موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


226. - الخلافة – خليفة

في اللغة:

“ الخاء واللام والفاء أصول ثلاثة:

أحدهما ان يجيء شيء بعد شيء يقوم مقامه ،

والثاني خلاف قدّام ،

والثالث التغيّر.

فالأول الخلف، والخلف: ما جاء بعد ويقولون: هو خلف صدق. ..

وخلف سوء. .. فإن لم يذكروا صدقا ولا سوءا قالوا للجيّد خلف وللردىّ خلف ،

قال اللّه تعالى :” فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ “[ 19 59/].

.. . الخلافة، وانما سميت خلافة لان الثاني يجيء بعد الأول قائما مقامه “ ( معجم مقاييس اللغة مادة “ خلف “ ).

في القرآن:

ورد الأصل “ خلف “ في القرآن بالوجوه الثلاثة اللغوية السابقة:

( ) خلاف قدّام ،

قال تعالى: ” لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ “[ 41 / 42 ].

( ب ) التعاقب ،

قال تعالى: ” إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ “[3 / 190 ].

( ج ) التغير.

قال تعالى: ” وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً “[ 4 / 82 ].

( د ) مشيرا إلى مرتبة الحكم والتصرف في الأرض [ التي هي بالأصالة للحق وبالاستخلاف للانسان ]: وهي للانسان عامة وللأنبياء خاصة.

قال تعالى: ” ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ “[ 10 / 14 ].

قال تعالى: ” وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً “1 [ 2 / 30 ].

عند الشيخ ابن العربي:

* نظر الشيخ ابن العربي إلى الخلافة على أنها “ نيابة “ مجردة عن شخص النائب والمنوب عنه، فكل متصرف بالنيابة عن آخر فهو: خليفة المنوب عنه فيما ملّكه التصرف فيه. وبذلك تتعدد اشخاص الخلائف بتعدد فعل الاستخلاف.

أولا: الخليفة هو: اللّه.

يقول الشيخ ابن العربي:

“ يقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في دعائه ربه في سفره: أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، فما جعله خليفة في أهله الا عند فقدهم إياه، فينوب اللّه عن كل شيء اي يقوم فيهم مقام ذلك الشيء بهويته. .. “ ( ف 4 / 148 ).

“. .. كما أن الخليفة [ - الانسان ] قد استخلف من استخلفه [ - الحق ] في ماله وجميع أحواله، لما اتخذه وكيلا فاستخلاف العبد ربه لما اتخذه وكيلا: خلافة مطلقة. .. واستخلاف الرب عبده خلافة مقيدة، بحسب ما تعطيه ذاته ونشأته. .. “ ( ف 3 / 299 ).

ثانيا: الخلفاء هم افراد النوع الانساني: وهم اما خلفاء عن اللّه [ - رسل، أنبياء. .. ] أو يخلفون الرسل ويخلف بعضهم بعض [ أولياء ].

“ ( 1 ) ان الخلافة مدرجة في جميع النوع الانساني، كما نبه عليه سبحانه

في قوله تعالى: ” وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ “[ 57 / 7 ]. ..

فهذا النوع [ الانساني ] مستخلف من قبل الحق بقدر وسعه: فأدناهم المستخلف على نفسه، وأكملهم المستخلف على العالم باسره “ ( بلغة الغواص ق ق 23 - 24 ).

“ ( 2 ) وللّه في الأرض خلائف عن اللّه، وهم الرسل. واما الخلافة اليوم فعن الرسل لا عن اللّه، فإنهم ما يحكمون الا بما شرع لهم الرسول لا يخرجون عن ذلك 2. .. “ ( فصوص 1 / 162 ).

لقد خصّ الشيخ ابن العربي “ الخلافة عن اللّه “ بكلية اهتمامه، فنراه يوضح شروط استحقاقها ويبين ماهيتها واشكال ظهورها في المستخلف.

