موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(121) المكتوب الحادى والعشرون: إلى مولانا حسن الدهلي

 

 


فهو امر آخر رزق الله تعالى التّوفيق واعجب من ذلك انّه يفهم من المكتوب الشّريف أنّه قد طرأ الاشتباه والانحراف على ملازميكم أيضا بعد استماع مكتوب هذا الفقير من ذاك العزيز ويشبه ان يكون انعكاسا وكان ينبغي لهم ان يحلّوا مظانّ الاشتباه بانفسهم من غير ان يطرح لهذا الفقير وان يسكّنوا الفتنة فماذا اقول في حقّ سائر الاصحاب بانّ بعضهم لم يدفع الاشتباه ولم تسمح نفسه بذلك واختار السّكوت مع وجود القدرة على الدفع (شعر)

ونحن قد توقّعنا ... من الاحباب امدادا

ربّنا آتنا من لدنك رحمة وهيّئ لنا من امرنا رشدا والسّلام اوّلا وآخرا

(١٢١) المكتوب الحادى والعشرون: إلى مولانا حسن الدهليّ

بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى اعلم انّ الحقيقة المحمّديّة ظهور اوّل وحقيقة الحقائق بمعنى انّ سائر الحقائق سواء كانت حقائق الانبياء الكرام او حقائق الملائكة العظام عليهم الصّلاة والسّلام كالظّلال لها وانّها اصل جميع الحقائق قال عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام “ اوّل ما خلق الله نورى ” وقال عليه الصّلاة والسّلام «خلقت من نور الله والمؤمنون من نورى “ فبالضّرورة تكون تلك الحقيقة بين سائر الحقائق وبين الحقّ جلّ وعلا ويكون وصول احد إلى المطلوب بلا توسّطه عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام محالا فهو نبىّ الانبياء والمرسلين وارساله رحمة للعالمين ومن ههنا يتمنّى الانبياء اولو العزم مع وجود الاصالة فيهم تبعيّته والدخول في عداد امّته كما ورد عنه عليه وعليهم الصّلاة والسّلام (فإن قيل) اىّ كمال مربوط بكون الانبياء من أمّته صلّى الله عليه وسلّم ولم يتيسّر لهم مع وجود دولة النّبوّة فيهم (قلت) انّ ذلك الكمال هو الوصول إلى حقيقة الحقائق والاتّحاد به وهما منوطان بالتّبعيّة والوراثة بل موقوفان على كمال فضله تعالى فانّهما نصيب اخصّ الخواصّ من امّته صلّى الله عليه وسلّم ومن لم يكن من امّته لا يصل إلى هذه الدولة ولا يرتفع في حقّه الحجاب فانّه انّما يتيسّر بسبب الاتّحاد ولعلّ الله سبحانه قال من هذه الحيثيّة ” كنتم خير امّة " فهو عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام كما هو افضل من كلّ فرد من الانبياء الكرام والملائكة العظام كذلك هو عليه الصّلاة والسّلام كما هو افضل الكلّ عليه وعليهم الصّلاة والسّلام فانّ للاصل فضلا على ظلّه وان كان ذلك الظلّ متضمّنا لالوف من الظّلال فانّ وصول الفيوض من المبدأ الفيّاض سبحانه إلى الظّلّ انّما هو بتوسّط الاصل وقد حقّق هذا الفقير في رسائله انّ للنّقطة الفوقانيّة فضلا على جميع النّقط الّتى تحتها وهنّ كالظّلال لها وقطع العارف لتلك النّقطة الفوقانيّة الّتي هى كالاصل ازيد من قطعه لجميع النّقط التّحتانيّة الّتى هى كالظّلال لها (فإن

قيل) يلزم من هذا البيان فضل خواصّ هذه الامّة على الانبياء عليهم السّلام (قلت) لا يلزم ذلك اصلا وانّما يلزم شركة خواصّ هذه الامّة مع الانبياء في تلك الدولة ومع ذلك في الانبياء كمالات كثيرة ومزايا عديدة مختصّة بهم واخصّ الخواصّ من هذه الامّة لو ترقّى غاية التّرقّى لا يصل رأسه إلى قدم ادنى الانبياء واين المجال للمساواة والمزيّة بعد قال الله تعالى “ ولَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ ” عليهم الصّلوات والتّسليمات فلو ترقّى فرد من أفراد الامّة بتطفّل نبيّه وتبعيّته فوق بعض الانبياء عليهم السّلام انّما يكون ذلك بعنوان الخادميّة والتّبعيّة ومن المعلوم انّه ما نسبة الخادم إلى اقران المخدوم غير الخادميّة والتّبعيّة والخادم الطّفيلىّ طفيلىّ في جميع الوقت والحقيقة المحمّديّة الّتى هى حقيقة الحقائق على ما انكشف لهذا الفقير في آخر الامر بعد طىّ جميع مراتب الظّلال هى التّعيّن الحبّىّ وظهوره الذى هو مبدأ الظهورات ومنشأ خلق المخلوقات كما ورد في الحديث القدسىّ المشهور كنت كنزا مخفيّا فأحببت ان اعرف فخلقت الخلق لاعرف واوّل شيء جاء إلى منصّة الظّهور من ذلك الكنز الخفىّ كان الحبّ الذى صار سببا لخلق الخلائق فلو لم يكن هذا الحبّ لما انفتح باب الإيجاد وكان قدم العالم راسخا ومستقرّا في العدم وينبغي ان يطلب سرّ حديث «لولاك لما خلقت الافلاك “ ولما اظهرت الرّبوبيّة في هذا المقام (فإن قيل) انّ صاحب الفتوحات المكّيّة جعل التّعيّن الاوّل الذى هو الحقيقة المحمّديّة عبارة عن اجمال العلم وانت قلت في رسائلك انّ التّعيّن الاوّل هو التّعيّن الوجودىّ وجعلت مركزه الذى هو اشرف اجزائه واسبقها عبارة عن الحقيقة المحمّديّة وظننت تعيّن حضرة الاجمال ظلّ هذا التّعيّن الوجودىّ وتكتب الآن ههنا انّ التّعيّن الاوّل هو التّعيّن الحبّىّ وانّه حقيقة محمّديّة فما وجه التّوفيق بين هذه الاقوال (قلت) كثيرا ما يظهر ظلّ شيء بصورة اصله ويجعل السّالك مشغولا ومشغوفا بنفسه فذانك التّعيّنان من ظلال التّعيّن الاوّل ظهرا للسّالك وقت العروج بصورة اصلهما الذى هو التّعيّن الاوّل الحبّىّ (فإن قيل) كيف يستقيم القول بانّ التّعيّن الوجودىّ ظلّ التّعيّن الحبّىّ والحال انّ للوجود سبقة على الحبّ فانّ الحبّ فرع الوجود (قلت) انّ هذا الفقير قد حقّق في رسائله انّ الحقّ سبحانه وتعالى موجود بذاته لا بالوجود وكذلك صفاته الثمانية الحقيقيّة موجودة بذاته جلّ شأنه لا بالوجود فانّه لا مجال للوجد بل للوجوب في تلك المرتبة لانّ الوجود والوجوب كليهما من الاعتبارات واوّل اعتبار ظهر لايجاد العالم هو الحبّ ثمّ بعده اعتبار الوجود الذى هو مقدّمة ايجاد العالم فانّ لحضرة الذّات تعالت بلا اعتبار هذا الحبّ والوجود استغناء عن العالم وعن ايجاد العالم ” إِنَّ الله لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ " نصّ قاطع والقول بظلّيّة التّعيّن العلمىّ الاجمال لذينك التّعيّنين باعتبار انّهما من اعتبارات حضرة الذّات بلا ملاحظة الصّفات والملحوظ في هذا التّعيّن هو الصّفة الذى هى كالظّلّ للذّات (ينبغي) ان يعلم انّه اذا أجيل النّظر في التّعيّن الاوّل الذى هو التّعيّن الحبّىّ بالدّقّة والامعان يعلم بفضل الله سبحانه انّ مركز ذلك التّعيّن هو الحبّ الذى هو الحقيقة المحمّديّة ومحيطه الذى هو كالدّائرة في صورة المثال وكالظّلّ لذلك المركز هو الخلّة الّتى هى الحقيقة الابراهيميّة فكان

