موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(65) المكتوب الخامس والستون إلى الخان الأعظم في التأسف والتلهف على ضعف الإسلام وعجز المسلمين والتحريض على تقوية أهل الإسلام والإغراء على إجراء أحكام الدين

 

 


والرّوح من مرضها تزعم ألمها لذّة وتظنّ لذّتها ألما ومثلها مثل الصّفراويّ حيث يجد الحلو بواسطة علّة الصّفراء مرّا، فالفكر في إزالة هذا المرض لازم للعقلاء حتّى يغشاهم الفرح والسّرور في الآلام والمصائب الجسمانيّتين

(شعر):

من أجل هذا العيش والمعيشة ... لا بدّ من شقّ المرائر يا فتى

فإن لوحظ ملاحظة جيّدة لتبيّن أنّه لو لم يكن الألم والمصيبة والمرض في الدّنيا لما تساوى بشعيرة فإنّ الوقائع والحوادث هي الّتي تزيل ظلمتها، ومرارة الحوادث مثل مرارة الدّواء النّافع المزيل للمرض.

وكان محسوسا للفقير أنّ كثيرا من النّاس يهيّئون الطّعام لدعوة عامّة ولا يقدرون أن يصحّحوا النّيّة وأن يخلّصوها عن شائبة الرّياء والسّمعة، فيشرع في ذلك الأثناء طائفة من الحاضرين في ذلك المجمع والآكلين من ذلك الطّعام في ذمّ صاحب الطّعام ومنقصته ومنقصة طعامه، فيحصل لصاحب الطّعام انكسار القلب من هذه الجهة، وبهذا الإنكسار ترتفع ظلمة الطّعام الّتي طرأت عليه من عدم خلوص النّيّة، ويقع في معرض القبول.

فإن لم يكن شكوى هؤلاء الجماعة وذمّهم ولم يحصل لصاحب الطّعام انكسار القلب بسببه لكان الطّعام مملوءا بالظّلمة والكدورة، فكيف المساغ لإحتمال القبول في هذه الصّورة. فكان مدار الأمر إذا على الإنكسار والعجز والإفتقار. والأمر مشكل على أمثالنا أرباب التّربية وطالبي العيش الحسن والتّنعّم وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنْسَ إِلّا لِيَعْبُدُونِ (١) نصّ قاطع.

والعبادة عبارة عن التّذلّل والإنكسار فالمقصود من خلق الإنسان هو التّذلّل خصوصا المسلمين والمتدّينين، فإنّ الدّنيا سجنهم وطلب العيش الحسن في السّجن بعيد من طور العقل، فلا بدّ إذا للإنسان من تحمّل المشقّة والمحنة، ولا مندوحة له في ذلك التّحمّل.

أكرمنا الله سبحانه بالإستقامة على هذا المعنى بحرمة جدّكم الأمجد عليه وعلى آله من الصّلوات أتمّها ومن التّحيّات أيمنها.

(٦٥) المكتوب الخامس والسّتّون إلى الخان الأعظم في التّأسّف والتّلهّف على ضعف الإسلام وعجز المسلمين والتّحريض على تقوية أهل الإسلام والإغراء على إجراء أحكام الدّين

__________

(١) الآية: ٥٦ من سورة الذاريات.

أيّدكم الله سبحانه ونصركم على أعداء الإسلام في إعلاء الأحكام قال المخبر الصّادق عليه وعلى آله من الصّلوات أفضلها ومن التّسليمات أكملها (١): «الاسلام بدأ غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء " وقد بلغت غربة الإسلام حدّا يطعن الكفّار في الإسلام بين ملء ويذمّون المسلمين ويجرون أحكام الكفر بلا تحاش ويمدحون أهله في الأزقّة والأسواق والمسلمون عاجزون ممنوعون من إجراء أحكام الإسلام ومطعون فيهم في إتيان أحكام الشّرائع عند هؤلاء الكفرة اللّئام،

(شعر):

مليح عديم المثل مرميّ وضدّه ... يقبّل منه الخدّ والعين والفم

سبحان الله وبحمده وقد قيل: الشّرع تحت السّيف وجعل رونق الشّرع الشّريف مربوطا بالملوك والسّلاطين، والآن قد انعكست القضيّة وانقلبت المعاملة في هذا الزّمان وا حسرتا وا ندامتا وا وايلتا.

ونحن اليوم نعدّ وجودكم الشّريف مغتنما ولا ندري من المبارز في هذه المعركة الضّعيفة المنكسرة غيركم، والله سبحانه يكون مؤيّدكم وناصركم بحرمة النّبيّ وآله الأمجاد عليه وعليهم الصّلوات والتّسليمات والتّحيّات والبركات. وقد ورد في الخبر (٢) “ لن يؤمن أحدكم حتّى يقال إنّه مجنون ” وهذا الجنون الّذي مبناه على فرط غيرة الإسلام محسوس في شيمتكم في ذلك الوقت والحمد لله على ذلك.

وهذا اليوم يوم يقبل فيه عمل قليل بالإعتبار التّامّ على أجر جزيل ولا يعلم وقوع عمل من أصحاب الكهف سوى هجرتهم وفرارهم من الكفّار، مع هذا الإعتبار فيهم والإشتهار ألا ترى أنّ العساكر إذا صدرت عنهم خدمة يسيرة وإقدام قليل وقت غلبة الأعداء ينالون بها اعتبارات كثيرة وإنعامات جزيلة، بخلاف وقت الأمن وسكون الأعداء. وهذا الجهاد القوليّ الّذي تيسّر لكم اليوم ينبغي أن تغتنمه وتقول هل من مزيد معتقدا أنّ هذا الجهاد القوليّ أفضل من جهاد القتل، وأمثالنا العاجزون المقعدون مقطوعو اليدين والرّجلين محرومون من هذه الدّولة، (شعر): هنيئا لأرباب النّعيم نعيمها ... وللعاشق المسكين ما

يتجرّع

(آخر) وأبديت من كنز المرام علامة ... وأرجوك أن تحظى به ان تحاول

قال حضرة الخواجه عبيد الله أحرار قدّس الله سرّه: ولو كنت في مقام المشيخة والإرشاد لما وجد شيخ من شيوخ العالم مريدا ولكن أمرت يعني من عالم الغيب بأمر آخر وهو ترويج الشّريعة وتأييد الملّة

__________

(١) (قوله الإسلام) الحديث رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وابن ماجه عن ابن مسعود وأنس رضي الله عنه والطبرانى عن سلمان وسهل بن سعد وابن عباس رضي الله عنهم اهـ سند. (القزاني رحمة الله عليه)

(٢) قالوا لم يوجد بهذا اللفظ ولكن معناه صحيح وقد ورد اكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون ولا يقال له مجنون الا لمخالفته سائر الناس ولا يخالفهم الا لكمال ايمانه فصح ان كمال الايمان منشأ لهذا القول وقد ورد أيضا خيار امتى احدؤهم الحديث وهذا الكلام يكثر وقوعه في هذا الكتاب وقد نقل معناه في ١٦٤ المكتوب وفسر المجنون فراجعه فان فيه شعاء منه.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!