أولا - شروط استحقاق الخلافة عن اللّه [ شرطان - الصورتان، الخلافة ]:

بعد ما خلق اللّه العالم، قال للملائكة :” إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً “[ 2 / 30 ] وتلك الخلافة رتبة لا يستحقها الا من خلق على الصورتين: الإلهية والكونية اي من جمع في ذاته جميع حقائق، الحق والعالم. وهو: الانسان الكامل 3.

يقول الشيخ ابن العربي:

“ وانما كانت الخلافة لآدم عليه السلام 4 دون غيره من أجناس العالم لكون اللّه تعالى خلقه على صورته “ ( ف 1 / 263 ).

“ فلا يكون خليفة الا من له الأسماء الإلهية بطريق الاستحقاق 5 اي هو على تركيب خاص يقبلها، إذ ما كل تركيب يقبلها “ ( ف 2 / 441 ).

“ فلما أراد اللّه كمال هذه النشأة الانسانية جمع لها بين يديه وأعطاه جميع حقائق العالم وتجلى لها في الأسماء كلها. فحازت الصورة الإلهية والصورة الكونية. ..

فلما كان له [ الانسان ] هذا الاسم الجامع قابل الحضرتين [ الإلهية والكونية ] بذاته 6 فعمت له الخلافة وتدبير العالم. .. “ ( ف 2 / 468 ).

“ الانسان الحيوان خليفة الانسان الكامل وهو الصورة الظاهرة التي به جمع حقائق العالم، والانسان الكامل هو الذي أضاف إلى جمعية حقائق العالم حقائق الحق التي بها صحت له الخلافة “ ( ف 3 / 437 ).

ثانيا - ماهية الخلافة عن اللّه:

ان الخلافة عن اللّه بلغة الشيخ ابن العربي هي ظهور الانسان الكامل [ الذي استحقها بالشرطين المتقدمين ] في العالم بالأسماء والصفات الإلهية - وهو مقام قرب النوافل الذي يتحقق فيه العبد ان الحق سمعه وبصره وكل قواه ( انظر “ قرب نوافل “ ).

يقول الشيخ ابن العربي:

“ ( 1 ) فالخليفة لا بد ان يظهر فيما استخلف عليه بصورة مستخلفه وال فليس بخليفة له فيهم، فأعطاه: الامر والنهي، وسماه بالخليفة “ ( ف1 / 263 ).

“ ان الانسان هو العين المقصودة للّه من العالم، وانه الخليفة حقا وانه محل ظهور الأسماء الإلهية، وهو الجامع لحقائق العالم كله. .. “ ( ف1 / 125 ).

“ فهو [ الانسان ] عبد اللّه ورب بالنسبة للعالم ولذلك جعله خليفة وأبناءه خلفاء. .. “ ( نقش الفصوص ص 2 ).

“ ( 2 ) ولا يكون نائبا عنه تعالى حتى يكون من استخلفه واستنابه سمعه وبصره وجميع قواه، ومتى لم يكن بهذه الصفة فما هو نائب ولا خليفة. .. “ ( ف 3 / 280 ).

“. .. قيل لأبي يزيد حين خلع [ الحق ] عليه خلع النيابة. .. اخرج إلى خلقي بصفتي فمن رآك رآني. .. “ ( ف 1 / 167 ).

ثالثا - اشكال ظهور “ الخلافة عن اللّه، في الانسان [ ستة اشكال ].

ان للخلافة اشكالا في ظهورها في الانسان، هذه الاشكال هي بلمحة مميزة مضمون الخلافة.

وهي: الولاية، النبوة، الرسالة، الإمامة، الامر، الملك 7.

يقول الشيخ ابن العربي:

“ ان معنى الانسانية هو الخلافة عن اللّه 8، وان الخلافة عن اللّه مرتبة تشمل:

الولاية والنبوة والرسالة والإمامة والامر والملك.

فالكمال الانساني بكمال هذه المراتب وهو مركوز في الانسان بالقوة منذ آدم إلى آخر مولود. .. “ ( بلغة الغواص ق 54 ).