الحبّ اصلا والخلّة كالظّلّ له ومجموع المركز والمحيط الذى هو دائرة واحدة تعيّن اوّل ومسمّى باسم اشرف اجزائه واسبقها الذى هو المركز الذى هو عبارة عن الحبّ وفي النّظر الكشفىّ أيضا يظهر باعتبار اصالة ذلك الجزء وغلبته تعيّنا حبّيّا ومن حيث انّ محيط الدائرة كالظّلّ لمركزها وناش منه وانّ ذلك المركز اصل ومنشأ له لو قيل للمحيط تعيّنا ثانويّا أيضا لجاز ولكن ليس في النّظر الكشفىّ تعيّنان بل تعيّن واحد مشتمل على الحبّ والخلّة اللّذين هما المركز والمحيط والتّعيّن الثانى في النّظر الكشفيّ هو التّعيّن الوجودىّ الذى هو كالظّلّ للتّعيّن الاوّل كما مرّ فاذا كان المركز اصلا للمحيط لا بدّ للمحيط في الوصول إلى المطلوب من توسّط المركز فانّ الوصول إلى المطلوب من طريق المركز الذى هو اصل الدائرة واجمالها ينبغى ان يعرف من هذا البيان مناسبة حبيب الله واتّحاده بخليل الله عليهما الصّلاة والسّلام ولمّا كان الاصل واسطة للظّلّ في الوصول إلى المطلوب لا جرم اراد الخليل توسّط حبيب الله وتمنّى ان يكون داخلا في عداد امّته عليهما الصّلاة والسّلام كما ورد في الخبر (فإن قيل) اذا كانت المعاملة هكذا فما معنى امر حبيب الله بمتابعة ملّة خليل الله عليهما الصّلاة والسّلام ولم قال صلّى الله عليه وسلّم في بيان الصّلاة والسّلام على نفسه الشّريفة كما صلّيت وكما سلّمت على ابراهيم (قلت) انّ حقيقة الشّيئ كلّما كانت اعلى واقرب إلى التّنزيه يكون مظهر تلك الحقيقة في عالم العناصر اسفل ويكون تلبّسه بالصّفات البشريّة اكثر فوصول ذلك المظهر إلى تلك الحقيقة بطريق العروج يكون متضمّنا للعسر والملّة الّتى اعطاها الله سبحانه لابراهيم عليهم السّلام طريق واضح للوصول إلى الحقيقة الابراهيميّة الّتى هى واقعة في جوار الحقيقة المحمّديّة كما مرّ وابراهيم عليه السّلام وصل هناك من هذا الطّريق ولهذا امر صلّى الله عليه وسلّم بمتابعة ملّته ليصل بها إلى حقيقة الحقائق وقال صلّى الله عليه وسلّم كما صلّيت وكما سلّمت لانّ الصّلاة والرّحمة عليه عليه السّلام انّما هى بعد حصول دولة الوصول إلى الحقيقة مع انّا نقول انّ الفاضل يؤمر في بعض الاحيان بمتابعة المفضول ولا يلزم من ذلك الامر بالمتابعة قصور في فاضليّته قال الله تعالى لنبيّه عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام “ وشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ” والامر بمشورة الاصحاب لا يخلو من تضمّن الامر بمتابعتهم وإلّا فما فائدة المشورة (واعلم انّ حقيقة) الصّدّيق رضي الله عنه يعنى ربّه من الاسماء الالهيّة الذى هو مبدأ تعيّنه ظلّ الحقيقة المحمّديّة بلا توسّط امر على نهج كلّما هو كائن في تلك الحقيقة ثابت لذلك الظّلّ بطريق التّبعيّة والوراثة ومن ههنا كان هو رضي الله عنه اكمل ورثة هذه الامّة وافضلهم قال عليه الصّلاة والسّلام «ما صبّ الله شيئا في صدرى إلّا وقد صببته في صدر ابى بكر» (ولاح) أيضا انّ الحقيقة الاسرافيليّة أيضا هى تلك الحقيقة المحمّديّة لا بطريق الاصالة والظّلّيّة كما في الحقيقة الصّدّيقيّة حيث كانت ظلّا لتلك الحقيقة بل في كليهما اصالة هنا لا ظلّيّة حائلة وانّما الفرق بينهما بالكلّيّة والجزئيّة فانّ حقيقته صلّى الله عليه وسلّم كلّيّة ولهذا كانت تلك الحقيقة منسوبة إلى اسمه عليه الصّلاة والسّلام وحقائق الملائكة الكرام عليهم السّلام ناشئة من الحقيقة الاسرافيليّة (فإن قيل) هل

