موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(29) المكتوب التاسع والعشرون صدر إلى الشيخ نظام الدين التانيسرى في الترغيب في أداء الفرائض ورعاية السنن والآداب وعدم المبالات في أداء النافلة في جنب الفرائض والمنع عن أداء العشاء في النصف الأخير من الليل والمنع عن تجويز شرب الماء المستعمل ف

 

 


قد ابتهجت بورود مكتوبكم المرسل إلى هذا المخلص على وجه الكرم، وتشرّفت بمطالعته، فما أعظم نعمة تذكّر الأحرار المأسورين وما أجلّ دولة اهتمام الواصلين بحال المهجورين، والمهجور العاجز لمّا لم يجد نفسه أهلا للوصال اختار الخمولة في زاوية الهجران بالضّرورة وهرب من القرب واطمئنّ بالبعد وسكن إلى الإنفصال عن الإتّصال ولمّا رأى أسرا في اختيار الحرّيّة اختار الأسر بالممنونيّة، (شعر):

چون طمع خواهد ز من سلطان دين ... خاك بر فرق قناعت بعدا زين

(يعني) إذا ما أراد الطّمع منّي مالكي ... لقلت على رأس القناعة أحجار

وبماذا أصدّعكم بأزيد من ذلك بعبارات غير مرتبطة وإشارات غير منتظمة. ثبّتنا الله تعالى وإيّاكم على متابعة سيّد المرسلين عليه وعلى آله من الصّلوات أفضلها ومن التّسليمات أكملها.

(٢٩) المكتوب التّاسع والعشرون صدر إلى الشّيخ نظام الدّين التّانيسرىّ في التّرغيب في أداء الفرائض ورعاية السّنن والآداب وعدم المبالات في أداء النّافلة في جنب الفرائض والمنع عن أداء العشاء في النّصف الأخير من اللّيل والمنع عن تجويز شرب الماء المستعمل في الوضوء والمنع عن تجويز سجدة المريدين يعني لشيخهم أو غيره

عصمنا الله سبحانه وإيّاكم عن التّعصّب والتّعسّف ونجّانا وإيّاكم عن التّلهّف والتّأسّف بحرمة سيّد البشر المنفيّ عنه زيغ البصر عليه وعلى آله من الصّلوات أتمّها ومن التّسليمات أكملها. (واعلم) أنّ مقرّبات الأعمال إمّا فرائض وإمّا نوافل فالنّوافل لا اعتبار لها في جنب الفرائض أصلا، فإنّ أداء فرض من الفرائض في وقت من الأوقات أفضل من أداء النّوافل ألف سنة وإن ادّيت بنيّة خالصة أيّ نفل كان من الصّلاة والصّوم والذّكر والفكر وأمثال ذلك بل أقول: إنّ رعاية سنّة من السّنن وأدب من الآداب حين أداء الفرائض لها ذلك الحكم أيضا (١). نقل أنّ سيّدنا عمر رضي الله عنه صلّى يوما صلاة الصّبح بجماعة ثمّ نظر إلى القوم وتفقّدهم فلم ير فيهم شخصا من أصحابه فقال: ألم يحضر الفلان الجماعة؟ فقيل: إنّه يسهر أكثر اللّيل فيحتمل أن يكون قد غلبه النّوم في هذا الوقت. فقال: «لو نام تمام اللّيل وصلّى صلاة الصّبح مع الجماعة لكان أولى وأفضل» (٢). فرعاية الأولى والإجتناب عن المكروه وإن كان تنزيهيّا أولى من الذّكر والفكر والمراقبة والتّوجّه بمراتب كثيرة فكيف إذا كان المكروه تحريميّا نعم إن جمع هذه الأمور مع هذه الرّعاية والإجتناب فقد فاز فوزا عظيما وبدونه خرط القتاد. فكما أنّ تصدّق دانق مثلا في حساب الزّكاة أفضل من تصدّق مقدار جبال عظام من ذهب بطريق النّفل بمراتب، كذلك رعاية أدب في

__________

(١) يعني رعاية سنة أو أدب وقت أداء الفرائض تزيد وتفضل على أداء النفل بكذا مرة. (محمد مراد القزاني رحمة الله عليه)

(٢) المسئول عنه سليمان ابن أبي حثمة والحديث رواه مالك في الموطأ. (محمد مراد القزاني رحمة الله عليه)

تصدّق ذلك الدّانق كان يعطيه إلى فقير مستحقّ أفضل منه أيضا بمراتب، فتأخير صلاة العشاء إلى النّصف الأخير من اللّيل وجعل ذلك التّأخير وسيلة إلى قيام اللّيل مستنكر جدّا; فإنّ أداء العشاء في ذلك الوقت مكروه عند علماء الحنفيّة رضي الله عنهم والظّاهر أنّهم أرادوا بهذه الكراهة الكراهة التّحريميّة فإنّهم أباحوا أداء العشاء إلى نصف اللّيل وبعد نصف اللّيل قالوا بكراهته والمكروه المقابل للمباح مكروه تحريميّ.