وسنتوقف قليلا عند كل شكل منها، لبيان وجه اتحاده بالخلافة وتميزه عنها.

( ) الولاية:

ان الخلافة عن اللّه تظهر في “ الرسالة “، وبعد انقطاعها تظهر في “ الولاية “ 9 فالخليفة هو من الأولياء افرد عنهم لمرتبة القطبية 10 والخلافة.

يقول الشيخ ابن العربي:

“. .. الخليفة الحق الذي هو القطب القائم بوراثة النبوة 11. .. “ ( بلغة الغواص ق 60 ).

“. .. مات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وما نص بخلافة عنه إلى أحد.

ولا عينه لعلمه ان في أمته من يأخذ الخلافة عن ربه، فيكون خليفة عن اللّه مع الموافقة في الحكم

المشروع. .. “ ( فصوص 1 / 163 ).

اما وجه اختلاف الخليفة عن الولي، ان الأول عليه يقع التصرف فيم استخلف عليه [ - مظهر ربوبية ] مما يضطره إلى الالتفات إلى الخلق [ - مقام فرق ].

يقول الشيخ ابن العربي:

“. .. وكل نعت يرى فيهم فيه رائحة ربوبية فهو أدب الخلافة لا أدب الولاية.

فالوليّ: ينصر ولا ينتصر، والخليفة ينتصر وينصر، والزمان لا يخلو من منازع، والولي لا يسامح 12 فان سامح فليس بولي. .. والخليفة هو للّه في وقت وللعالم في وقت: فوقتا يرجّح جناب الحق غيرة، ووقتا يرجّح جناب العالم فيستغفر لهم مع ما وقع منهم مما يغار له الوليّ. .. فالخليفة تختلف عليه الأحوال، والوليّ ل تختلف عليه الحال. فالولي لا يتهم أصلا والخليفة قد يتهم لاختلاف الحال عليه. .. “ ( ف 4 / 60 ).

( ب ) النبوة:

ان النبوة عند الشيخ ابن العربي نبوتان: نبوة تشريع، ونبوة عامة. الأولى تقترب من “ الرسالة “ من حيثية التشريع المنزل. والثانية هي الولاية لأنه لا تنقطع بانقطاع التشريع. [ انظر “ نبوة تشريع “ “ نبوة عامة “ ].

الخلافة = الولاية اذن الخلافة = النبوة العامة

[ انظر الفقرة السابقة ]

الخلافة = الرسالة اذن الخلافة = نبوة التشريع

[ انظر الفقرة التالية ]

ويجب الا نستنتج ان النبوة العامة هي نبوة التشريع نظرا لأنهما يساويان الخلافة ،

بل الأحرى ان ننبه إلى أن الشيخ الأكبر نظر إلى الخلافة نظرتين:

خلافة عامة [ نبوة عامة ]

وخلافة تشريع [ نبوة تشريع ] 13.

( ج ) الرسالة:

ان الخلافة من عند اللّه هي الرسالة من ناحية، وبانختامها تبقى “ الخلافة عن خليفة من عند اللّه “ - وهي من ناحية ثانية تتجاوز الرسالة في مضمونه السلبي [ تبليغ ]، إلى مضمون حيّ يقتضي القتال بالسيف في سبيل حمايتها.

فالخلافة: رسالة حية فعالة تحمل في كيانها حتمية فرضها.

يقول الشيخ الأكبر:

“ ( 1 ) فرسل اللّه الذين هم خلفاؤه أطهر الناس محلا فهم المعصومون 14. .. “ ( ف 4 / 279 ).

“ والرسل خلفاء اللّه في الأرض. .. “ ( كتاب التراجم ص 19 ).

“. .. وما زالت التوقيعات الإلهية 15 تنزل من اللّه على خلفائه. .. مدة إقامة ذلك الخليفة المنزل عليه وهو الرسول إلى حين موته...