يجوز يترقّى العارف من حقيقته الّتى هى عبارة عن الاسم الالهىّ الذى هو ربّه بعد الوصول اليها او لا (قلت) انّ الوصول إلى تلك الحقيقة بعد طىّ مراتب السّلوك الذى قالوا انّه عبارة عن تماميّة السّير إلى الله على نوعين احدهما وصول إلى ظلّ من ظلال ذلك الاسم الذى ظهر في المظاهر الوجوبيّة في صورة حقيقته وبرز بوصف اصله وهذا الاشتباه كثير الوقوع في هذا الطّريق وعقبة عظيمة على السّالك إلّا ان يتيسّر مخلص من هذه العقبة بمحض فضل الله تعالى ولا شكّ انّ هذا التّرقّى من هذا الظّلّ الشّبيه بالحقيقة جائز بل واقع وامّا اذا وقع الوصول إلى نفس الحقيقة فلا يجوز التّرقّى منها بلا تطفّل احد وتبعيّته فانّ تلك الحقيقة نهاية مراتب استعداده الذّاتيّ وامّا اذا وصل إلى حقيقة غيره الّتى هى فوق حقيقته بطريق التّطفّل فجائز بل واقع وهذا السّير كأنّه سير قسرىّ وراء السّير الطّبيعىّ الاستعدادى كما مرّت شمّة من ذلك عند بيان الوصول إلى الحقيقة المحمّديّة (فإن قيل) هل يجوز التّرقّى من الحقيقة المحمّديّة الّتى هى حقيقة الحقائق ولا حقيقة فوقها من حقائق الممكنات او لا وانت كتبت في رسائلك انّ التّرقّى من الحقيقة المحمّديّة قد وقع فما حقيقة هذه المعاملة (قلت) لا يجوز فانّ فوقها مرتبة اللّاتعيّن ووصول المتعيّن اليها ولحوقه بها محال والقول بالوصول واللّحوق بلا تكيّف مجرّد تفوّه يتسلّى به قبل الوصول إلى حقيقة المعاملة وامّا بعد الوصول إلى حقيقة الامر فالحكم بعدم الوصول واللّحوق لازم لانّه ليس فيه شائبة الرّيب وما كتبت انّه قد وقع التّرقّى من الحقيقة المحمّديّة فالمراد من تلك الحقيقة ظلّ تلك الحقيقة الذى قالوا انّه عبارة عن اجمال حضرة العلم ومعبّر عنه بالوحدة كان في ذلك الوقت اشتباه الظّلّ بالاصل ولمّا تيسّر التّخلّص بمحض فضل الله جلّ سلطانه من ذلك الظّلّ وسائر الظّلال علم انّ التّرقّى من حقيقة الحقائق غير واقع بل غير جائز فانّ رفع القدم منها ووضعها فيما فوقها وضع القدم في الوجوب وخروج من الامكان وذلك محال عقلا وشرعا (فإن قيل) يلزم من هذا التّحقيق انّ التّرقّى من تلك الحقيقة غير واقع لخاتم الرّسل عليه وعليهم الصّلاة والسّلام أيضا (قلت) انّه صلّى الله عليه وسلّم أيضا مع علوّ شأنه وجلالة قدره ممكن دائما لا يخرج من الامكان قطّ ولا يلحق بالوجوب اصلا فانّه مستلزم للتّحقّق بالالوهيّة تعالى الله ان يكون له ندّ وشريك دع ما ادّعته النّصارى في نبيّهم الخ (فإن قيل) قد اتّضح من التّحقيق السّابق ان الوصول إلى حقيقة الحقائق واللّحوق والاتّحاد بها بتطفّله ووراثته صلّى الله عليه وسلّم ثابت للآخرين أيضا وشركتهم له في كماله الخاصّ به صلّى الله عليه وسلّم كائنة فعلى هذا التّقدير ما الفرق بين المتبوع الاصل وبين التّابع الطّفيلىّ في هذا الكمال الذى هو متضمّن لرفع الحجاب وارتفاع الواسطة وفوق جميع الكمالات واىّ مزيّة في المتبوع والاصل ليست هى في التّابع والطّفيلىّ (قلت) انّ وصول الآخرين إلى تلك الحقيقة ولحوقهم بها من قبيل لحوق الخادم بالمخدوم ووصول الطّفيلىّ إلى الاصيل فان كان الواصل من اخصّ خواصّ الامّة الذين هم الاقلّون فهو خادم وان كان من الانبياء عليهم السّلام فهو أيضا طفيلىّ والخادم الذى هو نائل حصّة ممّا في يد المخدوم اىّ شركة له مع المخدوم واىّ عزّة له واىّ مزيّة

