موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(30) المكتوب الثلاثون في بيان الشهود الآفاقي والأنفسي وفرق ما بين الشهود الأنفسي والتجلي الصوري وبيان علو شأن مقام العبودية ومطابقة علوم ذلك المقام بالعلوم الشرعية وما يناسب ذلك قال الملا محمد صديق من جملة خدمته المتقدمين: إن ه

 

 


استعماله بعد حصوله فكما أنّه يذكر في مجلسه الشّريف من كتب التّصوّف، كذلك ينبغي أن يذكر فيه من الكتب الفقهيّة. والكتب الفقهيّة بالعبارة الفارسيّة كثيرة مثل مجموعة خانى وعمدة الإسلام والكنز الفارسيّ، بل لا ضرر أصلا إن لم يذكر من كتب التّصوّف فإنّه يتعلّق بالأحوال لا دخل له في القال.

وعدم مذاكرة الكتب الفقهيّة محتمل للضّرر، وزيادة الإطناب موجبة للملال. القليل يدلّ على الكثير.

وبثثت عندك من خفىّ ضمائر ... نبذا وخفت سآمة من كثرة

رزقنا الله سبحانه وإيّاكم كمال متابعة حبيبه صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم.

(٣٠) المكتوب الثّلاثون في بيان الشّهود الآفاقيّ والأنفسيّ وفرق ما بين الشّهود الأنفسيّ والتّجلّي الصّوريّ وبيان علوّ شأن مقام العبوديّة ومطابقة علوم ذلك المقام بالعلوم الشّرعيّة وما يناسب ذلك قال الملّا محمّد صدّيق (١) من جملة خدمته المتقدّمين: إنّ هذا المكتوب أيضا أرسل إلى الشّيخ نظام الدّين التّانيسريّ.

شرّفكم الله بكمال الإتّباع المحمّديّ وزيّنكم بزيّ النّبيّ المصطفويّ عليه وعلى آله من الصّلوات أفضلها ومن التّحيّات أكملها. ما أدري ماذا أكتب فإن تكلّمت من جناب قدس مولاي تعالى وتقدّس يكون كذبا صريحا وافتراء محضا فإنّ جناب كبريائه أجلّ من أن يتكلّم فيه مثلي فإنّ المكتنف بالكيف كيف يقول ويتكلّم ممّن تنزّه عن الكيف وماذا يريد وأيّ شيء يدرك المحدث من القديم، وإلى متى يجري المكانيّ ويعدو في لا مكان مسكين، لا خبر له عمّا في خارج نفسه ولا ممرّ له فيما ورائه، (شعر):

ذره كربس نيك ور بس بديود ... كر چه عمرى تك زند در خود بود

(يعني) ولو سعت ذرّة في عمرها طلبا ... خيرا وشرّا تنل في نفسها اكتمانا

وهذا المعنى أيضا يتيسّر في السّير الأنفسيّ الّذي يتيسّر في نهاية الأمر.

قال الخواجه بهاء الدّين النّقشبند قدّس سرّه: إنّ أهل الله كلّما يرون بعد الفناء والبقاء يرونه في أنفسهم وكلّما يعرفونه يعرفونه في أنفسهم وحيرتهم إنّما تكون في وجودهم: وفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا

__________

(١) الشيخ محمد صديق: ولد سنة ١٠٥٧ هـ، وبرع في تحصيل العلوم على يد ووالده، وخصه الله بالترقي في جميع المقامات العالية، وحج البيت الحرام وحصل له بفضل الله تعالى قبول عظيم في هذه الأماكن المطهرة، فأقام هناك، ثم انقلب إلى أهله مسرورا، وبنى رباطا بمدينة دهلى، وتصدى لهدآية العالمين؛ فقصده الفقراء والأمراء، وازدحم على بابه العلماء والشرفاء، وكان ذا علم وحلم وتواضع وأخلاق حسنة، توفي - رضي الله عنه - سنة ١١٣٠ هـ في دهلى، ونقل إلى سرهند. انظر: السنهوتي: الأنوار القدسية: ٢٠٠.

تُبْصِرُونَ (١) وكلّ سير قبل ذلك داخل في السّير الآفاقيّ الّذي حاصله ممّا لا حاصل فيه وإطلاق لفظ لا حاصل إنّما هو بالنّسبة إلى أصل المطلب وإلّا فهو أيضا من جملة الشّرائط والمعدّات. (ولا يتوهّمنّ) أحد من الشّهود الأنفسيّ أنّه مثل التّجلّي الصّوريّ الّذي في نفس المتجلّى له ولا يتخيّل ذلك حاشا وكلّا فإنّ التّجلّي الصّوريّ داخل في السّير الآفاقيّ بجميع أقسامه وحاصل في مرتبة علم اليقين، والشّهود الأنفسيّ كائن في مرتبة حقّ اليقين الّذي هو نهاية مراتب الكمال. وإطلاق لفظ الشّهود في هذا المقام من ضيق ميدان العبارة، وإلّا فكما أنّ مطلبهم منزّه عن الكيف والكيفيّة، كذلك نسبتهم إلى ذلك المطلب منزّهة عن الكيف والكيفيّة فإنّه لا سبيل للمتكيّف إلى المنزّه عن الكيف قال في المثنويّ، (شعر):

هست رب الناس را با جان ناس ... اتصالى بى تكيف بى قياس

ليك كفتم ناس را نسناس نه ... ناس غير از جان جان اسناس نه

يعني:

إنّ للرّحمن مع أرواح ناس ... اتّصالا دون كيف وقياس

قلت ناسا دون نسناس الفلا ... ليس ناس غير روح في الملا

ومنشأ توهّم اتّحاد الشّهود الأنفسيّ بالتّجلّي الصّوريّ المذكور، هو حصول بقاء شخص في كلا المقامين. فإنّ التّجلّي الصّوريّ ليس بمفن يعني للمتجلّى له وهو وإن رفع قيدا من القيود، ولكنّه لا يوصّل إلى حدّ الفناء ففيه بقيّة من وجود السّالك،

والسّير الأنفسيّ إنّما هو بعد الفناء الأتمّ والبقاء الأكمل، فلا جرم يصعب تفرقة ما بين هذين البقاءين لقلّة المعرفة. فيحكمون بالأتّحاد بالضّرورة، فإن علموا أنّ البقاء الثّاني معبّر عندهم بالبقاء بالله وأنّ ذلك الوجود يقال له الوجود الموهوب الحقّانيّ فعسى أن يتخلّصوا من ذلك التّوهّم.

(ولا يقال) هنا إنّ البقاء بالله عبارة عن وجدان السّالك نفسه عين الحقّ تعالى وتقدّس فإنّ الأمر ليس كذلك. فإن استفيد هذا المعنى من بعض عبارات القوم. أجيب عن ذلك: أنّ هذا البقاء يتيسّر للبعض في مقام الجذبة بعد الإستهلاك والإضمحلال المتشابه بالفناء.

وأكابر النّقشبنديّة يعبّرون عن ذلك بوجود العدم، وهذا قبل حصول الفناء ويتصوّر له الزّوال، بل هو واقع; فإنّه ربّما يؤخذ السّالك عن نفسه ويغيب ثمّ يرجع إلى نفسه أحيانا يعني ترتفع عنه الصّفات البشريّة ثمّ يعطاها ثانيا والبقاء الّذي بعد الفناء الأتمّ مصون عن الزّوال ومحفوظ من الخلل. وفناء أرباب هذا البقاء فناء دائميّ فهم فانون في عين البقاء وباقون في عين الفناء. فإنّ الفناء والبقاء اللّذين يتطرّق

__________

(١) الآية: ٢١ من سورة الذاريات.

إليهما الزّوال من جملة تلوينات الأوقات والأحوال، ولا كذلك فيما نحن بصدد بيانه. قال الخواجه بهاء الدّين النّقشبند قدّس سرّه " إنّ وجود العدم يعود إلى وجود البشريّة وأمّا وجود الفناء فلا يعود إلى وجود البشريّة».

فلا جرم يكون وقتهم دائميّا وحالهم سرمديّا البتّة بل لا وقت لهم ولا حال, شغلهم مع موقّت الأوقات ومعاملتهم مع محوّل الأحوال، فصار قبول الزّوال مخصوصا بالوقت والحال ومن تخلّص عن الوقت والحال فقد صار ما يعرض له محفوظا من الزّوال ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ والله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١).

(ولا يزعم) الزّاعم: أنّ إطلاقهم دوام الوقت، وقولهم به إنّما هو باعتبار بقاء أثر ذلك الوقت ودوامه من التّعيّن وغيره. فإنّ الأمر ليس كذلك، بل الدّوام لنفس الوقت والإستمرار لعين الحال

إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (٢).

بل نقول: إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ (٣).

(قد طال) الكلام، فلنرجع إلى أصل المرام ونقول: إذا لم يكن في فضاء قدسه تعالى مجال للكلام فلنتكلّم في مقام عبوديّتنا وذلّنا وانكسارنا. إنّ المقصود من الخلقة الإنسانيّة إنّما هو أداء وظائف العبوديّة.

ومن أعطى العشق والمحبّة في الوسط والإبتداء فالمقصود منه قطع التّعلّق من غير جناب قدسه جلّ شأنه.

وليس العشق والمحبّة من المقاصد بل هو لحصول مقام العبوديّة فإنّ السّالك إنّما يكون عبد الله تعالى إذا تخلّص عن أسر غيره تعالى وعبوديّته بالتّمام، وليس فائدة العشق سوى أن يكون وسيلة الإنقطاع عن غيره سبحانه; ولهذا كانت نهاية مراتب الولاية مقام العبديّة، وليس في درجات الولاية مقام فوق مقام العبديّة ولا يجد السّالك في هذا المقام مناسبة بينه وبين مولاه تعالى إلّا الإحتياج من جانبه والإستغناء الأتمّ ذاتا وصفة من جانب المولى تعالى وتقدّس لا انّه يجد ذاته مناسبا لذاته وصفاته لصفاته وأفعاله لأفعاله عزّ سلطانه ولو بوجه من الوجوه حتّى انّه يتنزّه ويتبرّأ عن إطلاق الظّلّيّة لكونها من جملة المناسبات، بل يعتقد أنّه سبحانه خالقه وهو مخلوق له تعالى ولا يجترئ بغير ذلك بشيء. والتّوحيد الفعليّ الّذي يظهر لجمع في أثناء الطّريق بأن لا يجدوا فاعلا غير الحقّ سبحانه يقول هؤلاء الأكابر ويعتقدون أنّ خالق هذه الأفعال واحد لا أنّ مباشرها واحد، فإنّ هذا الكلام يكاد يوصل قائله إلى الزّندقة.

__________

(١) الآية: ٢١ من سورة الحديد، والآية: ٤ من سورة الجمعة.

(٢) الآية: ٣٦ من سورة يونس.

(٣) الآية: ١٢ من سورة الحجرات.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!