فإذا مات واستخلف من شاء بوحي من اللّه له في ذلك أو ترك الأمر شورى بين أصحابه. ..

إلى أن يبعث اللّه من عنده رسولا فيقيم فيهم خليفة آخر الا إذا كان خاتم الخلفاء 16، فان اللّه يقيم نوابا عنه فيكونون خلفاء الخليفة من عند اللّه، لا انهم في منزلة الرسل خلفاء من عند اللّه. .. “ ( ف 4 / 27 ).

( 2 ) “ وقوله” فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً “[ 26 / 21 ] يريد الخلافة :” وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ “[ 26 / 21 ] يريد الرسالة: فما كل رسول خليفة. فالخليفة صاحب السيف والعزل والولاية. والرسول ليس كذلك: انما عليه بلاغ م أرسل به:

فان قاتل عليه وحماه بالسيف فذلك الخليفة الرسول. فكما انه ما كل نبي رسول، كذلك ما كل رسول خليفة - اي ما اعطى الملك ولا التحكم فيه “ ( فصوص 1 / 207 ).

( د ) الإمامة:

الخلافة هي الإمامة من حيث إنها تقتضي تقدم الخليفة على كل ما استخلف عليه، وظهوره بجميع صفات من استخلفه. - وهي تختلف عن الإمامة من حيث إن مفهوم الاستخلاف نفسه يحمل في طياته عدم الاصالة. فالمستخلف مستعار في رتبة هي بالأصالة لغيره. ام الامام فقد يكون في إمامته على وجه الاستحقاق والاصالة 17.

يقول الشيخ ابن العربي:

“( 1 ) ان سبب المنازعة. .. أمران: الاستخلاف الذي هو الإمامة.

والخلق على الصورة، فلا بد للخليفة من أن يظهر بكل صورة يظهر بها من استخلفه، فلا بد من إحاطة الخليفة بجميع الأسماء والصفات الإلهية التي

يطلبها العالم. .. فكل نائب في العالم، فله الظهور بجميع الأسماء. .. “ ( ف 4 / 3 ).

“ ان الحق انزل نفسه في خلقه منزلتهم، وجعل مجلاه الاتمّ في الخليفة الامام، ثم قال: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فعمت الإمامة جميع الخلق. .. ويتصرف [ كل امام ] بقدر ما ملكه اللّه من التصرف فيه. .. “ ( ف 3 / 476 ).

“. .. الخليفة وهو الرسول وأولو الامر منا “ ( ف 4 / 122 ).

” ( 2 ) إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً “[ 2 / 30 ]. .. جعلناه خليفة ولم تذكره بالإمامة، لان الخليفة يطلب بحكم هذا الاسم عليه من استخلفه فيعلم انه مقهور محكوم عليه، فما سماه الا بما له فيه تذكرة لأنه مفطور على النسيان والسهو والغفلة فيذكره اسم الخليفة بمن استخلفه، فلو جعله اماما. .. ربما اشتغل بإمامته عمن جعله اماما. .. لان الإمامة ليست لها قوة التذكير في الخلافة. فقال في الجماعة الكمّل جعلكم” خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ “[ 35 / 39 ] فوقع هذا في مسموعهم فتصرفوا في العالم بحكم الخلافة “ ( ف 3 / 410 ).

( هـ ) الامر:

الخلافة تقتضي الظهور بصفات المستخلف فيما استخلف عليه. اذن الخليفة يعطي التصرف في المستخلف عليه فيكون له وحده: الامر.

يقول الشيخ الأكبر:

“ فإذا اعطى [ الانسان ] التحكم في العالم فهي الخلافة، فان شاء تحكم وظهر كعبد القادر الجيلي، وان شاء سلم وترك التصرف لربه. .. الا ان يقترن به أمر الهي كداوود عليه السلام. .. “ ( ف 2 / 308 ) .( و ) الملك:

الخلافة مرتبة تحوز الملك الظاهر والباطن، فإذا تقاصر الخليفة الحق اي “ المستخلف من اللّه “ عن الظهور بها في الخلق احتجب بشخص “ خليفة الظاهر “ وأمدّه بالحكم والتصرف.

