موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(32) المكتوب الثاني والثلاثون أرسل إلى المرزا حسام الدين أحمد في بيان الكمال المخصوص بالأصحاب الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وأنه قد تشرف به قليل من الأولياء وما يناسب ذلك

 

 


(وجواب) آخر لدفع شبهة الكذب: انّ لأفراد العالم اشتراكا مع بعضهم في بعض الأمور وامتيازا في بعض آخر، وهكذا اشتراك الممكن مع الواجب تعالى وتقدّس في بعض الأمور العرفيّة يعني في مجرّد الإسم والصّورة وإن كانا ممتازين بالذّات امتيازا كلّيّا، فربّما يختفي ما به الإمتياز عن نظر السّالك على تقدير غلبة المحبّة عليه، ويظهر ما به الإشتراك لنظره فعلى هذه الصّورة لو حكموا بعينيّة أحدهما بالآخر لكان مطابقا للواقع، فلا يبقى مجال للكذب أصلا. فينبغي أن يقيس الإحاطة الذّاتيّة ونظائرها على ذلك والسّلام.

(٣٢) المكتوب الثّاني والثّلاثون أرسل إلى المرزا حسام الدّين أحمد في بيان الكمال المخصوص بالأصحاب الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وأنّه قد تشرّف به قليل من الأولياء وما يناسب ذلك

قد ورد مكتوبكم المرسل على وجه الإلتفات. لله سبحانه الحمد والمنّة على ما لم يصر المهجورون منسيّين بل ذكروا مع المذكورين ولو استطراديّا (ع) دعونا نسلّي بالأمانيّ قلوبنا *

قد اندرج في كتابكم الشّكاية من فقدان نسبة حضرة شيخنا عليه الرّحمة الخاصّة به وعدم وجدانها والإستفسار عن سببه. أيّها المخدوم: إنّ شرح أمثال هذه الكلمات بطريق التّحرير بل بالتّقرير غير مناسب فإنّه لا يدرى ماذا يحصل في فهم إنسان، وماذا يأخذ منه بل اللّازم الحضور بشرط حسن الظّنّ أو طول الصّحبة على أيّ نهج كان وبدونه خرط القتاد، (شعر):

أريد صفو ليال مع ضيا قمر ... حتّى أحدّث أنواع الحكايات

ولكن بحكم: لكلّ سؤال جواب أظهر هذا القدر أنّ لكلّ مقام علوما ومعارف على حدة وأحوالا ومواجيد متمايزة ففي مقام يناسب الذّكر والتّوجّه وفي مقام يناسب تلاوة القرآن والصّلاة ومقام مخصوص بالجذبة ومقام بالسّلوك ومقام ممتزج بهاتين الدّولتين ومقام خال عن جهتي الجذبة والسّلوك بحيث لا مساس له بالجذبة ولا تعلّق له بالسّلوك وهذا المقام عال جدّا وأصحاب النّبيّ عليه وعلى آله وعليهم من الصّلوات أفضلها ومن التّسليمات أكملها ممتازون بهذا المقام ومشرّفون بهذه الدّولة العظمى من بين الأنام ولصاحب هذا المقام امتياز تامّ عن أرباب المقامات الأخر والمشابهة بين أرباب هذا المقام قليلة بخلاف أرباب مقامات أخر فإنّ لهم مشابهة بعضهم ببعض ولو بوجه دون وجه وهذه النّسبة تظهر بعد الصّحابة رضوان الله عليهم أجمعين في المهديّ عليه السّلام على الوجه الأتمّ إن شاء الله تعالى وقلّ من أخبر عن هذا المقام من مشائخ الطّبقات فكيف التّكلّم من علومه ومعارفه ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ

يَشاءُ والله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١) غاية ما في الباب أنّ هذه النّسبة العزيزة الوجود كانت تظهر في الصّحابة في أوّل القدم، ثمّ تبلغ مرتبة الكمال بمرور الزّمان، وأمّا غير الصّحابة فإن أريد تشريفه بهذه الدّولة وترتّبه على قدم نسبة الصّحابة إنّما يستسعد بها بعد قطع منازل الجذبة ومراتب السّلوك وطيّ علوم هذين المقامين ومعارفهما. وظهور هذه النّسبة الشّريفة في الإبتداء كان مخصوصا ببركة صحبة سيّد البشر عليه وعلى آله الصّلوات والتّحيّات والبركات والتّسليمات ولكن يمكن أن يتشرّف بهذه البركة بعض متابعيه صلّى الله عليه وسلّم فتكون صحبته أيضا سببا لظهور هذه النّسبة العليّة في الإبتداء يعني في ابتداء الحال قبل قطع منازل الجذبة والسّلوك، (شعر):