وعند الشّافعيّة لا يجوز في ذلك الوقت أداء العشاء رأسا. فارتكاب هذا الأمر بواسطة قيام اللّيل وحصول الأذواق والجمعيّة في ذلك الوقت مستكره جدّا، ويكفي لهذا الغرض تأخير الوتر أيضا وذلك التّأخير مستحبّ فيؤدّي الوتر في وقت مستحبّ ويتيسّر الغرض من قيام اللّيل والسّهر، فينبغي ترك هذا العمل وقضاء الصّلوات الفائتة فإنّ الإمام الأعظم أبا حنيفة (١) الكوفيّ رضي الله تعالى عنه قضى صلاة أربعين سنة بواسطة ترك أدب من آداب الوضوء. (وأيضا) لا يجوز شرب الماء المستعمل لإزالة الحدث أو بنيّة القربة. فإنّ ذلك الماء نجس مغلّظ عند الإمام الأعظم ومنع الفقهاء من شرب ذلك الماء وكرهوه. نعم قالوا: «إنّ شرب بقيّة الوضوء شفاء “ فإن طلب شخص ذلك بالإعتقاد الصّحيح فأعط من ذلك وقد وقع للفقير مثل هذا الإبتلاء في دهلى في هذه النّوبة بسبب أنّ بعض الأصحاب قد رأى في الواقعة أنّه ينبغي أن يشرب الماء المستعمل في وضوء هذا الفقير وإلّا يلحقه ضرر عظيم، وكلّما دفعته لم ينفع ولم يمتنع، فراجعت الكتب الفقهيّة فوجدت مخلصا من ذلك حيث قالوا: «إنّ المتوضّئ لو لم ينو القربة بعد تثليث الغسل لا يكون الماء مستعملا في المرتبة الرّابعة ” فكنت أعطيه ما أغسل به في المرتبة الرّابعة بلا نيّة القربة ليشربه تجويزا له بهذه الحيلة. (وأيضا) قد نقل رجل معتمد أنّ مريدي بعض خلفائكم يسجدون له ولا يكتفون بتقبيل الأرض. وشناعة هذا الفعل أظهر من الشّمس فامنعوه من ذلك بالتّأكيد، فإنّ الإجتناب. من أمثال هذا الفعل مطلوب من كلّ أحد خصوصا ممّن تصدّى لإقتداء الخلق به فإنّ الإجتناب له من أمثال هذا الفعل من أشدّ الضّروريّات لأنّ المقلّدين يقتدون به في أعماله فيقعون في بلاء وابتلاء وأيضا إنّ علوم هذه الطّائفة علوم الأحوال والأحوال مواريث الأعمال فيكون الميراث من علوم الأحوال لشخص قد صحّح الأعمال وقام بحقّها في كلّ حال. وتصحيح الأعمال إنّما يتيسّر إذا عرف الأعمال وعلم كيفيّة كلّ منها بلا إهمال، وذلك علم أحكام الشّرع من الصّلاة والصّوم وسائر الفرائض، وعلم المعاملات كالنّكاح والطّلاق والمبايعات، وعلم كلّ شيء أوجبه الحقّ سبحانه على المكلّف ودعاه إليه. وهذه العلوم اكتسابيّة لا بدّ من تعلّمها لكلّ أحد والعلم بين المجاهدتين إحداهما في طلبه قبل حصوله، وثانيتهما المجاهدة في

__________

(١) هو الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت التيمي بالولاء الكوفي، إمام المذهب الحنفي، ولد سنة ٨٠ هـ وتوفي سنة ١٥٠ هـ، أراده الخليفة المنصور على القضاء فامتنع ورعا فحبسه الخليفة إلى أن مات، له المسند في الحديث وغيره، وأفردت التصانيف في أخباره وفضائله منها: أخبار أبي حنيفة لابن عقدة، ولابن همام الشيباني، وكذلك للمرزباني، انظر: النجوم الزاهرة (٢/ ١٢)، البداية والنهاية (١٠/ ١٠٧).



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!