يقول الشيخ ابن العربي:

“ قال صلى اللّه عليه وسلم: الخلافة بعدى ثلاثون سنة ثم تصير ملكا 18.

فإنه لما ضعف الخليفة الحق 19 الذي هو القطب القائم بوراثة النبوة عن الظهور بها ( انظر “ ورث “ )، احتجب بالملك 20 الذي هو الخليفة ظاهرا، واطلق عليه اسمه 21 لبقاء صلاح العالم به، والخليفة الذي هو القطب ناظرا اليه وقايم به وممدّ له بحسب قبوله واستعداده. .. “ ( بلغة الغواص ورقة 60 - 61 ).

“ ومنهم [ الأقطاب. انظر “ قطب “ ] من يكون ظاهر الحكم ويحوز الخلافة الظاهرة كما حاز الخلافة الباطنة من جهة المقام كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي. .. ومنهم من له الخلافة الباطنة خاصة ولا حكم له في الظاهر كأحمد بن هارون الرشيد السبتي وكأبي يزيد البسطامي، وأكثر الأقطاب لاحكم لهم في الظاهر. .. “ ( ف 2 / 6 ).

يستعمل الشيخ ابن العربي لفظ خليفة بمقاصد مختلفة متباينة دون ان يشير إلى تباينها أو يوضح مقصده، الا اننا نستطيع ان ننبه إلى الأمور التالية:

أولا - لفظ “ خليفة “ نكرة دون تعريف يقصد به اي انسان استخلف على شيء، وهنا تتسع الخلافة وتضيق بالنسبة إلى استحقاق الخليفة من الظهور بحقائق الحق والعالم. فكل انسان خليفة 22.

يقول الشيخ الأكبر:

“. .. إذا كان العبد نائبا وخليفة عن الحق أو خليفة عن عبد مثله، فل بد من أن يخلع عليه من استخلفه من صفاته ما تطلبه مرتبة الخلافة. ..

والخلافة: صغرى وكبرى.

فاكبرها التي لا أكبر منها: الإمامة الكبرى على العالم، وأصغرها خلافته على نفسه،

وما بينهما: ينطلق عليها صغرى بالنسبة إلى ما فوقها وهي بعينها كبرى بالنظر إلى ما تحتها. .. “ ( ف 3/408 ).

ثانيا - كلمة “ خليفة “ معرفة تؤدي إلى أحد امرين، اما ان الخليفة هو الانسان الكامل، القطب صاحب الوقت.

وهنا يتعدد بتعدد الأزمنة. واما انه الخليفة الواحد يظهر في كل زمان بصورة صاحب الوقت أو القطب 23.

يقول الشيخ ابن العربي:

“ فعلموا [ الملائكة ]. .. انه [ آدم ] خليفة عن اللّه في ارضه ل خليفة عن سلف. ثم ما زال يتلقاها كامل عن كامل حتى انتهت إلى السيد الأكبر المشهود له بالكمال محمد صلّى اللّه عليه وسلم. .. فكان. .. أعظم خليفة وأكبر امام. .. “ ( ف 3 / 400 ).

“ فالانسان الكامل الظاهر بالصورة الإلهية لم يعطه اللّه هذا الكمال الا ليكون بدلا من الحق. ولهذا سماه خليفة 24، وما بعده من أمثاله خلفاء له فالأول وحده هو خليفة الحق، وما ظهر عنه من أمثاله في عالم الأجسام فهم خلفاء هذا الخليفة وبدل منه في كل امر يصح ان يكون له. .. “ ( ف 3 / 280 ).

..........................................................................................

( 1 ) انظر شرح الآية. أنوار التنزيل البيضاوي ج 1 ص 20.