في جنبه والطّفيلىّ وان كان جليسا وشريكا في اللّقمة ولكنّ الطّفيلىّ طفيلىّ ووصول الخدمة بتبعيّة المخدوم إلى امكنة عالية واكلهم من الاطعمة المخصوصة به ونيلهم الاعزاز والاحترام من عظمة شأن المخدوم وعلوّ منزلته وكأنّه يلحق للمخدوم ح عزّة اخرى من جهة لحوق خدمة به مع وجود عزّته الذّاتيّة ويزيد بذلك قدره ويرتفع شأنه (اسمع سماعا حسنا) انّه قد ورد في الحديث النّبوىّ على صاحبه الصّلاة والسّلام “ من سنّ سنّة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها فالمتبوع كلّما كان التّابع له في سنّته الحسنة اكثر يكون اجره مثل اجورهم ازيد واوفر ويكون موجبا لازدياد منزلته فكيف يكون للتّابعين شركة مع المتبوع وكيف تتوهّم المساواة بينهما (اسمع اسمع) انّه يجوز ان يكون جماعة في مقام واحد وشركاء في دولة واحدة ولكن يكون مع كلّ منهم معاملة على حدة ولا يكون لاحد منهم اطّلاع على الآخر الا ترى انّ ازواج النّبىّ صلّى الله عليه وسلّم يكون معه في الجنّة في مقام واحد ويتناولن من طعام واحد وشراب واحد ولكنّ المعاملة الّتى تكون مع النّبىّ صلّى الله عليه وسلّم لا تكون معهنّ والالتذاذ والسّرور اللّذان يكونان له صلّى الله عليه وسلّم لا يكونان لهنّ فلو كانت لهنّ شركة هناك معه في جميع الامور يلزم افضليّتهنّ على الكلّ كافضليّته صلّى الله عليه وسلّم فانّ الافضليّة هنا بمعنى كثرة الثواب عند الله (فإن قيل) انّ هذا التّعيّن الحبّىّ الذى هو التّعيّن الاوّل والحقيقة المحمّديّة هل هو ممكن او واجب حادث او قديم وقد قال صاحب الفصوص للتّعيّن الاوّل حقيقة محمّديّة وعبّر عنه بالوحدة وكذلك قال للتّعيّن الثانى واحديّة واثبت الاعيان الثابتة الّتى هى حقائق الممكنات عنده في تلك المرتبة وقال لكلا التعيّنين تعيّنا وجوبيّا واعتقد قدمهما وقال للتّعيّنات الثلاثة الباقية اعنى الرّوحىّ والمثالىّ والجسدىّ تعيّنا امكانيّا فما معتقدك في هذه المسئلة (قلت) لا تعيّن عند هذا الفقير اصلا ولا متعيّن اىّ تعيّن يجعل اللّامتعيّن متعيّنا وهذه الالفاظ موافقة لمذاق حضرة الشّيخ محى الدين واتباعه قدّس الله تعالى أسرارهم فان وقع مثل هذه الالفاظ في عبارات الفقير ينبغى ان نعتقده من قبيل صنعة المشاكلة وعلى كلّ حال اقول انّ ذلك التّعيّن تعيّن امكانىّ ومخلوق وحادث قال عليه الصّلاة والسّلام «اوّل ما خلق الله نوى ” وورد في احاديث اخر تعيّن وقت خلقة ذلك النّور أيضا كما ورد قبل خلق السّموات بالفى عام وامثاله وكلّما هو مخلوق ومسبوق بالعدم فهو ممكن وحادث فاذا كانت حقيقة الحقائق الّتى هى اسبق الحقائق مخلوقة وممكنة تكون حقائق الآخرين مخلوقة وممكنة وحادثة بالطّريق الاولى والعجب من الشّيخ قدّس سرّه من اين يحكم للحقيقة المحمّديّة بل حقائق جميع الممكنات الّتى قال لها اعيانا ثابتة بالوجوب ويعتقد قدمها ويخالف قول نبيّه عليه الصّلاة والسّلام والممكن بجميع اجزائه وممكن بصورته وحقيقته لاىّ شيء يكون التّعيّن الوجوبيّ حقيقة الممكن وحقيقة الممكن ينبغى ان تكون ممكنة البتّة فانّ الممكن لا اشتراك له مع الواجب تعالى اصلا ولا انتساب غير ان يكون الممكن مخلوقة وهو سبحانه خالقه والشّيخ لعدم تمييزه

بين الواجب والممكن حيث قال بنفسه بعدم التّميّز بينهما لا يبالى من ان يقول للواجب ممكنا وللممكن واجبا فلو سومح في ذلك فهو من كمال

