعة إلى وجود التّوسّط وطائفة إلى عدمه ولم يبيّن منهم أحد تحقيق التّوسّط وعدم التّوسّط ولم يتكلّم في كمالهما وقصورهما وأرباب الظّاهر يكادون يظنّون عدم التّوسّط الذي هو كمال الإيمان كفرا ويضلّلون القائل به من جهالاتهم ويتصوّرون التّوسّط من كمال الإيمان ويعدّون القائل به من كمّل المتابعين والحال أنّ عدم التّوسّط منبئ عن كمال المتابعة ووجود التّوسّط مشعر بقصور المتابعة كما مرّ كلّ ذلك منهم لعدم الدرك إلى حقيقة الحال قال الله تعالى بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ولَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (١) (أيّها المخدوم) انّ القول بالاويسيّة ليس بانكار على الشّيخ الظّاهر فانّ الاويسىّ شخص يكون للرّوحانيّين مدخل في تربيته الا ترى انّ الخواجه أحرار قدّس سرّه لمّا وجد الامداد من روحانيّة الخواجه النّقشبند قدّس سرّه قيل له مع وجود شيخه الظّاهر اويسيّا وكذلك الخواجه النّقشبند لمّا نال الامداد من روحانيّة الخواجه عبد الخالق الغجدوانىّ قدّس سرّهما كان مع وجود شيخه الظّاهر اويسيّا خصوصا اذا كان شخص مع وجود الاويسيّة مقرّا بشيخه الظّاهر وجعل المراد انكارا على الشّيخ بالزّور والبهتان انصاف عجيب (أيّها المخدوم) انّ المراد من تركيب لفظ عبد الباقي معناه الاضافيّ لا العلمىّ وان كان فيه اشعار بالمعنى العلمىّ أيضا بابلغ الوجوه يعنى انّ شيخى وان كان عبد الباقى ولكنّ المتكّفل بتربيتى الله الباقى فاىّ تحريف وانحراف هنا واىّ سوء ادب رزق الله الانصاف (أيّها المخدوم) انّ القصور الذى قيل في معنى قول “ سبحانى ” الذى صدر عن ابى يزيد البسطامىّ قدّس سرّه في غلبات السّكر لو سلّم لا يلزم منه ان يكون ذلك القصور مستقرّا ومستمرّا في قائله حتّى يكون غيره افضل منه فانّ كثيرا من المعارف تصدر في وقت بمقتضى حال ذلك الوقت ثمّ لمّا ظهر قصور تلك المعرفة بعناية الله تعالى في وقت آخر تترك تلك المعرفة ويترقّى إلى مقام فوقانىّ قد اندرج في المكتوب الشّريف انّ امثال هذه الكلمات الممزوجة بالشّطح لو كتبها ارباب السّكر لجاز ولكنّ اظهار ارباب الصّحو امثال هذه الكلمات مستبعد جدّا (أيّها المخدوم) انّ كلّ من كتب هذه الكلمات فمنشأه السّكر لم يحرّك القلم في هذا الباب بلا مزج السّكر غاية ما في الباب انّ في السّكر مراتب كثيرة وكلّما كان السّكر اكثر يكون الشّطح اغلب واوفر وسكر البسطامىّ هو ما يصدر

__________

(١) الآية: ٣٩ من سورة يونس.

عنه قول “ لوائى ارفع من لواء محمّد بلا تحاش ” فكلّ من حاله الصّحو لا يظنّ به انّه لا سكر معه اصلا فانّه عين القصور لانّ الصّحو الخالص نصيب العوامّ ومن رجّح الصّحو فمراده غلبة الصّحو لا الصّرف وكذلك كلّ من يرجّح السّكر فمراده غلبه السّكر لا السّكر الخالص فانّه آفة الا ترى انّ الجنيد قدّس سرّه مع كونه رئيس ارباب الصّحو وترجيحه الصّحو على السّكر له عبارات كثيرة ممزوجة بالسّكر يعسر تعدادها قال العارف هو المعروف وقال لون المألون إنائه وقال المحدث اذا قرن بالقديم لم يبق له اثر وصاحب العوارف من كمّل ارباب الصّحو ومع ذلك في كتابه من المعارف السّكريّة ما لا يمكن شرحه وهذا الفقير قد جمع بعض معارفه السّكريّة في ورق ومن بقايا السّكر تجويز افشاء الأسرار ومنه المباهات والافتخار ومنه ادّعاء المزيّة على الاغيار فلو كان صحو الخالص يكون افشاء الأسرار ح كفرا واعتقاد الافضليّة على الغير شركا وبقيّة السّكر في الصّحو كالملح المصلح للطّعام فلو لم يكن ملح يكون الطّعام معطّلا (شعر)

فلو لم يكن عشق وهيمان عاشق ... لما كان من يصغى وما كان سامر

وقد حمل صاحب العوارف قدّس سرّه قول “ قدمى هذه على رقبة كلّ ولىّ ” الصّادر عن الشّيخ عبد القادر قدّس سرّه على السّكر وليس مراده اثبات القصور لهذا القول كما توهّم فانّه عين محمدة له بل بيان الواقع يعنى انّ صدور مثل هذا الكلام المنبئ عن المباهات والافتخار ليس هو بلا بقيّة سكر فانّ التّكلّم بامثال هذا الكلام في الصّحو الخالص عسير وكلّ هذه الدفاتر الّتى كتبها هذا الفقير في علوم هذه الطّائفة العليّة وأسرارهم كأنّه تقرّر في خاطركم الشّريف انّه كتبها عن صحو خالص بلا مزج السّكر حاشا وكلّا من ذلك فانّه حرام منكر وجزاف ونسج للكلام والذين ينسجون الكلام المتّصفون بصحو خالص كثير فلم لا ينسجون الاقوال على هذا المنوال ولا يحرّكون بها قلوب الرّجال (شعر)

خليلى ما هذا بهذل وانّما ... حديث عجيب من بديع الغرائب

(أيّها المخدوم) انّ امثال هذه الكلمات المنبئة عن افشاء الأسرار المصروفة عن الظّاهر قد صدرت عن مشائخ الطّريقة قدّس الله أسرارهم في كلّ وقت وصار ذلك عادتهم المستمرّة ليس هو امر ابتدعه هذا الفقير واخترعه ليس هذا اوّل قارورة كسرت في الاسلام فما كلّ هذا الاضطراب والجدال فان صدر لفظ لا يطابق ظاهره بعلوم الشّريعة ينبغي ان يصرفه عن الظّاهر بادنى توجّه وان يجعله مطابقا بعلوم الشّريعة دون ان يتّهم مسلما فاذا كان اشاعة فاحشة وافضاح فاسق حراما ومنكرا في الشّريعة فافضاح مسلم بمجرّد اشتباه كيف يكون مناسبا واىّ تديّن في النّداء من بلد إلى بلد وطريق الاسلاميّة والشّفقة هو انّه اذا صدر عن شخص كلمة ظاهرها مخالف للعلوم الشّرعيّة ينبغي ان ينظر إلى قائله انّه من هو فان كان ملحدا وزنديقا ينبغي ان يردّه وان لا يشتغل باصلاحه وان كان من المسلمين وكان له ايمان بالله ورسوله ينبغي ان يجتهد في اصلاح كلامه وان يحمله على محمل صحيح وان يطلب حلّه من قائله فلو عجز عن حلّه ينبغي ان ينصحه فانّ الامر بالمعروف والنّهى عن المنكر هو الرّفق لكونه قريبا من الاجابة فان لم يكن المقصود الاجابة بل كان تفضيحا



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!