( 2 ) يستثمر الشيخ ابن العربي كل لفظ تستأثر به فلسفته، وها هو يقسم الخلافة: إلى خلافة عن اللّه وخلافة عن الرسل بعد انقطاع الرسالة، وهذا التقسيم يذكرنا بموقفه من النبوة عامة، فالنبوة يقسمها إلى نبوة تشريع وهي كالخلافة عن اللّه، ونبوة عامة تبقى بعد ختم نبوة التشريع وهي كالخلافة عن الرسل. انظر “ نبوة التشريع “ “ نبوة عامة “.

( 3 ) يقول الشيخ ابن العربي: “ والانسان انقسم قسمين: قسم لم يقبل الكمال. .. وقسم قبل الكمال فظهرت فيه لاستعداده الحضرة الإلهية بكمالها وجميع أسمائها فأقام هذا القسم خليفة وكساه حلة الحيرة “ ( ف 2 / 307 ).

( 4 ) للشيخ ابن العربي نظرة خاصة في هبوط آدم إلى الأرض عقب معصيته. يقول:

“. .. قال [ الحق ] له [ آدم ]: اهبط هبوط ولاية واستخلاف لا هبوط طرد، فهو هبوط مكان لا هبوط رتبة .هبوط مكان لا هبوط مكانة * لتلقى به فوزا وملك مخلدافأن إبليس قال له: هل ادلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى، فسمع ذلك الخطاب من ربه تعالى [ انظر “ خطاب الهي “ ] فكان صدقا لحسن ظنه بربه. .. وأورثه الاكل الخلد والملك الذي يبلى. .. “ ( ف 2 / 141 ).

( 5 ) يميز الشيخ ابن العربي بين استحقاق المرتبة واستحقاق الذات مثلا: العلم هو ذاتي للّه، ومرتبة للانسان، وما يميز المرتبة انها قابلة للعزل والانسلاخ عن حاملها.

يقول: “ ولهذا سماه خليفة 2 / 30، 38 / 26 وخلفاء 7 / 69، 74 - 27 / 62 لأنها توليه ونيابة

فما هم فيها بحكم الاستحقاق اعني استحقاق الدوام لكن لهم استحقاق قبول النيابة والخلافة فهم في الرتبة مستعارون وهي للّه ذاتية. .. “ ( ف 4 / 135 ).

( 6 ) اي ان الحق اعطى النشأة الانسانية من ناحية جميع حقائق العالم ومن ناحية ثانية تجلى لها بأسمائه كلها. فصحت لها بذلك جمعية الصورتين الحقيقة والخليفة وكانت برزخا ( انظر “ برزخ “ ) له طاقة مقابلة الوجهين بذاته.

( 7 ) كثيرا ما يرتكب قارىء الشيخ ابن العربي خطأ ظن كل شكل من هذه الاشكال الستة هو فقط مضمونها فيؤكد ان الخلافة هي الإمامة، أو انها النبوة ولذلك ننبه إلى اشكال ظهورها في الانسان فلا نحصرها في وجه دون آخر، ولا نؤخذ بنص للشيخ ابن العربي يشدد على أحد الاشكال لنستخلص انه الوجه الأوحد.

( 8 ) يقول الشيخ ابن العربي:

“ ان أعلى المراتب الانسانية خلافة اللّه عز وجل، وأعلى مراتب خلافة اللّه عز وجل الرسالة، وأعلى مراتب الرسالة مرتبة أولى العزم من الرسل وهم الذي بعثوا بالسيف، وأعلى مراتبهم اجمعها دعوة وهي الرسالة المحمدية. .. “ ( بلغة الغواص ق 49 ).

( 9 ) انظر “ ولاية “

( 10 ) انظر “ قطب “

( 11 ) ان القطب هو وارث للنبوة العامة، لا نبوة التشريع. انظر “ النبوة العامة “.

( 12 ) هذا لا يعني بان الولي وضيع الاخلاق لا تدنو رحابة صدره من اعتاب العفو، كلا ! ان الولي متسامح كريم الاخلاق يتغاضى عن حق نفسه، ولكنه غيور فيما خص الحق تعالى اي انه لا يسامح في الحق.