الكرم والعفو ربّنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا (فإن قيل) انّك قد اثبتّ في رسائلك بين الواجب تعالى والممكن نسبة الاصالة والظّلّيّة (وقلت) في حقّ الممكن انّه ظلّ الواجب تعالى وكتبت أيضا انّ الواجب تعالى باعتبار الاصالة حقيقة للممكن الذى هو كالظّلّ له وفرّعت على ذلك معارف كثيرة فلو قال الشّيخ قدّس سرّه أيضا للواجب حقيقة الممكن بهذا الاعتبار اىّ محذور يلزم منه ولم يكون ملوما به (قلت) انّ مثل هذه العلوم الّتى تثبت بين الواجب تعالى والممكن نسبة ولم يرد بها الشّرع كلّها من المعارف السّكريّة ولعدم الاطّلاع على حقيقة المعاملة ولعدم ادراك كنه الامر وماذا يكون الممكن حتّى يكون ظلّ الواجب تعالى وكيف يكون للواجب تعالى ظلّ فانّ الظّلّ موهم لتوليد المثل ومنبئ عن شائبة عدم كمال لطافة الاصل فاذا لم يكن لمحمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من لطافته ظلّ كيف يكون لاله محمّد ظلّ والموجود في الخارج بالذّات وبالاستقلال هو حضرة الذّات تعالت وصفاته الثمانية الحقيقيّة وما سواها ايّاما كان صار موجودا بإيجاده تعالى وممكن ومخلوق وحادث ولا شيء من المخلوق بظلّ لخالقه وليس له انتساب إلى الخالق تعالى غير المخلوقيّة وغير ما ورد به الشّرع وهذا العلم بظلّيّة العالم ينفع للسّالك في الطّريق نفعا كثيرا ويؤدّيه بجذبه إلى الاصل فاذا طوى بكمال العناية منازل الظّلال ووصل إلى الاصل يجد بفضل الله تعالى انّ هذا الاصل أيضا حكمه حكم الظّلّ ليس له لياقة بالمطلوبيّة لكونه متّسما بسمة الامكان وانّ المطلوب ما وراء حيطة الادراك والوصل والاتّصال ربّنا آتنا من لدنك رحمة وهيّئ لنا من امرنا رشدا (فصل) قد كان منبع الفضائل والكمالات مولانا حسن الكشميرىّ الدهلوىّ احسن الله سبحانه أحواله وحصّل آماله ارسل رسالة إلى هذا الفقير وادرج فيها اسئلة متعدّدة وطلب حلّها ولمّا كان حلّها متضمّنا لاظهار بعض الأسرار مع بعض موانع اخر ما اجترأ الفقير على تحرير الجواب وامر الوقت بالتّعلّل ولكن لمّا كان للمشار اليه حقوق عظيمة على ذمّة الفقير حيث تشرّف بحسن دلالته بدولة الحضور عند صاحب الولاية حاوى طريق اندراج النّهاية في البداية فاخذ منه تعليم الف باء في هذا الطّريق واستفاد في خدمته فيوضات وبركات غير متناهية ادرج حلّ بعض اسئلته الّتى لها مناسبة بعلوم هذه الرّسالة في ذيل هذه الرّسالة بالضّرورة والله سبحانه الهادى إلى سبيل الرّشاد (وقد سئل) انّ الكمالات الصّوريّة والمعنويّة والظّاهريّة والباطنيّة والعلميّة والعلميّة والدنيويّة والاخرويّة وما يمكن في نوع البشر كلّها حاصل لحضرة خير البشر عليه الصّلاة والسّلام إلى يوم الحشر ومتمكّنة فيه بالفعل كما يفهم من حديث «انا سيّد ولد آدم ولا فخر وآدم ومن دونه تحت لوائى يوم القيامة " فعلمت علم الاوّلين والآخرين وامثالها وما كان مشروطا بشروط او موقوفا على وقت يحصل له باحسن الوجوه البتّة فعلى هذا التّقدير لماذا يكون حزنه صلّى الله عليه وسلّم الموصوف بالدّوام المعروف بالكثرة وما سبب ذلك فانّ السّبب للحزن والغمّ فقدان شيء يطلبه ويريده البتّة (ايّها المخدوم) انّ استبعاد

وجود الحزن وفقدان الكمال بالنّسبة إلى خاتم الرّسل عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام والتّحيّة نظرا إلى جاهه وجلاله المحمّدىّ وعناية الله جلّ سلطانه الشّاملة لحاله في حاله ومآله عليه الصّلاة والسّلام مسلّم ومستحسن واذا نظرنا إلى عبديّته وعجزه البشرىّ صلّى الله عليه وسلّم ولاحظنا عزّه وجلاله وعظمته وكبريائه واستغنائه تعالى الذّاتيّات لا يستبعد حصول حزن له او فقدان كمال من كمالاته تعالى الغير المتناهية في حقّه صلّى الله عليه وسلّم أيضا بل ذلك لائق بحال العبوديّة قوله تعالى “ ولا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ” وقوله تعالى “ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ” كلاهما شاهدان عدلان لهذا المعنى ويثبتان الفقدان في حقّ الكلّ نعم انّ الممكن وان بلغ الدرجات العلى ماذا يدرك من حقيقة الواجب وماذا ينال الحادث من القديم وكيف يحيط المتناهى بما هو غير متناه وما كتبوه من انّ كلّ كمال ممكن الحصول لنوع البشر فهو حاصل فيه صلّى الله عليه وسلّم بالفعل نعم انّ الفضل الكلّىّ على الكلّ مخصوص به عليه الصّلاة والسّلام ولكن يجوز ان يكون كمال راجع إلى فضل جزئىّ مخصوصا ببعض الانبياء الكرام او الملائكة العظام عليهم الصّلاة والسّلام ولا يوجب ذلك قصورا في فضله صلّى الله عليه وسلّم الكلّىّ اصلا وقد وردت احاديث صحيحة بكون بعض الكمالات في أفراد الامّة حتّى يغبطه الانبياء عليهم السّلام والحال انّ الفضل الكلّىّ على جميع أفراد الامّة للانبياء عليهم السّلام وأيضا قد ورد في الحديث انّ للشّهداء في سبيل الله مزيّة على الانبياء باشياء حيث انّ الشّهداء لا احتياج لهم إلى الغسل ولم يشرع صلاة الجنازة على الشّهداء كما هو مذهب الامام الشّافعىّ والانبياء لا بدّ لهم من الصّلاة وقال في القرآن المجيد “ ولا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ الله أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ ” الآية وقال في حقّ الانبياء موتى وهذه كلّها فضائل جزئيّة لا تستلزم القصور في فضل الانبياء الكلّىّ فيمكن ان يطرأ عليه صلّى الله عليه وسلّم حزن وغمّ بسبب فقدان هذه الفضائل الجزئيّة ويكون ذلك الحزن سببا لحصول الاستعداد والوصول إلى تلك الفضائل بان تجتمع الشّهادة مثلا مع النّوبة ولئن سلّمنا انّ جميع كمالات جميع أفراد الانسان حاصلة له صلّى الله عليه وسلّم بالفعل نقول انّ همّته صلّى الله عليه وسلّم لمّا كانت عالية لم يكتف بتلك الكمالات بل اشاق إلى ما فوقها قائلا هل من مزيد ولمّا كان حصول الكمالات الفوقانيّة للبشر خارجا عن حدّ الامكان كان دوام الحزن وافراط الغمّ نقد وقته صلّى الله عليه وسلّم وتحقيق هذا المبحث والله اعلم بحقيقة الحال انّ مدار الامر في الطّريقة والحقيقة وفي القربة والمعرفة على الفناء وعلى زوال الصّفات البشريّة والأحوال الامكانيّة (شعر)