لو كان من فيض روح القدس من مدد ... لغير عيسى ليصنع مثل ما صنعا

وفي هذا الوقت يتحقّق في هذه النّسبة اندراج النّهاية في البداية أيضا كما هو متحقّق في صورة تقدّم الجذبة على السّلوك ولا مساعدة للزّيادة على هذا، (شعر):

ومن بعد هذا ما يدقّ بيانه ... وما كتمه أحظى لديّ وأجمل

(فإن وقعت) الملاقاة بعد ذلك وأحسّت مظنّة حسن الإستماع من جانب المستمعين، ترد نبذة من هذا المقام في معرض الظّهور إن شاء الله تعالى وهو سبحانه الموفّق.

(وقد حرّرتم) كلمات في حقّ بعض الأصحاب فالفقير قد عفوت زلّاتهم يغفر الله لهم وهو أرحم الرّاحمين. ولكن ينبغي نصيحة الأصحاب لئلّا يكونوا في مقام الإيذاء في الحضور والغيبة ولا يغيّروا أوضاعهم: إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وإِذا أَرادَ الله بِقَوْمٍ سُوْءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (٢). وكتبتم في حقّ الشّيخ الهداد خصوصا لا مضايقة في حقّ الفقير أصلا، ولكنّ النّدامة على تغيّر الوضع لازمة للمشار إليه: «النّدم توبة والإستشفاع فرع النّدامة» (٣). والفقير على كلّ حال في مقام العفو والتّجاوز من قبل نفسه وجانبه، وأمّا الجانب الآخر فهو أعلم بذلك وما يلزم فيما هنالك. (وأيضا) ينبغي لكم أن تتصوّروا سرهند منزل أنفسكم فإنّ علاقة المحبّة ونسبة أخوّة الطّريقة ليست ممّا ينقطع بسبب أمور عارضيّة. وماذا أزيد على ذلك. ونخصّ المخاديم وسائر أهل البيت بالدّعاء وبعد تسويد هذه الرّقيمة وقع في الخاطر أن أكتب في باب زلّات الإخوان والعفو عنهم كلاما أوضح من الأوّل فإنّ في الإجمال إبهاما. وماذا يفهم منه.

__________

(١) الآية: ٢١ من سورة الحديد، والآية: ٤ من سورة الجمعة.

(٢) الآية: ١١ من سورة الرعد.

(٣) أخرجه البخارى في التاريخ وابن ماجه والحاكم عن ابن مسعود رضه وكذا أخرجه الحاكم والبيهقي في الشعب عن أنس رضه قال المناوى أنه حديث صحيح وقال الحافظ ابن حجر في الفتح أنه حسن سند (محمد مراد القزاني رحمة الله عليه).