( 13 ) انظر فصوص الحكم ج 2 ص ص 222 - 223 ( خلافة التشريع - لخلافة العامة وختميهما ) ص ص 306 - 307 ( الموضوع نفسه ).

( 14 ) راجع “ عصمة “

( 15 ) انظر “ توقيع الهي “

( 16 ) ان خاتم الخلفاء هنا هو: خاتم الأنبياء المرسلين.

( 17 ) راجع “ امام “

( 18 ) انظر فهرس الأحاديث حديث رقم ( 22 ).

( 19 ) اي الخليفة الباطن صاحب العلامة.

( 20 ) في بدء عهد الخلافة، في زمن أبي بكر وعمر. .. كان الخليفة الظاهر اي أمير المؤمنين هو نفسه الخليفة الباطن اي القطب. ولكن بعد انقضاء عهد الخلفاء الراشدين ضعف الخليفة الباطن عن الظهور بصورة خلافته، فانقسمت الخلافة إلى باطنة وظاهرة. الباطنة: مرتبة ولاية. والظاهرة: مرتبة سياسية. واتخذ الخليفة الباطن خليفة الظاهر حجابا يمده بالتصرف والحكم.

يراجع في هذا البحث: - امام

[الخليفة الباطن - الامام الباطن ]

[الخليفة الظاهر - الامام الظاهر ]

( 21 ) اي ان اسم الخليفة هو بالأصالة للخليفة الحق اي القطب لأنه المشار اليه في الآية :” إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً “[ 2 /30 ] ولكن عند احتجابه بشخص الملك يعطيه اسمه فيدعى:

“ خليفة “.

( 22 ) راجع “ انسان خليفة “ في مقابل “ انسان حيوان “.

( 23 ) انظر “ انسان كامل “ “ قطب “ “ صاحب الوقت “.

( 24 ) يراجع بخصوص خليفة عند الشيخ ابن العربي:

- الفتوحات ج 1 ص 36، ص 57 ،

- الفتوحات ج 2 ص 68، 201، 208، 227، 243، 453، ( حضرة الخلافة - الأرض ).

- الفتوحات ج 3 ص 89 ( الصورة والخلافة )، 143 ( هبوط آدم للخلافة ) ص 164 ( خلافة الانسان في الأرض فقط )، ص 268 ( الخلافة والأسماء الإلهية ) ص 330 ( خلافة اللّه )، 382 ( هبوط آدم للخلافة )، ص 399، 417 ( الخلافة والنيابة )، 469، 475 ( الخلافة - الحكم + التصرف )، 503 ( الخلافة ليست إرثا )، 505 ( الخلافة - النيابة عن الحق ).

- الفتوحات ج 4 ص 26 - 45 ( الخلافة والصورة )، 48 ( الخليفة ظاهر والذي استخلفه باطن )، 56 ( الخلافة والصورة )، 80، 132، 146، 268 - 269 ( الخليفة - حضرة الخلافة )، 278، 330 ( الخلافة ضيافة ) 447.

- الفصوص المقدمة ص 13 ،

- الفصوص ج 1 ص 161 - 162 [ خلافة حكم ( داود ) - خلافة استخلاف ( آدم ) ] ص 163 ( خليفة اللّه - خليفة رسول اللّه ) - ص 164 - 165 (الخلافة الظاهرة والخلافة المعنوية ).

- الفصوص ج 2 ص 39، 208، 222 - 223، 306 - 307 ( الخليفة الحقيقي )

- بلغة الغواص ق 65، ق 125 - 126 ( سر الخلافة هو الكون )

- كتاب التجليات ص 30 ( التوحيد يجمع والخلافة تفرق )

- كتاب الاسرا ص 5 - 6، ص 68 - 69 ،

- روح القدس ص 131 ( الأرض - حضرة الخلافة ومنزل الخليفة ).


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!