ومن لم يكن في حبّ مولاه فانيا ... فليس له في كبرياه سبيل

وكلّما يبقى من وجود البشريّة يكون حجاب الطّريق بقدره وارتفاع الصّفات البشريّة بالكلّيّة غير ممكن في حقّ الكلّ سواء كان من الخواصّ او من اخصّ الخواصّ قال الشّيخ فريد الدين العطّار (شعر)

الا ترى سيّد الكونين ما وصلا ... لكنّه فقر فدع عن نفسك التّعبا

واراد بكنه الفقر زوال الصّفات البشريّة والاحكام الامكانيّة بالكلّيّة وحصول ذلك غير متصوّر لكونه

مستلزم لقلب الحقائق فانّ الممكن اذا ترقّى وانخلع من امكانيّته يصير واجبا البتّة وذلك محال عقلا وشرعا وما قاله واحد من الاعزّة (شعر)

لو نفض الممكن اغبرة الامكان ... لا يبقى سوى واجب

محمول على التّمثيل والتّشبيه لا على التّحقيق والتّقرير فانّه غير واقع قال واحد من الاعزّة (شعر)

سواد الوجه في الدارين صاح ... من المخلوق اصلا لا يزول

(فإن قيل) انّ بقاء احكام الامكان وآثاره ظاهر في مقام “ قاب قوسين ” فانّ قوس الوجوب وقوس الامكان كليهما قائمان فيه وامّا مقام “ او ادنى ” الذى هو بالاصالة مخصوص به صلّى الله عليه وسلّم فما معنى بقاء احكام الامكان فيه (قلت) انّ ما به الامتياز بين الوجوب والامكان هو العدم الذى هو احد طرفى الامكان فانّ الطّرف الآخر من الامكان الذى هو الوجود مشترك بين الوجوب والامكان وفي مقام “ او ادنى ” تشرع احكام تلك العدم في الزّوال فيرتفع الامتياز من بين القوسين لا انّ الامكان يرتفع بالكلّيّة وينقلب وجوبا فانّه محال كما مرّ وانّما الفرق انّ في مقام “ قاب قوسين لا تخلّص من الحجب الظّلمانيّة الّتى هى من آثار العدم وفي مقام ” او ادنى " لو وجدت الحجب فهى نورانيّة وناشئة من طرف الوجود الامكانىّ ويمكن حمل معنى ذلك البيت الذى مرّ على هذا التّوجيه بان يراد من نفض غبار الامكان زوال احكام العدم الّتى هى كدورة بالكلّيّة (فإن قيل) اذا زال طرف العدم عن الامكان وارتفع ما به الامتياز من بين الوجوب والامكان ولم يبق فيه غير الوجود الذى هو طرف آخر من الامكان وقدر مشترك بينه وبين الوجوب فقد انخلع الامكان عن حقيقته وصار ملحقا بالوجوب الذى هو الوجود الصّرف ولزم قلب الحقيقة وكان معنى البيت المذكور اعنى لم يبق فيه شيء غير الواجب محمولا على حقيقته (قلت) انّ الوجود الذى هو احد طرفى الامكان ظلّ الوجود الذى هو ثابت في الوجوب لا عينه وذاك الوجوب الذى حدث في الممكن بسبب زوال طرفه العدم هو وجوب بالغير الذى هو قسم من الممكن لا وجوب بالذّات حتّى يلزم انقلاب الحقيقة وذلك لانّ ارتفاع هذا العدم ما جاء من جهة الممكن حتّى يصير واجبا بالذّات ويلزم المحال بل ارتفاع هذا العدم من الممكن انّما هو لاستيلاء وجود الواجب وقهر الوجوب الذّاتىّ للممكن الذّاتىّ والمتبادر من الوجوب المذكور في المصراع السّابق هو الوجوب الذّاتىّ لا الوجوب بالغير والقول بكون الوجود قدرا مشتركا بين الواجب والممكن فهو من قبيل الاشتراك اللّفظىّ لا المعنوىّ وان قالوا انّه كلّىّ مشكّك فانّه لا شركة لوجود الممكن مع وجود الواجب في الحقيقة اصلا حتّى تتصوّر الكلّيّة والجزئيّة (فإن قيل) فما معنى الفناء والبقاء اللّذين قال بهما الصّوفيّة وجعلوا الولاية عبارة عنهما فانّه اذا لم يتصوّر ارتفاع الصّفات البشريّة كيف يتصوّر الفناء (قلت) انّ الفناء الذى هو معتبر في الولاية باعتبار الشّعور والشّهود فانّه عبارة عن نسيان ما سوى الحقّ سبحانه لا ارتفاع ما سواه غاية ما في الباب انّ صاحب ذلك الفناء ربّما يظنّ في غلبات السّكر عدم الشّعور بالاشياء عدم الاشياء ويتوهّمه ارتفاع ما سواه تعالى ويتسلّى بذلك فاذا ترقّى من ذلك بمحض فضله تعالى

وتشرّف بدولة الصّحو وصار صاحب تميّز يعلم انّ ذلك الفناء كان نسيان الاشياء لا انعدام الاشياء فلو زال بسبب هذا النّسيان شيء فانّما هو التّعلّق بالاشياء الذى كان متمكّنا ومذموما لا نفس الاشياء فانّها قائمة على صرافتها ممتنع نفيها واعدامها