(فاعلم) أيّها المخدوم: انّ العفو إنّما يتصوّر ويطلب على تقدير اعتراف هؤلاء الجماعة بسوء تلك الأوضاع والنّدامة على فعلها، وإلّا فلا مساغ للعفو. وكتبتم أيضا أنّ حضرة شيخنا فوّض هذا المقام إلى الشّيخ الهداد بشهادة هؤلاء الجماعة، وهذا الكلام يستدعي بيانا. فإن كان التّفويض بمعنى أنّه يخدم الفقراء والواردين والصّادرين ويكون مستخبرا عمّا يحتاجون إليه من الأكل والشّرب، فذلك مسلّم لا نزاع فيه لأحد. وإن كان بمعنى أنّه يربّي جماعة من الطّالبين ويجلس في مقام المشيخة فممنوع. فإنّ حضرة شيخنا قال للفقير في آخر ملاقاتنا: ما تقول في الشّيخ الهداد لو علّم بعض الطّالبين المشغوليّة من جانبنا وبلّغ أحوال بعضهم إلينا فإنّه لا طاقة لي الآن بإحضارهم وتعليم المشغوليّة والسّؤال عن أحوالهم. فكان الفقير متوقّفا في هذا الباب أيضا، ولكن لمّا اقتضت الضّرورة ذلك جوّزت هذا القدر فيما هنالك، ولا شكّ في أنّ هذا القسم من التّبليغ من جنس السّفارة المحضة خصوصا إذا كانت مبنيّة على الضّرورة، والضّرورة تقدّر بقدرها، فتكون تلك السّفارة مخصوصة بزمن حياة شيخنا ويكون تعليم المشغوليّة للطّالبين وسؤال أحوالهم بعد ارتحاله داخلا في الخيانة. (وكتبتم) أيضا: أنّ نسبة حضرة شيخنا تكون باقية البتّة يعني لا تقبل الزّيادة والنّقصان بمرور الدّهور والأزمان. (اعلم) أيّها المخدوم أنّ تكميل الصّناعة إنّما يكون بتلاحق الأفكار. ألا ترى أنّ علم النّحو الّذي وضعه سيبويه (١) زادته أفكار المتأخّرين عشرة أمثالها.

فإنّ بقاء الشّيء على صرافته عين النّقص. فإنّ النّسبة الّتي كانت لخواجه النّقشبند ما كانت في زمن الخواجه عبد الخالق الغجدوانىّ قدّس سرّهما وعلى هذا القياس يعني «سائر الأحوال " وعلى الخصوص كان حضرة شيخنا في صدد تكميل هذه النّسبة وكان غير قائل بتماميّتها فإن وفته حياته زادها بإرادة الله تعالى إلى ما شاء الله سبحانه. فالسّعي في عدم زيادتها ليس بمناسب وهذا الفقير ما يدري على أيّ وجه يكون بقاؤها فإنّ لك نسبة على حدة لا مساس لها بنسبة الآخرين، وكان هذا الكلام مشخّصا يعني معيّنا في حضوره مكرّرا، والشّيخ الهداد المسكين من أين يعرف أنّ النّسبة ما هي وإنّما له نحو من حضور القلب. ومعلوم للآخرين أنّ الحالة ما هي، ومن قيّم تلك النّسبة ومربّيها أخبروني عنه حتّى أكون ممدّا ومعاونا له. ولا ينبغي اعتبار الواقعة والإعتماد عليها فإنّها خياليّة غير صادقة. والشّيطان عدوّ قويّ والأمن من تسويلاته متعسّر إلّا لمن عصمه الله تعالى. (وكتبتم) أيضا في حقّ سلب النّسبة المكتسبة فاعلم أيّها

__________

(١) أبو بشر (أو أبو الحسن) عمرو بن عثمان بن قنبر: (على وزن منبر)، لقب بسيبويه (رائحة التفاح) لاحمرار في وجنتيه وقيل لأن أمه كانت ترقصه بذلك، ولد في البيضاء قرب شيراز ونشأ بالبصرة، رغب أولا في تعلم الحديث والفقه إلى أن لحقه التأنيب من شيخه حماد بن سلمة للحنه في حديث فلزم الخليل وغيره، تلمذ للخليل ويونس بن حبيب وعيسى بن عمر وغيرهم، كان سيبويه إمام النحاة وأشهر علماء العربية قاطبة، أول من بسط علم النحو وألف “ الكتاب ” أقدم مصنف جمع مسائل النحو العربي كافة، لم يزد المتأخرون على كتابه شيئا ذا بال، وزعم السيوطي أنه سمى كتابه «قرآن النحو»، توفي سنة ١٨٠ هـ على الراجح. انظر: مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي: ٦٥، طبقات الزبيدي: ٦٦، أخبار النحويين البصريين: ٤٨٥٠، إنباه الرواة: ٢/ ٣٤٦، شذرات الذهب: ١/ ٢٥٢، النجوم الزاهرة: ٢/ ٩٩، المزهر: ٢/ ٤٠٥، برو كلمان: ٢/ ١٣٤، معجم المؤلفين: ٢/ ٥٨٤، الأعلام: ٥/ ٨١، سيبويه إمام النحاة لعلي النجدي ناصف: ٦٤ وما بعدها، نشأة النحو: ٤٧، المدارس النحوية: ٥٧٩٣.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!