(ع) سياهى از حبشى كى رود كه خود رنكست

فاذا حصل بفضل الله تعالى هذه الرّؤية والتّمييز زال ذلك التّسلّى وقعد مكانه الحزن والغمّ وعدم الاستراحة وتيقّن انّ وجوده مرضىّ لا يكون بسعيه واهتمامه معدوما وعلم انّ نقص الامكان وقصور الحدوث لا زمان له دائما والعجب انّ العارف كلّما يترقّى إلى فوق ويكون عروجاته اكثر يكون رؤية النّقص والقصور فيه ازيد ويكون عديم القرار والرّاحة وتشبه معاملة هذا العارف بقصّة تلميذ رسن تاب حيث قال لاستاذه على وجه التّعجّب كلّما يكون عملى ازيد اقع ابعد ولعلّه من ههنا قال عليه الصّلاة والسّلام كما ورد يا ليت ربّ محمّد لم يخلق محمّدا وقال أيضا صلّى الله عليه وسلّم “ ما اوذى نبىّ مثل ما اوذيت ” ويشبه ان يكون المراد بهذه الاذيّة رؤية النّقص والقصور الموجبة لكمال الحزن والغمّ فانّ سائر الاذيّة يمكن ان يقال انّها كانت في سائر الانبياء اكثر فانّ نوحا عليه السّلام كان بين قومه تسعمائة وخمسين عاما ورأى منهم انواع الاذيّة ونقل انّ قومه رموه حين دعاهم إلى الايمان بالاحجار حتّى سقط مغشيّا عليه من كثرة الاحجار كالامطار فكان مستورا تحت الاحجار فلمّا افاق شرع إلى الدعوة وعامله قومه بالمعاملة السّابقة وهكذا إلى ان يبلغ الكتاب اجله ينبغى ان يعلم انّ رؤية النّقص والقصور هذه ليست هى من البعد بل هى القرب والحضور فانّ الكدورة القليلة في المحلّ النّورانىّ ترى في النّظر كثيرة والكدورة الكثيرة في المحلّ الظّلمانىّ ترى يسيرة وانّما قلت فيما سبق انّ مدار الامر في القرب والمعرفة على الفناء فانّ السّالك ما لم يفن عن نفسه ولم يخرج من الصّفات البشريّة والامكانيّة بالكلّيّة لا يصل إلى المطلوب فانّ اجتماعه مع المطلوب من قبيل اجتماع النّقيضين فانّ ثبوت العدم ضرورىّ في الامكان وفي الوجوب سلبه ضرورىّ وما لم يصل إلى المطلوب ماذا يدرك من كمالات المطلوب لا يدرك الشّيئ إلّا بما يضادّه ويغايره قضيّة مقرّرة عند ارباب المعقول الا ترى انّ الصّبىّ الذى لا يعرف لذّة الجماع اذا وصفت له لذّته ليقال انّه حلو لامر وهو يتوهّم حلاوته كحلاوة النّبات والعسل البتّة فانّه لا حلاوة في وجدانه غيرها وهذه اللّذّة ليست هى لذّته بل هى لذّة مجعولة ومخترعة باختراع وهم ذلك الصّبىّ وفي الحقيقة هى راجعة اليه لا إلى ذاك فالعارف كلّما يحكى من المطلوب من قبل نفسه بلا اعلام منه انّما يكون حاكيا من نفسه واذا مدحه كان مادحا لنفسه قال عارف في هذا المقام يمكن ان يكون ضمير “ بحمده ” في قوله تعالى “ وإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ” راجعا إلى الشّئ يعنى لا يسبّح شيء ولا يقدّس ولا يمدح إلّا نفسه لهذا قال البسطامىّ “ سبحانى ” لاعادة التّسبيح اليه ونعم ما قيل بالفارسيّة المثنويّة اشعار (ع)

اى شده هم در جمال خويشتن ... مى پرستى هم خيال خويشتن

قسم خلقان زان جمال وزان كمال ... هست اكر برهم نهى مشت خيال

كر ز معشوقت خيالى در سرست ... نيست معشوق آن خيال دى كراست

قال صاحب الفصوص والتّجلّى من الذّات لا يكون إلّا بصورة المتجلّى له فالمتجلّى له ما رأى سوى صورته في مرآة الحقّ وما رآى الحقّ ولا يمكن ان يراه وقال بامكان الرّؤية على وجه المتابعة لا على وجه التّحقيق فانّ الرّؤية في الدنيا جائزة وفي الآخرة واقعة ولمّا كان فناء السّالك بالكلّيّة ممتنعا وكان الوصول إلى المطلوب والاتّصال به بدونه ممنوعا ولم تتصوّر المعرفة بدون الوصول لزم العجز عن المعرفة بالضّرورة وصار العجز عن المعرفة عين المعرفة لا يقال انّ العجز عن المعرفة كيف يكون عين المعرفة فانّه نقيضها لانّ العجز عن المعرفة عبارة عن معرفة بانّه لا يعرف قال الصّدّيق الاكبر رضي الله تعالى عنه العجز عن درك الادراك ادراك فسبحان من لم يجعل للخلق اليه سبيلا إلّا بالعجز عن معرفته قال واحد من الاكابر (شعر)

سبحانه من خالق ... اوصافه من كبرياه

القى على تراب عجز فيه عقل انبياه

فاذا كان الانبياء عليهم الصّلاة والسّلام عاجزين في معرفة صفة كبرياءه وقال الملائكة الكرام عليهم السّلام سبحانك ما عرفناك حقّ معرفتك واعترف الصّدّيق رضي الله عنه الذى هو رئيس هذه الامّة الّتى هى خير الامم بالعجز فمن ذا الذى يدّعى المعرفة بعد هؤلاء إلّا ان يظنّ جهله المركّب معرفة ويعتقد غير الحقّ حقّا وهذا العجز عن المعرفة هو نهاية نهايات مراتب العروج ومنتهى غايات مدارج القرب ومن لم يصل إلى النّقطة الاخيرة ولم يطو مراتب التّجلّيات والظّهورات ولم يجد الوصل والاتّصال الذين كان مسرورا بهما مدّة كثيرة عين الانفصال لا يكون مشرّفا بدولة هذا العجز ولا يتخلّص عن الجهل بالله ومعرفة غير الحقّ حقّا (فإن قيل) فعلى هذا ما معنى وجوب معرفة الله تعالى (قلت) معنى وجوب المعرفة هو انّ كلّ ما ورد به الشّرع في معرفة الذّات والصّفات الالهيّة فمعرفته واجبة وكلّ معرفة تستفاد من غير الشّريعة فاطلاق معرفة الحقّ عليها جراءة عند هذا الفقير وحكم على الحقّ جلّ وعلا بالظّنّ والتّخمين اتقولون على الله ما لا تعلمون ولعلّه لذلك قال سراج الامّة وامام الائمّة الامام الاعظم الكوفىّ رضي الله تعالى عنه سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك ولكن عرفناك حقّ معرفتك وان كان هذا القول ثقيلا على الاكثر ولكنّه قابل للتّوجيه الوجيه فانّ حقّ المعرفة ان يعرف الحقّ بجميع ما نطقت به الشّريعة من كمالاته وتنزيهاته وتقديساته تعالى لانّه لم يبق ماوراءه معرفة حتّى تكون مانعة عن المعرفة (فإن قيل) للعوامّ شركة في هذه المعرفة مع الخواصّ بل مساواة فيلزم ان تكون معرفة عوامّ المؤمنين مثل معرفة الانبياء عليهم الصّلاة والتّسليمات فإنّ حقّ المعرفة حصل للكلّ وهذه المسئلة تشبه ما قال الامام الاعظم الايمان لا يزيد ولا ينقص وقالوا هناك انّه يلزم من هذه العبارة ان يكون ايمان عوامّ المؤمنين مثل ايمان الانبياء عليهم السّلام (قلت) انّ حاصل هذه الشّبهة القويّة مبنيّة على دقيقة اهتدى اليها هذا الفقير بمحض الفضل والكرم وهى انّ حقّ المعرفة هو ان يلحق بتلك المعارف الشّرعيّة الحاصلة للعارف العجز عن المعرفة مثلا وردت الشّريعة بثبوت صفة العلم للواجب تعالى وذلك

العلم غير متكيّف وغير متّكم كذاته تعالى وخارج عن حيطة ادراكنا فمن عرف ذلك العلم قياسا على علمه فهو لم يعرفه بل المعرفة هناك مجعول وهمه ومخترع خياله لا معرفة علم الحقّ الذى هو صفته الكاملة ففى هذه الصّورة لم توجد نفس المعرفة فضلا عن حقّ المعرفة فان انجرّت معاملته من القياس والتّخمين إلى العجز ووجد بوجدانه وحاله انّه لا يمكن معرفته وايقن انّه لا نصيب له من ذلك غير الايمان بثبوت تلك الصّفة الكاملة فحينئذ قد حصل له نفس المعرفة وحقّ المعرفة فكان اصل المعرفة هو حقّ المعرفة في الحقيقة وما ليس بحقّ المعرفة ليس باصل المعرفة فلم يكن للعوامّ شركة مع الخواصّ في حقّ المعرفة واين المساواة بعد (فإن قيل) اذا كان حقّ المعرفة نفس المعرفة يلزم ان لا يكون في العوامّ نفس المعرفة لعدم حقّ المعرفة فيهم (قلت) انّ للمعرفة صورة وحقيقة والمعرفة الّتى هى عين حقّ المعرفة هى حقيقة المعرفة المربوطة بالعجز عن المعرفة وصورتها هى ما لم تبلغ حدّ هذا العجز ولم تتخلّص من شائبة المقايسة على صفات الامكان كما مرّ ومن كمال فضله تعالى اعتبر صورة المعرفة في نفس الايمان وجعل النّجاة مربوطة بها كما اعتبر صورة الايمان أيضا وجعل دخول الجنّة مترتّبا عليها وصورة المعرفة كافية في صورة الايمان وامّا حقيقة الايمان فلا بدّ فيها من حقيقة المعرفة فعلم من هذا التّحقيق انّ للايمان أيضا فردين صورة وحقيقة وما هو نصيب العوامّ هو الصّورة وما اعطيه الخواصّ هو الحقيقة فلم يكن ايمان العوامّ مثل ايمان الانبياء عليهم السّلام الذين هم اخصّ الخواصّ فانّ ذاك الايمان غير هذا الايمان لا مماثلة بينهما ولمّا كان العجز عن المعرفة ماخوذا في حقيقة الايمان وكانت المعرفة بانّه لا يعرف موجودة فيها لا جرم يكون الزّيادة والنّقصان مفقودين فيها فانّه لا احتمال لتفاوت درجات المعرفة في سلب المعرفة وتفاوت الدرجات انّما هو في الثبوت فلا يكون في حقيقة الايمان زيادة ولا نقصان والله سبحانه اعلم بحقيقة الحال.

(فإن قيل) يلزم على هذا التّقدير ان تكون علوم الصّوفيّة ومعارفهم الكشفيّة ساقطة عن حيّز الاعتبار وان لا تكون معرفة الحقّ جلّ وعلا مربوطة بها اصلا فانّ حقّ المعرفة حصل بالعلوم الشّرعيّة ولم تبق معرفة حتّى يكتسبها الصّوفيّة بالسّعى والاجتهاد فلم نثبت للصّوفيّة مزيّة على العلماء في معرفة الحقّ جلّ شأنه أصلا (قلت) انّ علوم الصّوفيّة ومعارفهم الكشفيّة معدّات لذلك العجز الذى يتيسّر لمنتهين منهم إلى نهاية النّهاية وهؤلاء الاكابر يتدرّجون في مدارج تلك المعارف الكشفيّة إلى ان يتشرّفوا بدولة الوصول إلى ذلك العجز فتكون معارف هؤلاء الاصفياء معتبرة لكونها وسيلة لحصول حقّ المعرفة وذريعة الوصول إلى تلك الحقيقة.

(فإن قيل) اذا ثبت العجز عن المعرفة وكان الكمال منحصرا في العجز فما معنى اعتبار الصوفيّة ثلاثة مراتب في المعرفة وما يكون المراد بعلم اليقين وعين اليقين وحقّ اليقين (قلت) انّ لهذا الفقير مشاجرة في هذه المسئلة مع القوم وهؤلاء الاكابر اعتبروا هذه المراتب الثلاث بالنّسبة إلى ذاته تعالى واثبتوا علم اليقين وعين اليقين وحقّ اليقين في حضرته جلّ شأنه وفي التّمثيل الذى اوردوه لذلك قالوا للعلم بالنّار الحاصل من الاستدلال بالدّخان “ علم اليقين ” بالنّسبة إلى النّار وقالوا لرؤية النّار عين اليقين وللتّحقّق بالنّار حقّ اليقين وهذا



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!